بعد فشل مشروع الدمج مع "هوندا" رياح "نيسان" تتجه إلى الصين. هل "دونغفنغ" هي الحل؟
بعد فشل مشروع الدمج مع "هوندا" رياح "نيسان" تتجه إلى الصين. هل "دونغفنغ" هي الحل؟
-
خطار زيدان
تمر شركة "نيسان موتورز" اليابانية، إحدى أعرق شركات السيارات في العالم، بمرحلة دقيقة وحاسمة من تاريخها، وسط تحديات تشغيلية حادة، وتحولات تقنية عميقة في الصناعة، في وقت يتزايد فيه الحديث عن اندماج محتمل مع الشريك الصيني "دونغفنغ موتور"، في خطوة قد تعيد رسم خريطة الصناعة عالمياً، وتلقي بظلالها على الأسواق الإقليمية، بما في ذلك الشرق الأوسط.
تعزيز الشراكة مع دونغفنغ... نحو اندماج محتمل؟
تعود شراكة "نيسان" مع "دونغفنغ" إلى العام 2003 من خلال تأسيس مشروع مشترك "Dongfeng Nissan"، لكنها تشهد مؤخراً تحولاً نوعياً. ففي العام 2023، أُطلق الشريكان استراتيجية Qi DNA+، التي من ركائزها إنتاج 10 مركبات كهربائية جديدة في الصين بحلول 2026، بدء تصدير السيارات الكهربائية المنتجة في الصين إلى أوروبا وأفريقيا بدءاً من العام 2025 بطاقة مستهدفة تبلغ 100,000 وحدة سنوياً، والعمل على توسيع التعاون ليشمل الإنتاج المشترك في مصانع نيسان في بريطانيا (سندرلاند).
ورغم عدم الإعلان عن اندماج رسمي حتى الآن، يتحدث مراقبون عن احتمال اندماج استراتيجي كامل، خصوصاً في ظل رغبة "نيسان" في تخفيف اعتمادها على التحالف القديم مع "رينو- ميتسوبيشي"، الذي شهد توترات وعدم وضوح في الرؤية في السنوات الأخيرة، وبعد رحيل كارلوس غصن.
محاولات اندماج سابقة وتاريخ من التعثر
قبل الحديث عن سيناريو الاندماج المحتمل مع "دونغفنغ"، تجدر الإشارة إلى أن "نيسان" خاضت في السنوات الأخيرة محادثات عدة بشأن تحالفات أو اندماجات محتملة مع شركات أوروبية وآسيوية، كان آخرها مع شركة "هوندا"، لكنها جميعاً لم تثمر بسبب الخلافات التنظيمية أو القلق من فقدان الاستقلالية، والهوية المؤسسية، وذلك في ظل الضغوط التقنية والتحول نحو السيارات الكهربائية، وازدياد المنافسة الصينية. وهذه التجارب السابقة تعزز من تعقيد أي اندماج مستقبلي وتأثيره على هيكل "نيسان" التقليدي.
سيناريو الاندماج: مزايا وتحديات
الاندماج بين "نيسان" ودونغفنغ" اذا تم سينتج عنه كياناً آسيوياً ضخماً بإنتاج يفوق 5 ملايين سيارة سنوياً، وسيؤدي إلى توسع أعمق لـ "نيسان" في السوق الصينية، توسيع شبكة التوزيع والاستفادة من تواجد "نيسان" القوي في الغرب، تعزيز الكفاءة في التصنيع بدمج المنشآت، خفض التكاليف عبر الإنتاج المشترك واستغلال البنية الصناعية منخفضة التكاليف في الصين، تبادل المعرفة في تقنيات البطاريات والبرمجيات، وتقاسم الموارد في تطوير منصات مشتركة للمركبات وتسريع التحول إلى الطاقة الجديدة.
لكن هكذا اندماج ستواجهه تحديات مهمة، تتمثل في الاختلافات الثقافية والتنظيمية بين الشركتين، القيود التي تضعها الحكومات الغربية على العلاقات مع الشركات الصينية، تعقيد العلاقة مع "رينو"، الشريك الاستراتيجي الحالي.
التأثيرات المحتملة على أسواق الشرق الأوسط
في حال تحقق الاندماج، قد يشهد الشرق الأوسط تغيرات مهمة تتمثل في إعادة توزيع سلاسل الإمداد، ما قد يؤثر على التوافر والأسعار، دخول سيارات كهربائية بأسعار تنافسية من مصانع "دونغفنغ–نيسان"، إعادة هيكلة شبكات التوزيع والوكلاء في عدد من دول المنطقة، واستخدام دول الخليج كمراكز استراتيجية للتوسع نحو إفريقيا وآسيا.
تحديات مالية وتشغيلية تهدد توازن الشركة
يسعى إيفان إسبينوزا الذي تم تعيينه كرئيس تنفيذي لشركة "نيسان" اعتباراً من 1 نيسان/أبريل الماضي، لتسريع عملية إعادة الهيكلة وقيادة جهود التحول الاستراتيجي وتعزيز قدرات الشركة التنافسية وإعادتها إلى مسار الربحية بعد التراجع الدرامي في أدائها.
وقد أعلن أخيراًعن إغلاق سبعة مصانع للشركة بحلول السنة المالية 2027، على أن تنخفض الطاقة الإنتاجية السنوية من 3.5 ملايين وحدة في العام الماضي إلى 2.5 مليون وحدة، كما سيتم التخلص من 20 ألف وظيفة، وذلك بهدف خفض التكاليف التشغيلية بمقدار 500 مليار ين. وجاء ذلك مع الإعلان عن تكبد الشركة صافي خسائر بقيمة 670.9 مليار ين (4.5 مليارات دولار) للسنة المنتهية في شهر آذار/مارس الماضي.
ومنذ العام 2019، دخلت "نيسان" في دوامة من التراجع المالي، مع انخفاض كبير في الأرباح وتراجع الحصة السوقية في أسواق رئيسية مثل أميركا الشمالية والصين. وتفاقمت الأمور بسبب تداعيات جائحة كورونا، وأزمة سلاسل التوريد، وارتفاع أسعار المواد الخام، إلى جانب التأخر في التحول الجاد نحو السيارات الكهربائية مقارنة بمنافسيها.
واضافة إلى التحديات المالية والتشغيلية واجهت "نيسان" أيضاً اضطرابات هيكلية على مستوى القيادة العليا خلال السنوات الأخيرة. فقد استقال الرئيس التنفيذي السابق "هيروتو سايكاوا" في العام 2019 عقب فضيحة تتعلق بالمكافآت المالية، ما شكل أزمة ثقة داخل الشركة، وتم تعيين "ماكوتو أوشيدا" خلفاً له، مع مهمة إعادة بناء صورة الشركة وإعادة هيكلتها، والذي بدوره استقال من منصبه في شهر مارس 2025 الماضي بعد فترة من الأداء المالي الضعيف ومحاولات فاشلة لإنقاذ الشركة سواء من خلال خطط لم تنجح أو محاولات الاندماج مع شركات أخرى، وقد تم على الأثر تعيين إيفان إسبينوزا الذي كان يشغل منصب رئيس التخطيط، كرئيس تنفيذي جديد للشركة، لقيادة جهود التحول الاستراتيجي وتعزيز قدرات الشركة التنافسية وإعادتها إلى مسار الربحية بعد التراجع الدرامي في أدائها.
وقد أُعيد مؤخراً تنظيم العديد من الوحدات الداخلية في محاولة لتعزيز الكفاءة وتقليل الازدواجية بين "نيسان" وشركائها في التحالف الثلاثي. كما تم نقل بعض الصلاحيات الإدارية من اليابان إلى فروع إقليمية مثل أوروبا والولايات المتحدة، بهدف زيادة سرعة اتخاذ القرار في الأسواق الكبرى.
بين خطر التراجع المستمر والفرصة
لا شك أن "نيسان" تقف اليوم عند مفترق طرق، فإما أن تنجح في إعادة هيكلة نفسها بالاعتماد على قدراتها وشركائها، أو أنها ستذهب إلى تحقيق اندماج مع "دونغفنغ" أو مع شريك مناسب آخر، لضخ المزيد من الاستثمارات في البحث والتطوير، وتعزيز الابتكار والتقنيات الجديدة وتقديم منتجات متميزة وأكثر تنوعاً، تلبي توقعات العملاء. والفترة المقبلة ستبين لنا إن كانت ستنجح بإعادة التأثير بشكل فاعل على مستقبل سوق السيارات أو أنها ستواجه خطر التراجع المستمر أمام منافسين شرسين في سوق عالمية شديدة التغير.
الأكثر قراءة