لبنان: مسودة خطة إنقاذ .. أم إجهاز؟

  • 2020-04-12
  • 18:04

لبنان: مسودة خطة إنقاذ .. أم إجهاز؟

  • علي زين الدين

عندما تعجز "الدولة" في مهمة ملء الشغور الواسع في مكونات السلطة النقدية، وتحشر التشكيلات القضائية المنجزة من قبل مجلس القضاء الأعلى في خانة التسويف والمماطلة، يصح الاعتقاد بأن حكومة "مواجهة التحديات" ضحّت سريعاً بجزء وازن من رصيد مهلة السماح التي أعقبت "الثقة" النيابية الصعبة، فتعثرت في أولى الخطوات الإجرائية الملحة التي تعهّدت بمقاربتها وفق معايير الكفاءة والمهنية.

ومع قرب الموعد المضروب منتصف الشهر المقبل، رمت الحكومة بمسودة خطة الإنقاذ الموعودة، لتبدد "صبر" المهادنين وحتى المتفائلين بتعميم نجاحها المشهود في مقاربة الملف الصحي الوبائي، ذلك أنها وضعت البلد وناسه في مهب مخاوف جدية من عواصف عاتية تتعدى الوقائع النقدية والمالية الكارثية لتصل إلى مرتكزات النظام الاقتصادي الحر وتطيح بروحية مواد دستورية وتشريعية مفصلية نصت صراحة على مفاهيم الملكية الخاصة، بما يشمل المدخرات الوطنية التي وضعها رئيس مجلس النواب نبيه بري في مرتبة "القداسة".

ويتضح من خلال ردود الفعل من المرجعيات السياسية والاقتصادية وحتى الدينية الرافضة للتوجهات والآليات التنفيذية التي وردت في "المسودة"، بأن ما كتب يتحول الى "مضبطة" في حق الحكومة ويتناقض مع جوهر مهمتها الواجبة في صوغ خطة تحظى بأوسع تأييد داخلي ودعم خارجي، بما تقاربه مضامين إنقاذية موضوعية وذات أبعاد استراتيجية ومؤثرة في حاضر البلد ومستقبله.

وفي انتظار "التقويم" وإعادة تصويب المعالجات والاقتراحات والتدابير ومشاريع القوانين المتوخاة، قد لا تجد الخطة المسربة "قصداً"، على ما يظهر، صاحباً يتبنى معطياتها، وليس من المستبعد إلقاء الوزر على الاستشاري "لازارد"، فيما يبدو الفريق الاقتصادي الحكومي مرتبكاً في الدفاع والرد على ردود الفعل، من خلال التركيز على أن "المسودة" قابلة للنقد والملاحظة والتعديل قبل بلوغها مرحلة " التبييض ".

قراءات أولية تحذر من أخطاء كبيرة

وبالفعل، فقد رصد "أولاً – الاقتصاد والأعمال" حزمة قراءات أولية من قبل مصادر قانونية ومالية ومصرفية توافقت على التحذير المشدد اللهجة من أخطاء كبيرة تقارب الخطايا في انعكاساتها على هوية لبنان الاقتصادية عبر "تأميم" الثروات الفردية والمراكز الحيوية في القطاع الخاص والإجهاز على صفة الاستقلالية التي تمنح البنك المركزي قوة إدارة النقد والسيولة والنشاط المصرفي وتمويل الدولة "عند الضرورة المقيدة".

أولاً: تجمع التوقعات على استحالة تمرير هكذا خطة ومشاريع قوانينها الضريبية في مجلس النواب، وهذه التوقعات مبنية على المواقف المعلنة لرؤساء وأعضاء كتل نيابية من جبهتي مؤيدي الحكومة ومعارضيها وعلى حصيلة اتصالات حثيثة معهم.

ثانياً: تفتقر المسودة إلى توجه مفصلي وحاسم في شأن تأمين السيولة الفورية التي تحتاجها الدولة والاقتصاد، وهي تحاذر الإفصاح الصريح عن برنامج التعاون المقترح مع صندوق النقد الدولي على الرغم من اليقين بتعذر اللجوء إلى مصدر دعم مالي بديل في ظل الظروف الحاضرة وفي ظل التوجهات "التغييرية" التي تسربها الحكومة، وهذا البند هو الجزء الأهم من أي خطة تتوخى الخروج الآمن من أعتى أزمة مالية ومصرفية تنذر بالأسوأ للبلاد ولثرواتها الوطنية ومؤسساتها الاقتصادية.

ثالثاً: تفترض "المسودة" أن الفجوة المالية تقارب 86 مليار دولار، وبمعزل عن التدقيق في الوصول الى هذا الرقم، فإن التحديد الذي لا يحتاج إلى جهد أو جمع يبلغ نحو 95 مليار دولار، أي إجمالي الدين العام الممول في غالبيته من الجهاز المصرفي والبنك المركزي.

رابعاُ: ربطاً بتحديد مصدر التعثر، استهدفت الاقتراحات ما يشبه "السطو" القهري على الجزء المسيطر من إجمالي المدخرات في البنوك، وصحيح أن رئيس الحكومة طمأن بأنه لن يتم المس بما يماثل 90 في المئة من المودعين، إنما أغفل أن هذه الآلية قد تطول مباشرة بالاقتطاع أو مداورة بالتقييد والتجميد نحو  90 في المئة من الودائع .

خامساً: قررت الحكومة تكليف شركة دولية للتدقيق في حسابات مصرف لبنان، وهو حق مشروع في حال اعتبار البنك مؤسسة عامة على الرغم من المحاذير ذات العلاقة بإمكانية إقدام مؤسسات أجنبية دائنة على مقاضاة الدولة لدى محاكم نيويورك على خلفية تعليق "اليوروبوندز"، ومع تخطي اعتبار أن الحسابات تخضع فعلاً لرقابة وتدقيق شركات دولية يمكن استيضاحها واستيضاح وزارة المال عن الموافقة كوزارة وصاية على الميزانيات السابقة، إنما الأحق أن يدقق المتعثر في حساباته عبر الشركة الدولية المنشودة، فهنا ستبرز قاعدة جبل الجليد انطلاقاً من قمته الفاضحة لمعالم الفشل المالي للدولة، والمبني على سخاء الإنفاق (قطاع الكهرباء نموذجاً) ، وعلى المكرمات في زمن القحط الذي صادف استحقاق الانتخابات النيابية والحاجة الى الصرف من " فلس" الدولة (سلسلة الرتب والرواتب) لصالح موظفيها غير محددي العدد النهائي ما بين 350 و 400 ألفاً، وتسيب المداخيل في المستويات الإدارية العليا والتوظيفات والتنفيعات الزبائنية خارج منظومة القوانين المرعية الإجراء .

سادساً: هي سابقة عالمية تستحق "براءة ابتكار" في تاريخ التجارة والمحاسبة، أن يعمد المدين (الدولة) إلى إدانة الدائن الوسيط (البنك المركزي والمصارف) وتحميله مسؤولية التعثر ووجوب سد الفجوة من جيب الدائن الأصلي (المودع)، فالدولة تعرف جيداً مكامن الهدر والصفقات المشبوهة على مدى العقود الثلاثة الماضية والإنفاق المشرع على المحاصصة والاسترضاء والتهريب والتهرب. وتدرك أيضاً، أنه ومن ضمن هذه المعادلة المقلوبة لن يكون بإمكان لبنان أن يستجدي الدعم الخارجي وفي مقدمه المؤسسات المالية الدولية، وسيدفع شركات التصنيف إلى وضعه في خانة "الفشل"، وبالتالي سيصبح متعذراً استعادة انخراط البلد ومؤسساته في الأسواق الدولية التي ستتحسب حكماً لإجراءات شبيهة وهي لم "تهضم" بعد تعليق موجبات سندات الدين الدولية.

سابعاً: ليس صحيحاً أن الدولة بلغت مرحلة الإفلاس، إنما بالتأكيد منهوبة،  فهي تملك أصولاً من العقارات (مئات ملايين الأمتار المربعة) والأملاك البحرية والنهرية والشركات، مثال (شركات الاتصالات الأرضية والخليوية، شبكة الانترنت، إدارة حصر التبغ والتنباك، انترا، طيران الشرق الاوسط ، الكازينو ...)، والمرافق العامة المنتجة، مثال ( المرافئ، المطارات ...) واحتياطات مؤكدة من العملات والذهب ومرتقبة من الغاز والنفط  تمكنها عبر صندوق انقاذي تحتفظ فيه بقوة الغالبية، من إعادة هيكلة الموازنة العامة و"إسعاف" البنك المركزي والجهاز المصرفي والخروج من دوامة الدوران في الفشل المالي وانهيار النقد الوطني والاستحواذ القهري على مدخرات المواطنين.

ثامناً: في المسار الحالي تكبد المدخرون وسيدفعون أثمان أخطاء متكررة ومتمادية، فالوديعة تتسم بصفة " الأمانة" لدى المصرف وإن تقاضى عليها جزءاً من أرباحه الاستثمارية. وتلبية المصارف للاحتياجات التمويلية للدولة يوجب عليها النظر باستمرار في أهلية العميل وقدرته على مواصلة السداد، وبذلك فهي تحملت خسائر قرار الحكومة بتعليق دفع سندات اليوروبوندز وفوائدها (نحو 12 مليار دولار)، وستتحمل قرارها بما يخص الدين المحرر بالليرة.

تاسعاً: استتباعاً، على البنك المركزي "حفظ" توظيفات المصارف التي استقطبها بإغراءات ربحية عالية. فتبرير تصرفاته لدى السلطة لا يعفيه من موجبات إحقاق حق المدخرين، والإسهام الجدي في الوقت عينه، في الفصل بين "المنهوب" وجنى العمر والأعمال والتجارة ومشقة الاغتراب والعمل في الخارج لعشرات آلاف اللبنانيين الذين محضوا الثقة للمصارف الوطنية. وبحسب أحدث البيانات المجمعة، فإن إجمالي ودائع الزبائن في المصارف يقارب 151 مليار دولار، بينها نحو 30 مليار دولار تعود لزبائن غير المقيمين، فيما تبلغ توظيفات المصارف لدى المركزي نحو 118 مليار دولار، بينها نحو 70 ملياراً محررة بالدولار. وهذا يعني أن أموال المدخرين ورساميل المصارف موزعة بين تسليفات للقطاع الخاص تقارب 45 مليار دولار وتوظيفات لدى المركزي وتمويل مباشر للدولة بالليرة والدولار.

 

النص الحرفي لرسالة جمعية المصارف إلى الحكومة اللبنانية عبر مستشارها المالي في نيويورك "هوليكان لوكي".