الشركات الناشئة: دعم حكومي كبير وتمويل دون المستوى المطلوب

  • 2020-01-05
  • 12:08

الشركات الناشئة: دعم حكومي كبير وتمويل دون المستوى المطلوب

  • رانيا غانم

"الشركات الناشئة".. عبارة باتت تتردد كثيراً في السنوات الأخيرة بعد أن حجزت مكانتها في السوق كشركات تنشأ في معظمها على فكرة مبتكرة لتكبر وتتحول إلى كيانات تقدّر قيمتها بمليارات الدولارات. غير أن هذه الأفكار ما كانت لتتبلور في كيانات ضخمة لولا الدعم الحكومي غير المسبوق، بالإضافة إلى تراجع أعمال الشركات الكبيرة التي صارت تفضّل البحث عن مصادر استثمارية جديدة في قطاعات متنوعة. لكن هذا الازدهار لا يعني أن النجاح قد يكون حليف هذه الشركات على الدوام إذ أن هناك شركات قد تتعثر فتنسحب من السوق بأسرع مما دخلت.

في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ازدهرت الشركات الناشئة كشكل جديد من أشكال التنمية الاقتصادية، في ظل سعي حكومات المنطقة خصوصاً في السعودية ومصر إلى خلق بيئة استثمارية ملائمة ووضع الأطر التنظيمية لقطاع الشركات الناشئة وأطر التمويل والتعليم بهدف تحفيز روّاد الأعمال على المبادرة. فما هو واقع هذه الشركات وكيف تنشأ وما هي الطرق التي يجري العمل بها لدعم هذه الشركات وتطويرها؟

الشركات الناشئة بالأرقام

 تبدي شركات رأس المال الجريء رغبة متزايدة في تمويل الشركات الناشئة، إذ ارتفعت قيمة التمويل بنسبة الثلث في الربع الثالث مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، فيما ارتفع عدد الشركات المسرعة الجديدة التي تهدف إلى مساعدة ودعم الشركات الناشئة في مراحل التأسيس المبكرة، فقد وصل متوسط حجم الصفقات إلى أعلى مستوى له على الإطلاق بقيمة 2,5 مليون دولار، وذلك بحسب تقرير صادر عن Magnitt حول تمويل المشاريع الناشئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ويوضح المؤسس والرئيس التنفيذي في شركة Middle East Venture Partners (MEVP) وليد حنا أن النمو في هذا القطاع يعود إلى الدعم المالي الكبير وغير المسبوق الذي تقدمه الحكومات في بلدان الخليج للمستثمرين في الشركات الناشئة، مشيراً إلى أن تراجع النمو في أرباح الشركات والنمو السلبي أحياناً يحث القطاع الخاص على الاستثمار في الشركات الناشئة وتحديداً في مجال التكنولوجيا والإنترنت نظراً للنمو المدهش الذي تشهده تلك القطاعات، بدلاً من استثماراتهم التقليدية في الاتصالات والصناعة والسياحة والطاقة.

 

إجمالي عدد الصفقات وقيمة التمويل منذ بداية العام

 الربع الثالث من 2019 الربع الثالث من 2018 نسبة التغير
إجمالي التمويل 517 مليون دولار 398 مليون دولار 30 بالمئة
عدد الصفقات 354 صفقة 343 صفقة ثلاثة بالمئة
عدد المستثمرين في الشركات الناشئة 163 مستثمراً 159 مستثمراً 2،5 بالمئة
المصدر: Magnitt

 

وبالنسبة إلى حصص الدول من هذه الشركات، فلا تزال الإمارات تحصد الحصة الأكبر من إجمالي التمويل بنسبة تبلغ 62 بالمئة بارتفاع يقدر بنحو 21 بالمئة حتى الربع الثالث من 2019 بالمقارنة مع الفترة ذاتها من العام الفائت، محافظة على مكانتها كأكبر متلقٍّ للتمويل وذلك بحسب تقرير MAGNIT نفسه الذي يشير إلى بيئات ناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تستقطب بوتيرة متصاعدة عدداً من الصفقات مثل مصر والسعودية وتونس. إذ احتلت مصر المركز الأول من حيث عدد الصفقات بنسبة بلغت 27 بالمئة.

ويلفت حنا النظر إلى أن مؤسسة التمويل الدولية والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعمان صناديق رأس المال الجريء في مصر. ويضيف: "تبقى قيمة التمويل المقدم لمصر أقل بكثير منه في الإمارات والسعودية، نظراً إلى أن دعم الحكومة المصرية لا يزال خجولاً". أما البحرين فقد بدأت أخيراً إيلاء قطاع الشركات الناشئة أهمية أكبر، فأسست في بداية العام الماضي صندوق الصناديق الواحة بقيمة تبلغ 100 مليون دولار والذي يضم شركات عدة لرأس المال الجريء بهدف تمويل الشركات الناشئة.

في السعودية، تشهد منظومة الشركات الناشئة نمواً متسارعاً يتبلور في زيادة عدد الصفقات المبرمة وقيم التمويل وعدد المستثمرين. وقد ازداد عدد الصفقات الاستثمارية بنسبة 44 بالمئة في النصف الأول من العام الحالي مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، وفق تقرير Magnitt. تزامن ذلك مع ارتفاع عدد الشركات الناشئة ودخولها في برامج مسرعات الأعمال وتلقيها الاستثمارات من شركات تمويلية. ويشير حنا إلى أن تأسيس الشركة السعودية للاستثمار الجريء وصندوق الاستثمارات العامة في السعودية لدعم الشركات الناشئة ساهم في نمو القطاع، موضحاً أن هذه الجهات تقدم لكل دولار يستثمر في الشركات الناشئة 1،8 دولاراً. وارتفع إجمالي التمويل بنسبة 82 بالمئة في تلك الفترة، ومن المتوقع أن تستمر هذه الوتيرة التصاعدية، إذ تتوقع دراسة حديثة أعدتها شركة الاتصالات السعودية للاستثمار الجريء تضاعف حجم رؤوس الأموال المستثمرة عشرة أضعاف لتلامس 500 مليون دولار في العام 2025. وتلاحظ الدراسة أن هذا النمو المتوقع سيؤدي إلى ضخ استثمارات تقدر بنحو ملياري دولار حتى العام 2025. تلفت أيضاً إلى أن 350 مليون دولار من إجمالي تلك الاستثمارات تستهدف المشاريع في مراحلها المبكرة، والباقي في الجولات التمويلية الأولى والثانية.

وعن الصفقات فقد شهد هذا العام عدداً من الصفقات الكبيرة، إذ سجلت شركة Maxab المصرية أكبر جولة تمويل في المنطقة حيث نجحت بجمع مبلغ 6,2 مليون دولار. وحصلت منصة RAIN لتحويل العملات المشفرة على تمويل أولي بقيمة 2,5 مليون دولار، لتسجل أكبر جولة تمويل تقوم بها شركة بحرينية ناشئة. ونجحت شركة Ecomz اللبنانية الناشئة بالحصول على جولة تمويلية أولى بقيمة أربعة ملايين دولار، وشركة temtem الجزائرية على أربعة ملايين دولار وشركة Zid السعودية على مليونين دولار. وتعتبر Beco Capital و500 Startups وVision Ventures من أبرز شركات رأس المال الجريء الممولة للشركات الناشئة.

وشهد هذا العام الصفقة العملاقة التي تضمنت استحواذ شركة Uber المتخصصة بتقديم خدمات التوصيل من خلال تطبيقات الهواتف الذكية على منافستها الناشئة شركة Careem بقيمة 3،1 مليار دولار. وطُرحت أيضاً شركة فوري المصرية وشركة Network International الإماراتية للاكتتاب العام. أثمرت عمليات التخارج بحسب تقرير Magnitt فوائد عديدة منها التأثيرات الإيجابية الخارجية للعاملين في هذ الشركات الممولة، فقد حصل موظفو سابقون في Careem مثلاً على تمويل يسمح لهم بالاستثمار في شركات ناشئة جديدة، وكذلك موظفين في شركات مثل Trella وMaxab وSwvl. وإن دلت قصص النجاح هذه على شيء فإنما تدل على الفرص المثمرة للاستثمار الجريء.

وفي أفريقيا، تعدّ شركة Jumia، الشركة الناشئة العاملة في مجال التجارة الإلكترونية في أفريقيا مثالاً على الشركات الناشئة التي أثبتت نجاحها. يقول ساشا بويغنونيك، مؤسس Jumia إن القارة الأفريقية تعدّ بيئة استثمارية جاذبة لرواد الأعمال وفيها الكثير من الفرص. ويتوقع أن تتحسن بيئة الأعمال وتتمكن الشركات الناشئة من تأمين التمويل اللازم لمشاريعهم، لا سيما بعد أن أثبتت بعض الشركات مثل Jumia نجاحها وقدرتها على النمو والتوسع.  فقد تمكنت Jumia خلال سنوات قليلة أن تنمو لتلاقي طلب المستهلكين، وأن تتوسع إلى أسواق عدة داخل أفريقيا، وتسعى حالياً لتطوير خدماتها وتنويعها". لكن تبقى العقبة الأكبر لرواد الأعمال مسألة التمويل، وفقاً لبويغنونيك، فضلاً عن عوائق أخرى تتمثل في مرحلة خروج الشركة الناشئة من الحاضنة والمسرعة، حيث تواجه مشكلة تحقيق الأرباح. يقول: "قد تبدو شركة ناشئة في كثير من الأحيان واعدة، لكنها في الواقع تفشل وتعجز عن تحقيق الأرباح". 

 

انتقاء الأفضل لتمويله

في كل عام يقدّم الآلاف من روّاد الأعمال مشاريعهم إلى الحاضنات والمسرعات، لكنّ قلة قليلة جداً منهم تنجح في الحصول على تمويل من شركات رأس المال الجريء. وتساعد المسرعات رواد الأعمال على تطوير الفكرة ليصبح المشروع تجارياً، وتقدم له في غالب الأحيان تمويلاً صغيراً فضلاً عن التدريب والمعرفة. ويقول المؤسس والرئيس التنفيذي في شركة Middle East Venture Partners (MEVP) وليد حنا إن "واحدة من أصل 10 شركات ناشئة فقط تنجح وتستمر، نظراً للمنافسة الكبيرة في السوق". ويوضح أنه من أصل ألف شركة تتقدم بمشروعها إلى MEVP يستثمر في خمس شركات فقط.

وفي خصوص جني ثمار الفكرة، يشير حنا إلى أن الشركات الناشئة تحتاج إلى سنتين على الأقل لتبدأ في تحقيق عائدات مالية، وإلى نحو سبع سنوات لتحقيق الأرباح، مرجعاً سبب تأخر الشركات في تحقيق الأرباح إلى تركيز رواد الأعمال على توسيع وتكبير أعمالهم والحصول على حصة أكبر في السوق بدلاً من جني الأرباح. وعن القطاعات التي تستحوذ على النسبة الأكبر من الصفقات، يقول حنا إن قطاع التكنولوجيا المالية يحظى بالنسبة الأكبر منها، وإن الشركات الناشئة العاملة في قطاع الانترنت والتكنولوجيا مثل التجارة الالكترونية والتكنولوجيا المالية واللوجستية تنمو بسرعة هائلة مع نمو يصل في بعض الأحيان إلى 15 في المئة شهرياً.

وبحسب حنا فإنه ثمة عناصر عدة تأخذ في الاعتبار عند اختيار الشركة الناشئة التي ستمول، أبرزها سرعة نمو الشركة وحصتها في السوق. ويضيف: "إذا كانت الشركة تخسر، فهذا لا يعني أنها شركة غير ناجحة". ويعطي مثالاً على موقع نعناع ماركت، الشركة التي تؤمن خدمة شراء وتوصيل المنتجات من المحال التجارية إلى المنزل، لافتاً الانتباه إلى أن هذا الموقع استحوذ على حصة كبيرة من السوق وتبلغ مبيعاته 150 ألف دولار يومياً، وبالرغم من ذلك تسجل خسائر. ويتابع حنا: "هذا الموقع قد يشكل خطراً على مراكز تجارية عملاقة بعد عام، وقد يتهافت المستثمرون لشرائه، وهذا دليل على نجاح الشركة". ويعزو حنا السبب وراء الخسائر الجسيمة التي تتكبدها الشركات الناشئة إلى النفقات التسويقية الكبيرة المترتبة عليها، ويقول: "النمو يتطلب الكثير من الاستثمارات".

من جهته، يوضح كريم فرَّا، المدير في منارة كابيتال أن شركات رأس المال الجريء تستثمر في خمسة بالمئة فقط من الشركات الناشئة التي تتقدم للحصول على تمويل، وذلك في إطار جولات عدة ووفقاً لثلاث مراحل، أ و ب و ج.

وتتراوح نسبة الاستثمارات في الجولة (أ) بين مليون إلى عشرة ملايين دولار، وفي الجولة (ب) بين خمسة إلى 30 مليون دولار، وفي الجولة (ج) بين 30 ومئة مليون دولار. وبالنسبة إلى منارة كابيتال فهي تستثمر في جميع المراحل والجولات. ويشير فرَّا إلى أن الشركة تتخذ قرارتها الاستثمارية بعد دراسة وتحليل معطيات عدة، أبزرها أفكار روّاد الأعمال وإمكانية نجاح المشروع والفرص المتاحة".

 

 

أكبر خمسة قطاعات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
من حيث قيمة التمويل منذ بداية العام

القطاعالنسبة المئوية من إجمالي التمويلالنسبة المئوية من التغيير
(عام 2019 مقاربة بالفترة ذاتها من 2018)
العقارات19 بالمئة19 بالمئة
التجارة الإلكترونية17 بالمئة-11 بالمئة
التوصيل والنقل16 بالمئة10 بالمئة
الطاقة المتجددة13 بالمئة11 بالمئة
التكنولوجيا المالية6 بالمئة-4 بالمئة
المصدر: Magnitt

أكبر خمسة قطاعات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
من حيث عدد الصفقات منذ بداية العام

القطاعالنسبة المئوية من إجمالي عدد الصفقاتالنسبة المئوية من التغيير
(عام 2019 مقاربة بالفترة ذاتها من 2018)
التكنولوجيا المالية14 بالمئة3 بالمئة
التجارة الإلكترونية10 بالمئة-2 بالمئة
التوصيل والنقل8 بالمئة1 بالمئة
الطعام والشراب7 بالمئة1 بالمئة
حلول تكنولوجيا المعلومات6 بالمئةصفر المئة
المصدر: Magnitt

 

عوائد مغرية وعوائق في الاكتتاب


في مقابل التمويل، يسعى بعض المستثمرين إلى التخارج الكلي أو الجزئي من الشركات الناشئة، إذ سُجل عشرين عملية تخارج منذ بداية العام الحالي إلى اليوم. سبب هذا التخارج بحسب حنا، يرَّد إلى تحقيق شركات رأس المال الجريء أرباحاً جيدة من تلك العمليات، فالجولات التمويلية تساهم حتماً في توسيع الشركة وتزيد من قيمتها بنسبة لا تقل عن عشرة بالمئة. يضيف أن "خروج شركات رأس المال الجريء منها ضروري من أجل إعادة أموال المستثمرين".
لكن على الرغم من هذه النجاحات، فإنه لا يزال ثمة عوائق كبيرة تتسبب بعزوف الشركات الناشئة عن طرح أسهمها في الأسواق المالية. أهمها بحسب فرَّا أن رأس مال غالبية الشركات الناشئة لا يزال محدوداً وغير مشجع لطرح الأسهم في السوق. ويضيف: "لا تزال خبرة رواد الأعمال في المنطقة ضئيلة في مجال إدارة طرح الأسهم واكتتابها، لا سيما أن عملية الاكتتاب بحاجة إلى معايير ومتطلبات عدة". ويشرح أنه ثمة غياب لتملك الموظفين لأسهم في الشركة لقاء الخدمات التي يقدمونها. ويوضح فرّا أن "هذا من شأنه أن يحسن من إنتاجية الموظفين وعليه أداء الشركة. تشكل القوانين التجارية في السعودية والإمارات أحياناً عائقاً أمام نمو الشركات الناشئة المملوكة من الأجانب وتصعب عملية إدراج الشركات الناشئة في البورصات المحلية، بحسب ربيع خوري، رئيس عمليات التخارج في MEVP الذي يقول: "حدثت كل من السعودية والإمارات قوانينها التجارية منذ عامين، لكنها لم تزل شرط وجود شريك محلي يمتلك نسبة مئوية من أسهمها، الأمر الذي يرجح عزوف مالكي الشركات الناشئة الأجنبية عن دخول السوق المالية". يضيف: "ما يفاقم الأمر سوءاً هو أن شركات رأس المال الجريء لا تذهب إلى سوق الاكتتاب العام".
ويرجح ألا تعكس الأسواق المالية في بلدان الخليج الاقتصاد الحقيقي بعد الآن لأن شركات التكنولوجيا سريعة النمو لن تتمكن من الاكتتاب العام. لكن ثمة إمكانية أمام الشركات المملوكة من أجانب الاكتتاب في البورصات العالمية، لا سيما الشركات التكنولوجية والتي تطمح في غالب الأحيان إلى العالمية.