هل وصلتك رسالة كوفيد-19؟

  • 2020-07-22
  • 14:14

هل وصلتك رسالة كوفيد-19؟

  • إيمان غريّب

تمكّنا خلال أزمة وباء "كوفيد-19" من التأقلم بشكل سريع مع المستجدات، وغيّرنا من عاداتنا وأسلوب حياتنا وسلوكياتنا، حتى إننا انعزلنا في منازلنا لأشهر وهذا يحدث للمرة الأولى في تاريخنا الحديث، وكشف ذلك أننا عندما نقرر التغيير، فإننا نستطيع فعل ذلك وبسرعة.

كما إننا بدّلنا في طريقة تعاملنا مع الآخرين، لبسنا الأقنعة الواقية واستخدمنا المنظّفات حتى على هواتفنا ومقود سيارتنا ومقبض باب منزلنا، وغيّرنا نموذج علاقاتنا مع أقسام المجتمع كافة تجنّباً لانتشار العدوى، كما إنه وخلال أسابيع قليلة، نفّذت غالبية بلدان العالم خططاً تتيح التعليم والعمل عن بُعد، وانطلقت بتنفيذ استراتيجيات طوارئ لم يسبق لها أن نفّذتها، وتم استخدام التكنولوجيا بشكل لا سابق له للمحافظة على استمرارية الأعمال وإنشاء قنوات الاتصال بين المؤسسات التربوية والطلاب وبين الوكالات الحكومية والمواطنين وبين الشركات والموظفين، لقد تمكنا من إجراء تغييرات هائلة خلال أسابيع.

والسؤال الذي يمكن أن نطرحه على أنفسنا اليوم، هو أنه إذا تمكّنا من إجراء كل هذه التغييرات الكبيرة على حياتنا اليومية وبهذه السرعة غير المسبوقة، لماذا لا نستطيع أن نغيّر من طريقة تعاملنا مع الطبيعة حولنا ومع التحديات البيئية المتزايدة؟

لقد شهدنا خلال انتشار "كوفيد-19 " كيف تأثّرت البيئة بشكل إيجابي حول العالم نتيجة الإغلاق العام، وكيف انخفضت مستويات التلوّث. لماذا لا نولي اليوم، بينما نعود إلى حياتنا الطبيعية، هذا الجانب الاهتمام المطلوب؟ بإمكاننا اليوم، وفي الوقت الذي لا تزال فيه دروس "كوفيد-19 " حاضرة في أذهاننا وفي سلوكياتنا، أن نستمر في إجراء تعديلات على طريقة تصرّفاتنا وسلوكياتنا اليومية، لحماية البيئة حولنا والمحافظة على مواردنا الطبيعية بعيداً من التلوّث، والأمر لا ينحصر فقط في هذا المجال، إذ بإمكاننا إجراء سلسلة من التغييرات السريعة البالغة الأهمية لحماية البيئة، وبهذا نكون قد استفدنا من أزمة "كوفيد-19" بشكل إيجابي.

ثمة مسؤولية هنا ملقاة على عاتق قطاع الأعمال، إذ إن الشركات تستطيع إطلاق مبادرات ناجحة، وبذل الجهود في هذا الإطار من ضمن نشاطاتها على صعيد المسؤولية الاجتماعي،. ومن المفيد هنا، حثّ الشركات المحلية على دمج برامج المسؤولية الاجتماعية في صلب نشاطاتها، خصوصاً أن إداراتها تتمتع بوعي لافت وتتحلى بأخلاقيات الأعمال في مختلف المجالات، ولديها مبادرات على قدر كبير من الأهمية.

على سبيل المثال، نستطيع أن نواصل تطبيق سياسة الحدّ من السفر أو الانتقال غير الضروري. لقد أثبت "كوفيد-19 " أن التغيير هو مسألة قرار، لأننا نجحنا بتغيير الكثير من عاداتنا اليومية، وفي العالم العربي، نحن اليوم أمام فرصة لإجراء تغييرات جوهرية في حياتنا لحماية البيئة والطبيعة من حولنا.

وعلى سبيل المثال أيضاً، إذا أخذنا مسألة استخدام البلاستيك، نرى أنه وفقاً لأرقام أوردتها Ecomina.org فإن بلدان الشرق الأوسط مسؤولة عن 8 في المئة من إجمالي الإنتاج العالمي للبلاستيك. ومن المعروف أن دولاً عدة حول العالم أصدرت تشريعات للحدّ من استخدام البلاستيك، نظراً الى التأثيرات السلبية الهائلة التي يتسبب بها على الصعيد البيئي، وفي بلدان مجلس التعاون الخليجي، يشكل البلاستيك ما بين 12 و16 في المئة من النفايات الصلبة، وهو يحقق معدلات نمو مرتفعة بسبب زيادة استخدامه في الحياة اليومية.

وتماماً كما حدث مع "كوفيد-19"، مسألة الحدّ من استخدام البلاستيك تحتاج إلى قرار حاسم، ويكفي أن نعلم أن انتاج البلاستيك عالمياً ارتفع من 1.7 مليون طن العام 1950 إلى 359 مليون طن في العام 2018، وأنه بات يتهدد الحياة البرية وحياتنا، ويُسبب تلوثاً من الصعوبة التعامل معه، ويكفي أن نعلم أن قنينة المياه البلاستيكية التي نستخدمها مرة واحدة فقط، تحتاج إلى نحو 450 سنة لتتحلّل في الطبيعة، وهي تسبّب تلوثاً للمياه الجوفية والتربة والهواء وللأشجار والنباتات ولكامل المنظومة البيئية التي نعيش من خلالها. وتشير دراسات إلى أن البلاستيك يعدّ من بين المسببات الرئيسية لبعض أنواع السرطان التي تصيب الانسان، والأمر لا يتوقف عند التلوّث البيئي الناتج عن حرق الوقود المتعلق بالانتقال الجوي والبري أو باستخدام البلاستيك، إذ ثمة لائحة طويلة تشمل على سبيل المثال: انتاج الطاقة والمصانع وحرق الغابات واستخدام المبيدات السامة في الزراعة وغيرها.

تخيّلوا معي لو خفّضنا 50 في المئة من مصادر التلوّث كيف سينعكس ذلك على الطبيعة، وعلى حياتنا وحياة أجيال المستقبل. يكفي أن نقوم بمبادرة واحدة كي نبدأ بصناعة الوعي الجماعي حيال هذا الملف الذي يُهدد البشرية، تخيّلوا لو توقفنا فقط عن استخدام كيس البلاستيك الذي نعتمد عليه لشراء الحاجيات، هذا الكيس يحتاج إلى ما لا يقل عن 20 عاماً ليتحلّل في مكبات النفايات، ويتسبب بموجات من الأضرار التي لا حصر لها، واحدة منها هي التسبب بموت عدد متزايد من السلاحف البحرية، التي تختنق في أعالي البحار بأكياس البلاستيك.

"كوفيد-19" كان كارثة ربما لا سابق لها في تاريخنا، لكنه أيضاً شكّل رسالة، وهي رسالة تنبيه للبشرية، هذه الرسالة كانت واضحة: نحن نستطيع أن نغيّر في حياتنا وسلوكياتنا عندما نقرّر ذلك، واليوم نستطيع الاستفادة من الديناميكية التي أوجدها "كوفيد-19" لدينا، لنندفع إلى إجراء تغييرات حقيقية في تصرفاتنا التي تهدّد البيئة، وأعتقد أن أمام قطاع الأعمال في الشرق الأوسط فرصة للإنضمام إلى هذه الجهود من ضمن مسؤوليته الاجتماعية لإطلاق مبادرات تؤسّس لجيل واع حيال التحديات البيئية من جهة، وتحقّق تغييراً في طريقة تعاملنا مع بيئتنا وحياتنا من جهة أخرى.

لقد فتح "كوفيد-19" الباب أمام التغيير، فهل نستطيع المضي بالتغيير اليوم؟ والأهم هل وصلت رسالة "كوفيد-"19 الى البشرية؟ هل سمعتها الحكومات حول العالم؟ هل تيقّنت شركات القطاع الخاص من أهمية مواصلة العمل لنشر الوعي حيال التهديدات الوجودية للبشرية والمتمثّلة بالتلوّث البيئي والاحتباس الحراري وغيرها من القضايا؟ أعتقد أن عدداً كبيراً من الناس حول العالم انتبهوا لهذه الفرصة، وعلينا جميعاً تقع مسؤولية المضي قدماً في الاستجابة للتهديدات البيئية، ولعب دور فعّال لكي نورث أجيال المستقبل عالماً أفضل.