فنادق لبنان تنتظر "ما بعد كورونا" بفارغ الأمل

  • 2020-05-27
  • 16:52

فنادق لبنان تنتظر "ما بعد كورونا" بفارغ الأمل

  • كريستي قهوجي

على الرغم من بدء عودة الحياة إلى طبيعتها في لبنان بعد فترة "التعبئة العامة" التي كانت قد أعلنتها الحكومة اللبنانية في مواجهة فيروس كورونا، فإن القطاع الفندقي في لبنان لا يزال رهينة الأزمة الاقتصادية وفيروس كورونا، فغياب الرؤية الواضحة والدعم الحكومي أديا إلى خسائر كبيرة يتكبّدها القطاع، أيضاً غياب المغتربين وانعدام الحركة السياحية بسبب إقفال المطارات الدولية باتا يهددان بإقفال العديد من الفنادق، وإن كان بعضها يحاول الصمود باعتماد مبدأ "اللحم الحي"، يبقى السؤال: كيف ستستطيع هذه الفنادق الاستمرار في ظل الظروف الصعبة التي تمرّ فيها؟

 

أوضاع كارثية والدولة غائبة!

مع إعادة فتح القطاعات الاقتصادية على مراحل خلال شهر أيار/مايو الحالي، إرتفعت وتيرة الاصابات بفيروس كورونا المستجد في لبنان بشكل دراماتيكي حيث وصل العدد إلى 100 حالة في يوم واحد، ما أدى إلى تخوّف لدى المؤسسات الفندقية من إمكانية إغلاق البلاد مجدداً مع ما يترتب على ذلك من خسائر إضافية لا تستطيع الفنادق تحمّلها. وفي هذا السياق، يدق نقيب أصحاب الفنادق في لبنان بيار الأشقر في حديث إلى "أولاً – الاقتصاد والأعمال" ناقوس الخطر، محذّراً من سير الأمور نحو الهاوية في حال لم تتم المعالجة بشكل فوري. ويعتبر الأشقر من جهة ثانية، أن جائحة كورونا قضت بشكل كبير على الحركة الفندقية بعد أن تراجعت إبان بدء الأزمة الاقتصادية وارتفاع سعر الدولار، مشيراً إلى أن بعض المؤسسات الذي كان يعمل بشكل جزئي قبل بدء كورونا أقفل أبوابه نهائياً وصرف موظفيه فيما تبحث مؤسسات أخرى عن مخارج محتملة للصمود. ومع سماح دول العالم لرعاياها في العودة إلى بلدانهم، فرضت عليهم إجراءات صحية مشددة تمثلت بالحجر الالزامي لمدة 14 يوماً، ويرى الأشقر أن هذه الاجراءات ستبقى معتمدة إلى أجل غير مسمى وسط عدم معرفة المدى الزمني لانحسار الوباء، معتبراً أنها ستشكل عائقاً كبيراً أمام حركة السياحة في دول العالم وبينها لبنان، مشيراً إلى أنه من الصعب أن ينتظر السائح فترة الحجر الطويلة ليبدأ بعدها رحلته السياحية.

في انتظار"ما بعد كورونا"

وحول مستقبل القطاع الفندقي ما بعد كورونا، يبدي الأشقر تفاؤله حيال ذلك، مشيراً إلى أن بعد كل منحدر هناك انفراج وأمل بأن تبقى المؤسسات صامدة على الرغم من كل الظروف الاستثنائية التي يمرّ بها لبنان.

ترك تفشي فيروس كورونا المستجد آثاراً اقتصادية كبيرة على الفنادق اللبنانية التي اشتهرت بمواجهتها الصعوبات خصوصاً في فترة الحرب الأهلية وما تبعها من انهيار كبير لها ما لبثت أن وقفت مجدداً وعادت إلى العمل، وهذه حال فندق "فينيسيا" الذي يعتبر رئيس مجلس إدارته مازن صالحة في حديث إلى "أولاً- الاقتصاد والأعمال" أن انعكاسات تفشي فيروس كورونا كان كارثياً على القطاع السياحي وخصوصاً على قطاع الفنادق في لبنان والعالم، مشيراً إلى أن بداية هذه السنة كانت مليئة بالمفاجآت بدءاً من الانهيار الاقتصادي ووصولاً إلى تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار.

وحول الخسائر التي تكبّدها الفندق خلال هذه الفترة، يقول صالحة إنها كبيرة جداً، حيث تراجعت نسب المبيعات ما بين 85 و90 في المئة خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام السابق.

في المقابل، حافظ فندق فينيسيا على استمرارية العمل من خلال سماحه للموظفين بالحصول على عطل سنوية مسبقة بالإضافة إلى نقل بعضهم إلى أقسام أخرى تماشياً مع حاجات العمل، كما استمر الموظفون بالاستفادة من تأمينات الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي بالإضافة إلى تلقيهم بعض المساعدات العينية الطبية الأساسية والاستفادة من فرصة التدريب والتطوير عن بُعد بهدف تمكينهم ومساعدتهم على تطوير مهارات جديدة يمكن الاستفادة منها في المستقبل.

وفي ظل إعادة فتح القطاعات الاقتصادية في البلاد، يبدي صالحة تفاؤله بفتح مطار رفيق الحريري الدولي خلال الأسبوع الأول من شهر حزيران/يونيو المقبل، آملاً أن تعود حركة الطيران ناشطة من خلال عودة اللبنانيين في الخارج وبعض السياح العرب والأجانب.

ويرى أن هذا المعلم السياحي الذي صمد تاريخياً باق في مواجهة التحديات خصوصاً بعد إعادة تشييده مرتين وذلك بعد انتهاء الحرب الأهلية وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005، مؤكدأ أن الإدارة تعمل على إبقائه حياً وناشطاً على الرغم من أن الظروف الحالية غير ملائمة.

إستمرار في تلقي الحجوزات

وفي فندق "راديسون بلو مارتينيز"، إستمرت الادارة بتلقي الحجوزات خلال فترة تفشي فيروس كورونا إلا أن حركة الولوج إليه كانت ضعيفة ومتأثرة بقرار التعبئة العامة الذي اتخذته الحكومة اللبنانية.

وتتوقع مديرة المبيعات والتسويق في الفندق روزا بو شعيا عودة الحركة السياحية بعد فترة الاغلاق العام بشكل ضئيل بسبب القلق وتخوّف الناس من السفر، مشيرة إلى أن الفندق يهدف في الوقت الحالي إلى تعزيز السياحة الداخلية كخطوة أولى.

وحول مستقبل الفندق في مرحلة ما بعد كورونا، تأمل بو شعيا بأن تتخطى المؤسسة هذه الأزمة، متوقعة ظهور طريقة مختلفة للسياحة بعد أن يسود الهدوء، وتوضح بأن تأثير وباء كورونا محدود ضمن إطار زمني على الرغم من صعوبة الأوضاع، مؤكدة أن قطاع الفنادق سيستعيد حركته تدريجياً على المدى البعيد.

من جهة ثانية، إعتمد "راديسون بلو مارتينيز" على مبدأ أولوية الحماية لموظفيه حيث جهّز مختلف المكاتب بسوائل لتعقيم اليدين وقام بنشر التعميمات المطابقة لتوصيات المنظمة العالمية للصحة لكل العاملين فيه، كما شدد على ضرورة وضع الموظفين لكمامات وقائية وقفازات والالتزام بالبعد الاجتماعي المفروض، بالإضافة إلى أخذ الحرارة وحملة التوعية التي أجراها قسم الموارد البشرية عند بداية الأزمة.

وشكّلت الفنادق مصدراً للتقارب الاجتماعي بين الناس، مما انعكس عليها بشكل سلبي خلال فترة كورونا، وفي هذا الاطار، يعتبر المدير العام في فندق "لانكاستر بلازا" بلال أرناؤوط أن هذا الفيروس الخفي قد شلّ الحركة السياحية من كل مصادرها الداخلية والخارجية، موضحاً أنه مبني على مبدأ التزام المنزل مما جعل الفنادق تشكل مصدر خطر للنزلاء على الرغم من كل سبل الوقاية المتبعة.

ويتوقع أرناؤوط أن تزيد الحركة التشغيلية في الفندق بشكل تدريجي، إذ أصبح فيروس كورونا أمراً واقعاً لا سبيل للإنتهاء منه في القريب العاجل، مشدداً على أن الحركة ستعود إلى طبيعتها مع زيادة الوعي الاجتماعي لدى النزلاء من جهة ولدى إدارة الفندق من جهة أخرى بهدف التعايش مع الواقع الجديد عبر اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة.

كما تكبّد الفندق خسائر طائلة نتيجة أعباء التشغيل التي تأثرت كغيرها من القطاعات بسعر صرف الدولار الجنوني، ويقول أرناؤوط إن المؤسسة عانت الأمرين من ناحية دفع النفقات الملزمة ومن ناحية الحفاظ على الموظفين لعدم الانجراف نحو هاوية الإقفال التام.

وعن الإجراءات التي اتخذها الفندق، يوضح أنه تمّ اعتماد أعلى معايير الوقاية التي أقرّتها قبل وزارة الصحة لتأمين حماية النزلاء والموظفين، لافتاً النظر إلى أن الإدارة طبقت أعلى مستويات التعقيم والتزمت بمبدأ أخذ الحرارة للأشخاص عند مداخل الفندق، بالإضافة إلى ارتداء القفازات والكمامات وإنشاء خلية صحية تشرف على تنفيذ هذه الأمور بشكل واسع.

أما في مدينة صور، فقد عانى فندق ومنتجع "توركواز" السياحي من صعوبات جمّة نتيجة الاقفال العام والأزمة الاقتصادية حيث عمد إلى إقفال أبوابه منذ البداية.

وبحسب مدير المشروع بلال جزيني، فإن عودة الحركة السياحية إلى المنتجع ستكون صعبة خصوصاً بسبب الخوف لدى الناس من الفيروس وما يرافقه من عمليات التعقيم في الفنادق، مشيراً إلى أن عدد الزبائن سيكون قليلاً نسبياً في ظل الاجراءات المتبعة.

ويؤكد جزيني أن الخسائر التي تكبّدتها المؤسسة شكلت لها ضربة قاضية خصوصاً لناحية ارتفاع سعر الدولار الأميركي في السوق السوداء، مشيراً إلى أن الادارة تسعى الى الحد منها بشكل كبير مع اعتماد دفع نصف الرواتب لموظفيها من أجل استمرارية العمل على الرغم من كل الظروف.

ويوضح أن الإدارة لم ترفع أسعار الخدمات والمأكولات والمشروبات التي تقدمها إلى زبائنها على الرغم من ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء، مشيراً إلى أنه يُعمل على تعقيم المؤسسة بشكل يومي وفي الاقسام كافة مع اعتماد أعلى معايير النظافة والاجراءات الصحية والتباعد الاجتماعي بين الموظفين وتطبيق الاجراءات على الزبائن.

الحلول والمحفزات التي تقدمها الفنادق للخروج من الأزمة

وحول الحلول التي قد تساهم في إنقاذ وضع الفنادق، يرى الأشقر أن هذا الأمر صعب في الوقت الراهن خصوصاً في ظل غياب الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، مشدداً على ضرورة أن تحل الدولة مشاكلها الاقتصادية والمالية وأن تعطي الثقة للمواطن اللبناني وللمجتمعين الاقليمي والدولي من خلال الاصلاحات الضرورية للقطاعات الاقتصادية خصوصاً أن القطاع السياحي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاقتصاد اللبناني، ويدعو الدولة إلى إعادة جدولة الاستحقاقات المالية للفنادق من رسوم وضرائب وما يترتب عليها كي تستطيع هذه المؤسسات الاستمرار في العمل على الرغم من كل الظروف، محذراً من أن بقاء الأزمة على حالها سيولّد نزاعات قانونية بين الفنادق من جهة والدولة والمصارف من جهة ثانية وبالتالي وضع اليد على المؤسسات الفندقية، ويضيف أن الفنادق هي أسرع قطاع في تأمين العملات الصعبة لخزينة الدولة، داعياً إياها إلى الاستثمار في هذا القطاع ودعمه.

من جهتها، تؤكد روزا بو شعيا أن إدارة "راديسون بلو مارتينيز" ستطلق سلسلة من العروضات لاستقطاب الزبائن بدءاً من الشهرالحالي مع اعتماد مبدأ الحماية الدائمة كحافز رئيسي. 

بدوره، يشير بلال أرناؤوط إلى أن إدارة "لانكاستر بلازا" في صدد إعداد خطة تعتمد على مبدأ السياحة الداخلية المدعومة من أهل الوطن وأخرى تعتمد على استقطاب السياح من الخارج ومرتكزة على حركة الملاحة، مشيراً إلى أنها ستقوم ببعض الإضافات الخدماتية التي قد تساعد على تحفيز الإقامة في الفندق.

أما بلال جزيني فيؤكد أن إدارة منتجع "توركواز" تقوم بدراسة تحفيزات مشجعة لاستقطاب الزبائن على الرغم من كل الظروف الاقتصادية من خلال وضع عروضات مغرية، بالاعتماد على سعر صرف الدولار الرسمي 1515 ليرة.

في المحصلة، القطاع الفندقي عند أنفاسه الأخيرة ولا بدّ من أن تتدخل الحكومة ووزارة السياحة لإنقاذه قبل فوات الأوان بهدف المحافظة على المتنفّس السياحي الوحيد الذي يدر على الخزينة العملات الصعبة بشكل سريع جداً.