لبنان: من عتمة الكهرباء إلى عتمة الإقتصاد

  • 2020-07-14
  • 11:43

لبنان: من عتمة الكهرباء إلى عتمة الإقتصاد

مجموعة "الاقتصاد والأعمال" تنظم ندوة حول قطاع الكهرباء تخلص إلى أن العتمة أعادت لبنان إلى العصر الحجري

  • بيروت - خاص - "أوّلاً - الاقتصاد والأعمال"

يشكّل قطاع الكهرباء العمود الفقري للإقتصاد الوطني ككل وبقطاعاته ومرافقه كافة، والواقع الذي يعيشه القطاع منذ سنوات عدة يشكل عقبة أساسية أمام أي مساهمة مالية سواء من صندوق النقد الدولي أو سائر مؤسسات التمويل الأخرى.

في ظل أيام العتمة التي يعيشها لبنان والأزمة المالية والاقتصادية الشديدة وبعد ما استنزف القطاع مخزون لبنان من العملات الأجنبية، أصبحت الإصلاحات الجذرية والتي تقنع المجتمع الدولي في الكهرباء المدخل الرئيسي للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي ولإحياء مساعدات مؤتمر "سيدر" وعودة الثقة بالدولة اللبنانية ومؤسساتها والا الإفلاس الشامل والعودة الى العصر الحجري.

هذه الخلاصات وردت خلال طاولة مستديرة نظّمتها مجموعة "الاقتصاد والأعمال" في مكاتبها تحت عنوان: "من عتمة الكهرباء إلى عتمة الإقتصاد" شارك فيها كل من: نائب رئيس مجلس الوزراء السابق غسان حاصباني، النائب ياسين جابر، وعضو مجلس إدارة الكهرباء سابقاً والخبير منير يحيى.

وتناولت الجلسة بشكل أساسي مشكلة الكهرباء على مستوياتها السياسية والمالية والمؤسساتية والقانونية والتشريعية، كما تناولت بالتفصيل حجم خسائر قطاع الكهرباء وتأثيراتها على الاقتصاد ككل.

 

الكهرباء المقوم الرئيسي للحضارة

 

وخلصت الجلسة إلى اعتبار الكهرباء المقوم الرئيسي للحضارة في أي بلد في العالم، إذ أشار المتحدثون إلى أن ما نشهده في هذه الأيام من ظلام وتقنين شديد أعادنا إلى العصر الحجري، فندرة الكهرباء تؤثر في القطاعات الخدماتية الأخرى وعلى رأسها الصحة والسياحة والاتصالات والمياه كما تؤثر على القدرة التنافسية للصناعات المحلية، لذلك، فإن الإصلاحات في قطاع الكهرباء في لبنان هي المفتاح الرئيسي لنجاح المفاوضات مع صندوق النقد والحصول على المساعدات من الدول والجهات المانحة. ورأى المتحدثون أن آلية  SPOT CARGO لاستيراد الفيول ليست عملية كون كلفتها مرتفعة وتبقينا رهن الحلول المؤقتة لا الحلول الجذرية للمشكلة، مشيرين في هذا السياق، إلى ضرورة التركيز على الهدر في النقل والتوزيع. 

وأكد المشاركون في الجلسة على أن تعيين مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان شكلي، إذ إن سلطة المحاصصة تقاسمت هذا المجلس وتبين من الأسماء الذين تمّ تعيينهم أنهم ليسوا فقط تابعين آو مقربين من الأطراف السياسية بل احدهم يحمل بطاقة حزبية، مشددين على أن عدم تعيين رئيس لمجلس إدارة المؤسسة هو التفاف واضح على القانون، وأن التعديلات المطروحة على الهيئة الناظمة تفرغها من مضمونها وتجعلها تحت سيطرة الوزير بشكل كامل. وعليه دعوا إلى تعيين مدراء بالأصالة للمديريات في مؤسسة الكهرباء، واتباع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص عند اي مفاوضات لمشاريع جديدة، بالإضافة إلى ضرورة فصل السياسة عن الوزارة واتباع انظمة الحوكمة.

 

غسان حاصباني

غياب الحوكمة

 

تحدّث رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة السابق غسان حاصباني مشيراً إلى أن مشكلة الكهرباء كلفت الاقتصاد 45 مليار دولار من مجمل الدين، و72 في المئة من هذه المليارات تمّ هدرها في الفترة الممتدة ما بين 2009 و2020 عندما باتت وزارة الطاقة في عهدة طرف سياسي واحد، وأوضح أن شعار المظلومية المعتمد "ما خلونا" ما هو إلا تبرير للفشل، إذ إن الخطة التي وضعها الوزير جبران باسيل العام 2009 تمّ التأكيد عليها غير مرة وحظيت بموافقة كل الأطراف السياسية.

اقتصادياً، دقّ حاصباني ناقوس الخطر لأن الكهرباء والفيول أويل يستنزفان مخزون مصرف لبنان من العملات الصعبة ما قد يدخلنا في النفق، للوصول إلى المس باحتياط الذهب.

وفي موضوع الحوكمة شرح حاصباني أن أنظمة الحوكمة تشير إلى إمكان وضع ملفات متعددة  في وزارة واحدة شرط ان تكون هناك هيئات ناظمة ومجالس إدارة مستقلة لا تخضع لأوامر من الوزير ولا لسلطة سياسية ولكن بسبب العقلية الحاكمة للوزارة التي تضرب معايير الحوكمة يجب أن يتم فصل الوزارة إلى وزارة مياه ووزارة كهرباء ووزارة موارد بترولية.

وخلص حاصباني إلى القول إن الحل الوحيد لمعالجة مشكلة الكهرباء يكمن في إجراء إصلاح حقيقي وتطبيق نظام الحوكمة على أمل الحصول على تمويل من صندوق النقد الدولي.

 

ياسين جابر:

القوانين لم تطبق

 

بدوره، شرح جابر أن الأزمة اليوم ليست فقط أزمة كهرباء بل هي أزمة وزارة الطاقة بالمجمل التي لم تنجح بحل ملفات استيراد الفيول والمولدات ومحطات التغويز وغيرها، وعدّد أبرز النقاط التي تدل على فشل وزارة الطاقة، والتي تمثلت في غياب خطة واضحة لبناء مخزون استراتيجي من النفط للبنان ما يبقينا رهن البواخر، وعدم تطبيق المادة الثانية من المرسوم 79 الذي يفرض انشاء جهاز خاص بالمديرية العامة للنفط لإدارة ملف المخزون، وعدم وضع أي خطة واضحة للمياه وعدم تطبيق القانون 2002 الذي ينص على الفصل بين التوليد والنقل والتوزيع، بالإضافة إلى غياب العدادات في مناطق بأكملها، وكذلك عدم تطبيق قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص الذي ينص ان كل مشاريع الشراكة في لبنان تخضع لبنود هذا العقد. 

وأوضح جابر أن الشروط الدولية الثلاثة لمساعدة لبنان واضحة وهي: الاصلاح في الكهرباء وللأسف تمّ الرد عليها بالتمسك باقرار معمل سلعاتا والتعيينات والقضاء المستقل تمّ الرد عليها بتجميد التشكيلات القضائية، اما الطلب الثالث وهو مدخل الحلول فيتمثل في قانون الشراء الذي  تخضع له مناقصات الدولة كافة من وزارات ومؤسسات وبلديات والتي تقوم بناءً عليه ادارة المناقصات بدور الهيئة الناظمة وتساعدنا على اقراره جهات دولية عدة منها البنك الدولي.

وأضاف جابر:"للأسف المجموعة السياسية الحاكمة للقطاع ليست مقتنعة حتى اليوم بضرورة السير بهذه الاصلاحات ما يحرمنا من المساعدات شرقاً وغرباً".

 

منير يحيى:

التمويل السياسي

 

إلى ذلك، أكد الخبير منير يحيى أن "العتمة هي نتيجة قرار القوى السياسية المتحكمة بالقطاع والتي حوّلته إلى مصدر رئيسي للتمويل السياسي"، وفي تفسير هذه المقولة شرح يحيى الأرقام الصادمة للخسائر في القطاع منذ 2005 وأبرزها، 8 مليارات دولار بسبب تشغيل معامل دير عمار والبداوي والزهراني على DIESEL، و 900 مليون دولار كلفة استئجار بواخر الكهرباء وهدر سنوي في النقل 400 مليون دولار، بالإضافة إلى سرقة  كهرباء في مناطق عدة.

وأضاف أنه الى جانب الهدر التقني هناك 3 مكونات رئيسية أخرى للكهرباء وهي المالي والمؤسساتي والقانوني:

مؤسساتياً، المدراء كافة هم مدراء فئة ثالثة لسبب رئيسي وهو كون موظف الفئة الثالثة يخضع بشكل تام للمدير العام في حين أن المدير العام لا يمكنه فصل موظف درجة ثانية من دون اللجوء إلى مجلس الخدمة المدنية.

مالياً، وبسبب غياب مدراء بالأصالة اصبحت آلية اقرار القرارات من قبل رئيس مجلس الإدارة افرادية. بحسب القانون 181\2011 تمّ اقرار 1.2 مليار دولار هبة لكهرباء لبنان شرط تعيين مجلس ادارة وهيئة ناظمة على أن تذهب سنوياً 700 مليون دولار أموال الجباية الى المؤسسة بشرط أن تكون هذه الأموال كافية لكافة مصاريف المؤسسة وتقوم الدولة في المقابل بتمويل الفيول، ويتم صرف هذه الأموال بقرارات أحادية من رئيس مجلس الإدارة ومن الأمثلة:

-عقد صيانة معملي دير عمار والزهراني 90 مليون دولار سنوياً.

-140 مليون دولار سنوياً اجار بواخر.

-20 مليون دولار اشراف على RECIPROCTAIN ENGINES.

-200 مليون دولار سنوياً لمقدمي الخدمات.

إلى ذلك، أشار يحيى إلى أن هناك آلية محكمة ليتمكن رئيس مجلس الإدارة من تمرير التمويل السياسي ما يجعل من تعيين مجلس الادارة شكلي ويشدد على اهمية دور الكتل النيابية للضغط لاجبار وزير الطاقة التقيد بالقوانين كافة وعدم الالتفاف حولها.

وفي خصوص الحلول، اشار يحيى إلى أنها ليست مستحيلة، ففي 6 أشهر يمكن أن نصل الى 22 ساعة تغذية على أن نصل الى تغذية تامة في سنة ونصف من دون رفع التعرفة كما اعلن الوزير غجر الى 16 سنتاً.