العملات المركزيّة الرقمية إلى التداول ما بعد كورونا؟

  • 2020-05-27
  • 16:15

العملات المركزيّة الرقمية إلى التداول ما بعد كورونا؟

  • حنين سلّوم

في ظل انتشار وباء كورونا في العالم أجمع، عاد الحديث عن ضرورة إطلاق العملات المركزيّة الرقميّة إلى الواجهة مجدداً، وذلك إثر تراجع استخدام الأموال النقديّة لتفادي أي نوع من الاتصال مع الآخر.

في بريطانيا مثلاً، انخفض استخدام النقود الورقيّة والصراف الآلي بنسبة 50 في المئة خلال فترة وجيزة بعد انتشار الوباء وفي ألمانيا، حيث تلقى فيها النقود الورقيّة شعبيّة أكثر من البلدان الأوروبية المجاورة، بات المواطنون يفضّلون الدفع إلكترونيّاً حتّى عند شراء البقالة. في غضون ذلك، توقّع بنك التسويات الدولية  (BIS) أن يكون انتشار الوباء حافزاً لتسريع عمليّة تطوير العملات المركزيّة الرقميّة وهو فعلاً ما حصل في الصين حيث بدأ البنك المركزي باختبار عملته. فما هي العملة المركزيّة الرقمية؟ ما هي التصاميم المتاحة حسب التكنولوجيا المستخدمة؟ وما هو دور المصارف؟

ما هي العملة المركزيّة الرقميّة؟

العملة المركزيّة الرقميّة هي الشكل الرقمي للعملة الورقيّة لدولة معيّنة بحيث يتم إصدارها من قبل السلطات النقديّة في هذه الدولة، أي من قبل البنك المركزي، وذلك على خلاف العملات المشفّرة التي تفتقد إلى القانونيّة  (legal tender)التي تعطيها الحكومة للعملة الرقميّة المركزيّة.

ليس ذلك الاختلاف الوحيد بين العملة المركزيّة الرقميّة والعملة المشفّرة، فالأخيرة لا تصدرها جهة معيّنة بل يتم تعدينها وهي بفضل ذلك تتميّز باللامركزية وبالخصوصيّة التي تقدّمها للمستخدم.

ومن أبرز المواضيع التي لا تزال غير واضحة هي آليّة ربط (peg) ) هذه العملة المركزيّة الرقميّة. لكن، بما أنّها تمتلك جميع خصائص العملة الورقيّة فمن المتوقّع أن تكون مربوطة بالعملة التي ربطت فيها العملة الورقيّة ذلك إذا لم يتم إنشاء آليّة جديدة خاصّة بالعملات المركزيّة الرقميّة.

التصاميم المتاحة ودور المركزي والوسطاء

اقترح بنك التسويات الدولية (BIS) ثلاث هندسات للعملة المركزيّة الرقميّة تختلف من حيث الدور الذي يلعبه كل من المركزي والوسطاء. في جميع الحالات، المركزي هو السلطة الوحيدة التي تصدر العملة الرقميّة وفي جميع التصاميم قد تكون البنية التحتيّة للتصميم مبنيّة على الحسابات أو على الرموز (account- or token-based) فما هي هذه التصاميم؟

  1. عملة مركزيّة رقميّة مباشرة: وفقاً لهذا التصميم، تنشأ حسابات الأفراد والشركات بشكل مباشر في البنك المركزي وقد يقتصر دور الوسطاء على إتمام معاملات KYC أي اعرف عملائك ذلك إن لم يطوّر المركزي أعماله التشغيليّة لينجز كافّة هذه المعاملات غير أنّ ذلك غير محبّذ لأنّه يتطلّب توسّعاً كبير في العمليّات التي يقدّمها المركزي حاليًّا.
  2. عملة مركزيّة رقميّة غير مباشرة: يلعب الوسطاء في هذا التصميم دوراً أساسيًّا حيث تنشأ حسابات المواطنين والشركات لدى الوسطاء الذين بدورهم يمتلكون حسابات في المركزي. في هذه الحالة يكون تعامل المصرفي محصور بالوسطاء وعدد الحسابات محدود.
  3. عملة مركزية رقميّة مختلطة (hybrid): وفقاً لهذا التصميم الذي يجمع التصميمان المباشر وغير المباشر، تنشأ حسابات المودعين في المركزي لكن الوسطاء يهتمّون بإنجاز معاملات KYC ودفعات المودعين بينما يقوم المركزي بتعديل أرصدة المودعين بشكل دوري فقط.

هل يمكن أن تحفظ العملة المركزيّة الرقميّة الخصوصيّة؟

سبق وذكرنا أنّ التصاميم الثلاث قد تكون مبنيّة على الحسابات أو الرموز وذلك يحدّد ما إذا كانت ستحفظ الخصوصيّة أم لا. في حال كانت مبنيّة على الحسابات ستكون مربوطة بهويّة المودعين أي أنّ جميع معاملاتهم سوف تكون مربوطة بهويّتهم وغير سريّة. في المقابل، إذا كانت مبنيّة على الرموز وتتم من خلال استخدام التوقيع الالكتروني فتبقى هويّة المودع ومعاملاته سريّة.

لا يقتصر خطر استباحة الخصوصيّة على الحسابات والرموز بل تمتد لتشمل البيانات الشخصيّة التي يتم مشاركتها أثناء إتمام المعاملات. وهنا نحن أمام خطرين: الأوّل هو كميّة المعلومات التي يتم مشاركتها بين أطراف المعاملة والثاني هو خطر انتهاك البيانات التي يتم استبدالها بين المركزي والوسطاء.

هل ستستخدم محليًّا أم هي عابرة للحدود؟     

إثر نمو التجاريّة الالكترونيّة الدوليّة، نمى الطلب على نظام مدفوعات عابر للحدود يضمن تسديد الدفعات فوريًّا دون تكاليف اضافيّة باهظة الثمن وإنّ خيار استخدام العملة المركزيّة الرقميّة محليًّا أو عبر الحدود مرهون بتصميمها وبقرار المركزي.

وفي حال كانت هذه العملات صالحة للاستخدام عبر للحدود، قد تكون مصمّمة كالنظام الحالي، أي أنّ الدفعات التي سوف تنجز بعملة أجنبيّة مرتبطة بسعر الصرف وقد تحمّل المستخدم أعباءً إضافية. إمّا ذلك أو تكون مصمّمة بشكل يسمح للأفراد باقتناء عملات أجنبيّة مختلفة ويبقى ويصبح خيار تسديد الدفعات بالعملات الأجنبيّة غير مرهون بسعر الصرف.

العملة المركزيّة الرقمية: بين الايجابيّات والسلبيّات

أبرز الايجابيّات:

  1. تحقيق نظام مدفوعات أكثر كفاءة: إنّ تكلفة إدارة النقد مرتفعة في بعض البلاد بسبب الجغرافيا وقد لا يكون متاحاً في الريف وللسكان الذين لا يمتلكون حسابات مصرفيّة. تضمن العملات المركزيّة الرقمية تخفيض تكلفة إدارة النقد وشمول الجميع بالنظام المالي.
  2. وسيلة لمواجهة العملات الرقميّة والمشفّرة وذلك وفقاً لنائب المدير العام لصندوق النقد الدولي تاو زانغ الذي عدّد بعضاً من ايجابيّات وسلبيّات العملة المركزيّة الرقمية في مؤتمر انعقد خلال شهر شباط/ فبراير من 2020. وفق زانغ، قد تساعد العملة الرقميّة الصادرة والمدعومة من الحكومة الحد من اعتماد العملات الرقمية الصادرة من القطاع الخاص والتي يصعب تنظيمها.
  3. تقديم خيارات أوسع للسياسة النقديّة: إنّ العملة المركزيّة الرقمية تتيح استخدام أدوات جديدة للسياسة النقدية. فمن الممكن استخدامها لرفع إجمالي الطلب (aggregate demand) من خلال تطبيق “helicopter drop” (مصطلح صاغه ميلتون فريدمان وهو يعني استراتيجية تحفيز نقدي لتعزيز التضخم خلال فترات الانكماش الاقتصادي عبر توزيع النقود الرقمية المنشئة حديثاً على جميع المواطنين.

في الواقع، إنّ الأخير قد يكون سيفاً ذو حدّين فقد يضحو أحد أبرز السلبيّات بالنسبة للمواطنين بحال لجأ المركزي إلى استخدام معدّلات الفائدة السالبة لحث المواطنين والشركات على الاستثمار بدلاً من الادخار فيجدون أنفسهم مضطرين للإنفاق كي لا يخسروا نقودهم. ومن السلبيّات الأخرى نجد:

  1. انتهاك الخصوصيّة: على خلاف العملات المشفّرة التي تستخدم نظام البلوكتشين ألا مركزي والذي يضمن نقل العملات من دون تتبعّها، إنّ العملة الرقميّة التي قد يصدرها المصرف المركزي بطبيعتها مركزيّة، وتسمح بتتبّع مصدر العملة والجهة التي استلمتها.
  2. تنافس البنك المركزي والوسطاء (private intermediaries) أي المصارف والمؤسسات الماليّة على تقديم الخدمات: في حال أصبح المركزي المودع الأكبر هل ستستطيع المصارف والمؤسسات الماليّة الأخرى من تقديم خدمات كإقراض الزبائن أم سترتفع الفائدة مثلاً وهل سيصبح المركزي هو المقرض؟

الصين بدأت باختبار عملتها المركزيّة الرقميّة    

لم يقلّل انتشار كورونا من عزيمة الصين ورغبتها بإطلاق عملتها المركزيّة الرقميّة بل لربّما سرّع في حصول ذلك. ففي شهر نيسان/أبريل الفائت بدأت الصين باختبار عملتها بعد ستّة سنوات من العمل على تطويرها. يتم الآن اختبار العملة في أربعة مدن على موظّفي الحكومة من خلال أربعة مصارف تملكها الدولة الصينيّة وهي the Agricultural Bank of China، the Industrial and Commercial Bank of China، the Bank of China، وthe China Construction Bank.

يتم اختبار العملة المركزيّة الرقميّة الصينيّة أو Digital Currency Electronic Payment(DCEP) في كل من Shenzhen ،Suzhou،  Xiong’an ، وChengdu ويستطيع الأفراد المعنييّن باختبار العملة من خلال إنشاء محفظة إلكترونيّة على التطبيق الخاص بأحد المصارف المذكورة أعلاه والذي يخوّلهم الدفع في متاجر محليّة محدّدة. إنّ عملة الصين المركزيّة الرقميّة تتّبّع النظام غير المباشر حيث ينشأ الافراد المحافظ الالكترونيّة لدى الوسطاء (المصارف المذكورة) الذين بدورهم يملكون حسابات لدى المركزي. وعلى الرغم من أنّ العملة مصمّمة بتقنيّة Blockchain وCryptography غير أنّها مركزيّة على عكس العملات المشفّرة. فضلاً عن ذلك، يمكن استخدام هذه العملة دون انترنت وهو ما يجعلها كالنقد تماماً. إنّ مدّة اختبار العملة ليست واضحة حتّى الساعة وكذلك موعد إطلاقها الرسمي.