السعودية تتصدّر قطاع التكرير في الشرق الأوسط"

  • 2020-06-14
  • 08:03

السعودية تتصدّر قطاع التكرير في الشرق الأوسط"

  • حنين سلّوم

تخوفاً من تراجع أسعار النفط واحتمال انخفاض الطلب على الصادرات ورغبةً في تنويع مصادر الدخل وإضفاء قيمة على المنتجات النفطية، عمد منتجو النفط في الشرق الأوسط إلى تطوير عمليّات التكرير. هذه العمليات التي تصدرتها المملكة العربية السعودية في المنطقة بلا منازع وقد عززت ريادتها في هذا المجال بفضل شركة أرامكو.

يشكّل تكرير النفط أحد أبرز عمليّات الـ downstream التي تتضمّن تكرير النفط الخام و معالجته وتنقية الغاز الطبيعي وتحويله إلى منتجات عدة ليتم تسويقها وتوزيعها على  المستهلكين.

لا تنحصر الأسباب بما ذكر بل تمتد لتشمل تلبية الطلب المتزايد في بلدان الشرق الأوسط على المنتجات النفطية وهو أيضاً جزء من محاولة تنويع القاعدة الصناعية في المنطقة بعيداً عن الإنتاج الأولي للصناعات الجديدة القائمة على الهيدروكربونات، بما في ذلك البتروكيماويات والتصنيع. في الواقع، إنها خطوة استراتيجية طويلة الأمد، إذ من المتوقع أن يصل الطلب على النفط في العالم إلى ذروته نحو سنة 2040، وفقاً لصندوق النقد الدولي، فيصبح الغاز ومصادر الطاقة المتجددة أبرز مصادر الطاقة.

 

الطاقة الإنتاجيّة لمصافي الشرق الأوسط

 

بلغت طاقة التكرير في الشرق الأوسط نحو عشرة ملايين برميل يوميّاً، وقد احتلّت المملكة العربيّة السعوديّة المركز الأول منتجةً نحو 3.6 ملايين برميل يوميّاً أي ما يعادل 36 في المئة من إجمالي المنتجات المكرّرة في الشرق الأوسط، وقد تلتها على صعيد دول مجلس التعاون الخليجي دولة الامارات العربيّة منتجةً 0.9 مليون برميل يوميّاً.

 

 

تعالج المصافي النفط الخام وتقوم بتكريره لتحويله إلى منتجات بترولية نهائية مختلفة، وتأتي ربحية المصفاة من الفرق في القيمة بين النفط الخام الذي تقوم بمعالجته والمنتجات البترولية التي تنتجها، كما يأتي معظم هامش المصفاة من المنتجات الخفيفة ذات القيمة الأعلى مثل البنزين والديزل ووقود الطائرات التي تنتجها، فضلاً عن ذلك، تنتج المصافي أيضاً بعض المنتجات المنخفضة القيمة مثل زيت الوقود كما تنتج أيضاً قيمة إضافية من خلال إنتاج بعض المنتجات المتخصصة الصغيرة الحجم، ولزيادة هوامشها، استثمرت مصاف عدة في وحدات التحويل لزيادة قدرتها على تشغيل خامات أقل تكلفة أو لزيادة إنتاجها من المنتجات العالية القيمة ولذلك تكلفة رأسمالية عالية.

 

تداعيات الأزمة على المنتجات المكرّرة

 

أدّى تطوير عمليات التكرير في الشرق الأوسط خلال العقد الماضي إلى ارتفاع القدرة الإنتاجية في المنطقة ما كان له آثار على التدفقات التجارية للمنتجات البتروليّة، فقد شكّل منتجو الشرق الأوسط مصدراً جديداً للمنافسة خصوصاً مع المصافي الآسيويّة والأوروبيّة، وهو ما أدّى إلى تراجع هوامش الربحيّة في السنوات الماضية، وأيضاً شكّل الديزل والبنزين أبرز المنتجات التي كرّرتها مصافي الشرق الأوسط سنة 2019 مشكّلةً 30 و20 في المئة على التوالي من المنتجات المكرّرة.

 

 

في الواقع، غالباً ما يعوض التكرير انخفاضات أسعار النفط في الأسواق العالميّة حيث تنمو الهوامش والطلب عادةً مع انخفاض أسعار النفط الخام، ولكن الوضع مختلف خلال الأزمة الحاليّة. فبينما تنخفض أسعار النفط الخام بسبب ارتفاع كميّة المعروض هناك أيضاً انخفاض سريع في الطلب محلياً ودولياً على المنتجات المكرّرة، ويأتي انخفاض الطلب نتيجة تفشّي وباء كورونا في العالم أجمع، والذي أدّى إلى إغلاق أجزاء كبيرة من الاقتصاد وقطاعات مختلفة، علماً أن البنزين كان من بين أكثر المنتجات تضرّراً، وقدّر المحللون تراجع الطلب بنحو النصف خلال الأشهر الماضية بسبب التعبئة العامّة ومنع جميع أشكال التجول.

أدّى تراجع الطلب إلى اضطرابات في المصافي والتخزين وشبكات التوزيع كما شكّل انخفاضاً حاداً في الهوامش أو crack spread وهو فارق السعر بين برميل النفط والمنتجات البتروليّة المكرّرة منه، وقد شهد العديد من الأسواق فروقات سلبية وفقاً لأحد تقارير إدارة معلومات الطاقة الأميركية (EIA). وفي مثل هذه الحالات، تضطر المصافي إمّا إلى توقيف عمليّاتها لفترة زمنيّة محدّدة أو إلى التصدير إلى الأسواق الأقل تضرّراً من الوباء مثل أفريقيا على سبيل المثال وذلك لعدم تكوين مخزون وتكبّد مصاريف تخزين اضافيّة.

 

المملكة العربية السعودية رائدة بفضل أرامكو

 

حلّت المملكة العربيّة السعوديّة الأولى في الشرق الأوسط من حيث الطاقة الانتاجيّة للمصافي وذلك تماشياً مع سعي شركة الزيت السعودية العربية، أرامكو، منذ سنوات عدة إلى تنويع مصادر دخلها، خصوصاً بعد الأزمات التي تعرّض لها النفط وكان آخرها سنة 2015 قبل أن يتعرّض في السنة الحاليّة إلى أزمة لعلّها الأسوأ على مرّ التاريخ. وتعمل أرامكو على الاندماج الكامل عبر سلسلة القيمة الهيدروكربونية لأنّه السبيل للحصول على أقصى قيمة من موارد الشركة أي تعمل على توسيع عمليّاتها في مجال التكرير لتصبح مجمّعاً متكاملاً لمعالجة النفط منذ استخراجه (upstream) حتّى تكريره ومعالجته (downstream).

لتحقيق ذلك، قامت الشركة بخطوات عدة على الصعيد الدولي والمحلّي مثل الاستحواذ على 50 في المئة من شركة Arlanxeo التي أسست كمشروع مشترك بين أرامكو السعوديّة وشركة Lanxess الألمانيّة سنة 2016 قبل أن تستحوذ أرامكو في كانون الأول/ديسمبر 2018 على جميع أسهم الشركة، كما قامت في نيسان/أبريل 2019 بالاستحواذ على حصة شركة شل العربية السعودية للتكرير المحدودة (Shell) البالغة 50 في المئة في مشروع مصفاة ساسرف (Sasref) المشترك في مدينة الجبيل الصناعية لدمجها في محفظة أعمالها المتنامية في قطاع التكرير والمعالجة والتسويق لتواصل الشركة أداء دورها الرائد في مجال التكرير والكيماويات.

ومن بين أبرز الخطوات التي اتخذتها أرامكو لتطوير عمليّات التكرير كان الاستحواذ على 70 في المئة من أسهم الشركة السعودية للصناعات الأساسية، سابك، وهي الشركة الرائدة في قطاع البتروكيماويات لتكون قد دمجت بذلك عمليّات الاستخراج والتكرير بين عمالقة قطاعي الطاقة والبتروكيماويّات في المملكة.

من المتوقّع أن تمثّل المواد الكيماوية نحو ثلث النمو في الطلب العالمي على النفط ما بين 2018 و2030، كذلك، من المرجّح أن تضيف البتروكيماويات ما يقارب سبعة ملايين برميل في اليوم من الطلب على النفط في حلول سنة 2050 لتصل إلى 20 مليون برميل في اليوم، وتسعى شركات عدة في الشرق الأوسط إلى الاستفادة من هذه الفرصة عبر تنمية استثماراتها في مصاف الأسواق الاستهلاكيّة مثل الصين والهند واليابان وفييتنام وماليزيا وغيرها من البلدان، وذلك عبر الدخول في مشاريع مشتركة في مصاف هذه الدول حيث تقوم غالباً بتأمين النفط لهذه المصافي التي تحوّله إلى منتجات مختلفة. فالهند مثلاً رابع أكبر مكرّر للنفط في العالم، علماً أنّها ثالث أكبر مستورد للنفط، وهي مصدّر للوقود المكرر وتسعى إلى زيادة طاقتها الانتاجيّة بنحو 60 في المئة في حلول العام 2025.