المطابخ السحابية ظاهرة ناجحة ستغزو المنطقة في المرحلة المقبلة

  • 2020-07-12
  • 21:14

المطابخ السحابية ظاهرة ناجحة ستغزو المنطقة في المرحلة المقبلة

  • رانيا غانم

المطابخ السحابية توجه يبرز بوتيرة متزايدة في بلدان الخليج وتحديداً الإمارات والسعودية، مدعوماً بالارتفاع الكبير في الطلب على خدمة طلب وتوصيل وجبات الطعام عبر الإنترنت، وقد سطع نجم الإمارات في الأعوام الأخيرة كمركز للشركات الناشئة الناشطة في مجال المطابخ السحابية، حيث بادر الكثير من رواد الأعمال، بمن فيهم الأجانب، إلى إطلاق مشاريعهم وتحقيق قصص نجاح خوّلتهم التوسع في أسواق المنطقة. 

 

المطابخ بنماذجها الثلاثة

 

المطابخ السحابية، والتي يطلق عليها أيضاً المطابخ الافتراضية أو المظلمة، هي تلك التي تخدم عملاء التوصيل فقط عبر تطبيقات توصيل الطعام المتوافرة مثل "طلبات" و"أوبر إيتس" و"ديليفرو" و"زوماتو" وغيرها العشرات، من دون فتح أبوابها للجمهور. ويسمح هذا المفهوم لمجموعة من المطاعم والعلامات التجارية المختلفة أن تقدم وجباتها من خلال مطبخ واحد ومشترك يعتمد على التكنولوجيا في الأنظمة المستخدمة في طلب المكونات والوجبات وتخزينها وتتبعها.

يوجد ثلاثة نماذج تجارية من المطابخ السحابية، ويتمثل الأول بتقديم المطبخ المجهز بكامل المعدات والخدمات التقنية كخدمة لأصحاب المطاعم القائمة والعلامات التجارية عبر عقود إيجار، وخير مثال على شركات ناشئة تقدم المطبخ كخدمة هي OneKitchen وKitchen Nation مقابل إيجار شهري يبدأ من 15 ألف درهم (4100 دولار) شهرياً، وثمة شركات تقدم إلى المطاعم البنية التحتية الحديثة، فضلاً عن الموظفين والطهاة ذوي الخبرة والتكنولوجيا المطلوبة لاستقبال طلبات الزبائن، وتساعد المطاعم في إدارة المطعم بفعالية وتسويق المنتجات، مثل Kitopi، التي تأسست في 2018، وتملك حالياً 30 مطبخاً في الإمارات والسعودية والكويت والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية.

ويتمثل النموذج الثاني بالمطابخ الافتراضية التي تبتكر أسماءها التجارية ومروحة متنوعة من أصناف الطعام والوجبات التي تخرج من مطبخ واحد. وخير مثال على هذا النوع من المطابخ الافتراضية هي شركة Sweetheart Kitchen التي تملك أكثر من 30 اسماً تجارياً خاصاً يخرج من مطبخ واحد، وتباع الأطباق على منصات توصيل الطعام عبر الإنترنت. يقول مؤسس شركة Sweetheart Kitchen بيتر شاتزبرغ: "امتلاك العلامات التجارية يعطينا الكثير من المرونة ويساعدنا على التحكم في تكلفة الطعام والمشتريات، ويسهل علينا تعديل قوائم الطعام حسب النتائج المحققة"، وتطبق هذا النموذج أيضاً شركة Jeetek Group التي تملك 20 مطبخاً وعشر علامات تجارية خاصة بها.

أما النموذج الثالث، فيتمثل بالمطابخ الشاملة التي يبادر أصحابها إلى القيام بسلسلة الإمداد بكاملها بدءاً من تجهيز المطبخ، مروراً بابتكار العلامات التجارية وقوائم الطعام وتحضيرها وصولاً إلى التكنولوجيا المطلوبة لتلقي طلبات الزبائن عبر الإنترنت وتوصيلها إلى العميل النهائي، وهذا النموذج لا يزال الأقل انتشاراً في بلدان الخليج، إذ تعتبر شركة Krush Brands الناشئة من القلة الذين اعتمدوا هذا النموذج.

 

رحلات النجاح

 

انتقل شاتزبرغ إلى دبي في بداية العام 2019 وهو يملك خبرة عريقة في هذا المجال، إذ أسس مطابخ افتراضية عدة في نيويورك، واضعاً نصب عينيه إحداث فرق إيجابي في صناعة توصيل الطعام في الإمارات، وتحسين تجربة العملاء. ويقول: "نظراً إلى تزايد أعداد الذين يطلبون وجباتهم عبر الإنترنت، باتت المطاعم تجد صعوبة في تلبية طلبات التوصيل من داخل مطاعمها، وهذا أتاح الفرصة للمطابخ السحابية للنمو والانتشار"، وتمكن شاتزبرغ في فترة لا تتعدى نصف العام من التوسع وإنشاء خمسة مطابخ سحابية على امتداد الإمارات، لافتاً إلى أن الشركة بدأت تحقيق الأرباح بعد 11 شهراً من افتتاحها، "علماً أن البدء بتحقيق الأرباح في هذا النوع من المطاعم يحتاج إلى عامين".

 

شاتزبرغ: المطابخ السحابية مصممة للتغلب على تحديات سلسلة الإمداد لتوصيل الطلبات

 

قرر مؤسس شركة One Kitchen جيمس كيلكولين، الذي يملك ويدير علامات تجارية عدة مثل Poke Poke، في العام 2018 تأسيس مطبخه السحابي الخاص، لأنه كان يعمد سابقاً إلى استئجار مساحة في مطابخ غيره لقاء عشرة آلاف درهم (2700 دولار) شهرياً، ما جعله أسيراً لمزاج صاحب المطعم الذي يقرر فجأة إنهاء العقد وإخراجه من المطعم. يضيف: "هذه العوائق دفعتني إلى إنشاء مطبخي الخاص وتأجير المساحة المتبقية إلى أصحاب علامات تجارية أخرى". ويؤكد كيلكولين أن الشركة تحقق الأرباح من اليوم الأول لإنشائها، ولاسيما أنه يستفيد من بدل إيجار العقار والخدمات التي يقدمها، ويخفض التكاليف التي سيتكبدها على علاماته التجارية. يتسع One Kitchen لنحو 40 علامة تجارية، ولديه قدرة إجمالية على تجهيز خمسة آلاف طلبية يومياً.

بدأت شركة Jeetek Group، الناشطة في مجال المطاعم منذ العام 2009، تفكر بكيفية الإفادة من مطابخها المنتشرة في الإمارات، وقررت منذ عام ونصف تطوير المزيد من العلامات التجارية الخاصة بها. ويشير مؤسس Jeetek Group جهاد العيط إلى أنهم استفادوا من فترة كورونا لتحويل جميع مطابخهم إلى سحابية مجهزة بأحدث التكنولوجيا، لافتاً النظر إلى أن كلفة افتتاح مطبخ افتراضي لا تتخطى 300 ألف دولار، وهي أقل من كلفة المطعم العادي الذي يحتاج إلى تصميم مميز. يقول: "نطمح لأن نصبح من أوائل المطابخ السحابية، وسنفيد من خبرتنا السابقة في بناء العلامات التجارية الناجحة ومن معرفتنا لاختراق السوق".

ضمان تحسين اقتصادات الوحدة والتحكم في الجودة دفع إيان أوهان، مؤسس شركة Krush Brands إلى اختيار النموذج الشامل. ويقول: "لا أؤمن بالنماذج التي تتنازل عن رسوم لأصحاب الامتياز أو للجهة التي تقوم بعملية التوصيل والتي تتراوح ما بين 25 و40 في المئة"، وتضم الشركة تحت سقفها أربع علامات تجارية وتعمل على إضافة ست علامات جدد. وتؤجر مطابخها لطهاة محليين ليقوموا بتصميم وتحضير قائمة طعامهم. يوجد لدى الشركة أكثر من مئتي سائق محترف، ويأتي أكثر من 60 في المئة من طلبات الطعام مباشرة إلى المنصة الخاصة بالشركة. لدى المطبخ القدرة على تجهيز أكثر من ألف طلب يومياً ويبلغ متوسط تسليم الطلبية 23 دقيقة. ويلفت أوهان إلى أن الشركة بما فيها شركة التكنولوجيا التي تتلقى طلبات الزبائن مربحة بعد خصم جميع النفقات. ويشكل السائقون 60 في المئة من العاملين لدى Krush Brands، حيث يتم تدريبهم على سائر العمليات ويصبحون أحياناً مديري المطبخ. ويضيف: "غالباً ما تستخدم شركات التوصيل التابعة لجهات خارجية السائقين المتعاقدين غير المدربين على التعامل مع سلامة الغذاء"، لافتاً الانتباه إلى أن برنامج التكنولوجيا المتوافر لدى الشركة يعطيهم التحكم الكامل بتجربة العملاء.

 

أوهان: تشكل خدمة التوصيل 25 في المئة من الكلفة، لذا المطلوب نموذج يشمل كامل سلسلة الإمداد

 

مزايا المطابخ الافتراضية

للمطابخ السحابية مزايا عدة تجعلها جاذبة لأصحاب العلامات التجارية، فهي تخول رواد الأعمال الإفادة من خدماتها بكلفة مقبولة. ويشير كيلكولين إلى أن الاستثمار في مطعم خاص يتطلب بحده الأدنى نصف مليون درهم (150 ألف دولار)، لكن الحصول على مساحة في مطبخ سحابي لا يتطلب أكثر من 30 ألف درهم (10 آلاف دولار) وهذا يشمل إيجار الشهر الأول والمواد الأولية المطلوبة لتجهيز الطعام والتعليب والتوضيب. ويضيف: "لا حاجة لأن يفكر المستثمر بكيفية تجهيز المطعم والطهاة، كل ما عليه التفكير به هو تقديم طعام عالي الجودة"، إلى جانب ذلك، يحتاج المطعم إلى ثلاثة أشهر على الأقل لتجهيزه وفتح أبوابه، بينما في المطبخ السحابي يمكن البدء بالعمل مباشرة. ويلفت كيلكولين أن مالكي العقارات يلزمون أصحاب المطاعم بتوقيع عقد لمدة ثلاث سنوات على الأقل، بينما المطبخ السحابي يعطي الزبون إمكانية استئجاره لمدة ثلاثة أشهر فقط، وهذا يخفض نسبة المخاطر.

تساهم المطابخ السحابية أيضاً في زيادة فعالية وكفاءة العمل وتحسين الإيرادات والأرباح، يقدرها أوهان بنسبة تصل إلى عشرة في المئة من خلال تشغيل علامات تجارية متعددة تحت سقف واحد مع منصة تقنية واحدة وأسطول توصيل واحد.  بدوره، يشير شاتزبرغ أن المطبخ الواحد يمكنه أن ينجز 150 صنفاً من الطعام في ساعة واحدة وإنهاء طلبية كل دقيقة. تساهم المطابخ أيضاً في تخفيض كلفة التوصيل، لأنها تؤمن للمجمعين وشركات التوصيل مروحة من الأصناف وأكثر من 40 علامة تجارية في مطبخ وموقع واحد، وبما أن المطابخ السحابية مخصصة لخدمات التوصيل فقط وليس لاستقبال الجمهور، فإنها لا تحتاج إلى مواقع جاذبة للجمهور وعلى الطرقات الرئيسية، إنما في منطقة فيها اكتظاظ سكاني. ويشدد كيلكولين على ضرورة إنشائها وفقاً لحاجة المكان المتواجدة فيه، لأن ذلك يقلل من إمكانية فشل المشروع.   

 

تداعيات كورونا

 

استمرت المطابخ السحابية في العمل خلال فترة كورونا، ملتزمة بالتدابير التي فرضتها الحكومة. ويشير كيلكولين إلى أن التزام الناس منازلهم وتوجههم نحو طهي طعامهم، فضلاً عن فقدان الكثير من الناس لوظائفهم أو خفض رواتبهم أثّر على سوق طلبات توصيل الطعام، لافتاً إلى تراجع بنسبة 20 في المئة بالطلب خلال الفترة الأولى من الأزمة، لكن بعد عودة الحياة الطبيعية تدريجياً عاد الطلب ليرتفع بنسبة مئة في المئة. 

لكن شاتزبرغ يخالف كيلكولين الرأي، إذ إن الشركة حققت نمواً خلال تلك الفترة في حجم الطلبات والسلة المطلوبة، ويضيف: "كنا نتوقع أن يكون النمو خجولاً، وقررنا أن نخصص هذا الوقت لتحسين الأنظمة المستخدمة والإجراءات، لكن الواقع كان مغايراً وتحسنت أرباحنا كثيراً في تلك الفترة". لكن بحسب رأيه، المنافسة ارتفعت كثيراً في تلك الفترة، إذ إن جميع المطاعم حاولت التحول إلى تقديم خدمة توصيل الطعام، وبعضها فشل وأغلق أبوابه والشركات التي لديها الخبرة والمعرفة اجتازت الأزمة بنجاح.

بدوره، يؤكد العيط أن الطلب تراجع في الشهر الأول من الجائحة، لكن سرعان ما تحسن بعد أن أثبتنا اتخاذنا لإجراءات السلامة العامة كافة. ويضيف: "عاد الطلب إلى ما كان عليه قبل الجائحة حالياً".

 

العيط: السر وراء نجاح المطاعم السحابية إنشاء علامة تجارية ناجحة وطعام ذات جودة عالية

 

آفاق نمو المطابخ السحابية

 

يجمع أصحاب المطابخ السحابية على الإمكانات والفرص الهائلة الكامنة في هذا القطاع، ويشير أوهان إلى أن سوق توصيل وجبات الطعام ستنمو بوتيرة متسارعة الأمر الذي سيخلق أرضاً أكثر خصوبة لأصحاب المطاعم السحابية. وتشير الإحصاءات وفق العيط، أن حجم سوق طلب وجبات الطعام عبر الإنترنت بلغ 6 مليارات دولار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في العام 2019، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 11.9 مليار دولار في 2026. ويلفت النظر إلى أن 60 في المئة من عائدات المطاعم المتوافرة تأتي من خلال الطلبات عبر الإنترنت، وقد تصدرت السعودية قائمة الدول العربية في حجم طلب وجبات الطعام عبر الإنترنت والإمارات في المرتبة الثانية. وبلغت نسبة اختراق الطلب عبر الإنترنت في السعودية 30 في المئة. ويضيف العيط أنه ثمة قدرة شرائية لدى السكان في تلك البلاد، لذا ثمة إمكانات هائلة للنمو والتوسع، مشدداً على أهمية تقديم علامات تجارية ناجحة وطعام ذات جودة عالية.

 

جاذبة لرأس المال المغامر

 

تتجه أنظار شركات رأس المال الجريء أكثر إلى هذا النوع من الشركات الناشئة في الفترة المقبلة لأنها أثبتت نجاحها، وقد تمكنت شركات المطابخ السحابية من إغلاق جولات تمويلية في عزّ أزمة كورونا، وحصلت شركة Sweetheart Kitchen على تمويل بقيمة 24 مليون دولار، ستستخدم عوائدها، وفق شاتزبرغ، لافتتاح منشآت جديدة في دبي والكويت والسعودية. ويقول: "المطابخ السحابية ظاهرة، وستكون حلاً فعالاً لسوق توصيل طلبات الطعام في المستقبل"، لافتاً إلى أن صناعة المطابخ السحابية ستصبح أكثر نضجاً في المرحلة المقبلة، وسيتوجه الكثير من رواد الأعمال إلى هذه الصناعة، لأن الكثير من المطاعم لن تتمكن من العودة مجدداً إلى العمل بعد جائحة كورونا.

ونجحت شركة Kitopi في إغلاق جولة تمويلية من الفئة "ب" بقيمة 60 مليون دولار، ستستثمر في افتتاح 50 موقعاً إضافياً في الأسواق المتواجدة فيها ومئة موقع حول العالم. تعمل Kitopi حالياً مع مئة علامة تجارية تشمل Pizza Express وUnder500 وغيرها.

 وتخطط One Kitchen لافتتاح عشرة مواقع في منطقة الشرق الأوسط، وتنوي شركة Jeetek Group إضافة علامات تجارية جديدة ليبلغ عددها 15 في العام الحالي و25 علامة تجارية في 2021 وتقديم 500 طلبية يومياً، وتحضر شركة Krush Brands لإدخال جيل جديد من تقنية المطابخ لتحسين كفاءة العمليات التشغيلية بدءاً من أنظمة نقاط البيع، إدارة أسطول التوصيل وتحسين تجربة العملاء فضلاً عن صيانة المعدات وإدارة سلامة الغذاء، وتعتزم الشركة التوسع إلى أسواق استراتيجية في المنطقة، ويضيف: "ستكون المطابخ جاهزة لتلبية جزء كبير من هذا الطلب، ولكن أخشى أن تعاني الشركات التي تعتمد على طرف ثالث لرخص الامتياز أو للتوصيل من صعوبة في تحقيق الأرباح، لذا المطلوب نموذج عمل أكثر استدامة".

 

 

أسطول النقل الخاص بشركة Krush Brands