كورونا يفتح الباب أمام موجة من النزاعات القانونية

  • 2020-05-04
  • 22:59

كورونا يفتح الباب أمام موجة من النزاعات القانونية

كيف ستكون العلاقات التعاقدية بعد كوفيد-19؟

  • عاصم البعيني
مع بدء استعدادات الدول لإعادة فتح اقتصاداتها والتخفيف من القيود الاحترازية المعمول بها في مواجهة فيروس كورونا، سيتعين عليها أن تولي جزءاً من اهتماماتها لشريحة واسعة من العقود في عالم الأعمال والمتعلقة بقطاعات مختلفة. 
وفي ما يتوقع خبراء قانونيون أن تكون أروقة المحاكم حبلى بالنزاعات القضائية على خلفية الواقع غير المسبوق الذي فرضه الوباء، إلا أنهم يشيرون إلى أن حسم هذه الملفات سيكون خاضعاً سواء من حيث التوصيف أو المسار للسلطة التقديرية للمحاكم، والتي قد تتراوح أحكامها بين النظر في مدى الظروف الطارئة وبينها وبين القوة القاهرة. 
     
ويقول المحامي عبد العزيز الياقوت من مكتب ميسان وشركاه الذي يعمل في الكويت، الإمارات ولبنان ودول أخرى إلى "أولاً-الاقتصاد والاعمال" إنه مع إعادة فتح الاقتصاد من المتوقع أن تشهد أروقة المحاكم إثارة دعاوى قضائية عدة ونزاعات قانونية نتجت عن الواقع الذي فرضه الفيروس، بعد حالة شبه الإغلاق التي سادت دول العالم وتداعيات ذلك على الالتزامات التعاقدية، غير إن التمييز سيكون بين فرضيتي الظروف الاستثنائية والقوة القاهرة.


الظروف الاستثنائية

تفرض نظرية الظروف الاستثنائية حصول حدث طارئ وغير متوقع عند إبرام العقد، وأصبح معه العقد مرهقاً لأحد الطرفين، وأن يكون الطرف قد حصل قبل الانتهاء من تنفيذ التعاقد ورتب خسائر فادحة لا يمكن تفاديها، على أن يعود تطبيقه إلى السلطة التقديرية للمحكمة بعد تقدم الطرف المتضرر بادعاء توافر نظرية الظروف الطارئة وإثبات حصول ذلك وبأن الالتزام الناتج عن العقد أصبح بالنسبة إليه مرهقاً مع المطالبة بإعادة التوازن المالي إلى العقد. وتميل شريحة واسعة من الآراء القانونية إلى القول بأن نظرية الظروف الطارئة تنطبق على جائحة كورونا التي اجتاحت العالم بأسره من دون سابق إنذار أو توقع، وترتب عليها خسائر فادحة، مشيراً إلى أن تنفيذ بعض الالتزامات المترتبة على العقد أصبح مرهقاً لبعض المتعاقدين، ما يعطيهم الحق باللجوء إلى القضاء لطلب إعادة التوازن المالي إلى العقد عبر زيادة المقابل المالي. 
       

تطبيق القوة القاهرة يبقى محدوداً 

وقد لا يعمل به إلا في حال وجود بند في العقد

القوة القاهرة 

بدوره، يعدّ مفهوم القوة القاهرة أكثر ضيقاً وهو يفترض حصول عوامل جعلت معها العقد مستحيل التنفيذ. وبحسب أحد المحامين الدوليين العاملين في البحرين ممن تحدث إليهم "أولاً-الاقتصاد والاعمال" والذي فضّل عدم ذكر اسمه، فإن تطبيق هذا المفهوم يبقى ضيقاً جداً، وذلك على الرغم من النقاشات الحاصلة في ظل تفشي فيروس كورونا، مشيراً إلى أن تطبيق المبدأ يبقى خاضعاً لسلطة المحكمة، وهي تعتمد في حكمها على عوامل عدة حول مدى وجود حالة إغلاق تام وتوقف حركة الطيران بشكل كامل وكذلك إعلان حالة الحظر التام، هذا الرأي يؤيده بشكل مطلق المحامي الياقوت الذي يرى أن أعمال مفهوم القوة القاهرة يتم متى ما تضمّن العقد بين الطرفين في أحد بنوده نصاً صريحاً على ذلك. ويضيف: "كما يجري أعمال مبدأ القوة القاهرة متى ما كان العقد من قبيل العقود المستمرة ولكنه أصبح غير قابل للتنفيذ بفعل القوة القاهرة". 
في المقابل، يذهب المحامي عبد الله البكر من مكتب البكر ودشتي باتجاه آخر، يعكس مدى وجود اجتهاد قانوني بين تطبيق حالة الظروف الاستثنائية أو القوة القاهرة، ويضيف أن قرارات عدة صدرت في السعودية والإمارات يمكن استناد المتضرر إليها في ادعاء وجود حالة "قوة قاهرة" وهو ما ينطبق أيضاً على إعلان حال الطوارئ كما حصل في مصر، أو الإغلاق الكلي للمطارات التي قد ترى فيها المحكمة أنها بمثابة قرارات سيادية لا دخل للمتعاقدين فيها. ويوضح أن قرار مجلس الوزراء في الكويت بإغلاق المرافق العامة والوزارات لأسابيع عدة لم يرافقه صدور أي قرارات يمكن معها الاعتداد بحالة القوى القاهرة، ما ترك الواقع غير واضح، ويميل محام آخر إلى فكرة عدم انطباق القوة القاهرة في الكويت، كون الإجازة الممنوحة من قبل الدولة شملت القطاع الحكومي دون الخاص، وبالتالي لا يمكن الاعتداد بالمنع من مزاولة النشاط من الدولة. 

 

هيئة تنمية التجارة الدولية الصينية اعتمدت شهادة القوة القاهرة

     

التوجهات الدولية 

من جهة أخرى، إعتمدت دول عدة مقاربات قانونية مختلفة في التعامل مع الجائحة. فقد سبق لوزير الاقتصاد والمالية برونو لومير ان أعلن مع بداية الأزمة في شهر شباط/فبراير الماضي، بعد اجتماع له مع عدد من الشركاء الاقتصاديين بأن الفيروس يعدّ "قوة قاهرة" بالنسبة إلى قطاع المقاولات، مشيراً إلى أن من نتائج هذا التوجه أن الحكومة لن تطبق غرامات التأخير على الشركات المرتبطة بتنفيذ عقود مع الدولة مع منحها المزيد من المهل، كما كانت لمحاكم فرنسية عدة أحكام أخذت في الاعتبار مفهوم القوة القاهرة.  
من جهتها، أصدرت هيئة تنمية التجارة الدولية الصينية (CCPIT) شهادة "القوة القاهرة" والهادفة إلى حماية الشركات الدولية في حال عدم تنفيذ التزاماتها في ظل تفشي تداعيات الفيروس، وهي تمنح للشركات التي تقدم مستندات موثقة تثبت حالة التأخير أو توقف وسائل المواصلات وعقود التصدير وإجراءات الجمارك، ووفقاً لأحدث الإحصاءات الصادرة عن الهيئة، فقد بلغ إجمالي الشهادات المصدرة من قبل 105 جهات معنية حتى تاريخ 20 نيسان/أبريل نحو 7004 نماذج من هذه الشهادة التي تغطي عقوداً بقيمة 690 مليار يوان (2225 مليار دولار). 
وعلى الرغم من هذا التوجه، فإن مثل هذه الشهادة قد لا يعتد بها، ولاسيما في العقود ذات الطابع الدولي، خصوصاً متى ما حدّد العقد صراحة قانون الدولة التي يخضع لها في حال نشوب نزاع.

 أما في الولايات المتحدة الأميركية، فهناك نقاش يدور بين الجمهوريين والديمقراطيين على ضرورة منح الحماية القانونية للشركات العاملة في الصفوف الأمامية لحمايتها من الدعوى القضائية، في مرحلة ما بعد فتح الاقتصاد. 

 

مطالبة بالحدّ من البيروقراطية والإجراءات

للمساهمة في عودة النشاط الاقتصادي سريعاً

       

خسائر ما بعد كورونا 

يطرح الواقع الذي فرضه كورونا العديد من التساؤلات على مستوى كل القطاعات كسلاسل التوريد والشحن والنقل والطيران، بالإضافة إلى عقود المقاولات والتأجير في المراكز التجارية وعقود العمل وسواها. وفي هذا السياق، يقول المحامي الدولي نفسه الذي يتخذ من البحرين مقراً له، أنه من المتوقع أن تسلك النزاعات القانونية كافة في العقود الدولية خيار التحكيم نظراً إلى سرعة إجراءاته بما يتناسب مع بيئة الأعمال ولطابعه السري. 
في المقابل، فإن هناك عقوداً قد تجد مسلكاً قضائياً موحداً ووضوحاً في الحلول كما هي الحال مع عقود الإيجار في المراكز التجارية، إذ إن صدور قرارات عن السلطات بالإقفال يؤدي حكماً إلى عدم تمكين المستأجر من الانتفاع بالعقار وما قد يمكن معه الاعتداد تطبيق مبدأ القوة القاهرة. هذا وتجدر الإشارة إلى أن السعودية على سبيل المثال، والتي تلزم تسجيل عقود الايجار وفق النموذج الموحد في الوحدات التجارية والسكنية كافة الكترونياً في شبكة إيجار الالكترونية، وقد تضمن هذا النموذج في إحدى فقراته من المادة الثامنة على الأسباب القاهرة، ما قد يفتح الباب على تطبيق مبدأ القوة القاهرة.  
ويخلص المحامي الياقوت إلى أنه في حال استمرار تداعيات الفيروس فترة أطول نسبياً بعد مرحلة إعادة فتح الاقتصاد، فقد تضطر دول المنطقة إلى اتخاذ المزيد من تدابير التحفيز، ويضيف أنه من المهم في مكان ما إعادة التأكيد على تعزيز دور القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية واتخاذ المزيد من الإجراءات التي تعزز دوره، ولاسيما أن الأزمة أظهرت أهمية الدور المساند للقطاع الخاص في تشغيل مشاريع ومنشآت اقتصادية عدة في القطاعات كافة.
وفي هذا الإطار، يقترح الياقوت أن تعمل دول المنطقة بما فيها الدول الخليجية على الحدّ من البيروقراطية الإدارية، مشيراً إلى ان هذه الدعوة تستند إلى ضرورة إعادة إطلاق العجلة الاقتصادية وعدم تعطيلها، ولاسيما مع التوقعات باستمرار التداعيات الاقتصادية المختلفة للفيروس خلال الفترة المقبلة قبل الخروج من مرحلة التراجع أو الانكماش الاقتصادي.