جائحة "كوفيد- 19" تسرّع انتشار الشركات الناشئة الرقمية

  • 2020-07-02
  • 07:59

جائحة "كوفيد- 19" تسرّع انتشار الشركات الناشئة الرقمية

صناديق الاستثمار الجريئة: الاستثمارات ستتركز على الاقتصاد المعرفي في المرحلة المقبلة

  • رانيا غانم

صحيح كانت لجائحة فيروس كورونا المستجد تداعيات سلبية على اقتصاد العالم والشركات الكبيرة والصغيرة، لكن انعكاساتها الإيجابية كانت واضحة على بعض الشركات الناشئة المعروفة بديناميكيتها وتحديداً تلك القائمة على الحوسبة السحابية والمواكبة للتحول الرقمي مثل: منصات التجارة الإلكترونية ومزودو خدمات الاستشفاء والتعليم عن بعد ومنصات التوصيل وغيرها. 

وفي جلسة نقاشية (Webinar) نظّمها موقع "أولاً-الاقتصاد والأعمال" حول تداعيات أزمة كورونا على أداء الشركات الناشئة والسيولة، والخطوات التي اتخذتها لإدارة الأزمة، أجمع المتحدثون على أن الشركات العصرية والمواكبة للتطور التكنولوجي والرقمي أفادت من الأزمة وتمكّنت من زيادة عدد المستخدمين والنمو والتوسع.

 

منصور: بعد كورونا ستنخفض أسعار الشركات الناشئة وتصبح أكثر منطقية

 

 

التحول الرقمي... سرّ النجاح

 

"إن التطور التكنولوجي سمح للدول بالهجرة السريعة نحو التحول الرقمي، ولولاه لما تمكّنا من الخروج من الأزمة"، قال الشريك الإداري في Middle East Venture Partners (MEVP) وليد منصور، لافتاً إلى أن وقع أزمة كورونا على بعض الشركات كان أخف من أزمة 2008 والسبب هو التكنولوجيا، وأضاف أن القطاعات التي تعتمد على التكنولوجيا أو التي كانت لديها الجهوزية التامة للتحول الرقمي لم تتأثر سلباً، لا بل شهدت نمواً في حجم أعمالها وفي الطلب على منتجاتها، وهذا الواقع لم ينطبق على الشركات التي تعتمد على الطلب، إذ تأثرت عائداتها حتماً بسبب تراجع نسبة الإنفاق الذي اقتصر على الأساسيات نتيجة فقدان جزء كبير من الناس لأعمالهم أو تراجع منسوب دخلهم، وأضاف منصور: "ثمة تحديات عدة تقف عائقاً أمام تحول الشركات الرقمي، تتمثل في توافر الطاقات البشرية المطلوبة لتطبيق هذا التحول الجذري".

 

 

اللغاني: المرحلة المقبلة ستشهد الكثير من عمليات الدمج والاستحواذ لخلق نموذج اقتصادي أفضل

 

ارتفاع نسبة اختراق التجارة الإلكترونية

 

أجمع رواد الأعمال على أن أزمة كورونا عزّزت دور المنصات الإلكترونية وبدّلت سلوكيات المستهلكين وسرّعت عملية توجههم إلى شراء المنتجات والخدمات الإلكترونية عبر الإنترنت، وأكّد الشريك الإداري في ِشركة رأس المال الجريء Faith Capital والمؤسس لمنصة Floward عبد العزيز اللغاني لبيع الزهور والهدايا أن نسبة اختراق التجارة الإلكترونية عالمياً ارتفعت خلال فترة كورونا بنسبة تفوق النمو التراكمي لها خلال عشر سنوات، لافتاً النظر إلى أن ما يحصل في المنطقة العربية مشابه لما حصل في العالم. وأضاف: "على الرغم من الانكماش الاقتصادي، إلا أن حجم التجارة الإلكترونية ارتفع بشكل ملحوظ"، وقدرت سوق الأزهار والهدايا في الخليج بنحو 1.5 مليار دولار، وفق اللغاني، لافتاً إلى أن 99 في المئة من المبيعات تتم عبر التجزئة التقليدية، لكن "النمو الذي شهدناه في الشهور الأربعة الماضية لم نر مثيلاً له على مدار مسيرتنا"، وأكد اللغاني أن قطاع التجارة الإلكترونية دخل مرحلة نمو غير عادية، وتوقع أن يتخطى العشرة في المئة سنوياً. وتلبية لهذا الطلب، تعتزم Floward المتمركزة في الكويت التوسع إلى الإمارات والسعودية خلال المرحلة المقبلة.  

 

 

دودين: كورونا عزّزت فكرة الاستثمار في العملات الرقمية كأصول بديلة عن الذهب والعقارات

 

العملات الرقمية أصول بديلة

 

وفي سياق متصل، انعكست أزمة كورونا إيجاباً على قطاع التقنيات المالية، حيث تبلورت أهمية التداول بالعملات الرقمية مثل البيتكوين والإثيريوم وغيرها. ولفتت المؤسس والرئيس التنفيذي في منصة التداول الرقمية Bitoasis علا دودين الانتباه إلى أن الأزمة عزّزت فكرة الاستثمار في العملات الرقمية كأصول بديلة عن العملات التقليدية والعقارات والذهب. وتقول: "شهدنا ارتفاعاً في عدد المتداولين على المنصة منذ منتصف شهر آذار/مارس ونمواً في نسبة الإيرادات، وباتت الناس أكثر حشرية للتعرف على العملات الرقمية"، وأشارت إلى ارتفاع عدد العملاء الجدد الذي كان الجزء الأكبر منهم من الخليج وتحديداً الإمارات والسعودية. لقد واجهت الشركة بعض التحديات حتماً خلال فترة الإغلاق التام تمثل بكيفية إدارة الشركة عن بعد والحفاظ على إنتاجية مرتفعة خصوصاً في مجال تطوير منتجات جديدة. ولفتت دودين إلى أنه مع ارتفاع الطلب وعدد المتداولين باتت الحاجة ملحة إلى رفع الإنتاجية وخلق عدد أكبر من المنتجات التي كانت تقدم قبل الأزمة. وتقول: "اضطررنا إلى تغيير طريقة العمل وتكثيف الاجتماعات للتأكد من أن كامل الفريق يعمل بكامل طاقاته وقدراته، وتمكنا فعلاً من ملاقاة الطلب ومن إدارة الفريق بطريقة فعالة بحيث قدم كل موظف كامل طاقاته الإنتاجية. طريقة العمل هذه، غيّرت مفاهيمنا وفتحت أعيننا على إمكانية اعتماد اللامركزية وبالتالي تشكيل فرق عمل صغيرة بأكثر من بلد بتكلفة أقل وبسرعة أكبر.

 

آل مرعي: الطلب على السيولة والتمويل سيكونان في أعلى مستوى ما بعد كورونا

 

كورونا يُسرّع انتشار التكنولوجيا المالية

 

سلطت أزمة كورونا الضوء على شركات التقنيات المالية وقدرتها على إيجاد الحلول المالية للشركات الصغيرة والمتوسطة، وأشار مدير منصة Beehive في السعودية نزار آل مرعي، إلى أن أزمة كورونا أثرت بشكل كبير على أداء الشركات الصغيرة والمتوسطة وأدت إلى تعثر بعضهم حيث ارتفعت نسبة طلبات التأجيل على سداد القروض. ولكن Beehive قررت التعاون مع تلك الشركات لتحاشي انهيارها وضمان استرداد أموالها. وقال آل مرعي إن كورونا حثت الأفراد على التفكير باستخدام التكنولوجيا للإقتراض بدلاً من التوجه إلى المؤسسات المالية والاختلاط بالآخرين، لافتاً إلى أنها سرّعت انتشار الشركة ونموها في السوق"، ويضيف: "كنا نواجه مشكلة في إقناع الشركات والأفراد باعتماد بعض المنتجات المالية الإلكترونية، لكن أزمة كورونا فتحت لنا الباب واسعاً لإطلاقها".

 

الاستشفاء عن بعد... في عزه

 

المنصات المطورة للتقنيات تسهل الوصول إلى الخدمات الطبية كانت في أوج عزها خلال فترة الأزمة. "إنها الفترة الذهبية ونقطة تحول مهمة جداً للقطاع"، قال الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي في "نالا" عثمان أبا حسين، موضحاً أنه لدى سؤال المستخدمين عن فائدة هذا النوع من المنصات، كان الجواب يأتي أنها تسهل وتبسط الإجراءات وكأنها خدمة كمالية، ولكن بعد أزمة كورونا أصبح هذا النوع من الخدمات من الأساسيات.  ويضيف: "لقد كنا جاهزين لهذا التحول، وتعاملنا مع هذه التحولات بشكل صحيح لذا شهدنا نمواً جيداً"، ولفت عثمان أبا حسين إلى أن الطلب على الخدمات التي تقدمها المنصات الطبية تضاعف ثلاث مرات خلال فترة كورونا، وقد شكل هذا ضغطاً كبيراً على "نالا" للتجاوب مع الطلب المتأتي، وهذا الأمر دفعها إلى تمديد فترة الاستجابة من خمس دقائق ما قبل كورونا إلى ثلاثين دقيقة بعد الأزمة. وأشار إلى أن التحدي الآخر تمثل في اتجاه منافسين كبار مثل المستشفيات والصيدليات إلى التحول الرقمي وحصولهم على حصة كبيرة في السوق.

 

 

هلال: التحدي ما بعد كورونا هو في التمويل والحصول على السيولة

 

كذلك المنصات الإلكترونية المتخصصة في التعليم، بما فيها الحديثة النشأة تمكنت من الاستمرار على الرغم من الظروف الاستثنائية. ولفت الشريك المؤسس في منصة 2Bfluent مازن هلال، المتخصصة في ممارسة تعلم اللغات، إلى أن التغير في سلوك المستهلكين سمح لهم بالنمو والتطور. 

 

 

كبريت: التوجه في المستقبل هو إجراء عملية بيع السيارات عبر الإنترنت

 

تراجع مبيعات السيارات

 

تجربة كورونا لم يكن لها الوقع الإيجابي ذاته على بعض الشركات الناشئة، فمنصة Seez الإلكترونية لبيع السيارات، شهدت تراجعاً غير مسبوق في مبيعات السيارات خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والسبب يعود، وفق الشريك المؤسس طارق كبريت، إلى أن مصاريف المستهلكين خلال فترة كورونا كانت تقتصر على المواد الغذائية والاستهلاكية، لكن كبريت لفت إلى ارتفاع في نسبة المبيعات بدءاً من حزيران/يونيو.

 

شح السيولة يفرض الانتقائية في اختيار المشاريع

 

إن التباطؤ الاقتصادي الذي شهدته البلدان وتراجع أسعار النفط سيؤثر حتماً على السيولة، وسيؤول إلى تراجع شهية المستثمرين في السنوات الخمس المقبلة، وأشار منصور من MEVP إلى أن القدرات التمويلية باتت متوافرة بشكل محدود وليس بالوفرة ذاتها كما قبل، لذا، أولويات الصناديق اختلفت، ومن لديه السيولة سيتعرض لضغط أكبر، وسيكون أكثر انتقائية في اختيار المشاريع والشركات الناشئة التي سيتم الاستثمار فيها، إذ إن الاستثمارات ستتركز في القطاع الرقمي، ويضيف منصور أن تقييم الشركة وقيمتها سينخفضان وسيكون ثمة تصحيح للأسعار. سابقاً، كان نجاح الشركة مؤشراً للاستثمار فيها، ولكن بات ثمة وزن أعلى لاقتصاديات المشروع ومراحل تطوره ونموه وقدرته على الاستمرارية، وستتطلع شركات رأس المال الجريء إلى عمر الشركة الناشئة ومتى ستستثمر فيها أي
الـ vintage year، ولكن هذا قد يكون إيجابي للصناديق كونها ستحصل على أسعار جيدة.

بدوره، أشار اللغاني إلى أن المؤشرات لا تزال إيجابية نظراً إلى أن الصناديق ملتزمة باستثماراتهم والبرامج لا تزال مستمرة. وقال: "الصناديق لا تزال تبدي رغبتها في الاستثمار بالاقتصاد المعرفي"، لافتاً الانتباه إلى أن شهية المستثمرين لن تتغير، لا بل ثمة شركات رأس مال جريئة ستدخل إلى السوق، واضاف أن المرحلة المقبلة ستشهد الكثير من عمليات الاستحواذ والدمج ولاسيما من قبل كيانات صغيرة لخلق نموذج اقتصادي جدواه أفضل، موضحاً أن بعض نماذج الأعمال والاستثمارات القديمة ستزول وسيتم إعادة هيكلة جدية لبعض الشركات.

 

فقاعة ما بعد كورونا

 

ستتمكن الشركات الناشئة ولاسيما التي واكبت التحول الرقمي، من تحقيق نجاحات غير مسبوقة في المستقبل، وأكد عثمان أبا حسين أن السوق ستشهد في فترة ما بعد كورونا فقاعة لم نشهدها من قبل. وقال: "الارتفاع في الطلب سيولد ضغطاً كبيراً سيحتم علينا زيادة الإنتاجية، وسنحاول الإفادة من التكنولوجيا لتلبية هذا الطلب.

بدورها، تشير دودين إلى أن كيفية الحصول على السيولة غير واضحة المعالم بعد، مؤكدة أهميتها لتسريع مشاريع التوسع والنمو"، ولفتت إلى أهمية الدور الذي ممكن أنه تلعبه الشركات المالية في قطاع البنوك ومنصات التداول لأن كل الشركات الكبيرة تتطلع إلى كيفية التأقلم مع العملات الرقمية " وهذا جيد بالنسبة لنا"، نرى التأقلم في أسواق أكبر كالولايات المتحدة وهذا سينعكس على منطقة الشرق الأوسط.

من جهته، أكد كبريت ضرورة أن تحافظ الشركات على السيولة المتوافرة لديهم للتمكن من الاستمرار للأشهر المقبلة. أما الشركات التي تمكنت من الحصول على تمويل من شركات رأس المال الجريء، فينبغي الإفادة منه لتطوير منتجات جديدة تجعلهم جاهزين وتخولهم المنافسة في المرحلة المقبلة، وتوقع أن يشهد موقع Seez المزيد من الارتفاع في الطلب، ولاسيما أن التوجه في المرحلة المقبلة سيكون عدم مشاركة السيارات أو ركوب التاكسي تحاشياً للاختلاط، وقد أظهرت الإحصاءات في الصين، أن 30 في المئة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 25 و37 عاماً كانواً لا ينوون شراء السيارات، لكن الأزمة بدلت مفاهيمهم وباتوا يريدون شراءها، وقال إن ثمة تحولاً كبيراً نحو بيع السيارات عبر الإنترنت، علماً أن عملية الشراء إلكترونياً من الأصعب لأنها تحتاج إلى الكثير من الخطوات كالتأمين والحصول على القرض وتسجيل السيارة، فضلاً عن أنها ثاني أغلى منتج بعد العقارات. وتعمل Seez مع عدد من المعارض التي تعتزم التحول إلى البيع الإلكتروني، وتسعى حكومة دبي إلى إطلاق برنامج لتسجيل السيارات واستكمال عملية شرائها إلكترونياً، كذلك المصارف تسعى إلى تسهيل الإجراءات لإعطاء الموافقة على قروض السيارات إلكترونياً.

واعتبر آل مرعي، أن العالم كان يحتاج إلى حدث مثل كورونا للتحول إلى المجال التقني، مؤكداً أن المستقبل سيكون أفضل بكثير من قبل. وقال: "ثمة شركات ستدفع الثمن للأسف والمستثمرون سيستغلون الأزمات بحثاً عن الفرص الاستثمارية"، ولفت آل مرعي النظر إلى أن الطلب على السيولة والتمويل سيكونان في أعلى مستوى نتيجة حاجة الأزمة إلى القروض ما بعد الأزمة. واضاف: "التحدي بالنسبة الى الممولين سيكون في المرحلة المقبلة هو أهلية الشركات الصغيرة، لذا، ستكون متحفظة في منح السيولة وحريصة على معرفة قدرة الشركات على السداد وعلى استمرارية عملها بشكل صحي، ولفت إلى أن هذه الأزمة ستفرز السوق وستكون المرحلة المقبلة مرحلة تصفية للشركات الهشة والتي لا تنتمي إلى العصر الحديث، أما الشركات التي تمكنت من مواكبة التطور والتحول الرقمي ستنهض وتنتعش.