كورونا النقد يحاصر مدخرات اللبنانيين بعد استباحة الليرة

  • 2020-04-20
  • 11:38

كورونا النقد يحاصر مدخرات اللبنانيين بعد استباحة الليرة

  • علي زين الدين

يرتقب تسجيل تحسن نسبي في حركة الأسواق هذا الأسبوع، تبعاً للتقدم المحقق في احتواء تفشي فيروس كورونا واستقرار انتقال العدوى على تراجع واعد مدعّم بتوسع القدرات الاستشفائية الاستيعابية وبدء الاستفادة من مساعدات خارجية وقرض البنك الدولي الميسر بقيمة 40 مليون دولار، والمخصص لغايات صحية وتشغيل مستشفيات حكومية جديدة في المناطق اللبنانية كافة.

ومع انحسار "الهم" الوبائي جزئياً، يبقى "الهاجس" المالي والنقدي على حماوته في ظل زيادة حدة الضغوط المعيشية وبلوغ فوضى النقد مستويات قياسية غير مسبوقة في سوق القطع الموازية، ترافقاً مع ارتفاع لا يقل حدة في منسوب القلق على مجرى التعاملات النقدية من خلال المصارف التي حصرت السحوبات بالليرة عبر أجهزة الصراف الآلي، ووضعت أصحاب الحسابات بالليرة وبالدولار أمام خيارات تتنافس في سوئها وتسببها لخسائر فعلية محققة.

المودعون ينشدون حماية "الرمق"

وتأخير الانضمام إلى صفوف الفقراء

ضمن الوقائع، ينشد المودعون حماية "الرمق" وتأخير الانضمام إلى صفوف الفقراء والأشد فقراً الذين فاقوا نصف الشعب اللبناني، ولديهم "رمق" من أمل بأن لا تطحنهم البطالة في الوظائف والأعمال وخسارة الأجور التي قد تتفشى قريباً الى القطاع العام. فقد خسر المودعون بالليرة القيمة الشرائية والإبرائية نصف مدخراتهم حتى الساعة، وليس متوقعاً أن تكون الودائع بالدولار في وضعية أفضل، في ظل امتناع المصارف عن تلبية السحوبات النقدية بالدولار، بينما تتحضر المصارف لبدء الصرف بالليرة حصراً للودائع الصغيرة بالعملتين وفق الآلية " المحفزة" التي عممها البنك المركزي.

الحقيقة الساطعة أن اجمالي المدخرات في البنوك التي هبطت الى أقل من 150 مليار دولار، تحوّلت الى "طرائد" في حقل محاصر من قبل الدولة والبنك المركزي والجهاز المصرفي، وكاد اقتراح الانقاذ المالي الذي يحمي نظرياً 90 في المئة من المودعين، أن يصيب بدم بارد  90 في المئة من إجمالي هذه الايداعات، تحت لافتة تغطية الفجوة المالية وتوزيع الخسائر الذي شمل تحديداً ودائع الناس ورساميل المصارف. فأي منظومة مصرفية تلك التي ستخلو من الأموال الخاصة ومن مدخرات الناس؟

واذ خفتت المخاوف المشروعة نسبياً، عقب "ترحم" رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري على نظرية الاقتطاع من الودائع "الهيركات" والتي لاقت رفضاً عارماً سياسياً واقتصادياً كونها تهدم واحدة من أهم ركائز الاقتصاد الحر القائم على الملكية والمبادرة الفردية، فإن التقييد الواقعي للودائع في الجهاز المصرفي أقر بعجزه عن توفير سيولتها غير المقننة إلا بقدر ما تسدد له الدولة ومثلها البنك المركزي من الديون والتوظيفات، وبذلك يبقي القلق المشروع في أعلى حدوده، مشفوعاً بشكوك حول قدرات الحكومة في المقاربة السليمة لهذا الملف الشائك، طالما هي تماطل في حسم خيارها لبدء مفاوضات آيلة الى برنامج كامل مع صندوق النقد الدولي، بوصفه النافذة الوحيدة المشرعة حالياً للحصول على السيولة الملحة بداية والضرورية لاحقاً.

مصرف لبنان سيعمد سريعاً إلى إعلان

انطلاق المنصة الالكترونية المنشأة حديثاً

ويرصد أصحاب الحسابات المحررة بالدولار بحذر شديد التقلبات المتتالية في تصرفات ثلاثي البنوك والبنك المركزي والحكومة، بغية استنتاج مصير مدخراتهم والهوامش المتاحة لتحريك جزء منها، علماً ان ودائعهم البالغة نحو 117 مليار دولار، تشكل نحو 78 في المئة من إجمالي الودائع البالغة نحو 150 مليار دولار، بينها نحو 29 ملياراً مصنفة تحت بند "غير المقيمين" وجلها يعود إلى اللبنانيين العاملين في الخارج او المغتربين، بينما لا تنطبق القيود عينها على الحسابات بالليرة التي يصل مجموعها الى ما يوازي 33 مليار دولار، والتي تتيح البنوك لأصحابها السحب النقدي منها ضمن سقوف مقبولة ومرنة.

وعلى الرغم من كل هذه الأجواء القاتمة مالياً ونقدياً، تحوز اليوميات أهمية استثنائية في حياة المواطنين وتصرفاتهم. وفي المعلومات المتوافرة، أن مصرف لبنان سيعمد سريعاً إلى إعلان انطلاق المنصة الالكترونية المنشأة حديثاً، إذ يرجّح أن يبدأ التسعير الجديد لتحويل الدولار في أول يوم عمل هذا الأسبوع، وذلك من ضمن حزمة تدابير لإعادة الانتظام النسبي إلى العمليات النقدية بعد أن بلغ سعر الدولار نحو 3300 ليرة في اليومين الأخيرين، وكاد الانفلات يؤسس لتعظيم الفوضى السائدة لولا تدخلات من مرجعيات نقدية وغير نقدية خففت من سرعة التدهور، مقرونة بوعود لضخ سيولة ورقية بالدولار "بنكنوت"، يمكن أن تعيد بعضاً من " الهيبة " للمرجعية النقدية.

ويفترض أن يتزامن إطلاق المنصة مع صدور تعميم مكمل للتدبير الخاص بتمكين أصحاب الودائع الصغيرة دون 5 ملايين ليرة أو ثلاثة آلاف دولار، بحيث يمكن لأصحاب الحسابات المحررة بالدولار الاستفادة من التسعير اليومي للمنصة للحصول على السيولة بالليرة، إنما ضمن سقوف يرتقب أن تتراوح ما بين خمسة وسبعة آلاف دولار شهرياً في المرحلة الأولى. وهذه الحدود توازي سوقياً متوسط سقوف السحب بالليرة للأفراد الذي يتراوح ما بين 20 و 25 مليون ليرة شهرياً.

التسعيرة التي سيعتمدها الصرافون

ستزيد ما بين 200 إلى 300 ليرة

لكن هذا "التيسير" المقترح سيصطدم واقعياً بعقبتين، الأولى أن حاجة الأفراد إلى الدولار النقدي "البنكنوت" ستتجه حكماً الى الصرافين الذين سيعتمدون "تسعيرة" تزيد ما بين 200 و 300 ليرة، وفق تقديرات صرافين، عن سعر المنصة ما يزيد الطلب في السوق الموازية. والثانية ترتبط بتوقع انفراجات إضافية في الشأن الوبائي سينتج عنها طلب تجاري على النقد الطازج، يزيد بدوره من حجم الطلب اليومي، علماً أن السعر "الاسترشادي" الذي اعتمدته المصارف لتحرير الودائع الصغيرة بلغ 2600 ليرة، وبذلك يرجّح أن يكون التداول النقدي ما بين 2800 و 3000 ليرة، في حال التمكن من ضبط إيقاع السوق من خلال التدخل الحاسم للبنك المركزي.

وفي التطورات أيضاً، الاجتماع المرتقب بين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومسؤولي شركات الأموال للنظر في سبل تطبيق التعميم الأخير الذي ألزم المؤسسات غير المصرفية كافة التي تقوم بعمليات التحاويل النقدية بالوسائل الالكترونية، أن تسدّد قيمة أي تحويل نقدي الكتروني بالعملات الأجنبية وارد إليها من الخارج بالليرة اللبنانية​ وفقاً لسعر السوق، وأن تبيع العملات الأجنبية الناتجة عن هذه العمليات من الوحدة الخاصة المنشأة في مديرية العمليات النقدية لدى مصرف لبنان.

 بدورها، لم تكن المصارف أفضل حالاً في طمأنة المودعين، فهي على الرغم من تأكيدها، في بيان رسمي، إﺻرارھﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﻣﺎﯾﺔ اﻟوداﺋﻊ اﻟﻣﺻرﻓﯾﺔ كافة، وھذا ﺣق ﻛرسه اﻟدﺳﺗور ﻟﻛل ﻣودع، أشارت صراحة إلى "ﺗﺣرﯾر ھذه اﻟوداﺋﻊ ﻣن ﻛل ﻗﯾد أو ﺷرط ﻣرﺗﺑط ﺑﺄﺳﺎس اﻟﻣﺷﻛﻠﺔ، وھو ﺿﻣﺎن اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻟدﯾون اﻟدوﻟﺔ في ﻣوازاة ﺗﻧﻔﯾذ وﻋودھﺎ ﻓﻲ ﺑدء ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻹﺻﻼح وإﻋﺎدة ھﯾﻛﻠﺔ ﺟذرﯾﺔ ﻟﻠﻘطﺎع اﻟﻌﺎم، ﺑداﯾﺔ ﺑﺗطﺑﯾق اﻟﻘواﻧﯾن اﻟﻣرﻋﯾﺔ وﺗﻔﻌﯾل اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﻘﺿﺎﺋﯾﺔ، ﻟﺧﻠق ﺑﯾﺋﺔ ﻣؤاﺗﯾﺔ ﺗﺷﺟّﻊ اﻟﻘطﺎع اﻟﺧﺎص ﻋﻠﻰ اﺗﺧﺎذ اﻟﻣﺑﺎدرات واﻻﺳﺗﺛﻣﺎر ﻣﺟدداً، ﺷرط أن ﺗﻛون ھذه اﻹﺻﻼﺣﺎت ﻋﻠﻰ أﺳس ﺣﺿﺎرﯾﺔ وﺷﻔﺎﻓﺔ ﻻ ﯾرﺗﮭن ﻣﺳﺗﻘﺑﻠﮭﺎ ﻟﻌﺷواﺋﯾﺎت اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ وﺑداﺋﯾﺗﮭﺎ".