أفريقيا vs كورونا: الاحتواء أو الكارثة

  • 2020-03-23
  • 14:34

أفريقيا vs كورونا: الاحتواء أو الكارثة

  • مروان النمر

على الرغم من أن أفريقيا لا تتصدر عناوين فيروس كورونا حتى الآن، فإن رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس حذّر دول القارة السمراء بأن تتوقع السيناريو الأسوأ، فما هي أسباب هذا التحذير؟ كيف تتوزع خارطة الإصابات حتى الآن؟ ما مدى جهوزية النظام الصحي؟ وكيف سيؤثر كورونا على اقتصادات الدول الأفريقية؟ 

وصل عدد الإصابات في أفريقيا حتى تاريخ 23 آذار/ مارس الحالي إلى 1369 إصابة موزعة على 45 دولة، واللافت للإنتباه أن ما يقارب نصف هذا العدد (679 إصابة) يتركز في 4 دول عربية هي: مصر والجزائر والمغرب وتونس، في حين لم تسجل 9 دول أي إصابة حتى الآن.

ويرى المراقبون أن دول أفريقيا كانت لديها فرصة للتعاطي مع كورونا بشكلٍ أمثل باعتبار أن الوباء وصل إليها متأخراً، إذ سُجلت الإصابة الأولى في دول جنوب الصحراء بتاريخ 28 شباط/ فبراير في نيجيريا، لكن ما بعث على قلق منظمة الصحة العالمية ارتفاع عدد الإصابات بشكل كبير منذ أسبوع.

غموض الإصابات

لم تتضح حتى الآن الأسباب الدقيقة والمباشرة خلف العدد القليل نسبياً من الإصابات المعلنة في دول جنوب الصحراء مقارنةً بباقي مناطق العالم.

ويتنوع تحليل هذه الأسباب بين إيجابية وسلبية، ففي الخانة الأولى، تندرج المراقبة الصحية الفعّالة على المطارات، وقيود السفر من وإلى الدول الموبوءة (وإن جاءت متأخرة في بعض الدول)، كما إن العديد من الدول الأفريقية لديها نشاط جوي محدود، إذ إن 5 دول فقط تحتكر مطاراتها حركة الطيران ما بين القارة ودول العالم (مصر، المغرب، أثيوبيا، جنوب أفريقيا، نيجيريا)، كما يشير البعض إلى أن المناخ الحار، والتركيبة السكانية الأكثر شباباً على مستوى العالم (6 في المئة فقط من سكان أفريقيا أعمارهم فوق 65 عاماً)، يُشكّلان عاملين مساعدين.

أما أهم الأسباب التي تثير القلق، فالنقص الهائل في اختبارات الكشف عن كورونا لمن تظهر عليهم عوارض المرض، نتيجة قلّة معدات الاختبار وضعف المختبرات، وهو ما دعا مركز مكافحة الأمراض (CDC) إلى التحرك بشكلٍ سريع، فقام بإرسال 100 خبير لتدريب وتأهيل طواقم 43 مختبراً في دول جنوب الصحراء كافة، إذ لم يكن يوجد عند اندلاع أزمة كورونا سوى مختبرين مؤهلين لإجراء الفحوصات في كل المنطقة (نيجيريا والسنغال)، كما تمّ توفير 60 ألف عدّة اختبار لتوزيعها على الدول.

عناصر المناعة

حتى الآن، فإن الدول التي سجّلت أكبر معدلات انتشار لفيروس كورونا في أفريقيا، هي مصر وجنوب أفريقيا والجزائر والمغرب وبوركينا فاسو وتونس والسنغال، لديها النظام الصحي الأفضل بين كافة دول القارة السمراء، وتُصنّف من قِبل منظمة الصحة العالمية ما بين معتدلة إلى عالية الجهوزية، لكن ذلك لا ينطبق على باقي الدول.

من هنا، فإن المعركة بالنسبة الى القيمين على الأنظمة الصحية في السواد الأعظم من دول أفريقيا هي معركة الاحتواء، الذي يشكّل خط الدفاع الأول والأخير. فما هي أبرز نقاط القوة والضعف في هذه المعركة؟

تتراوح نقاط القوة لدى معظم الدول الأفريقية لمواجهة انتشار كورونا ما بين: المناخ الحار، والتركيبة السكانية الشابة، فضلاً عن القيام بالعديد من الإجراءات، كإطلاق حملات التوعية، ودور المؤسسات الدينية والمجتمع المدني في التشجيع على منع التجمعات، وتأمين معدات الاختبار وتطوير المختبرات، وتوفير مستلزمات التعقيم، وتحفيز الشركات على عمل الموظفين عن بُعد.

والأهم من ذلك، المراقبة المبكرة للمسافرين التي تمت في العديد من مطارات الدول الأفريقية، إنطلاقاً من تجربة هذه الدول في التعاطي مع وباء إيبولا قبل 5 سنوات، والذي حصد ما بين العامين 2014 و2016 أكثر من 11300 وفاة من أصل 28600 إصابة، وفضح في حينها عدم أهلية النظام الصحي في الكثير من الدول الأفريقية، لكن معظمها تعلّم من إيبولا الدروس وتمت زيادة الإنفاق بشكل ملحوظ على الأنظمة الصحية وتدعيمها.

نقاط الضعف

أما نقاط الضعف في معركة احتواء كورونا، والتي تتشارك فيها معظم الدول الأفريقية، فتتلخص في التالي: مازالت التجمعات والاختلاط قائماً رغم التحذيرات، كما تجبر نسبة الفقر العالية شريحة واسعة من الناس على الخروج للعمل اليومي، كذلك تمنع القدرة الشرائية الضعيفة لدى عدد كبير من المواطنين حصولهم على أدوية التعقيم، وتحول ندرة المياه دون قيام الكثيرين بغسل أيديهم بشكلٍ مستمر، إذ يفتقر 258 مليون إنسان في أفريقيا إلى المياه الصالحة للاستعمال، أضف إلى ذلك، أن بعض الدول تعاني من أرقام عالية في عدد المصابين بأمراض معدية، ولاسيما مرض نقص المناعة (الإيدز)، حيث يبلغ عدد المصابين بهذا المرض في جنوب أفريقيا وحدها أكثر من 7.7 ملايين مريض.

قنبلة الانتشار

لم ستحل الكارثة إن فشلت عملية الاحتواء؟

الجواب ببساطة، لأن أفريقيا تمتلك أضعف نظام صحي بين كافة مناطق العالم، إذ لا يتجاوز الانفاق على الصحة في الدول الأفريقية كافة نسبة 1 في المئة من الإنفاق الصحي العالمي، وتبلغ فجوة الاستثمار في القطاع الصحي الأفريقي لملاقاة أهداف التنمية المستدامة نحو 185 مليار دولار سنوياً.

وعليه، إذا سقط خط دفاع الاحتواء ووصلت دول أفريقيا إلى مرحلة الانتشار، فإن ذلك يُنذر بكارثة كبيرة، خصوصاً إذا انتشر كورونا في المدن ذات الاكتظاظ السكاني والضواحي وأحزمة البؤس ومخيمات اللاجئين، حيث تتركّز نسبة عالية من الناس الذين يعانون من سوء التغذية أو مصابين بأمراض نقص المناعة.

وتشير الأرقام بشكلٍ واضح أن معظم دول جنوب الصحراء حتى المتقدمة منها، تفتقر إلى الطاقة الاستيعابية اللازمة للتعاطي مع انتشار كورونا.

فجنوب أفريقيا، التي تمتلك أفضل نظام صحي في القارة، لا يتعدى فيها عدد الأسرّة 2238 في المستشفيات الحكومية و 4957 في المستشفيات الخاصة، منها 2479 سريراً فقط متوفرة، بينها 1000 على الأكثر صالحة للعناية الفائقة والعزل.

في حين، تبلغ الطاقة الاستشفائية في نيجيريا نصف سرير لكل ألف شخص، وفي أوغندا يوجد 60 سريراً فقط مزودة بأجهزة تنفس. وفي مالاوي 25 سريراً، بينما في زيمبابوي لا يوجد أي سرير. أما في الصومال فلا يتوفر حتى مختبر لإجراء فحوصات الكورونا، فيتم إرسال التحاليل إلى جنوب أفريقيا وانتظار ثلاثة أيام للحصول على النتائج.

القطاعات المتضررة

بدأت أفريقيا العام 2020 بنظرة إيجابية بنمو إجمالي متوقع من قِبل صندوق النقد الدولي بمعدل 3.6 في المئة. فما مدى تأثير كورونا على الاقتصادات الأفريقية حتى الآن؟

بدأت أزمة كورونا مصحوبةً بانخفاض أسعار النفط، تطاول معظم القطاعات الاقتصادية في الدول الأفريقية، وإن بشكلٍ متفاوت، فقطاع الطيران سجل خسائر تفوق 4.4 مليارات دولار منذ مطلع شهر مارس،

كذلك يُتوقع أن تكون السياحة من أكثر القطاعات تأثراً، استناداً إلى أزمات سابقة مماثلة، حيث خسر القطاع السياحي الأفريقي أكثر من 7 مليارات دولار خلال الأزمة المالية العالمية العام 2008 وأزمة إيبولا العام 2014، علماً أن السياحة تشكل نسبة 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لدولة سيشيل، و5 في المئة لدول مصر والمغرب وتونس ومدغشقر وغامبيا وموريشيوس ورواندا وليسوتو، وتوظف أكثر من مليون شخص في كل من أثيوبيا وجنوب أفريقيا وكينيا وتنزانيا، كما يُتوقع أن تشهد التحويلات المالية انخفاضاً حاداً، وهي تشكل 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 13 دولة أفريقية، وأكثر من 12 في المئة في 5 دول.

إلى ذلك، شهدت أسواق المال انخفاضات حادة، حيث هبط المؤشر الموحد للأسواق المالية الأفريقية بنسبة 30 في المئة منذ مطلع شهر فبراير، وتصدّرت مصر وجنوب أفريقيا ونيجيريا وموريشيوس قائمة البورصات المتقهقرة.

تأثير النفط

من المتوقع أن يكون لانخفاض أسعار النفط، بالتزامن مع كورونا، الأثر السلبي الأقوى على كبريات الاقتصادات الأفريقية وعلى النمو الاقتصادي الإجمالي للقارة، إنطلاقاً من معطيات سابقة، فخلال انخفاض أسعار النفط أواخر العام  2014 إنخفض الناتج المحلي الإجمالي للقارة السمراء من 5.1 في المئة في 2014 إلى 1.4 في المئة في 2016، مع الإشارة الى أنه خلال تلك الفترة إنخفضت أسعار النفط بنسبة 56 في المئة على مدى 7 أشهر، بينما الهبوط حالياً أكثر سرعة وحدّة، وستكون أكثر الدول الأفريقية تأثراً بهذا الهبوط، الجزائر وأنغولا ونيجيريا والكاميرون وتشاد وغينيا الاستوائية، حيث يُتوقع أن يتجاوز مجموع خسائر الدول الأفريقية المصدرة للنفط الـ 65 مليار دولار، ويأتي في مقدمها نيجيريا التي ستخسر لوحدها ما بين 14 إلى 19 مليار دولار.

وسائد الهبوط

تأتي هذه الصدمة في وقت عصيب أصلاً لثلاثة من اقتصادات أفريقيا الكبرى، وهي جنوب أفريقيا التي تعاني ركوداً منذ فترة، ونيجيريا التي تعاني نقصاً حاداً في الدولار ويُنتظر ان تخفض قيمة عملتها بنسبة 10 في المئة، وغينيا الاستوائية التي تشهد نمواً بطيئاً جداً.

ومما لا شك فيه أن انخفاض عائدات التصدير، ولاسيما المشتقات النفطية، سيضغط على ميزانيات العديد من الدول، وسيؤثر بشكلٍ مباشر على آليات إدارة وخدمة الدين الحكومي الذي يُشكّل هاجساً مزمناً للكثير من الاقتصادات الأفريقية، ويُنذر بوصول أكثر من ثلث دول القارة السمراء إلى حافة العسر المالي والتعثر في تسديد الديون.

وعليه، بدأت العديد من الدول اتخاذ إجراءات تتعلق بتحفيز الاقتصاد وتنشيط الاستهلاك وتقديم الحوافز المالية للشركات كتخفيض الضرائب وتأجيل القروض وتوفير النقد الأجنبي وخفض الفوائد، حيث قامت حتى الآن 5 مصارف مركزية في كل من مصر والمغرب وتونس وجنوب أفريقيا وغانا بتخفيض سعر الفائدة، ويُنتظر أن تحذو حذوها مصارف مركزية أفريقية عدة، على أمل توفير وسادة لهبوط مريح لاقتصادات أفريقيا، بحيث لا يتجاوز انخفاض النمو الإجمالي لدول جنوب الصحراء نسبة 1 في المئة. أما السيناريو الأسوأ فلا يستبعد انخفاض النمو بأكثر من 2.5 في المئة. وما بين السيناريوين، قنبلة وبائية يتضرّع العالم أجمع ألاّ تبلغ مشارف الانتشار... فالانفجار.