أزمة الديون السياديّة: خطر حقيقي

  • 2020-07-22
  • 20:00

أزمة الديون السياديّة: خطر حقيقي

  • حنين سلّوم

في ظل اجتماع الأزمات الصحيّة، الاجتماعيّة، الاقتصاديّة، والماليّة، عادت إلى الواجهة أزمة الديون السياديّة واحتمال تخلّف بلدان عدّة عن تسديد المستحقّات. فسنة 2020 تعد الأسوأ على الاقتصاد العالمي إذ من غير المتوقّع أن يعود الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى مستويات ما قبل كورونا قبل النصف الثاني من 2021 أو سنة 2022.

لمواجهة هذه الأزمات، اضطرّت الحكومات في معظم البلدان إلى زيادة النفقات العامة، وبالتالي رفع مستويات الدين العام، وذلك للمحافظة على القدرة الإنتاجية أثناء الوباء. ونتيجة لذلك سترتفع مستويات الدين العام بشكل حاد هذه السنة. ويزداد الأمر سوءاً بالنسبة إلى البلدان التي لا تستطيع الاستدانة في عملتها الوطنيّة فتتراكم ديونها في العملات الأجنبيّة وتواجه خطر تدهور عملتها الوطنيّة مقابل العملات الأجنبيّة فتجد نفسها في مأزق حقيقي.

 

صندوق النقد الدولي يتوقّع ارتفاع الدين

 

توقّع صندوق النقد الدولي في تقريره "مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي: أزمة لا مثيل لها، وتعافٍ غير مؤكد"، الذي صدر في شهر حزيران/يونيو 2020 أنّ من المحتمل أن يصل الدين العام العالمي إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، حيث قد يتجاوز نسبة 101 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عامي 2020 و2021 ليكون قد ارتفع بنحو 19 نقطة مئوية عن العام الماضي.

وكان اللافت للانتباه المقارنة التي أجراها صندوق النقد الدولي بين الدين العام خلال الأزمة الماليّة العالميّة سنتي 2008 و2009 وبين الفترة 2019-2020 حيث من المتوقّع أن تصل نسبة الدين إلى الناتج الإجمالي المحلّي إلى 18.7 في المئة بينما بلغت 10.5 في المئة سنة 2009.

 

ما علاقة ميزان المدفوعات بتراكم الديون؟

 

يمثّل ميزان المدفوعات أو Balance of payments السجل لجميع المعاملات التجاريّة والماليّة الدوليّة التي يقوم بها جميع سكّان البلد مع مختلف البلدان الأخرى، ويظهر ميزان مدفوعات الدولة ما إذا كانت توفر ما يكفي لدفع ثمن وارداتها، كما يكشف قدرة الدولة على الانتاج الاقتصادي بما يتناسب مع تمويل النمو فيها، لذلك فإن عجز ميزان المدفوعات يعني أنّ الدولة تستورد سلعًا وخدمات وتستقطب استثمارات (رؤوس أموال) أكثر مما تصدر، وبالتالي يجب عليها الاقتراض من دول أخرى لدفع ثمن وارداتها.

إثر انتشار وباء الكورونا في العالم أجمع، توقّفت قطاعات عدّة كانت تشكّل أبرز مصادر الدخل للعديد من الدول. لنأخذ مصر على سبيل المثال لا الحصر حيث تشكّل السياحة، التحويلات المالية، مداخيل قناة السويس وصادرات السلع غير النفطية أبرز مصادر دخل ميزان المدفوعات وتلعب دوراً كبيراً في دعم الاقتصاد. نتيجة التعبئة العامّة وحظر التجول ومنع السفر، تراجع قطاع السياحة المصري كما هو حال السياحة العالميّة. فضلاً عن ذلك، شكلت مصر سنة 2019 أكبر متلقّ للتحويلات في إفريقيا وفقاً لـ Oxford Business Group مصدرها بشكل أساسي الدول العربيّة. بدورها أيضاً، تأثرت التدفقات الماليّة من جرّاء انتشار الوباء، وقد توقّع البنك الدولي أن تشهد التحويلات المالية إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل أكبر انخفاض في التاريخ الحديث خلال سنة 2020، فمن المتوقع أن تنخفض بنسبة 19.7 في المئة إلى 445 مليار دولار، منخفضة من 554 مليار دولار في سنة 2019.  بالإضافة إلى ذلك، عانت الصادرات وسلاسل التوريد من اضطرابات في جميع البلدان بما فيها مصر. ومع تراكم هذه الأحداث وتراجع مصادر دخل ميزان المدفوعات وارتفاع مصاريف الحكومة لمواجهة الوباء، وجدت مصر نفسها بحاجة إلى مساندة من صندوق النقد الدولي الذي وافق مجلسه في 26 حزيران/يونيو 2020 على ترتيب احتياطي مدته 12 شهرًا لمصر بنحو 5.2 مليار دولار أميركي.

يهدف هذا البرنامج الجديد إلى مساعدة مصر على مواجهة التحديات التي فرضتها جائحة كورونا من خلال دعم ميزان المدفوعات والميزانية. فضلاً عن ذلك، سيساعد البرنامج السلطات على حماية استقرار الاقتصاد الذي تم تحقيقه على مدى السنوات الثلاث الماضية (من 2016 إلى 2019)، ودعم الإنفاق الصحي والاجتماعي، وتعزيز مجموعة من الإصلاحات الهيكلية الرئيسية لبناء قويّة من أجل تحقيق الانتعاش المستدام في مصر لدعم النمو الشامل وخلق فرص العمل على المدى المتوسط. فعلى الرغم من هذه الصعوبات، توقّعت Fitch Solutions أنّ النمو في مصر سيبقى إيجابياً عند 2.6 في المئة خلال سنة 2020.

 

لبنان: أزمة الديون السيادية

 

يشكّل لبنان اليوم خير دليل على أنّ الديون السياديّة سيف ذو حدّين، إذا ما استثمرت النقود المستدانة لتنمية الاقتصاد وخلق فرص عمل، هلك ما تبقّى من الاقتصاد وانهارت البلاد. وهذا فعلاً ما حدث وما زال يحدث في لبنان حيث سجّلت نسبة الدين إلى الناتج الإجمالي المحلّي 160 في المئة، وهي من بين النسب الأعلى عالميًّا، وذلك دون أن تستثمر هذه الأموال في بناء اقتصاد صلب. نتيجة ذلك تدهور الاقتصاد ومع غياب الإصلاحات وارتفاع عجز الخزينة تخلّف لبنان عن تسديد خدمة الدين.

ليزداد الأمر سوءاً، في ظل شح الدولار وتدهور الليرة اللبنانيّة، أصبحت الديون السياديّة في العملات الأجنبيّة عبئا أكبر على البلاد حيث باتت الديون ذات تكلفة أعلى في العملة المحليّة ومن غير الواضح إلى ماذا سوف تؤول الأمور وإلى أي حد سوف تنهار العملة بعد فيزيد ثقل الدين أكثر.

 

هل تشهد منطقة اليورو أزمة جديدة؟

 

نشرت وحدة الاستخبارات الاقتصادية (Economist Intelligence Unit-EIU) تقرير بعنوان "أزمات الديون السيادية قادمة" وقد أعربت خلاله أن بعض البلدان المتقدمة قد تجد نفسها على المدى المتوسط ​ على حافة أزمة ديون. ومما يضاعف هذا الاحتمال حقيقة أن العديد من البلدان الأوروبية التي هي من بين أشد البلدان تأثراً بالوباء، مثل إيطاليا وإسبانيا، كانت تعاني من أوضاع مالية صعبة قبل تفشي وباء الكورونا. في الوقت نفسه، لا تزال دول جنوب أوروبا تتعافى من سنوات من التقشف وارتفاع مستويات الدين العام وشيخوخة السكان التي تكون أكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا فضلاً عن العجز المالي المستمر. لكن أزمة الديون في أي من هذه البلدان ستؤدي إلى اضطراب في الأسواق المالية.