صندوق النقد الدولي: انكماش الاقتصادات العربية يتجاوز التوقعات

  • 2020-06-08
  • 23:07

صندوق النقد الدولي: انكماش الاقتصادات العربية يتجاوز التوقعات

جهاد أزعور في حوار خاص مع "اوّلاً- الاقتصاد والأعمال": ديون المنطقة سترتفع حُكماً

  • مروان النمر

أثبت صندوق النقد الدولي أنه لاعب أساسي، إن لم يكن الأول، بين مؤسسات التمويل الدولية والإقليمية، لمساعدة البلدان على مواجهة جائحة كورونا، من خلال آلية الإقراض السريع التي أطلقها فور انتشار الفيروس بقيمة 100 مليار دولار.

أما على صعيد العالم العربي، فيشهد نشاط صندوق النقد الدولي تطوراً ملحوظاً منذ تولي د. جهاد أزعور إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، لما يتمتع به من حنكة وخبرة، ومعرفة باقتصادات دول المنطقة ومشاكلها الهيكلية، وتفهم لمتطلباتها التمويلية والفنية. وانسحب هذا النشاط على مرحلة مواجهة كورونا، من خلال سرعة الاستجابة إلى طلبات القروض المقدمة من الدول عربية، فقدّم لسبع منها تمويلات بقيمة إجمالية تفوق 14 مليار دولار حتى الآن، في حين يُتوقع ان يزيد دعم الصندوق لبلدان المنطقة بنسبة 75 في المئة العام 2020 عن العام السابق.

في نيسان/أبريل الماضي، توقع صندوق النقد الدولي أن يؤدي كورونا إلى انكماش نمو الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعدل 3.3 - في المئة للعام 2020، أي ما يعادل حذف 425 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي لدول المنطقة، لكن أزعور يكشف في مقابلة خاصة الى "أولاً – الاقتصاد والأعمال" أن تراجع نمو المنطقة سيتجاوز هذه التوقعات، ملقياً الضوء على سيناريوهات انتقال الاقتصادات العربية إلى المرحلة الثانية من مواجهة الأزمة والمتمثلة بإعادة تحريك الاقتصاد.

 

كلفة الجائحة المباشرة

يرى مدير الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي د. جهاد أزعور في حوار خاص مع "أوّلاً- الاقتصاد والأعمال" أن "دول المنطقة أصبحت على مشارف نهاية المرحلة الأولى وبداية المرحلة الثانية من التعامل مع تداعيات فيروس كورونا، حيث تركزت الأولى على مواجهة الجائحة، من خلال اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية حياة الناس، والتي أدّت إلى انخفاض كبير للحركة الاقتصادية، فقامت الحكومات بخطوات سريعة ومتنوعة لتأمين أكبر قدر ممكن من الاستقرار الاقتصادي، ولاسيما على مستوى المالية العامة، وبلغت تكلفة هذه الإجراءات ما بين 2.7 إلى 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لدول المنطقة، كمعدل وسطي، مع وجود تباين في حجم الدعم والمبادرات بين دول المنطقة بحسب الوضع الاقتصادي لكل بلد".

ويضيف أن هذه المرحلة "تميّزت أيضاً بتقديم وزارات المال والبنوك المركزية في معظم الدول العربية لحزم مالية متنوعة لتخفيف الأعباء عن الشركات والقطاعات المتضررة، كتأجيل الضرائب وتخفيف الرسوم وخفض الفوائد وتقديم الدعم للقطاع الخاص، ولاسيما للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة".

صندوق النقد الدولي قدّم 14 مليار دولار

لدول المنطقة حتى الآن

ويوضح أزعور أن "منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالتزامن مع كورونا، عانت من صدمة موازية تمثلت في انخفاض أسعار النفط، ما أثر على الدول المصدرة بشكل مباشر، والتي يُتوقع ان تتراجع صادراتها بقيمة 250 مليار دولار هذا العام، كما أثر على الدول المستوردة بشكل غير مباشر، لناحية انخفاض التدفقات الرأسمالية والاستثمارية وخروج الأموال من أسواقها المالية، والأهم من ذلك تراجع تحويلات العاملين في الخارج، حيث تّعدُّ دول مجلس التعاون الخليجي، بعد أوروبا، ثاني أكبر مصدّر لهذه التحويلات عالمياً، ومعظمها تتجه نحو دول المنطقة القريبة كمصر ولبنان والأردن ودول المغرب العربي".

 

معالم المرحلة الانتقالية

في ما يتعلق بالمرحلة الثانية، يشير أزعور إلى أن "دول المنطقة بدأت تخرج تدريجياً من الإجراءات الصارمة التي اتخذتها للحدّ من انتشار كورونا، لكن هذه المرحلة تتسم بتحديات عدة، تنقسم إلى خارجية وتتمثل في سرعة خروج الاقتصاد العالمي من الأزمة وكيفية تطور أسعار النفط، وإلى تحديات داخلية تتعلق بمدى سرعة وقدرة حكومات المنطقة على التكيف ومباشرة تحريك العجلة الاقتصادية، ولاسيما الدول المستوردة للنفط والتي تأثرت بشدة قطاعات حيوية لاقتصاداتها، كقطاع السياحة المهم جداً لكل من مصر وتونس والمغرب والأردن ولبنان".

إلى ذلك، فإن "التحدي الإضافي هو الحفاظ على المكتسبات، وأولها يتعلق بصحة المواطنين، عبر معالجة نقاط الضعف التي برزت على صعيد الصحة العامة، وإعطاء الأولوية من حيث الإنفاق لهذا القطاع، وصندوق النقد الدولي يلعب دوراً محورياً في هذا الإطار من خلال آلية المساعدة الطارئة (Rapid Facility) التي تمّ إقرارها لمواجهة كورونا واستفادت منها العديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل سريع".

 

نحن على مشارف الانتقال

من مواجهة الجائحة إلى تحريك الاقتصاد

 

ويتابع أزعور: "دول المنطقة في مرحلة انتقالية، تتمثل في الخروج من مواجهة كورونا إلى إعادة تحريك الاقتصاد والتكيّف مع مرحلة مختلفة عما كان عليه الاقتصاد العالمي والإقليمي قبل الجائحة، مما يتطلب من حكومات المنطقة الإسراع في القيام بكل ما يلزم لتحريك اقتصاداتها، ولاسيما أن العديد من الدول العربية دخلت أزمة كورونا وهي في وضع اقتصادي ضعيف أصلاً، ولديها معدل نمو أقل من المطلوب بكثير لتخفيض البطالة وخلق الوظائف ورفع مستوى الوضعين الاقتصادي والاجتماعي".

 

وصفة النهوض

ما هي متطلبات الانتقال إلى المرحلة الثانية؟ يجيب أزعور: "المطلوب اليوم من الحكومات العربية القيام بالخطوات اللازمة كافة لتحريك عجلة الاقتصاد وتحسين الإنتاجية وتنشيط الاستثمار. ومن أبرز الإجراءات الضرورية لتحقيق هذه الأهداف تسهيل حركة القطاع الخاص، المحرك الأول للاقتصاد، والمساهمة في تكبير حجم التمويل المتوفر للشركات، ولاسيما المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. فاستكمالاً للمبادرات التي أطلقتها وزارات المال والبنوك المركزية في عدد كبير من الدول العربية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، هناك ضرورة حالياً لإعادة ضخ حيوية وتمويل لتنشيط حركة القطاع الخاص، كاتخاذ الإجراءات الكفيلة بتخفيض كلفة الإنتاج، وتخفيف البيروقراطية الإدارية، بالإضافة إلى دعم بعض القطاعات الأكثر تأثراً بالأزمة كالسياحة والطيران والزراعة".

 

جذب الاستثمار المباشر سيكون

أكثر صعوبة في الفترة المقبلة

 

ويُنوّه أزعور بمستجدٍ برز كإحدى النقاط المضيئة لكورونا، "ويتمثل في قطاع التكنولوجيا الذي ساهم بشكل كبير في تحسين قدرة المجتمعات والاقتصادات على مواجهة آثار الأزمة. وعليه، من الضروري استفادة دول المنطقة من هذا التطور، خصوصاً وأنها تمتلك مجتمعات شابة ومتعلمة، وبالتالي من الضروري الاستثمار في التكنولوجيا للتحول إلى قطاع منتج ومولد للوظائف".

 

فيروس الدَين

يشدد أزعور على أن "الحفاظ على الاستقرار المالي هو خط الدفاع الأول لدى الدول العربية، خصوصاً أن عدد بلدان المنطقة ذات مستوى الدَين المرتفع زاد بشكل ملحوظ في الأعوام الأخيرة، ولاسيما الدول المستوردة للنفط التي يعاني ثلثيها من مستوى دَين يفوق نسبة 80 في المئة من ناتجها المحلي، ما يستوجب التنبؤ والتحوط لمخاطر ارتفاع الدَين، وتخفيف مخاطر ارتفاع العجز على الاقتصاد، وذلك من خلال تجنّب الخيارين المتمثلين بالحصول على قروض بفوائد مرتفعة أو تمويل الحكومة على حساب القطاع الاقتصادي (Crowding Out)".

ويتوقع أنه "مع تراجع النمو وتأثير ذلك على الإيرادات الحكومية، فإن حجم الدَين في معظم الدول العربية سيرتفع حكماً، ويتم معاجلة ذلك من خلال مسارين، الأول تكبير حجم الاقتصاد بما يتيح للدول تخفيف عبء الدَين من دون زيادة أعبائه على المواطنين. والمسار الثاني، القيام بإصلاحات بنيوية تزيد إنتاجية الاقتصاد وتعزز التمويل للقطاع الخاص وتحسن سوق العمل، بموازاة تخفيض عبء الدولة على الاقتصاد والذي يعتبر المسبب الأول لارتفاع مستوى الدَين".

 

دَين دول المنطقة سيرتفع حُكماً

 

ومع انخفاض أسعار النفط، يرى أزعور أنه "أصبح بإمكان الدول التي لم ترفع الدعم حتى الآن عن المحروقات والكهرباء، وهو دعم غير هادف ومجحف اجتماعياً، أن تحول جزءاً من هذا الدعم إلى المنظومة الصحية والقطاعات الإنتاجية، وأن تعيد النظر في سياسات الحماية الاجتماعية وتوجيهها نحو دعم الفئات الأكثر تضرراً وتهميشاً كالعمالة غير الرسمية التي تأثرت بدرجة كبيرة جرّاء كورونا".

 

ثلاثية النمو

"الهدف في أي سياسة اقتصادية يجب أن يكون تحسين حياة الموطنين وتخفيف التشوهات الموجودة"؛ بحسب أزعور. ولتحقيق ذلك على صعيد الدول العربية، فإنها "تحتاج إلى معدلات نمو أعلى، مما يتطلب تحسين إنتاجية الاقتصاد، والجهة الوحيدة القادرة على لعب هذا الدور هو القطاع الخاص، لكنه بحاجة إلى مساحة أكبر كي ينمو، وعلى الحكومات تأمين هذه المساحة من خلال تحسين بيئة الأعمال وتخفيض كلفة التمويل، كذلك هنالك مجموعة من الإجراءات الواجب تسريعها، كتخفيف المعوقات من أمام الحركة الاقتصادية والتجارية الإقليمية ورفع مستوى المشاركة بين اقتصادات المنطقة لخلق أسواق أكبر، بالإضافة إلى تخفيف البيروقراطية وتحفيز الاستثمار في قطاع التكنولوجيا والاتصالات".

 

المعادلة الذهبية العربية:

القطاع الخاص، التكنولوجيا، التعاون الإقليمي

 

ويعتبر ازعور أن "كورونا شكّل فرصة لإبراز قدرة الحكومات والمجتمعات والاقتصادات في المنطقة العربية على سرعة التحرك، وعلى الخروج من الروتين التقليدي، وإمكانية التعاون بين القوى الثلاث المتمثلة في الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وهذا النموذج يجب أن يستكمل ويسخر لعملية النهوض الاقتصادي داخل كل بلد، ولخلق مساحة جديدة من التعاون الاقتصادي العربي لتوسيع حجم السوق، ولاسيما مع بروز تحديات جديدة بما يتعلق بمنظومة التجارة العالمية وسلاسل الإمداد وضرورة تنويع مصادر الإنتاج. وعلى سبيل المثال، فإن تخفيف المعوقات من أمام الحركة الاقتصادية بين دول المغرب العربي يؤدي إلى رفع النمو بنسبة 1 في المئة لهذه البلدان كافة ولسنوات عدة، وكذلك الأمر بالنسبة الى دول مجلس التعاون الخليجي. باختصار، يجب التركيز على تعزيز دور القطاع الخاص والاستثمار في التكنولوجيا وتفعيل منظومة التعاون الإقليمي".

 

بوصلة الاستثمار الخارجي

 

يفصح أزعور أن "الدول العربية خلال الأعوام الخمسة الماضية كانت جاذبة للإستثمارات الرأسمالية إلى المحافظ (Portfolio Investments) أكثر بكثير من استقطاب الاستثمارات المباشرة. وبفعل كورونا، تعرّضت معظم الأسواق المالية في المنطقة، كغيرها من الأسواق الناشئة، لموجة نزوح رساميل، لكن بعد هذه الموجة، التي كانت في أشدها خلال شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل الماضيين، شهدنا استقراراً ملحوظاً في حركة الأسواق وعودة تدريجية للمستثمرين من خارج المنطقة، ولاسيما إلى سوق السندات، حيث أصدرت قطر سندات بقيمة 10 مليارات دولار، والسعودية 7 مليارات، وأبوظبي 7 مليارات، ومصر 5 مليارات، والبحرين مليارين، ولاقت هذه الإصدارات إقبالاً كبيراً من المستثمرين".

 

موجة نزوح الأموال

من البورصات العربية انحسرت

 

أما بالنسبة إلى الاستثمارات الخارجية المباشرة، فيرى أزعور أنه "ستكون هناك صعوبة في استقطابها خلال المرحلة القريبة المقبلة، وهناك ضرورة لقيام الحكومات العربية بخطوات نوعية ومبتكرة وغير مسبوقة لتحفيز هذه الاستثمارات وجذبها، فالإستثمار المباشر يتطلب استقراراً اقتصادياً وآفاق نمو مرتفعة ورؤية واضحة ومناخاً مؤاتياً ومشجعاً وحجم سوق كبيراً، فضلاً عن بيئة استثمار تتميز بتخفيف الإجراءات والبيروقراطية التي تعيق عمل المستثمر".

 

قروض العرب

عن تقديره لحجم خسائر دول المنطقة الناجمة عن كورونا حتى الآن، يكشف أزعور أن "صندوق النقد الدولي اليوم في طور إعادة تقييم الأرقام والتوقعات لهذا العام، وخلال أسبوعين تتضح الصورة"، لافتاً إلى أنه "في نيسان/بريل الماضي كانت المعطيات تشير إلى تراجع النمو الاقتصادي للمنطقة بنسبة 4 في المئة كمعدل عام، لكننا نتوقع أن يصبح هذا التراجع أكبر مما كانت عليه التوقعات قبل شهرين".

بالنسبة إلى القروض لدول المنطقة، يعلن أزعور أن "الصندوق تلقى طلبات للحصول على دعم مالي من نحو 10 دول عربية، وعملنا على إقرار معظمها بشكل سريع، فتم تقديم قروض لكل من مصر والمغرب وتونس والأردن وموريتانيا وجيبوتي والصومال بقيمة إجمالية تناهز 14 مليار دولار، كما يتم حالياً درس طلب لبنان للحصول على قرض سريع، وكذلك تقدم العراق باستفسار لكنه لم يطلب قرضاً حتى الآن"، متوقعاً أن يزيد تمويل الصندوق لدول المنطقة خلال العام 2020 بنسبة 75 في المئة عن العام الماضي.

 

القروض المقدمة من صندوق النقد الدولي

لدول عربية لمواجهة كورونا

مصر 8 مليارات دولار
المغرب 3 مليارات دولار
الأردن 1.7 مليار دولار
تونس 745 مليون دولار
موريتانيا 130 مليون دولار
جيبوتي 44 مليون دولار
الصومال 334 مليون دولار*

* مساهمة في تمويل جهات مانحة