لبنانيون يحاولون إنقاذ ودائعهم باستثمارات زراعية وصناعية

  • 2020-04-14
  • 12:53

لبنانيون يحاولون إنقاذ ودائعهم باستثمارات زراعية وصناعية

في ظل القيود على السحوبات المالية خصوصاً بالدولار

  • عمر عبد الخالق

منذ بدأت المصارف اللبنانية بفرض قيود على التحويلات المالية وما تلاها من إجراءات على صعيد الودائع وتحديد المبالغ المسموح سحبها، لجأ العديد من أصحاب الودائع إلى الالتفاف على تلك الإجراءات من خلال التوجه إلى استبدال ودائعهم بالعقارات على أنواعها، ثمّ لجأ بعض آخر إلى استبدال الودائع بالحلي والمجوهرات (الذهب) والمعادن النفيسة الأخرى، وآخرون اتجهوا إلى استثمار أموالهم المودعة بأسهم في بورصة بيروت، وكانت سوليدير من أبرز المستفيدين في هذا المجال، حيث أدى الطلب على أسهم الشركة الى ارتفاعها من حدود 6 دولارات الى قرابة 10 دولارات.

مشاريع جديدة

خلال الشهرين الأخيرين لوحظ إقبال من المودعين على الاستثمار في مشاريع صناعية وزراعية أو تطوير أراض يملكونها بهدف التخلص من ودائعهم لدى المصارف، خصوصاً تلك التي بالدولار، وذلك بسبب التدهور الكبير في قيمة العملة الوطنية.

ومن بين الذين اتجهوا للاستثمار في مشاريع زراعية المهندس رامي. ف، الذي يدير شركة عائلية للتطوير العقاري تعمل منذ أكثر من 50 عاماً وفي سجلها عدد من المشاريع في جبل لبنان.

"Bye Bye Concrete" بهذه العبارة يبدأ رامي، وهو صديق قديم، حديثه شارحاً كيف قام باستثمار 5 مزارع للدجاج والمواشي كمورد بديل للدخل، والمضحك المبكي أن نقاشنا عن هذا التحول الجذري للتأقلم، كان أثناء وقوفنا في طابور أحد المصارف لمدة ساعة ونصف في انتظار وصول "الدولار".

ومن الأمثلة على الاستثمار في مشاريع زراعية وصناعية، حديقة للتفاح في منطقة عين دارة لأحد المغتربين اللبنانيين في فرنسا التي تمتد على مساحة مئة ألف متر مربع وتضم أكثر من 6 آلاف شجرة مثمرة، وإلى جانب الحديقة يعمل مالك الأرض على إنجاز بناء معمل بلاستيك لتعليب التفاح وتصديره إلى بعض الدول الاوروبية. وفي قرية عين جديدة قضاء عاليه يوجد رخصتان قيد الإنجاز لمعملين، الأول معمل كرتون والثاني لمواد التنظيف، وهذان المعملان سيتم تشييدهما على أراض تم توقيع عقود استثمار عليها مع مالكيها لمدة 25 عاماً.

أما في بلدة مكسة الواقعة في محافظة البقاع والملاصقة لطريق بيروت-دمشق الدولي، فهناك مشروع مفرز كبير تزيد مساحته على 800 ألف متر ومصنف صناعياً. وقد أعلن مالك المشروع عن نيته تأجير بعض العقارات المفرزة التي تتراوح مساحتها ما بين 1200 و 1500م.م  لفترات طويلة، ولاقى هذا الطرح تجاوباً كبيراً من عدد من أصحاب أفكار المعامل الصغيرة الذين بدأوا بعمليات التفاوض مع المالك قبل انتشار فيروس كورونا. وعلى الرغم من التعبئة العامة وإقفال المؤسسات الرسمية والخاصة لا تزال المفاوضات مستمرة بين عدد من المستثمرين ومالك المشروع.

في البقاع أيضاً، وعلى مسافة قريبة، مستثمر لبناني بدأ انتاج بلاكبيري وبلوبيري وراسبيري من مزرعة تمتد على أكثر من 200 الف م.م. في قب الياس، ويقوم مالك المزرعة ببناء معمل لتعليب هذه الفاكهة لتصديرها إلى أوروبا.

وفي بلدة شبعا ترخيص لمعمل بيوت جاهزة خشبية عالق في الإدارات الرسمية منذ إعلان التعبئة العامة، ويعوّل صاحب المعمل على ارتفاع الطلب على أنواع من البيوت نظراً إلى كلفتها المتدنية مقارنة ببيوت الإسمنت. وبالإضافة إلى ما سبق، برز اهتمام بشراء أو استئجار أراض زراعية في منطقة البقاع وبعض المناطق الساحلية الصالحة للزراعة.

الكرة تتدحرج

هذه الظاهرة الجديدة بدأت على نطاق ضيق في منطقة البقاع، وسرعان ما توسعت إلى بقية المناطق اللبنانية ومنها عكار والشوف وعاليه وراشيا وحاصبيا ومرجعيون وغيرها، إذ تشهد بلديات هذه المناطق تحديداً تلك القريبة من البقاع ومن طريق بيروت دمشق، عمليات تسجيل لعدد من عقود الإيجار يومياً.

وفي هذا السياق، تؤكد مصادر في بلدية عين دارة لـ "اولاً-الاقتصاد والاعمال" أن البلدة تشهد حركة مشاريع زراعية وصناعية منذ سنوات نظراً إلى قربها من طريق بيروت - دمشق الدولي وإلى وجود مناطق مصنفة صناعية كبيرة في نطاقها، مشيرة إلى أن البلدة شهدت في الأشهر الأخيرة حركة كبيرة لشراء الأراضي واستثمار أراض مملوكة في السابق. ووفقاً للأرقام المتوافرة فإن عدد رخص استصلاح الأراضي لإقامة مشاريع زراعية صغيرة فاقت العشر رخص في الشهرين الماضيين، في حين هناك دراسات حالياً في مراحلها الأولى لخمسة معامل خفيفة ومتوسطة، وتضيف المصادر أن الرغبة في شراء عقارات في المنطقة الصناعية ضمن نطاق البلدة لا تزال كبيرة، إذ تتلقى البلدية اتصالات للاستفسار عن الأراضي، وتختم بالقول: "إن الاهتمام في البلدة ليس فقط للهروب من الودائع المجمدة في المصارف، بل إن قرب المسافة بين البلدة والحدود السورية، يشجع المستثمرين على إقامة مصانع رغبة منهم ببيع انتاجهم إلى سوريا خلال مرحلة إعادة الإعمار".

بدوره، يؤكد رئيس بلدية حاصبيا لبيب حمرا لـ "أولاً-الاقتصاد والأعمال" موجة شراء العقارات والاستثمارات التي تشهدها بعض المناطق اللبنانية نتيجة تراجع ثقة المودعين بالمصارف، مشيراً إلى أن حاصبيا شهدت حركة بيع عقارات كبيرة ولا تزال حركة الطلب والإقبال كبيرة لكن الراغبين في البيع قل عددهم. ويضيف حمرا أن بعض الذين اشتروا عقارات لم يلجأوا إلى تحريكها ولكن هناك عدداً كبيراً قرر الاستثمار في العقارات لإقامة مشاريع زراعية صغيرة، مشيراً إلى ان هناك أكثر من 20 رخصة استصلاح أراضي منذ مطلع العام الحالي لإقامة مشاريع زراعية منتجة. ويشرح حمرا أنه قبل أزمة كورونا كانت هناك تحضيرات لإنجاز رخص لسبعة معامل صغيرة في حاصبيا، لكن إقفال المصارف لمعظم فروعها أعاق هذه المشاريع، لكن نية أصحابها ما زالت موجودة للبدء بها.

وعلى الرغم من أن هذه المشاريع الصناعية والزراعية هي صغيرة ولا تنتج صناعات ثقيلة حتى اليوم، فإنها تحرّك إلى حدّ ما المناطق الموجودة في نطاقها وتساهم في خلق بعض فرص العمل التي يحتاجها اللبنانيون في هذه الأزمة.