المطاعم اللبنانية تتطلع إلى الأسواق الخليجية للخروج من الأزمة

  • 2020-07-24
  • 22:54

المطاعم اللبنانية تتطلع إلى الأسواق الخليجية للخروج من الأزمة

"أوّلاً- الاقتصاد والأعمال" ينظم حلقة نقاشية حول القطاع: الدولار السياحي أحد الحلول

  • رانيا غانم

يعاني قطاع المطاعم في لبنان منذ أكثر من عام من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمرّ بها البلاد، والتي تتمثل بتراجع القدرة الشرائية لدى المستهلكين بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار وارتفاع معدلات البطالة، وجاءت أخيراً جائحة كورونا لتزيد الطين بلة لما تسببت به خلال فترة التعبئة العامة من إغلاق تام للمؤسسات، وغياب السياح حتى بعد عودة الحياة تدريجياً إلى طبيعتها.

ما هو واقع الحركة في المطاعم، وكيف ستتخطى الأزمة الاقتصادية والحلول المقترحة، أسئلة طرحت خلال جلسة نقاشية عبر الويب نظّمها "أولاً-الاقتصاد والأعمال"، وأجمع المتحدثون على أن القيمين على القطاع يخوضون حرباً ضروساً، لن ينجو منها سوى قلة إذا ما استمر الوضع على حاله، وأكدوا تراجعاً غير مسبوق في الإيرادات السياحية من 9 مليارات دولار في 2017، إلى عائدات لا تتخطى المئتي مليون دولار في 2020. 

 

إقرأ:

المؤسسات السياحية في لبنان تتجه إلى الإقفال الكامل... هل من مغيث؟

 


إغلاقات بالجملة

 

أدى الانكماش الاقتصادي الحاصل منذ بداية العام 2018 إلى إغلاق أكثر من ألفي مطعم على الأقل في المناطق السياحية في بيروت الكبرى والمتن وكسروان والبترون، وفق المؤسس والرئيس التنفيذي في Amber Consulting، شركة الاستشارات المتخصصة في قطاع الضيافة، وقال: "على الرغم من كل تلك الانهيارات والإغلاقات، إلا أن القطاع لم يصل إلى القعر بعد، وفي حال استمر الوضع على حاله، لن يكون هناك أكثر من ألف مطعم حتى بداية العام 2021"، وعزا نادر السبب إلى الفائض في المعروض من المطاعم المتشابهة، نتيجة غياب التنظيم والتخطيط والتوجيه من قبل وزارة السياحة، حيث شهدت مناطق جغرافية واحدة افتتاح أكثر من خمسة مطاعم تقدم الأصناف والمأكولات ذاتها، ولفت النظر إلى أن المطاعم القادرة على خفض تكاليفها التشغيلية والتأقلم مع الأوضاع الجديدة وحدها ستكون قادرة على الاستمرارية، لكن هذا لا يعني أنها ستكون قادرة على تحقيق الأرباح، وقد تجد نفسها غير قادرة على تسديد القروض المصرفية، والوفاء بالتزاماتها ومستحقاتها المالية، ويضيف سيضطر المستثمرون إلى ضخ السيولة في مؤسساتهم لضمان استمراريتهم.

 

 نادر: الحل الوحيد لعدم هجرة الكفاءات هو التخلي عن بعض أسهم المؤسسة واعتبار الموظف شريك

 

الحركة خجولة

 

انعكس أيضاً تراجع القدرة الشرائية لدى المستهلكين وعدم قدرتهم على الوصول إلى حساباتهم المصرفية سلباً على المطاعم، وآلت إلى تراجع الحركة وانخفاض نسبة رواد المطاعم بنسبة غير مسبوقة. وفي هذا الإطار، أشار المدير العام في شركة Ghia Holding التي تدير سلسلة مطاعم أهواك وعبد الوهاب وDuo مارون ضو إلى أن المجموعة تستهدف أصحاب الدخل المتوسط والمرتفع، الشريحة الأكثر تأثراً في هذه الأزمة. وأضاف: "اللبناني بطبيعته يحب الحياة، ويعمل كل ما في وسعه لارتياد المطاعم، ولكن ليس بالوتيرة ذاتها"، هذه الحركة الخجولة لم تشجع المجموعة على افتتاح كامل فروعها المنتشرة في المناطق، ولفت ضو الانتباه إلى أن هدف المجموعة بات البقاء والاستمرارية، لذا حرصت على اتخاذ إجراءات ملائمة، ومع انطلاق فصل الصيف لم تفتتح بعض الفروع الموسمية وستعمد إلى إغلاق الفروع التي تشهد تراجعاً في المبيعات.

هذه هي حال سلسلة مطاعم "سندويش ونص"، إذ أشار صاحبها روني أبو صعب إلى أن حركة المبيعات لا تزال مقبولة لأن أسعار المطعم مناسبة لجميع الفئات، وعمدت المجموعة إلى إغلاق الفروع التي شهدت تراجعاً في الطلب في منطقتي جونيه وأليسار، وأضاف: "بات العمل اليومي وكأننا ذاهبون إلى ساحة حرب من كثرة المشاكل التي نواجهها يومياً".

 

المواءمة بين الأسعار والقدرة الشرائية

 

التحدي الأكبر الذي يمثل أمام أصحاب المطاعم هو تدهور سعر الليرة اللبنانية وعدم القدرة على اللحاق بسعر صرف الدولار، إذ يسبب تأرجح سعر صرف الدولار مشكلة في تسعير المنتجات، التي غالباً ما تكون أقل من سعر شراء المواد الأولية في اليوم التالي، وأكد أبو صعب أن سعر المبيع في المطاعم لم يرتفع بالوتيرة ذاتها لارتفاع سعر صرف الدولار، لافتاً إلى أن الزيادة في الأسعار تراوحت ما بين 20 و30 في المئة، في الوقت الذي ارتفع سعر صرف الدولار 400 في المئة، وأوضح أبو صعب أن المطاعم التي تعتمد بنسبة كبيرة على المواد الأولية المحلية كالخضار ستصمد أكثر من غيرها.

بدوره، لفت ضو  النظر إلى أن المشتريات كانت تشكل 30 في المئة من أصل الكلفة، لكنها باتت تشكل أكثر من 50 في المئة من الكلفة، وقد ازدادت أيضاً التكاليف التشغيلية بسبب التقنين الكهربائي وارتفاع فاتورة اشتراك المولدات الكهربائية، مؤكداً أن "المجموعة تعمل حالياً فقط من أجل الاستمرارية، ولكن من دون أي أرباح".

وتخوف نادر من أن يؤدي هذا الواقع إلى خفض جودة الطعام والخدمة في المطاعم، لأن بعض الذين كانوا يستخدمون أفضل المواد الأولية بدأوا يتساهلون كي لا يضطروا إلى زيادة الأسعار بنسبة كبيرة. وأضاف: "مع تآكل قيمة الرواتب، لم يعد الموظفون متحمسون للعمل، ما قد يؤدي إلى تراجع جودة الخدمة".

 

هجرة الكفاءات

سيؤول هذا الوضع المأساوي إلى فقدان المطاعم لثروتهم الحقيقية وهي أصحاب الكفاءات والمواهب، الذي لطالما استثمر أصحاب المطاعم فيهم لتطوير قدراتهم، ولفت نادر إلى أن المطاعم في المرحلة الأولى سرحت المبتدئين، ولكن حتى أصحاب الكفاءات باتوا في دائرة الخطر، وبمجرد فتح الحدود سيرتفع الطلب على الكفاءات اللبنانية من قبل بلدان الخليج التي ينتعش فيها قطاع المطاعم.

 

أبو صعب: رفعنا أسعارنا بنسبة 25 في المئة فقط بينما ارتفع سعر صرف الدولار بنسبة 400 في المئة

 

وأكد أبو صعب أن أزمة حقيقية ستلوح في الأفق في الأشهر المقبلة، إذ سيعمد جزء كبير من أصحاب الكفاءات والمديرين الماليين والتنفيذيين الى هجرة لبنان للعمل في الخارج، لافتاً إلى "أنه حالياً وفي ظل تفشي جائحة كورونا ليس لدى الموظفين خيار آخر، لكن مع عودة الحياة إلى طبيعتها في الخارج سنفقد الكثير منهم".

بدوره، أكد ضو أن العمل في الخارج سيكون الخيار الأول بعد عودة الأمور إلى نصابها في الخليج. فالموظف الذي كان يتقاضى ألفي دولار باتت لا تساوي أكثر من 500 دولار حالياً وبالتالي لم تعد تكفيه، وفي حين كان يرفض عرض الألفي دولار في الخارج سيقبل به في الوقت الحاضر. وأضاف: "المعادلة اختلفت والعروض التي كانت مرفوضة سابقاً أصبحت مغرية حالياً، لذا نحن في ورطة كبيرة جداً".

 

كيف نحافظ على الكفاءات؟

 

الأفق شبه مسدودة أمام القيمين على القطاع في ما يتعلق بفقدان الموارد البشرية الكفوءة، ولكن ضو من Ghia Holding أشار إلى أن أحد الحلول زيادة رواتب بعض الموظفين التنفيذيين بالتوازي مع سعر صرف الدولار. ففي المجموعة مثلاً يوجد 25 مديراً تنفيذياً، ولا يمكن زيادة رواتبهم جميعاً، لذا سنشهد الكثير من الاستقالات. ويذهب ضو إلى أبعد من ذلك، فيطرح إمكانية نقل أصحاب الكفاءات إلى فروع المجموعة في الخارج، لكن هذا الحل يصطدم بمسألة كوتا التوظيف المفروضة في الخارج، والتي تسمح بعدد محدود جداً من اللبنانيين.

 

إقرأ أيضاً:

بدوره أكد نادر أن الحل الوحيد أمام أصحاب المطاعم، بما أن قطاع الضيافة قائم على الموارد البشرية، هو اعتبار الموظفين شركاء في المؤسسة، بمعنى آخر أن يتنازل أصحاب المطاعم عن جزء من أسهمهم في حدود 30 في المئة إلى أصحاب الكفاءات. وأضاف: "لن يقبل الموظفون بزيادة 500 ألف ليرة على رواتبهم، ولاسيما في ظل المنافسة في الطلب عليهم من قبل الأسواق الخليجية والدولارات التي ستعرض عليهم"، وقد يلقى هذا الاقتراح إقبالاً كثيفاً من قبل البعض، لأن كثراً غير مستعدين للسفر، ونموذج الشراكة أثبت نجاحه عالمياً وأبرز مثال على ذلك شركة British Petroleum المملوكة في معظمها من الموظفين.

 

تصدير العلامة التجارية... بارقة أمل

 

أمام المطاعم وأصحاب العلامات التجارية بارقة أمل أيضاً تتمثل في التوسع في الخارج وبيع تراخيص امتياز (فرانشايز) العلامات التجارية. وأكد ضو من Ghia Holding المتواجدة في أسواق عربية وأوروبية عدة أن المطاعم منتج للتصدير، والتوسع بإنشاء فروع جديدة في الخارج يؤمن الأموال النقدية بالدولار التي ترفد الشركة الأم وتسمح باستمراريتها. وأضاف: "لولا جائحة كورونا لكان وضعنا أفضل بكثير حتى مع ارتفاع سعر صرف الدولار"، لافتاً إلى أنه على الرغم من أن الأرباح في فرع لندن هي الأقل إجمالاً ولا تتخطى الخمسة في المئة، إلا أن الفرع هناك كان الأفضل أداء والأكثر ربحاً خلال فترة كورونا، إذ تلقت المؤسسة دعماً من الحكومة البريطانية التي أمنت 80 في المئة من رواتب الموظفين، وقدمت إعفاءات من الضريبة على القيمة المضافة، وأصحاب العقارات قدموا إعفاءً على الإيجار لمدة ثلاثة أشهر، وأشار ضو إلى أن المجموعة تسعى إلى التوسع في الخارج عبر منح تراخيص امتياز أو الشراكة، ولاسيما أن المطبخ اللبناني مطلوب في المنطقة، موضحاً أن الاستثمار المباشر صعب في الوقت الحاضر.

 

 

ضو: فروعنا في الأسواق الخارجية هي الرافد الذي سيضمن استمراريتنا لأنها ستؤمن الأموال النقدية بالدولار

 

تتطلع مجموعة سندويش ونص منذ فترة إلى التوسع في الخارج، وأكد أبو صعب أنهم باتوا أكثر استعداداً بعد الأزمة الاقتصادية للتوسع في الخارج، لكن برأيه كلفة تسويق العلامة التجارية في الخارج باتت مكلفة أكثر سواء عبر الاشتراك في المعارض أو التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت قدرتنا على استخدامها محدودة. وأضاف: "لو كانت الحركة السياحية أفضل لكنا استقطبنا عروضاً أكثر من قبل مستثمرين أجانب".

بدوره أشار نادر إلى أن المقاربة سابقاً كانت أن تراخيص الامتياز- العلامات التجارية اللبنانية مكلفة نوعاً ما، وفي حين كانت كلفة فرانشايز أبرز المطاعم الإيطالية 300 ألف دولار، وكلفة المطاعم اللبنانية لا تقل عن مليون دولار. وقال: "في ظل تلك الظروف سيقبل أصحاب العلامات التجارية اللبنانية بمبالغ أقل"، مؤكداً أنه سوق الخليج لا تزال غير مشبعة وثمة فرص كثيرة يمكن الإفادة منها للتوسع هناك. ثمة فرص ماثلة أيضاً في دول آسيا الوسطى مثل إندونيسيا وماليزيا وتايلند وفييتنام، وهؤلاء يتطلعون بإيجابية إلى المطبخ اللبناني.

 

الدولار السياحي... الخلاص المحتم

 

وخلص المتحدثون إلى القول بأن المرحلة المقبلة لن تشهد أي استثمارات جديدة في قطاع المطاعم سواء في المؤسسات التي تقدم خدمة التوصيل كالاستثمار في المطابخ السحابية أو المطاعم المفتوحة أمام الزوار. وقال نادر: "فقد المستثمرون ثقتهم في البلد، وليسوا مستعدين للاستثمار في أي مفهوم جديد في قطاع الضيافة، ولاسيما أن الاستثمار بات مكلفاً بنسبة ست مرات عما كان عليه قبل"، وأكد نادر أن الدولار السياحي وحده ممكن أن يعطي جرعة امل للقطاع، إذ يسمح للمؤسسات باستخدام الدولار لشراء المنتجات المستوردة من الخارج.

بدوره، شدد ضو على ضرورة أن تضع الحكومة خطة لاستقطاب السياح من الخارج، مضيفاً: "لا بدّ من وجود وزير سياحة متفهم للوضع وقادر على إدارة الأمور بفعالية"، وينبغي أن تكون السياحة على مدار العام وليس سياحة موسمية تقتصر على فصل الصيف والأعياد، مضيفاً أن مشكلة المطاعم هي دائماً في إمكانية تحقيق الإيرادات وليست مشكلة تكاليف.

وطالب نادر أيضاً بضرورة اتخاذ قرارات من شأنها إلغاء المستحقات المالية الضرائبية المترتبة على أصحاب المطاعم، أو فسح المجال لتسديد 20 في المئة فقط من تلك المستحقات. وقال: "أولوية المطاعم اليوم تأمين الخدمة والطعام للزبائن، والوفاء بالالتزامات للموردين"، مؤكداً أن دفع الضرائب والرسوم بات في آخر سلم أولوياتها، لذا أن تحصل جزءاً من استحقاقاتها أفضل من أن تخسرها كلها.