اتفاقات المناخ ضحية جديدة لـ "كورونا"

  • 2020-04-02
  • 14:18

اتفاقات المناخ ضحية جديدة لـ "كورونا"

الدول عاجزة عن ضخّ الأموال اللازمة للحد من الانبعاثات الكربونية في ظل تفشي كوفيد-19

  • حنين سلّوم

مذ أعلنت منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا تحوّل إلى "جائحة" تبدّلت الدول من حال إلى أخرى، فالفيروس الذي اجتاح العالم ترك بصمته السلبية واضحة في مختلف القطاعات الاقتصادية الحيوية بحيث طغى على كل أنواع المشكلات الأخرى ومنها مشكلة التغيرات المناخية بما يعنيه المصطلح من مشكلات الاحتباس الحراري والملوثّات التي يأتي في مقدمها ما يسمى بـ "البصمة الكربونية"، وأكثر من ذلك، فقد حوّل وباء كورونا البوصلة الاستثمارية للدول في اتجاه معاكس ومختلف كلياً، إذ صار همها إنقاذ اقتصاداتها الوطنية قبل التفكير في مصير الكرة الأرضية، ما جعل الاتفاقات التي تعاهدت الدول على تنفيذها وقامت بتوقيعها في مهبّ تحديات من نوع آخر، لم تكن قد وضعتها في اعتباراتها على الإطلاق.

ومن هذه الدول، العربية والخليجية على وجه الخصوص، فهذه الدول بات يتعين عليها أن تعيد حساباتها، ليس في ظل سرعة تفشي وباء كورونا فقط، بل ما فعله هذا الفيروس بأسعار النفط التي تراجعت إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات، وهي التي كانت قد بنت ميزانياتها على سعر محدد للبرميل (75 إلى 85 دولاراً)، وفي الوقت نفسه، رصدت حزماً اقتصادية ومالية بمليارات الدولارات لدعم اقتصاداتها المحلية، فاضطرت كما فعلت المملكة العربية السعودية، إلى تخفيض بعض نفقات الميزانية في سبيل مواجهة كورونا، وهنا يمكن طرح السؤال التالي: هل يمكن للدول المصدرة للنفط، في ظل ظروف كورونا وتدني أسعار النفط، أن تفكّر في الوقت الراهن بالتغيرات المناخية وبالاتفاقات الموقعة حوله؟

قبل الدخول في التفاصيل، لا بدّ من العودة إلى منتدى دافوس الاقتصادي العالمي الذي عقد منذ شهرين تقريباً (ما بين 21 إلى 24 كانون الثاني/ يناير)، وقتذاك دعا كلاوس شواب الرئيس التنفيذي للمنتدى، جميع الأعضاء إلى معالجة قضية التغير المناخي من خلال الالتزام بمحو البصمة الكربونيّة، أي تحقيق net-zero carbon emissions عبر مساواة كميّة الانبعاثات وكميّة الكربون الذي يتم التقاطه، بحد أقصى في حلول العام 2050. وللوهلة الأولى، فإن هذه الدعوة تبدو مريحة من ناحية المدة الزمنية، نحو 30 سنة، لكنها بالطبع كانت قبل مرحلة وباء كورونا وتدني أسعار النفط، وهنا يمكن التوقع بما لا يقبل الشك بأن المرحلة المقبلة لن تكون ذاتها بالنسبة إلى دول العالم جمعاء، علماً أن أكثر الدول المتضررة ستكون النفطية منها وللأسباب السابقة.

حجم الاستثمارات المطلوبة للحدّ من التغير المناخي

وفقاً لدراسة أجرتها Morgan Stanley Research، فإنّ حجم الاستثمارات المطلوبة لتحقيق net-zero carbon emissions في حلول العام 2050 تبلغ نحو 50 تريليون دولار وذلك لاعتماد تقنيّات مثل الطاقة المتجددة، المركبات الكهربائية، الهيدروجين، احتجاز الكربون وتخزينه (CCS)، والوقود الحيوي التي تحد ّمن انبعاثات الكربون، وإذا ما أخذنا في الاعتبار حجم الخسائر التي سببها تفشي وباء كورونا للقطاعات الاقتصادية العالمية، والتي اتخذت أشكالاً متعددة، فإن السؤال الجوهري يصبح: هل تملك الدول القدرة على تأمين الاستثمارات المطلوبة للحدّ من التغير المناخي في ظل ظروف اقتصاداتها الراهنة؟ إن الإجابة على هذا السؤال تنطلق أساساً من حالة الركود في الاقتصاد العالمي، مروراً بالمخصصات المالية التي أعلنت الحكومات عنها على شكل حزم دعم اقتصادية ونقدية وقد تخطت تريليونات الدولارات حتى اليوم في الدول الرئيسية الكبرى، وبهذا، فهي تشكّل نحو 6 في المئة من الاستثمارات المطلوبة للحدّ من التغير المناخي، وبالتالي  سيكون من الصعب على البلدان البدء بتطبيق هذه الخطط خصوصاً أنّها قد انشغلت بما هو أكثر إلحاحاً وهو الحفاظ على حياة مواطنيها في ظل الحجر الأممي، فرعايا الدول يشكّلون أولوية في المرحلة الحالية قبل الالتفات إلى أمور الكوكب.

2020 ليست سنة المناخ

حتى ما قبل بدء تفشي فيروس كورونا، فإن العام الحالي كان يعدّ عام المناخ لجهة استحقاق تنفيذ بعض بنود ومقررات اتفاق باريس، وهذا الأخير كان قد نصّ على أن تقدّم الدول المساهمات المحدّدة وطنيّاً (Nationally Determined Contributions) وهي التزامات الدول لخفض انبعاثات الكربون في حلول العام 2030، بالإضافة إلى ذلك، يتعين على الحكومات تقديم خطط طويلة الأجل لإزالة الكربون بغية الوصول إلى الهدف الأساسي وهو net-zero emissions خلال نصف القرن الحالي أي في العام 2050. لكن ما يميّز الاتفاق المشار إليه، هو أن التعهدات ليست ملزمة من الناحية القانونية، إذ يحقّ للدول أن تتفق بالإجماع على تغيير موعد استحقاق الاتفاقات تحت ذريعة تفشي كورونا، وبهذا، فإنها تكون قد أجلّت تنفيذ الاستحقاقات الواجبة "مناخياً" لمصلحة ما تعتبره يتقدّم سلّم أولوياتها من ناحية الاهتمام برعاياها واقتصاداتها، وعندها فإن مسألة الحدّ من التغير المناخي قد تكون باتت ثانوية وليست أولوية.  

تدنّي سعر النفط يزيد الأمر سوءاً

وإلى كورونا، ثمة على الساحة الدولية حرب من نوع آخر تدور رحاها بين دول نفطية على رأسها المملكة العربية السعودية وروسيا، والتي كانت أبرز نتائجها تدهور أسعار النفط، وقد كان لهذا الانخفاض أن يساهم في تحقيق انفراجات للدول المستوردة للنفط، لكن حالة الشلل المفروضة في ظل كورونا أدت إلى تراجع أسعار النفط بشكل لافت للانتباه فأضرت بالمنتجين أوّلاً من دون أن تنفع المستوردين، وهذا ما أدى الى تفاقم الأزمة الاقتصادية وبات على هذه الدول أن تنتظر ريثما يتعافى الطلب، وهذا يعيدنا إلى ما ورد سابقاً، فالدول التي رصدت حزمات مالية لدعم اقتصاداتها خسرت بفعل تراجع أسعار النفط قسماً مهماً وكبيراً من إيراداتها، وهذا بدوره يعني أن أي خطط خارج إطار إعادة التوازن إلى اقتصاداتها المحلية لن تكون مقبولة على المدى المنظور قبل زوال تفشي فيروس كورونا وعودة أسعار النفط إلى التعافي، وفي مقابل هذه الدول، فإن دولاً أخرى تراهن على بقاء أسعار النفط في حدودها الدنيا، ذلك أن تدني السعر عامل إيجابي بالنسبة إليها لأنه يشجّعها على رفع استهلاكه واستخدامه من دون أن تبذل المزيد من الاستثمارات في سبيل تطبيق خطط الحد من التغير المناخي ومنها اعتماد الطاقة المتجددة، والمركبات الكهربائية، والوقود الحيوي، والتي تتطلب استثمارات كبيرة غير متوفرة في الوقت الراهن.

هل ينقذ مؤتمر "الأمم" المناخ؟

في انتظار مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي أو United Nations Climate Change Conference (COP26)، الذي يعقد سنوياً ويصادف هذا العام من 9 إلى 19 من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2020، وبغض النظر إن كان سيعقد أم لا ، فإن المسألة لم تعد متعلقة بمجرد الاجتماع في مكان واحد، فالكثير من المعطيات الاقتصادية والإنسانية تبدّلت، إذ بات محسوماً أن مرحلة ما بعد كورونا لن تكون هي نفسها بالنسبة الى دول العالم أجمع وذلك على مختلف الصعد الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والبيئية وحتى السياسية، وبهذا، فإن الحديث عن الانتخابات الأميركية (3 تشرين الثاني/ نوفمبر) واحتمال فوز الديمقراطيين لا يعني أن اتفاقات المناخ ستسلك طريقاً معبداً بالورود، وحتى لو ترافق ذلك مع تأجيل المؤتمر لمدة عام كامل، باعتبار أنه قد يمنح وقتاً للرئيس الجديد لوضع الخطط والعودة عن القرار الحالي للولايات المتحدة بالانسحاب من اتفاق باريس، إلّا أن القضية ليست هنا على الإطلاق، فالعالم يتجه إلى افتتاح تأريخ جديد من مرحلتين كما سبق ذكره، قبل وبعد كورونا، وهذا وحده كافياً قد يعطّل أو يؤجل تطبيق أي اتفاقات متعلقة بالمناخ لسنوات ليست قليلة على الإطلاق.