رأس المال المغامر يفقد جرأته أمام كورونا

  • 2020-03-31
  • 17:05

رأس المال المغامر يفقد جرأته أمام كورونا

بعض الشركات قد يواجه تراجع مستثمرين عن التزاماتهم التمويلية

  • عاصم البعيني
شكّل تراجع أسعار النفط وانتشار فيروس كورونا خضة لشركات وصناديق رأس المال المغامر (Venture Capital) في المنطقة فباتت أمام واقع "مأزوم"، يعزز تفاقمه التراجع الواضح في مستويات السيولة. 

هذا الواقع لم يترك للشركات والصناديق الكثير من الخيارات المتاحة، فصارت غاية آمالها المحافظة على الوفاء بالتزاماتها التمويلية تجاه الشركات المستثمر فيها مع قرار بعدم الدخول في استثمارات جديدة إلى حين انقشاع المرحلة الضبابية التي تسود العالم حالياً بسبب تفشي الفيروس. 

إذاً، هي "أزمة سيولة" تأتي في ظل ظروف معقدة، يضاف إليها تحد متمثل بمخاوف الشركات "المديرة" للصناديق من قيام المستثمرين بخفض حجم التزاماتهم التمويلية السابقة، تحت ضغط الخسائر الكبيرة المتوقع أن تخلفها انعكاسات انتشار الوباء وتراجع اسعار النفط، الأمر الذي قد يترك انعكاسات سلبية على ايرادات هذه الشركات المتأتية بمعظمها من اتعاب الادارة ويضعها أمام خيار وحيد لا ثان له وهو خفض النفقات، وهذا قد يعني في مكان ما، بروز حالات تعثّر وإفلاس لبعض الشركات الناشئة نفسها، فما هي حال صناديق وشركات رأس المال المغامر والشركات الناشئة في المنطقة؟

 

ضبابية وترقب

يجمع المعنيون بصناديق وشركات رأس المال المغامر في المنطقة على أن المعايير الاستثمارية التي عرفتها "الصناعة" على مدى السنوات الاخيرة اختلفت وتبدّلت، ذلك أن الركائز التي كانت تتم على أساسها الاستثمارات أو حجم التمويل، وكذلك أسس تقييم الشركات الناشئة نفسها باتت من الماضي، ليغيّر ذلك من المسار برمته وتصبح التوقعات الجديدة تتمحور حول ظهور تحديات جديدة صلبها كيفية جذب السيولة والتركيز على دعم الاستثمارات القائمة، وهنا، فإن كل المعطيات المستجدة تقود إلى طرح أسئلة حول مستقبل هذه الشركات التي كانت قد عايشت "عصراً ذهبياً" كان من أبرز ملامحه بلوغ عدد دورات التمويل والاستثمار التي وقعتها هذه الشركات خلال العام الماضي وحده 564 عقداً استقطبت استثمارات بأكثر من 700 مليون دولار في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وذلك بحسب تقرير لشركة ماغنيت (Magnitt). 

 

فادي غندور نتابع الشركات التي استثمرنا فيها ولن ندخل في استثمارات جديدة  

 

لا تشبه المرحلة الحالية سابقاتها، فتلك صفحة طويت لتفتح أخرى على مرحلة من المتوقع بحسب رئيس مجلس إدارة ومضة كابيتال (Wamda) فادي غندور "أن تتسم بالترقب والانتظار بالنسبة الى كافة الشركات بما فيها رأس المال المغامر، ومن المتوقع أن تسجل المنطقة خلالها تباطؤاً في النمو"، لكن هذا "الأمر يتطلب فترة من الزمن قبل إمكانية تقدير أثر ما سيحصل"، وهذه نقاط ينطلق منها الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي في شركة MEVP وليد حنا في حديثه لـ "أولاً-الاقتصاد والاعمال" عن الأثر المباشر لتراجع أسعار النفط على مستويات السيولة في دول الخليج والتراجعات الكبيرة في الأسواق المالية، "فما كان متوفراً من سيولة أمام شركات رأس المال المغامر جفّ تماماً". وهنا يحذّر حنا من أن كامل القطاع، إن كان على مستوى الصناديق أو الشركات المستثمر فيها، قد يصبح أمام حقيقة إعادة النظر في تقييمه لاستثماراته بهدف جذب المزيد من الأموال مستقبلاً. ويلاقي نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي في شركة فيث كابيتال الكويتية محمد جعفر وجهات النظر تلك، إذ يتوقع أن تشهد الاستثمارات التي تقودها صناديق وشركات رأس المال المغامر انخفاضاً في وتيرتها، ويضيف:"إنه وفي ظل المعطيات المتوافرة من الصعب توقع الخيارات والاستراتيجية المستقبلية في هذه الصناعة". 


تريث إستثماري 

واستناداً إلى واقع بات خارج الإرادة والإدارة، يتفق قادة هذه الشركات على أن التريث الاستثماري هو سيد الموقف في المرحلة الحالية، "فنحن في ومضة إذا استثمرنا في نحو 47 شركة ناشئة، وقد أنهينا جميع جولات التمويل الخاصة بهذه الشركات وفقاً لما كان مخطط له" يقول غندور، وبالتالي "لم نكن نخطط في المستقبل القريب للحصول على المزيد من الاستثمارات قبل أن تظهر الظروف الحالية سواء مع انتشار كورونا أو انخفاض أسعار النفط. 

 

وليد حنا محذراً: شركات رأس المال المغامر قد تواجه تراجع مستثمرين عن التزاماتهم التمويلية 

 

ولعلّ من محاسن الصدف، أن تمرّ شركة MEVP بالتجربة نفسها، يشرح تفاصيلها حنا: "كان من حسن الحظ أننا أغلقنا الاكتتاب في صندوقنا الثالث في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، عبر جمع نحو 140 مليون دولار"، وفي ما يمكن تفسيره على أنه إشارة لم تقرأ في توقيتها، يشير إلى "أن الهدف كان جمع 200 مليون دولار، لكن على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، لم يجر استثمار سوى 25 مليون دولار من إجمالي المبلغ المجموع توزعت على ثماني شركات، كنا قد بدأنا جمع تمويل لمعظمها منذ العام 2018". 

على الرغم من الظروف السائدة، فلا تزال "ومضة كابيتال" ملتزمة بشكل مطلق تجاه الشركات المستثمر فيها، ويؤكد فادي غندور أنه "يجري متابعة تلك الشركات عن كثب بهدف الوقوف على احتياجاتها ولاسيما في ما يتعلق بمدى حاجتها إلى السيولة، بما يمكننا من الوصول بها إلى برّ الأمان حتى نهاية العام الحالي"، لافتاً الانتباه في المقابل، إلى "أن الشركة أوقفت البحث في أي فرص جديدة". 

والإلتزام الحذر السابق يكاد يكون سمة عامة لدى معظم الشركات، يقول نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي في شركة فيث كابيتال محمد جعفر: "نحن على التزامنا التمويلي تجاه الشركات كافة التي نستثمر فيها حتى المستقبلية منها وتحديداً كل من جست كلين (Just Clean) و فلاورد". 

 

محمد جعفر: ملتزمون بخطط تمويل شركاتنا رغم الحذر السائد 

 

هذا الإجماع على خيار التريث في دراسة أي فرص جديدة، يخرقه الرئيس التنفيذي في شركة "تنمو" نواف الكوهجي المتخصصة في مجال تمويل المشاريع الحديثة التأسيس في مراحلها الأولى (Business Angel)، أي أنها تستثمر في شرائح أصغر حجماً بخلاف الشركات السابقة التي تركز على الشركات التي انجزت جولات تمويل متقدمة وأظهرت نمواً، الذي يوضح أن ظهور الفيروس وانتشاره، لم يحل دون استكمال الشركة خطتها للإستثمار في الشركات الناشئة الحديثة التأسيس في البحرين، مشيراً إلى أنه جرى خلال الأسبوعين الماضيين أي بالتزامن مع بداية انتشار الفيروس، إغلاق استثمارين في شركتين جديدتين بإجمالي نحو 80 ألف دولار، كذلك تخطط "تنمو" لإضافة ثلاث شركات جديدة إلى محفظتها حتى نهاية العام الحالي. وفي ما يعكس قناعاته بمرحلة الحذر السائدة، يعيد الكوهجي مبررات هذا التوجه إلى عنصرين: الأول، مرتبط بنموذج عمل الشركة وشرائح الاستثمار الموظفة في الشركات المستثمر فيها والتي حديثة التأسيس (Seed Investment). والثاني: الواقع الإيجابي لحزمة الدعم المعلنة من قبل وزارة المالية والاقتصاد الوطني والبالغة نحو 11.4 مليار دولار، المتضمنة سداد صرف رواتب المواطنين والإعفاء من رسوم الخدمات العامة لمدة ثلاثة أشهر. 

 

نواف الكوهجي: نخطط لضخ المزيد من الاستثمارات في شركات حديثة التأسيس 

المستثمرون على التزاماتهم؟ 

مع التعمق في الحديث عن واقع صناديق رأس المال المغامر، يطلق وليد حنا تحذيراً آخر قد يواجه أياً من شركات رأس المال المغامر وهو ينتج عن أي تراجع في التزام المستثمرين بتوظيف أموالهم في هذه الصناديق وفق الإتفاقات الموقعة، مشيراً إلى أن مثل هذا الخيار قد يؤثر على عمولات وأتعاب الإدارة العائدة للشركات المديرة للصناديق نفسها كنتيجة لخفض حجم الاستثمار، بما يؤثر على إيرادات الشركات ويدفعها إلى خفض النفقات.   
هذا الحذر الذي يعبّر عنه حنا يجد صداه لدى فادي غندور، الذي يرى أن هذا الواقع قد ينطبق على المستثمرين من أصحاب الحصص الصغيرة أكثر من أصحاب المساهمات الكبيرة في الصناديق، وذلك نظراً إلى حجم استثماراتهم في الشركات الناشئة أو الصناديق الاستثمارية، غير إن هذه النتيجة لا تغيّر قناعة غندور بأن رأس المال المغامر أمام مرحلة إعادة تقييم شاملة لاستثماراته الموظفة وفق نموذج عمل كل شركة ناشئة على حدة ومدى التأثير الذي تركته ازمة الفيروس على أعمالها. 

هل من فرص في خضم الأزمة؟ 

في خضم الحديث عن الملامح الجديدة للقطاع والتي بدأت تلوح في الأفق، يُعبّر نواف الكوهجي عن تفاؤله بمستقبل شركات وصناديق رأس المال المغامر في المنطقة، وكذلك الشركات التكنولوجية الناشئة وقدرتها على جذب المزيد من الاستثمارات، ويستند في ذلك إلى الإقبال الواسع الذي شهدته حلول هذه الشركات مع تفشي فيروس كورونا وتحوّل المستهلكين لتلبية احتياجاتهم من خلال خدماتها، متوقعاً أن تكون مصدراً لجذب استثمارات جديدة في المرحلة المقبلة. هذا التوصيف يوافق عليه بحذر كل من جعفر وغندور على حدّ سواء، إذ يعتبر رئيس مجلس إدارة "ومضة كابيتال" أن الشركات العاملة في مجال العمل أو التعلّم عن بعد وشركات التجارة الالكترونية قد تلاقي رواجاً كبيراً من حيث الشكل وهي ستكون بحاجة إلى استثمارات جديدة للتوسع، غير إن أياً من هذه التوقعات تتوقف على الأسس التي سيخلص إليها القطاع بعد انتهاء الأزمة، مشيراً إلى أن جزءاً مهماً من معالم هذه الرؤية يتوقف على مدى استمرار الحوافز الحكومية للقطاع بصفة عامة والشركات الناشئة في سياق الجهود التي اعتمدتها الحكومات العربية على مدى السنوات الماضية بصفة خاصة، على قاعدة أنه إذا كانت هناك مخاوف تحيط بالصناديق تدفعها إلى التريث في الاستثمار، فإن ذلك لا يفترض أن ينطبق على الحكومات، بما يضفي ثقة على الصناديق نفسها ويعزز الحوار بين الجانبين، قبل أن يخلص إلى القول إن المؤشرات التي ظهرت في كل من السعودية والإمارات والأردن وبلدان اخرى حول كيفية التعامل الحكومي مع تبعات الأزمة على القطاع تتسم بالجدية وتكتسب أهمية كبيرة، لكن كل ما سبق لا يلغي أن الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة في الكويت على سبيل المثال تحتاج كمعدل إلى نحو 350 ألف دولار على الأقل حتى تتجاوز تداعيات المرحلة الحالية، وذلك بحسب تقديرات دراسة أعدّها المدير الشريك في فيث كابيتال عبد العزيز اللوغاني.