أخطر من القنبلة النووية.. الجيل الخامس ومفاتيح التفوّق العالمي

  • 2020-07-22
  • 22:05

أخطر من القنبلة النووية.. الجيل الخامس ومفاتيح التفوّق العالمي

أهمية الجيل الخامس تتخطى مسألة الشبكات.. إنها مسألة تفوّق اقتصادي وصراع دولي

  • إياد ديراني

منذ أن شغّلت الإدارة الأميركية قبل عامين محرّكاتها الإعلامية والقضائية والاقتصادية والاستخباراتية ضد شركة الاتصالات الصينية العملاقة "هواوي"، سادت أجواء من الترقب وطُرحت مجموعة من التساؤلات حول مستقبل قطاع الاتصالات العالمي عموماً وشبكات الاتصالات من الجيل الخامس بشكل خاص. قلّة من الخبراء والمتابعين كانوا يعلمون ما الذي يحصل، ويستشرفون أفق هذه المعركة، فهل هي مواجهة بين دولة وشركة؟ أم مواجهة بين دولتين، أم أن القضية أبعد بكثير من ذلك؟

"أولاً-الاقتصاد والأعمال" التقى حسان قباني الذي شغل مناصب قيادية في قطاع الاتصالات الإقليمي (رئيس تنفيذي سابق لشركات عدة مثل "زين" السعودية، "أورانج" مصر و"أوراسكوم" الجزائر…)، وشمل الحوار قضية الجيل الخامس الذي بات يشبه "سلاحاً" غير تقليدي بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، بل ويكاد يكون بالنسبة إلى اقتصادات الدول الكبرى مشابهاً للقنبلة الذرّية في القطاع العسكري، بالإضافة إلى موقع العالم العربي وسط هذه المعركة العالمية. 

 

لماذا الجيل الخامس أخطر من القنبلة النووية؟

تحوّلت منظومة الاتصالات من شبكات وأجهزة وتطبيقات ووسائل خلال العقد الماضي إلى ما يشبه أضخم قنوات لتجميع المعلومات في العالم، والمعلومات عبارة عن كل أنواع "الداتا" Data التي يتناقلها المستخدمون الأفراد والشركات والمؤسسات والاجهزة وكل الكيانات التي تستخدم الشبكات. أهمية هذه البيانات تكمن في احتوائها على حقائق ومعلومات مهمة جداً تلعب دوراً كبيراً في تكوين صورة دقيقة عن النشاطات والمعلومات في شتى المجالات، كما تتضمّن أرقاماً وخلاصات بالغة الأهمية تتيح لمن يملكها السيطرة والتفوق الاقتصادي والسياسي في ضوء معطيات دقيقة ومتكاملة.  

صراع عالمي

ومن خلال شبكات الاتصالات بدأ يتجمّع تدريجياً ما اصطلح على تسميته بـ "البيانات الكبرى" Big Data، وجرى تخزينها فيما عُرف لاحقاً باسم مراكز البيانات Data Centers. المفتاح الرئيسي الذي سمح بجمع البيانات هو الانتشار المتزايد لشبكات الاتصالات السريعة، وآخرها شبكات الجيل الرابع التي بدأ استخدامها التجاري منذ 10 أعوام. أما الكميات الهائلة من البيانات فجرت معالجتها واستخلاص القيمة منها عبر أنظمة "الحوسبة السحابية" Cloud Computing وتحليل البيانات Data Analytics و"الذكاء الاصطناعي" Artificial Intelligence.  

 

الصراع العالمي على الجيل الخامس.. من يملك المعلومة يحكم العالم

 

لكن الجيل الرابع الذي ظهرت معه القيمة الاستثنائية للبيانات الكبيرة والحوسبة السحابية ومراكز الداتا وتحليل البيانات، لم يكن كافياً لجمع هذا الكمّ الهائل من البيانات الثمينة لا بالسرعة المطلوبة ولا بالسعة، كما لم يكن قادراً على تقديم الخدمة المناسبة لمجال جديد هو "انترنت الأشياء" Internet of Things. ومن هنا بدأت شركات الاتصالات العالمية برصد مليارات الدولارات لدعم أقسام الأبحاث والتطوير، للوصول إلى سرعة أعلى في نقل البيانات. أولى الشركات التي اندفعت برصد الاستثمارات للتقدم في أبحاث الجيل الخامس كانت "هواوي" الصينية و"اريكسون" السويدية و"نوكيا" الفنلندية، وتوصلت الشركات إلى سرعة غير مسبوقة على شبكات الجيل الخامس، تصل إلى نحو 10 جيغابت في الثانية.    

من يملك المعلومة يحكم العالم

 

يصف حسان قباني السباق الدولي المتعلق بالجيل الخامس بالصراع العالمي، الذي يتعلق أولاً وأخيراً بتحقيق التفوّق الاقتصادي، ويضيف أنه في السابق كانت الحروب عسكرية، ومن المعروف أن الصراعات العسكرية كانت تقوم على الدبابات وسلاح المشاة والصواريخ والبارجات وحاملات الطائرات وغيرها من الأسلحة، أما اليوم فهي اقتصادية وتُستخدم فيها التقنيات سواء المتعلقة بقطاع الاتصالات أو المجالات التكنولوجية الأخرى، ويعتبر قباني أن من يتحكّم بقطاع الاتصالات والبيانات الناتجة عنه ويستخلص المعلومات المتعلقة به، سيتحكم بالأسواق العالمية وسيحقق تفوقاً عالمياً.   

ولكن، لماذا تركز الدول على الجيل الخامس؟ يضيف قباني أن الجيل الخامس يتيح تجميع الداتا بأفضل وأسهل الطُرق، وهذا أمر معروف لدى الخبراء منذ أكثر من عقد، وأن الحرب التجارية في هذا الميدان بدأت منذ سنوات عدة، لكن أخبارها لم تُصبح مُعلنة سوى عندما خرجت إلى الإعلام، خصوصاً من خلال الأخبار المتعلقة بالحرب التي تشنّها الولايات المتحدة على الصين عبر شركة هواوي. 

 

انها ليست حرب الجيل الخامس، بل حرب الداتا، ومن يفوز بالمعلومات سيتفوّق على غيره

 

وتسعى الدول منذ زمن بعيد الى جمع المعلومات وتكوين المعرفة حول مختلف الأمور، وهذا سلوك قديم قدم التاريخ تنتهجه السلطات، ويُعدّ هذا النشاط عاملاً مساعداً في تحقيق تفوّق الدول على بعضها في مختلف المجالات ومن بينها الاقتصادي والعسكري وحتى الثقافي والعلمي. ويقول قباني إنه لطالما جنّدت الدول أشخاصاً لتكوين هذه المعرفة، أما اليوم فباتت التطبيقات المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي، والأجهزة المختلفة كالسيارة والتلفاز وحتى كاميرات المراقبة وأجهزة الاستشعار في الطرقات والمنشآت وغيرها من الأدوات الرقمية، مصدراً لتجميع المعلومات وتحليلها. ويضيف أن المستخدم يسمح بإرادته وعن وعي أو غير وعي لهذه الأجهزة بتقديم المعلومات لقاء استخدامه المزايا العديدة التي تقدمها. ويسأل قباني: لماذا تحظّر الصين استخدام "واتساب" و"فايسبوك"؟ ولماذا تحظّر روسيا استخدام عدد آخر من التطبيقات الأميركية؟ ولماذا تتجه الولايات المتحدة إلى حظر استخدام TikTok الصيني؟ ويجيب "إنهم يحظرون التطبيقات ببساطة لأنها لا تتناسب مع شروطهم وقواعدهم لتبادل المعلومات الخاصة بمواطنيهم وشركاتهم ومصالحهم". 

ويضيف: "خذ مثلاً الهواتف الذكية التي تتمتع بمجموعة من المزايا المنقطعة النظير، والتي تتيح جمع معلومات لا حصر لها لصالح الشركات، هل هي فقط مزايا لأهداف تجارية؟"، ويقول إن التطبيقات والهواتف باتت تجمع عن المستخدمين ما لا يمكن حصره أو تصوّره، وأن الأمر "يبدأ من بيانات وقائمة جهات الاتصال، والمواضيع التي يهتم بها المستخدم وصولاً إلى اخذ بصمة الأصبع والتعرف على الصوت والوجه، ولا ينتهي عند تحركات المستخدم ومشترياته والأماكن التي يقصدها.. الهاتف يعرف عنك تقريبا كل شيء". 

 

تتصارع الدول المتقدمة كالصين والولايات المتحدة وروسيا والهند وإسرائيل فيما تتفرّج باقي الدول

 

ويضيف قباني: "القضية أبعد من مجرد مسألة جيل خامس، الأمر يتصل بمصالح الدول الكبرى ونحن نرى فقط قشور القضية المتمثّلة باتهام الولايات المتحدة لهواوي بخرق أمنها وأمن الدول الحليفة، ونشهد اليوم قيام منظومات تتواجه مع بعضها. في الحلبة تتصارع الصين والولايات المتحدة وروسيا والهند وإسرائيل، أما في مقاعد المتفرجين، فنرى دولاً في أوروبا وأميركا اللاتينية وافريقيا والعالم العربي. نحن في الشرق الأوسط نشاهد حلبة ومتصارعين، ولسنا من ضمن اللاعبين، والحرب التكنولوجية التي نشاهدها اليوم ليست حول الجيل الخامس، بل هي حرب الداتا، ومن يفوز بالمعلومات سيتفوّق على غيره من الأمم". 

ويختم قائلاً: "قد لا تتقدم مشاريع الجيل الخامس بحسب التوقعات، نتيجة لانخفاض ايرادات المشغلين خلال أزمة كورونا. وثمة العشرات من المشاريع الاستثمارية التي توقفت او تأجلّت، ولكن مشاريع الجيل الخامس هي جزء من مشاريع اقتصادية كبرى، قد تتأخر اليوم، لكنها حتماً آتية".  

 

إقرأ أيضاً: بريطانيا تحاصر هواوي والصين تتوعد بالرد

 

 

أبرز مصادر البيانات

 

يقدم مستخدمو الأجهزة الرقمية سواء كانوا مؤسسات او أفراداً، إذناً للتطبيقات على هواتفهم وأجهزة الكمبيوتر والتلفاز والسيارة وغيرها من البرمجيات والأنظمة الرقمية للإطلاع على شتى أنواع المعلومات التي تخصّهم، من بصمات الأصابع مروراً ببصمة الصوت والوجه وصولاً إلى حق الدخول الى محادثاتهم ورسائلهم، واللائحة طويلة جداً، وتتيح هذه المعلومات ما يمكن اختصاره بالعناوين السبعة التالية:

العلاقات: مراقبة علاقات الأفراد سواء مع أفراد آخرين أو مجموعات، وتقصّي المعلومات عنهم وعن الآخرين ممن يدورون في الفضاء الاجتماعي ذاته، وأحياناً مع من لا يملكون هواتف تتيح مراقبتهم.

معلومات تجارية: مراقبة وتسجيل المشتريات والتحويلات والعقود والمبادلات والاتفاقات والمشاريع والخطط والاجتماعات التجارية والزيارات واللقاءات وغيرها.

معلومات قطاعية: تتبّع بيانات العمليات الصناعية والتشغيلية في المصانع والمرافئ والمستشفيات والجامعات والنقل ومختلف أنواع النشاطات القطاعية.     

الاتصالات: تتبّع حركة الاتصالات وتسجيلها وتفريغها، تبادل البريد الالكتروني، تسجيل الأحاديث التي تدور الى جانب الهاتف من خلال الميكروفون، وغيرها من أنواع اعتراض البيانات.

المعتقدات والمشاعر: الاطلاع على معلومات خاصة تحدد أفكار المستخدمين وحالتهم العاطفية أو مشاعرهم ومعتقداتهم، ومشاركة هذه المعلومات مع جهات أخرى.

المعلومات والميزات الجسدية: بيومتريات الصوت، بصمة الأصبع، بصمة العين وغيرها.

السلوكيات والآراء والتصرفات: معلومات عرقية، جنسية، عادات، نشاطات سياسية وحقوقية ودينية.

البيانات والصور: الحصول على بيانات المستخدمين كالنصوص والصور والفيديو، وشتى أنواع ملفات المعلومات.

الموقع والحيّز الجغرافي: تتبع الأفراد خلال تنقلاتهم والاطلاع على موقعهم وحركتهم على الخريطة وتحديد الأماكن التي يرتادونها سواء كانت عامة أو خاصة وملاحقة نمط تحركاتهم، ووضع التقارير الاوتوماتيكية عنهم.