لا وقوع في المصيدة التركية!

  • 2020-06-24
  • 13:02

لا وقوع في المصيدة التركية!

  • نبيه البرجي

كاتب وصحافي لبناني

ماذا لو وصلت الدبابات التركية في ليبيا الى الحدود مع مصر؟

حين استولى "الاخوان المسلمون" على السلطة في مصر، وقد تزامن ذلك مع اندلاع التظاهرات في سورية، قال الصحافي التركي البارز جنكيز تشاندار إن رجب طيب اردوغان بدا واثقاً من أنه سيدخل، بين ليلة وضحاها إلى دمشق، ويختال على صهوة حصانه (حصان السلطان) في فناء الجامع الأموي ...

أردوغان كان يعتبر أن السيطرة على كل من مصر وسورية تعني، تلقائياً، إعادة السيطرة على سائر مفاصل العام العربي، بما في ذلك الخليج، ليعلن من مكة عودة الخلافة العثمانية. بالتالي استقطاب العالم الإسلامي، من دون أن تتوقف طموحاته العثمانية والسلجوقية، عند هذا الحد.

بذلك الغباء الفذ، لم يدرك أن القوى العظمى رسمت خطوطاً حمراء حول تركيا. لا عودة للسلطنة في حال من الأحوال. إزاحة الجيش المصري محمد مرسي، وصحبه، عن السلطة كان بمثابة الضربة الأولى (منطقياً الضربة القاضية) على رأس أردوغان، قبل أن يأتي الدخول الروسي الى سورية، لينحصر الدور التركي في زاوية محددة علّه يضغط، تكتيكياً، بالنيوانكشارية التي تكدست في مناطق ادلب، كي لا يخرج خاوي الوفاض من الغرنيكا السورية.

 كيف قرر الرئيس التركي الذهاب الى ليبيا ولماذا؟ منذ أن كان رئيساً لبلدية إسطنبول، وقصيدته الشهيرة "مآذننا حرابنا، قبابنا خوذاتنا، مساجدنا ثكناتنا"، لم يتوقف خياله عن محاولة استخدام الايديولوجيا في اختراق التاريخ، وفي اختراق الجغرافيا، تماماً كما فعل السلاطين الآخرون، من دون أن يدري أن المعادلات الدولية تغيرت كثيراً، وأن عودة الأمبراطوريات القديمة باتت أكثر من مستحيلة.

ربما كان السؤال الأكثر إثارة: من أعطاه الضوء الأخضر للانتقال إلى ليبيا؟ تالياً، الامساك بالبوابة الشرقية، وبالبوابة الغربية، للبحر الأبيض المتوسط، مع ما لذلك من تفاعلات استراتيجية محورية.

ايمانويل ماكرون الذي حذر من "اللعبة التركية الخطيرة"، والذي قال إن حلف شمال الأطلسي في حالة الموت السريري، يتهم الرئيس دونالد ترامب بأنه هو من شق الطريق أمام أردوغان كونه حصان طروادة الأميركي، وبعد ان كان قد عرض على البيت الأبيض اقامة كوندومينيوم (حكم ثنائي) تركي ـ اسرائيلي لإدارة الشرق الأوسط.

ها هو في قطر، أي في قلب الخليج، وعلى الشواطئ الليبية قبالة القارة العجوز. التغطية الأميركية لا تقبل الجدل. كما لو أن البيت الأبيض يتوخى بعثرة البلدان الحليفة لاستنزافها جيوسياسياً، وجيواستراتيجياً. هذا ما يحدث فعلاً ...

في القاهرة، سمعنا كلاماً من قبل أن الوضع الدولي، كما الوضع الإقليمي، في منتهى الضبابية، وثمة من يحاول استدراج مصر إلى الدخول في "الحالة الليبية"، وحيث المصيدة الكبرى.

التعاطي مع الأزمة (أو الأزمات) هناك كان حذراً للغاية، وإن كان الجميع يعلم أي هزات ارتدادية يمكن أن يحدثها صراع المصالح، وصراع الاستراتيجيات، في الدولة التي تجمعها ومصر حدود يتعدى طولها الـ 1115 كيلومتراً.

هذا مع اعتبار أن باحثين مصريين ما زالوا على اعتقادهم بأن ليبيا تمثل، كمدى جيوسياسي وكمدى جيواقتصادي، ومع وجود حقول النفط والمناجم المعدنية، ناهيك عن الثروات الزراعية وبرصيد ديموغرافي ضئيل للغاية، خشبة الخلاص لمصر بالانفجار الديموغرافي، وبالمساحة المحدودة لدلتا النيل.

المصريون توجسوا كثيراً من تواجد أردوغان في الدولة الجارة، والشقيقة، ومما كان يردهم من معلومات حول محاولته زج بلادهم في الفوضى الليبية، وهو الذي احترف اللعب داخل مستنقعات النار. القرار المصري كان حاسماً: لن نتردد لحظة في تدمير قوات أردوغان إذا ما اقتربت من حدودنا!

الاليزيه أبلغ الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن خطط أردوغان، وحيث التقاطع الفرويدي بين لوثة التاريخ ولوثة الأيديولوجيا، لا تتوقف عند حدود طرابلس وبنغازي. صهيل الخيول العثمانية عند اسوار فيينا (سنة 1683 ) في أذنيه، كما إنه لا يزال يرى في مصر شبح محمد علي باشا وهو يسعى لتقويض السلطنة.

موقف القاهرة وصل الى أردوغان. إياكم ... ورقصة الأبالسة. متى كانت لحصان طروادة أذنان؟!