إعادة فتح دور الحضانة في لبنان: محاولة لتعويض الخسائر

  • 2020-06-04
  • 15:05

إعادة فتح دور الحضانة في لبنان: محاولة لتعويض الخسائر

  • كريستي قهوجي

بدأت الحياة تعود تدريجياً إلى طبيعتها في لبنان وطالت معظم المؤسسات الاقتصادية والتربوية، من بينها دور حضانة الأطفال حيث سمحت وزارة الصحة العامة بإعادة فتح هذه الدور بدءاً من 8 حزيران/يونيو الحالي، بعد إقفال دام لأكثر من شهرين نتيجة إجراءات التعبئة العامة التي اتخذتها الحكومة لمواجهة جائحة كورونا، وأتت هذه الخطوة بعد أن تمّ تأجيل فتح الحضانات لمرتين بسبب الخشية من التقاط الأطفال للعدوى ونقلها بشكل سريع إلى ذويهم.

وشكّل إقفال الحضانات ضربة قوية للقطاع الذي يضم 508 مؤسسات مرخّصة من وزارة الصحة ويعمل فيها 4600 موظف، وبلغت خسائر القطاع مئات ملايين الليرات شهرياً، الأمر الذي دفع بنقابة أصحاب دور الحضانة في لبنان إلى دق ناقوس الخطر ورفع الصوت عالياً أمام وزير الصحة حمد حسن لمطالبته بإعادة فتح أبواب هذه المؤسسات في أسرع وقت ممكن، لتمكينها من الاستمرار في العمل على الرغم من كل الصعوبات التي تمرّ بها. واشترط قرار إعادة الفتح عدم تجاوز عدد الأطفال في دور الحضانة 25 في المئة من قدرتها الاستيعابية، وتعهّد الأهل خطياً بتحمّل المسؤولية الكاملة لإرسال أطفالهم إليها في مقابل إلتزام هذه الدور بالإجراءات الوقائية والصحية بشكل كامل. فهل ستستطيع العمل مجدداً في ظل الظروف الاقتصادية والصحية الصعبة؟

 

عودة بخسائر فادحة

 

تاريخياً، لعب قطاع دور الحضانة في لبنان دوراً أساسياً وفاعلاً في الحياة اليومية خصوصاً لناحية تسهيله حياة الأم العاملة التي حافظت، ولا تزال، على إنتاجية الاقتصاد اللبناني إلى جانب إعالة أسرتها في ظل الظروف الصعبة، بالإضافة إلى تأمينه وظائف لعدد كبير من الأشخاص الذين يتقاضون أجوراً ثابتة ويستفيدون من خدمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، كما شّكل رافعة أساسية للطفل الذي يتلقى اهتماماً مميّزاً ورعاية تفوق في بعض الأحيان تلك التي يعيشها مع ذويه، بالإضافة إلى تأمين التعليم المناسب لسنّه ومهاراته.

وفي المقابل، أدى الإقفال التام للحضانات بسبب  تفشي فيروس "كوفيد-19" إلى تراجع مواردها ومداخيلها المالية بشكل كبير، وسط غياب الدعم المالي للحكومة اللبنانية وإصرارها على فرض الضرائب والرسوم وجباية اشتراكات الكهرباء والمياه، بالإضافة إلى فواتير المولدات الخاصة، والتأمين الخاص، وأجور العمال والموظفين والإيجارات. وفي هذا الإطار، ترى رئيسة نقابة أصحاب دور الحضانة في لبنان هناء جوجو في حديث إلى "أولّاً-الاقتصاد والأعمال" أن مداخيل الحضانات ستتراجع أكثر بعد إعادة الفتح نتيجة فقدان بعض الأهل لأعمالهم واتباع البعض الآخر لسلّم أولويات جديدة في مصاريفه، الأمر الذي قد يهدّد استمرارية عمل هذا المرفق، مشيرة إلى أن القطاع تأثر بشكل قاسٍ بسبب الوضع الاقتصادي المتردي.

وتضيف جوجو أنه بعد بناء منظومة مؤسساتية لتغيير مفهوم الحضانة من كمالية إلى ضرورية طيلة السنوات الماضية، وجد القطاع نفسه في أسفل الإدراك خصوصاً بعد أن أقفلت مؤسساته منذ الأول من شهر آذار/مارس الماضي، معتبرة أن الخسائر المادية جسيمة وقد تؤدي إلى الإقفال النهائي لمؤسسات القطاع.

وتعتبر أن المصاريف المترتبة على كاهل صاحب الحضانة ضخمة خصوصاً في ظل غياب المداخيل المالية، مشيرة إلى وجود خسائر معنوية تتلخّص بإنقطاع الموظفين عن العمل وعدم قدرتهم على متابعة نمو الأطفال الذهني بشكل سليم، بالإضافة إلى عدم قدرة المؤسسات على التطور والتقدّم في ظلّ هذه الظروف.

وحول الإجراءات التي ستتخذها دور الحضانة حول وباء  كورونا، توضح جوجو أن المؤسسات ستوجّه توصيات إلى ذوي الأطفال وستؤمّن دليلاً لمديريها حول كيفية تطبيقها، مضيفة أنه سيتم عرض فيديوهات توعوية حول الوباء على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل أسبوعي، وتأمين تدريبات مع اختصاصيين عبر تقنية مؤتمرات الفيديو ومشاركة الأنشطة مع الأطفال واعتماد مبدأ التعقيم اليومي كي تكون عملية إعادة الفتح مؤّمنة من كل الجهات.

من جهة ثانية، تركت أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد آثاراً معنوية سلبية عند الأطفال الذين حرموا من الذهاب إلى دور الحضانة لفترة طويلة، ناهيك عن العاملين في القطاع في الوقت نفسه. وفي هذا الصدد، توضح جوجو أن الأطفال سيعانون من كسل كبير في العضلات بشكل عام، وعدم القدرة على التحليل وإيجاد حلول للمشاكل، بالإضافة إلى إصابتهم بالبدانة نتيجة جلوسهم لفترات طويلة أمام شاشات التلفزة ما يجعل من أدمغتهم معطلة عن العمل الصحي، والإصابة بالكآبة والقلق وتأثرهم بسلبيات الجو العام والتمثّل به.

وتقول إن موظفي القطاع سيفقدون مداخيلهم وسيغرقون في الديون في ما يعدّ صاحب الحضانة الأيام للعودة إلى الإنتاجية.

في لبنان، انتشرت دور الحضانة في كل المناطق وشكّلت أداة مهمة في تحريك عجلة الاقتصاد من خلال استقبالها لنحو 22 ألف طفل سنوياً. وفي هذا الاطار، تعتبر صاحبة حضانة "Petit à Petit " في بيروت كارلا اسطفان أن إقفال دور الحضانة كان و لا يزال الحل الوحيد للحدّ من مخاطر نقل عدوى فيروس كورونا، مشيرة إلى أن الخسائر المادية كثيرة على مؤسستها وعلى الموظفين وهناك خوف كبير على مستقبل دور الحضانة في لبنان.

وحول الإجراءات التي ستتخذها بعد إعادة فتح المؤسسة، تؤكد اسطفان أنها ستتخذ كل الاجراءات والمعايير التي وضعتها وزارة الصحة وستعمل على تأمين السلامة لجميع الاشخاص في الحضانة من خلال التعقيم وإجراءات الوقاية.

بدورها، ترى صاحبة حضانة "Rouge et Bleu" في بيروت كاتي صليبي أن إقفال الحضانات أدى إلى انعدام مداخيلها المالية وسط المستحقات المالية التي تتوجّب عليها تجاه موظفيها وعمالها بالإضافة إلى نفقات الصيانة والضمان الاجتماعي وغيرها من الأمور الأخرى.

وحول الاجراءات التي ستتخذها، تؤكد أنها ستلتزم بكل معايير السلامة من خلال الحدّ من الاختلاط بالأهالي وتسليم أطفالهم عن بعد وغسل اليدين بشكل جيد واستخدام صابون للتعقيم بشكل كامل والتعقيم للأغراض.

 

كيف ستخرج دور الحضانة من أزمتها؟

 

ترى هناء جوجو أن عودة الحياة إلى الحضانات باتت أمراً ضرورياً للأم العاملة المهدّدة بخسارة عملها خصوصاً مع اتباع هذه المؤسسات للإجراءات الوقائية التي فرضتها وزارة الصحة وتطبيقها سياسة التباعد أثناء الأنشطة، مشيرة إلى أن ارتياد الطفل للحضانة أفضل بكثير له من ذهابه إلى أمكنة عامة غير مضمونة النتائج على الصعيد الصحي.

وتطالب الدولة بتأمين الدعم المادي كي تتمكّن دور الحضانة من الصمود والاستمرار في عملها.

أما كارلا اسطفان، فتعتبر أن هذا القطاع مهم جداً ولكن الدولة لم تتعامل معه بالأهمية اللازمة، مشيرة إلى أنه إذا لم تحظ الحضانات بدعم خاص من قبل الدولة فمستقبل هذا القطاع مهدد وخصوصاً الحضانات الصغيرة التي تستقبل عدداً صغيراً من الأطفال، مشددة على ضرورة عمل المعنيين للحفاظ على استمرارية هذا القطاع.

بدورها، تعتبر كاتي صليبي أن الحل الوحيد لعودة الحياة الى الحضانات هو الفهم الجيد لجائحة كورونا ومدى تأثيره على الأطفال من خلال الدراسات العلمية مما يسمح لهم بالعودة الآمنة إلى المؤسسات، مشدّدة على ضرورة تأمين المحفزات الاقتصادية لدور الحضانات كي تستمر في عملها بشكل طبيعي.

في المحصّلة، قطاع الحضانات في لبنان يعاني من خسائر فادحة وعلى الدولة أن تتحرّك لتأمين الدعم المادي اللازم مع الأمل بأن تكون عودة الحياة اليها محفزاً لباقي القطاعات بتجاوز الأزمة الاقتصادية والصحية.