لبنان: أين حقوق "المؤمّنين" بفحص وعلاج كورونا؟

  • 2020-03-29
  • 13:18

لبنان: أين حقوق "المؤمّنين" بفحص وعلاج كورونا؟

خلاف بين شركات التأمين والمستشفيات الخاصة حول "التسعيرة" والمؤمّن ضحية

  • برت دكاش

هل يدفع المؤمّنون اللبنانيون ثمن النزاع الدائر بين شركات التأمين والمستشفيات الخاصة؟ الأولى بحجة أن المستشفيات لا تلتزم بالأسعار المحدّدة من قبل وزارة الصحة والجهات المختصة، والثانية بحجة أن تعريفة شركات الضمان هي أساساً أعلى من تعريفتي وزارة الصحة والضمان الاجتماعي؟

وبين حجة، وحجة مضادة، برز أمس السبت موقف لافت للإنتباه لوزير الاقتصاد راوول نعمة الذي رفع كتاباً إلى وزير الصحة حمد حسن يتضمن جدولاً بأسماء شركات التأمين وتفاصيل التغطيات التي توفّرها للمضمونين لديها، وطلب راوول من حسن تعميمها على المستشفيات كافة لاستقبال المؤمّنين المصابين بفيروس "كوفيد-19" من دون تأخّر. فهل جاءت خطوة الوزير لتسبق تسلّمه الدراسة التي أعدّتها نقابة أصحاب المستشفيات في لبنان عن كلفة استشفاء المصابين بفيروس كورونا، ووضع شركات التأمين أمام الأمر الواقع؟ يسأل نقيب أصحاب المستشفيات في لبنان سليمان هارون في معرض حديثه لـ "أوّلاً-الاقتصاد والأعمال.

وإذا كانت وزارة الاقتصاد حسمت مسألة المؤمّنين لدى شركات الضمان، فما هو مصير المضمونين لدى صناديق التعاضد الخاضعة لوصاية وزارة الزراعة؟ هل تنطبق عليهم شروط وأحكام المؤمّنين الآخرين؟ الإجابات على هذه الأسئلة وسواها من التساؤلات رهن المسؤولين المعنيين، ورهن الأيام المقبلة الكفيلة بكشف المستور.  

اندلاع السجال

النزاع الذي خرج أخيراً إلى العلن على أثر كلام لرئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي الذي صوّب سهامه مباشرة على شركات التأمين، لعلّه كان الدافع وراء كتاب راوول. عراجي اتهم شركات التأمين بالمناورة للتهرب من تغطية المشتركين في شركات التأمين الذين يفوق عددهم المليون مؤمّن، قائلاً في حديث إلى المؤسسة اللبنانية للإرسال: "لن نسمح أن يبقى مصير مليون لبناني مجهولاً بالنسبة إلى مرض الكورونا"، ودعا الشركات إلى التحلّي "بالحس الوطني بعد أن كانت تجني مئات ملايين الدولارات سنوياً، ولتتحمل مسؤولية تغطية جميع المرضى من دون استنسابية".

كلام عراجي استدعى رداً فورياً من جمعية شركات الضمان في لبنان (ACAL) دافعت فيه عن موقفها وقالت: "إن شركات التأمين اللبنانية حاولت العمل على إيجاد حلول تسهم في تخفيف بعض أعباء هذه الأزمة، بالتنسيق مع وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمة الذي سعى جاهداً إلى إيجاد آلية تؤمّن تغطية أكبر عدد ممكن من الحالات"، وأضافت أنه "وبعد اجتماعات عديدة، أبدت الشركات استعدادها لتغطية كلفة علاج الموَّمنين لديها، في حال إصابتهم بالكورونا، بمعزل عن الاستثناء أو عدمه، وإنما من ضمن سلة متكاملة يتم احتساب التعريفة بموجبها وفق شروط الضمان الاجتماعي المعمول بها حالياً". وفي اتصال مع موقع أولاً- الاقتصاد والأعمال قال رئيس مجلس إدارة شركة آروب للتأمين وعضو لجنة المتابعة مع الوزير فاتح بكداش إنه فوجئ بكتاب الوزير، وكان أشار في اتصال سابق إلى أن "مفاوضات كانت تجري مع الوزير راوول، وكدنا نتوصل إلى اتفاق حول أفضل السبل التي تحفظ حقوق جميع الأطراف المعنية، غير إنه، وفي اللحظة الأخيرة، ومن دون معرفة الأسباب، عدنا إلى نقطة الصفر"، وهذا ما عادت وأكّدته جمعية شركات الضمان السبت في بيانها، إذ أوضحت "أن تجاوب شركات التأمين لم يقترن بإقرار السلة المتكاملة بصورة رسمية، لأسباب نجهلها".

كيف بدأت الأزمة؟

بدأت بوادر الأزمة بين شركات التأمين والمؤسسات الاستشفائية والمختبرات الخاصة تظهر مع دخول المستشفيات وبعض المختبرات على خط مواجهة فيروس كورونا، وتحديداً لدى بدئها بإجراء فحص الـPCR، الكفيل بتأكيد الإصابة بالفيروس من عدمها. ففي حين حدّدت وزارة الصحة كلفة الفحص بـ 150 ألف ليرة لبنانية، "لا تلتزم المستشفيات والمختبرات الخاصة التي تجري الفحص بهذه التسعيرة"، وفق ما يوضح بكداش، مشيراً إلى أن "السعر يصل أحياناً إلى 200 دولار، وهو أمر مرفوض من شركات التأمين، ويؤدي إلى تمنّع البعض منها عن سداد قيمة الفحص في حال جاءت نتيجته سلبية"، مشدّداً على "وجوب ضبط عملية إجراء الفحص المخبري للفيروس وحصره فقط بمن تظهر عليهم العوارض أو بناء على طلب من الطبيب المعالج".

وفي المقابل، لنقيب المستشفيات تبريره، يقول هارون: "إن مسألة السعر تعود إلى الاتفاق القائم بين شركة التأمين والمستشفى الذي يجري الفحص حول الأسعار المطبّقة، علماً بأن تعريفة شركات التأمين هي أعلى من تعريفتي الضمان الاجتماعي وزارة الصحة".

ماذا عن العلاج؟

وماذا عن كلفة العلاج؟ بداية، يوضح هارون أن "كورونا هو فيروس مستجد، وبالتالي لا توجد أسعار محدّدة لعلاج مرضى الكورونا، وسواء قائمة أسعار الضمان الاجتماعي أو وزارة الصحة فالاثنتان لا تلحظان علاج هذا الفيروس، لذلك سنقدّم إلى وزير الاقتصاد، بناء على طلبه، يوم غد الاثنين، دراسة أعدّتها النقابة بالتعاون مع وزارتي الاقتصاد والصحة والضمان الاجتماعي، ونأمل أن تؤدي إلى حلّ للمشكلة القائمة بيننا وبين شركات التأمين".

ويشدّد هارون على "أننا أبلغنا الجهات المختصة أن المستشفيات التي تجري فحص الكشف عن الفيروس وعلاج المصابين به لا يمكن أن تعتمد أسعار الضمان الاجتماعي أو وزارة الصحة التي عادة تكون منخفضة، نظراً إلى ارتفاع كلفة علاج مريض الكورونا. فإلى كلفة تجهيز المستشفيات للأقسام الخاصة بعلاج الفيروس على نفقتها الخاصة والتي تتراوح كلفة تجهيز الغرفة الواحدة فيها ما بين 30 و40 ألف دولار، تضاف كلفة المستلزمات الطبية الضرورية المطلوبة لعلاج الفيروس مثل الملابس الواقية والأقنعة وسواها والتي تضطرنا إلى استيرادها بأسعار مرتفعة، نتيجة شحها في ظل ارتفاع الطلب العالمي عليها وبسبب لجوئنا إلى شراء الدولار وفق سعر سوق الصرف الموازية والذي وصل إلى 2800 ليرة لبنانية مؤخراً، لتحويل الأموال إلى المورّدين".

رد شركات التأمين

هل ستقبل الشركات بالأسعار التي ستحدّدها نقابة المستشفيات؟ يؤكد بكداش أن "مطلب شركات التأمين واضح، وهي مستعدة لتغطية كلفة علاج المؤمّنين لديها في حال إصابتهم بالكورونا، بمعزل عن الاستثناء أو عدمه، ووفق سعر موحّد بعيداً عن درجة التأمين الواردة في البوليصة، إذ كما هو معروف، تنقسم عقود التأمين إلى ثلاث فئات هي: درجة أولى A، وثانية B (توازي تغطية الضمان الاجتماعي) ودرجة ثالثة C (توازي تغطية وزارة الصحة)، كما نطالب باعتماد جدول أسعار الضمان الإجتماعي"، ودعا الجهات المعنية إلى وضع جدول أسعار محدّدة وموحّدة للخدمات الطبية داخل المستشفى، وكذلك لفحص الـPCR، يُعتمد من قبل جميع المستشفيات والمختبرات التي تجري الفحص الخاص بالفيروس لنتمكن من تغطية جميع المؤمنين".

وفي هذا السياق، يتساءل نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة عن السبب حول عدم قدرة الشركات على تغطية جميع المؤمنين في وقت ستحقق وفراً في محفظتها يقدّر بملايين الدولارات نتيجة توقف المستشفيات عن إجراء "العمليات الباردة". ويضيف: "لهذا السبب لن تخسر الشركات من جراء تغطية مرضى الكورونا، علماً أنه من غير الوارد اعتماد الأسعار المعتمدة عادة من قبل الضمان الاجتماعي أو وزارة الصحة غير الموجودة أصلاً كما سبق وذكرت، لكنها ستكون تعريفة موحدة لجميع درجات التأمين وبعيداً عن الجهة الضامنة، ولاسيما وأنه لن تكون هنالك غرف مخصصة لمريض واحد فقط، خاصة في حال انتشر الوباء وزاد عدد المصابين بشكل كبير". وأكّد النقيب هارون أن "المستشفيات الخاصة ستستقبل جميع المرضى وتؤمن لهم العلاج لأي جهة ضامنة انتموا وكذلك المرضى الذين سيتلقون العلاج على نفقة وزارة الصحة".

ورداً على كتاب إحدى شركات التأمين تطلب فيه من أحد المستشفيات قبول مرضى الكورونا المضمونين لديها من دون طلب دفعة مسبقة، يجيب هارون:" إن هذا الإجراء معتمد من قبل المستشفيات، وهو عادة يغطي الفارق في السعر بين شركة التأمين والضمان الاجتماعي بالنسبة إلى المنتسبين للجهتين المذكورتين، وهذا المبلغ تتم إعادته إلى المريض عند خروجه من المستشفى بعد احتساب الفارق، علماً بأنه غير مرتبط بتقديم الخدمة الاستشفائية للمريض".

عدد الأسرّة

بلغ عدد الأسرّة الجاهزة حالياً لاستقبال مرضى الكورونا في المستشفيات الخاصة 350 سريراً، ويجري حالياً استكمال تجهيز عدد من المستشفيات الخاصة ليصل إجمالي عدد هذه المستشفيات القادرة على استقبال مرضى الفيروس إلى 15 مستشفى موزعة على كامل الأراضي اللبنانية، بحسب هارون، ويتابع أنه في حال لم تعد هذه المستشفيات كافية لاستقبال المصابين، "سيصار إلى تخصيص أحد المستشفيات لعلاج مرضى الكورونا حصراً".

الشركات الضامنة

بلغ عدد شركات الضمان الواردة في القائمة المرفوعة من وزير الاقتصاد راوول نعمة إلى وزير الصحة حمد حسن 38 شركة تأمين، منها 15 شركة تغطي الفيروس. ومن بين هذه الشركات، 8 شركات تغطيه بشكل جزئي و7 بالكامل. ويشرح بكداش أن "المقصود بالجزئي، هو وجود عقود لا تشمل تغطية الفيروس وأخرى تغطيه".

واللافت للإنتباه، أنه في حين أن غالبية حاملي بوالص التأمين اللبنانيين غير مشمولين بالتغطية ضد الفيروس "المصنّف ضمن خانة الأوبئة التي لا يشملها عقد التأمين عادة"، كما يوضح بكداش، فإن جميع الأجراء الأجانب العاملين في لبنان مؤمنون ببوالص تأمين صحي إلزامي شامل لا تتضمن أية استثناءات، ومن ضمنها تغطية فيروس الكورونا، صادرة عن 35 شركة ضمان.

وتجدر الإشارة إلى أن حجم سوق التأمين الصحي في لبنان بلغ نحو 760 مليون ليرة بحسب أرقام لجنة مراقبة شركات الضمان للعام 2018، أي ما نسبته نحو  30,7 في المئة من إجمالي سوق التأمين.