لبنان: جنون أسعار لا أزمة تموين حالياً

  • 2020-03-21
  • 08:15

لبنان: جنون أسعار لا أزمة تموين حالياً

  • كريستي قهوجي

سارع المواطن فريد حسن إلى إحدى التعاونيات الاستهلاكية في بيروت عند بداية أزمة تفشي فيروس "كورونا" المستجد لشراء المنتجات الغذائية والسلع الاستهلاكية الأساسية بسبب الهلع والخوف اللذين ولّدهما انتشار الفيروس عند الناس.

حسن واحد من مئات اللبنانيين الذين تهافتوا إلى المتاجر الكبرى والصغرى لتأمين حاجيات يعتبرونها ضرورية في أيام الحجر المفروضة في ظل التدابير الاحترازية والوقائية في مواجهة فيروس كورونا.

"هجوم" اللبنانيين على المحال التجارية، أدى إلى انخفاض كبير في السلع الاستهلاكية والمنتجات الغذائية الأساسية على أنواعها، فيما بقيت السلع التي تصنّف من فئة الكماليات مرصوفة على الرفوف تنتظر من يشتريها ولو بسعر أرخص من سعرها الأصلي.

في ظل أزمة ارتفاع الدولار مقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء والتي لم تنفع محاولات "مصرف لبنان" في وضعها تحت السيطرة، لعبت القيود المفروضة من المصارف التجارية على التحويلات الخارجية بالعملة الصعبة، دوراً بارزاً في الحدّ من عمليات استيراد السلع من الخارج، وعليه بدأت بوادر النقص في السلع تلوح في الأفق، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني.

على الرغم من التطمينات التي ساقتها الشركات عن وجود مخزون كاف من السلع الأساسية لمدة تتراوح ما بين شهر إلى شهرين، فإن الواقع كان مختلفاً، إذ تحوّلت عملية التسعير المعتمدة في المحال التجارية إلى اشبه ما يكون بـ "البورصة" ذات الاتجاه الواحد، هو إلى أعلى. وفي المقابل، كانت الدولة ممثلة بوزارة الاقتصاد والتجارة تحاول "لملمة" الارتفاع الجنوني للأسعار بمراقبة هوامش أرباح الشركات المستوردة والتجار والمحال المخالفة، لكنها يدها لم تطل كل المخالفين تحت ذريعة "قصر اليد وقلة الإمكانات".

وبين المواطنين والدولة والشركات المستوردة والتجّار، كان كل يرى المشكلة من منظوره، فالمواطنون يعيشون معاناة ارتفاع الأسعار، والدولة غائبة، فيما الشركات المستوردة والتجار يراكمون الأرباح بحجة تذبذب سعر الدولار، وبالنتيجة صار المواطن بين أزمتين، أحوال اقتصادية صعبة وفيروس كورونا و "عين بصيرة لكن اليد قصيرة".

الشركات المستوردة والتجّار: ذرائع وحجج

للشركات المستوردة قصص ترويها عن "معاناة" مع الدولار والتي أدت إلى عجزها عن شراء السلع من الخارج لصعوبة التحويلات ما خفّض نسبة استيرادها من المنتجات الضرورية. ويقول صاحب شركة "جوالكو التجارية" طوني خوري إن شركته تستورد أنواعاً من الزيوت النباتية من بلدان مختلفة، واليوم لم تعد قادرة على فتح الاعتمادات اللازمة بسبب الضيق الاقتصادي ومنع تحويل الأموال إلى الخارج وتلبية حاجات السوق من المبيعات.

وحول قيمة الاستيراد، يشير خوري إلى أنها تراجعت من 400 ألف دولار إلى نحو 100 ألف دولار شهرياً، ما أدى إلى خسائر كبيرة، إذ اضطرت الشركة إلى التخفيف من أعبائها على اختلاف أنواعها.

ويرى أن الأزمة لا تزال في بدايتها خصوصاً لجهة غياب الحلول الداخلية والخارجية في ظل القيود المصرفية الصارمة واللعب بسعر صرف الليرة أمام الدولار.

من جهة أخرى، طمأن بعض الشركات إلى وجود مخزونات لمدة شهرين تستطيع خلالها أن تؤمن حاجات السوق حتى الآن في ظل تهافت الناس على شراء البضائع من التعاونيات. وفي هذا الإطار، يشير صاحب استهلاكية الجنوب في مدينة صور حسين سليمان إلى أن لا أزمة تموين في الأفق بخاصة أن الشركات تلبي كل الحاجيات بشكل دوري، ويعتبر أنه إذا بقي إقفال المرافئ والمطار لوقت طويل فسيتأزم الوضع بشكل دراماتيكي ويحدث نقصاً في البضائع.

وحول السلع التي بيعت بشكل كبير، يوضح سليمان أن السلع الغذائية على كافة أنواعها تحل في المرتبة الأولى تليها أدوات التطهير والتعقيم، لافتاً النظر إلى أن السلع التي تعد من الكماليات لا تزال صامدة على الرفوف.

بدوره، يشير صاحب أحد المحال التجارية في بيروت إلى أن السلع متوفرة بشكل كامل حتى الآن، مشدداً على ضرورة تحرير المصارف لأموال عملائها كي تتحرك العجلة الاقتصادية بشكل طبيعي على الرغم من كل الأوضاع السائدة.

ويوضح أن السلع الغذائية على كافة أنواعها من حبوب ومعلبات وعصائر وزجاجات مياه معدنية احتلت المرتبة الأولى في عمليات البيع تلتها أدوات التنظيف والغسيل والتطهير والتعقيم.

الاحتكار أساس البلاء

ربما صحيح أن الشركات المستوردة والتجّار تأثروا إلى حد كبير بالأزمة الاقتصادية والمالية التي يعيشها لبنان، لكن ذلك لا يمنع من وجود عملية استغلال للأوضاع الراهنة من قبلهم، وهذا ما يعيدنا إلى المربع حيث مسؤولية الدولة بجهاتها المعنية للتدخل حماية للمستهلك اللبناني، خصوصاً في ظل أزمة كورونا. فأداء الدولة منذ سنين هو ما يعزز مبدأ الاحتكار، وهنا يشير الخبير الاقتصادي رازي الحاج إلى أن 85 في المئة من المواد الغذائية في لبنان مستوردة من الخارج، معتبراً أن السبب في ذلك يعود إلى ما قبل بداية الأزمة الاقتصادية الأخيرة، من خلال غياب سياسات الأمن الغذائي عند الدولة اللبنانية، بالإضافة إلى وجود احتكار كبير للكثير من القطاعات الغذائية الأساسية كاللحوم والحبوب والزيوت من قبل مجموعات صغيرة من المستثمرين الكبار ووجود نوع من الكارتيل في ما بينهم، واتفاق على تثبيت الاسعار بشكل غير ظاهر للناس. ويلفت الحاج إلى أن اللبناني دفع فاتورة باهظة الثمن نسبياً خلال ثلاثين عاماً بسبب غياب المنافسة على الرغم من محاولات بعض التجار الصغار خلق نوع من المنافسة في الأسواق. ويقول إن بدء الأزمة الاقتصادية ساهم بتأزيم الوضع بشكل كبير في ظل ارتفاع الأسعار وتعاظم قدرة المستثمرين الكبار ممن يملكون إمكانات ضخمة تساعدهم على الاحتكار بشكل أوسع.

ومع تفشي فيروس "كورونا"، إزداد الطلب بشكل أكبر على السلع الاستهلاكية ما أدى إلى تراجع كبير في العرض وارتفاع أكثر في الأسعار، ويشير الحاج إلى أن وزارة الاقتصاد تعمل بكل ما في وسعها لضبط الأوضاع على الرغم من إمكاناتها الضئيلة، ويرى ان هذه الازمة قد تطول في ظل وجود أزمة "كورونا" ما دام لبنان لم يعد الى السكة الصحيحة خصوصاً أن قطار المصارف التجارية خرج عن هذه السكة.  

ويعتبر انه إذا لم يدخل القطاع المصرفي رأس المال بالعملات الصعبة فلن تستطيع المصارف تأمين السيولة للتجار للإستيراد، والأزمة ستتفاقم بالتالي مع الوقت ومشدداً على ضرورة وضع سياسة للأمن الغذائي تتولاها الوزارات المعنية على المدى المتوسط والطويل الأمد.

في المحصلة، لا أزمة تموين حتى اليوم في لبنان، لكن الأمور تتجه إلى التفاقم، فحالة "التعبئة العامة" التي أعلنتها الحكومة اللبنانية منذ ايام، وسياسة الحجر المتبعة من قبل السلطات الرسمية، عوامل دفعت بالعديد من اللبنانيين إلى فقدانهم لوظائفهم أو لجزء من مدخولهم، الأمر الذي يصعب عليهم الحصول على المواد الاستهلاكية الأساسية خصوصاً الغذائية منها، وهنا على الدولة ممثلة بوزاراتها أن تجد الحلول السريعة لمعالجة هذه الأزمة في حال لم تسع المصارف الى إلغاء قيودها الصارمة على التحويلات وبالتالي مساعدة التجار والمستوردين على تأمين البضائع بالاسعار والكميات المناسبة.