دول الخليج بين أزمة كورونا وانفراط اتفاق "أوبك" حول الإنتاج

  • 2020-04-01
  • 12:35

دول الخليج بين أزمة كورونا وانفراط اتفاق "أوبك" حول الإنتاج

  • الياس بارودي

في ما أعلن يوم 26 آذار/مارس 2020 عن أعلى عدد من طالبي تعويضات البطالة في تاريخ الولايات المتحدة وهو 3,28 ملايين طلب، وفيما يبدو من شبه المؤكد الآن أن الاقتصاد العالمي سيدخل مرحلة ركود حاد، على الأقل في الربع الثاني من العام الحالي، فإن جميع التطورات الأخيرة تشير إلى مرحلة مصاعب حادة في سوق النفط التي شهدت انخفاضاً حاداً في الأسعار بلغ مثلاً 57 في المئة لنفط برنت الأساسي بالمقارنة مع نهاية العام 2019.

وباختصار، فإن المرحلة ليست أبداً مناسبة لما يقال إنها سياسة روسية لمحاربة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة أو لحرب إنتاج النفط التي اندلعت بين المملكة العربية السعودية وروسيا، فإن انعكاسات أزمة كورونا أدت إلى خفض الطلب على النفط من 100 مليون إلى 25 مليون برميل يومياً، كذلك فإن ما بين الركود المتوقع في الدول الصناعية وعلى النطاق العالمي ككل ومع ما توقعته منظمة العمل الدولية بأن قرابة 25 مليون شخص إضافي على الأقل قد يصبحون عاطلين عن العمل مع خسارة في الدخل تقدر بنحو 3,4 مليارات دولار، فإنه من المؤكد أن الطلب العالمي على النفط سيستمر في الانخفاض، وربّما بشكل حاد، وهو ما سيزيد من الضغط على سعره، وذلك إذا لم تتدارك الدول المصدرة هذا الأمر بسرعة وتعود إلى التوافق على خفض الإنتاج، علماً أنه لو تمّ ذلك فإنه سيساعد على إبقاء سعر النفط على مستوياته المنخفضة الأخيرة وليس أكثر.

دول الخليج أمام مرحلة هي الأصعب منذ 1999

وفي ضوء كل ما سبق، فإن السؤال الأساسي هو كيف ستتأثر الدول العربية النفطية، وبالتحديد دول الخليج، بالواقع الجديد في سوق النفط التي لا تبدو أنها ستتحول إلى الأحسن في المدى المنظور، ولعل الجواب الواضح هو أن المرحلة المقبلة قد تكون الأصعب للدول المصدرة منذ العام 1999 عندما انخفض سعر النفط إلى ما دون 20 دولاراً للبرميل لبعض الوقت، أما السؤال الآخر، فهو ما إذا كان ذلك سيعيد روسيا والسعودية ودول الأوبك إلى توافق جديد للحد من الإنتاج، علماً أنه لن يكون كافياً على الأرجح للتعويض عن الانخفاض المتوقع في الطلب العالمي الذي تتوقعه وكالة الطاقة الدولية، وأيضاً، نقلاً عن مسؤول في وزارة الطاقة السعودية، فإنه ليس هناك تواصل بين المملكة العربية السعودية وروسيا حول الموضوع حتى تاريخه.

وبإيجاز، فإن دول الخليج تواجه اليوم تحدياً مثلّث الأطراف، فإيراداتها النفطية ستنخفض بشكل حاد من دون شك، وإن لفترة غير واضحة حالياً، لكنها بحاجة إلى زيادة الإنفاق لإعادة إنهاض اقتصاداتها المتأثرة بنسب مختلفة من جراء أزمة كورونا ووقعها على الاقتصاد العالمي والإقليمي، وثم عليها أيضاً التنبه لاحتياطاتها المالية المستثمرة في جزئها الأكبر في الأصول الأجنبية.

واقع جديد في سوق النفط

بدءاً بإيرادات النفط، فإن سعر النفط العربي الخفيف بلغ يوم 27 آذار/مارس الحالي نحو 21,5 دولار للبرميل بالمقارنة مع نحو 61 دولاراً للبرميل في بداية السنة، وهو ما يعني انخفاضاً بنحو الثلثين أو 65 في المئة تقريباً، علماً أن السعر كان قد انخفض إلى نحو 51 دولاراً للبرميل في نهاية شهر كانون الثاني/يناير الماضي بما يؤشر إلى ضعف في السوق قبل الخلاف السعودي-الروسي وثم أزمة كورونا العالمية، والآن ولو قامت المملكة برفع إنتاجها إلى 12,3 مليون ب/ي وتبعتها أبوظبي التي أعلنت بدورها أنها سترفع إنتاجها بنسبة 25 في المئة إلى 4 ملايين ب/ي، واستناداً إلى التوقعات حول حجم الانخفاض في الطلب على النفط، فإن سيناريو تطور السعر يبدو مخيفاً ووقعه على الإيرادات النفطية مقلق جداً ولعل ذلك قد يقضي على إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، لكن وقعه على دول الخليج التي لا تزال تعتمد إلى حد كبير على الإيرادات النفطية سيكون أكبر وأعمق، علماً أن السوق قد بدأت تشهد فائضاً متزايداً من النفط الخام التي أخذت ترفضه المصافي والذي اقترب من طاقة التخزين القصوى في العالم.

وهذا الواقع الجديد في سوق النفط لا يشكل أبداً البيئة المساعدة لدول الخليج، فيما هي بدأت تحاول وتعمل للتصدي لآثار أزمة وباء كورونا على اقتصاداتها، علماً أن موازنتها للسنة الحالية والتي وضعت قبل ما يحصل في العالم اليوم قد بنيت على سعر للنفط يقارب ما كان بلغه في نهاية 2019، ثم عمد بعضها إلى تعديلها بخفض مخصصات الإنفاق تماشياً مع الاتجاهات غير المشجعة في السوق وذلك قبل شبه الانهيار الأخير في السعر، أما الآن فإن الخليج يتجه نحو الاقتراض وأيضاً العودة إلى الاحتياطات المالية من أجل الإنفاق على برامج ومشاريع الدعم للقطاعات غير النفطية، كذلك دعم المصارف في بعض الحالات وضخ السيولة في القطاع، وهنا يمكن القول إنه فيما يعلو الصراخ داخل الأوبك حول النتيجة الكارثية للمجابهة الروسية-السعودية، فإن دول الخليج لا تقل ألماً، سواء من حيث انخفاض إيراداتها النفطية أم من أثر أزمة الوباء العالمية على قطاعاتها غير النفطية التي بذلت جهداً كبيراً لتطويرها طوال عقود عدة كوسيلة لتنويع اقتصاداتها بعيداً عن الاعتماد على النفط.

هل حزم الدعم الخليجية كافية؟

وعلى الرغم من أن الحكومات الخليجية قد سارعت لوضع حزمات مساعدة وتحفيز للقطاع الخاص تصل قيمتها إلى حدود 100 مليار دولار حتى الآن، فإنها لن تكون كافية لتغطية ومواجهة الخسائر الكبيرة التي منيت بها قطاعات السياحة والخدمات والعقار والنقل، خصوصاً شركات الطيران الخليجية التي قد تصل خسائرها إلى نصف مليار دولار أو أكثر إضافة إلى المعارض والأحداث العالمية وغير ذلك، بل إن هذه الحزمات لن تكون كافية في بعض الدول المعنية لحماية أصول القطاع المصرفي برأي بعض المحللين.

والتقديرات والتوقعات في هذا المجال تبدو مقلقة جداً، فمؤسسة التمويل الدولية تتوقع أن يرتفع العجز الحالي لدول الخليج من 3,4 في المئة من مجموع الناتج المحلي في العام 2019 إلى 8,1 في المئة هذه السنة، وتتوقع أيضاً أن يتراجع معدل النمو المثقل في الناتج المحلي الإجمالي من 2 في المئة في العام 2019 إلى 0,4 في المئة في العام 2020. وفي التوقعات أيضاً أنه إذا ما بقي سعر النفط أقرب إلى 30 دولاراً للبرميل فإن العجز في الموازنة السعودية سيرتفع من 4,6 في المئة في العام 2019 إلى 18,6 في المئة في العام 2020. ومن المؤكد في ضوء كل ذلك أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي في المنطقة، سترتفع بشكل ملحوظ برغم أنه سيتم اللجوء أيضاً إلى الاحتياطات المالية لسد جزء على الأقل من الحاجات التمويلية.

والاحتياطات المالية الصافية لدول الخليج، أي احتياطات البنوك المركزية والاحتياطي العام للدولة ناقص الدين العام، بلغت ما يقدر بنحو تريليوني دولار في نهاية العام 2018 بعد انخفاضها بنحو 500 مليار دولار خلال الفترة من العام 2014، وذلك بحسب دراسة لصندوق النقد الدولي، وهي ربما تراجعت أيضاً بعض الشيء في العام 2019 قبل أن تتأثر قيمتها من دون شك بالانخفاض الكبير في أسواق المال العالمية منذ شهر شباط/فبراير الماضي بشكل خاص، على الافتراض الواقعي أن الجزء الأكبر منها مستثمر كحقائب استثمارية في هذه الأسواق، وعلماً أن التقديرات الأخيرة تقول إن القيمة السوقية الإجمالية في الأسواق المالية العالمية الرئيسية قد تراجعت بنحو 6 تريليونات دولار خلال هذه الفترة.

وفي تقرير سبق الانخفاض الأخير في سعر النفط، توقعت مؤسسة التمويل الدولية أن دول الخليج قد تضطر إلى استعادة نحو 300 مليار دولار من صناديقها السيادية خلال هذه السنة لسد احتياجاتها التمويلية، ورأت أن ذلك سيكون له تأثير سلبي ملحوظ على أسواق المال العالمية خصوصاً سوق نيويورك، ولو أخذنا بهذا التوقع، فإنه سيكون على الأرجح أكبر من ذلك في ضوء المستويات الأخيرة لسعر النفط.

في النهاية، فإن ما تحمله المرحلة المقبلة من تحديات كبيرة للاقتصاد العالمي، ومن ثم لدول الخليج ستحتم من دون شك مراجعة شاملة لموازنات هذه الدول وأولويات الإنفاق، لكنها ستتطلب أيضاً عودة الاستقرار إلى سوق النفط بما قد يتطلبه ذلك من توافق على الإنتاج داخل منظمة الأوبك.