لبنان: الأزمة الاقتصادية تشل قطاع الهواتف النقّالة

  • 2020-03-10
  • 10:00

لبنان: الأزمة الاقتصادية تشل قطاع الهواتف النقّالة

  • كريستي قهوجي

فرضت الهواتف النقالة في لبنان ثقافة جديدة للتواصل بين الناس وأصبحت جزءاً أساسياً من حياتهم اليومية، في ظل انتشارها بشكل واسع وبأنواع ومواصفات مختلفة. وعلى هذا الأساس، نشطت تجارة هذا النوع من الهواتف، وأمّن القطاع فرص عمل لآلاف اللبنانيين، فازدهر القطاع وتحول إلى واحد من القطاعات الحيوية.

ومنذ بدء الأزمة الاقتصادية في لبنان، دخل قطاع تجارة الهواتف النقالة نفقاً طويلاً ومظلماً مع تراجع حركة المبيعات بنسبة وصلت إلى 80 في المئة والتي ترافقت مع ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، وأصبح القطاع، رهينة حركة تقلب سعر الدولار أمام الليرة في السوق السوداء من جهة، والقيود المصرفية على حركة التحويلات المالية من جهة أخرى، إضافة الى تراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين الذين باتوا يخافون حتى من عدم قدرتهم على إصلاح هواتفهم في حال تعطلت هواتفهم.

لا حلول في الأفق!

وعلى الرغم من أهمية هذا القطاع من الناحية التجارية والمالية، فإنّ الدولة تصنفه ضمن فئة الكماليات. وعلى هذا الاساس، لم تشمله تعاميم مصرف لبنان حول دعم القطاعات الاقتصادية الأساسية كالقطاع الصحي وقطاع المحروقات.

وفي ظل غياب الحلول الانقاذية، دقت نقابة أصحاب محال الخليوي في لبنان ناقوس الخطر، محذرة من أن مستقبل هذا القطاع بات مهدداً في حال استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه. ويقول رئيس النقابة مصطفى مرواني إلى أن الوضع الحالي سيؤدي بالمؤسسات الى الاقفال التام، موضحاً أن المبيعات تراجعت بنسبة 80 في المئة منذ بدء الأزمة في ظل ارتفاع أسعار بنسبة تتراوح ما بين 70 الى 80 في المئة.

ويشير الى انه على الرغم من قيام معظم المؤسسات بإجراءات تقشفيّة وتخفيض أعداد موظفيها ومصاريفها، أقفلت أكثر من 35 في المئة من تلك المؤسسات أبوابها بشكل نهائي في ظل غياب لأي إحصائية رسمية لأعدادها حتى الساعة. 

وفي مقابل تراجع مبيعات الهواتف النقالة، تعتمد المؤسسات والمتاجر على بيع بطاقات تعبئة الخطوط المسبقة الدفع بشكل واسع. وفي هذا الاطار، يوضح مرواني أن بيع هذه البطاقات لا يغطي مصاريف المحال التجارية خصوصاً وأن الربح عن كل بطاقة لا يتخطى 1000 ليرة لبنانية، مضيفاً أن هذه المؤسسات تواجه مشاكل في خدمة بيع الأيام حيث تقوم بالاحتفاظ بالدولارات الخاصة بالخطوط ولا تستطيع، بالتالي، إعادة بيعها الى الزبائن نتيجة ضعف الاقبال عليها.

أصحاب المحال التجارية يستغيثون

وفي جولة لموقع "أولاً – الاقتصاد والأعمال" على عدد من المحال التجارية في العاصمة بيروت وبعض المناطق، يتوحد أصحاب هذه المؤسسات على إطلاق صرخة استغاثة أخيرة مطالبين الدولة بضبط الأمور وإيجاد الحلول السريعة لإنقاذ قطاعهم من السقوط المدوّي وحماية العاملين وعائلاتهم من التشرد والفقر.

وفي هذا الاطار، يقول أحد أصحاب المحال في منطقة الحمرا إن الوضع كارثي وينبئ بالأسوأ، متوقعاً استمرار متجره بالعمل لمدة شهرين على أبعد تقدير في حال بقي الوضع على ما هو عليه، ومضيفاً أن نسبة المبيعات تراجعت 70 في المئة.

من جهة ثانية، يشير صاحب متجر آخر في المنطقة إلى أن نسبة المبيعات تدنّت 90 في المئة، مؤكداً أنه لا يستطيع ان يؤمّن إيجار محله وهو يتحضّر للإقفال النهائي في شهر آذار/مارس الحالي والهجرة الى خارج لبنان.

إلى ذلك، يقول صاحب أحد المتاجر المعروفة في منطقة الأشرفية إن مبيعاته تراجعت بنسبة 80 في المئة منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي على الرغم من كل المحاولات التحفيزية التي يقدّمها للناس، ومشيراً إلى أنه قام بتخفيض عدد موظفيه والرواتب بنسبة 50 في المئة الا ان الموضوع بات صعباً ومتوقعاً أن يقفل خلال شهر واحد أو شهرين على أبعد تقدير.

 وتعاني مدينة صور في جنوب لبنان، بدورها، من أوضاع اقتصادية صعبة ومعقدة ما أثّر سلباً على حركة التجارة بشكل كبير. يقول صاحب أحد محال الخليوي إن القطاع تضرر بشكل كبير، مشيراً إلى أن انخفاض القدرة الشرائية لدى الناس وارتفاع الدولار ساهما في القضاء عليه بشكل نهائي وكاشفاً أن خسائره تخطت الـ 50 الف دولار شهرياً.

شركات بيع الهواتف عبر الانترنت الأقل ضرراً

وبالتوازي، ينشط عدد من الشركات في مجال تسويق وبيع الهواتف النقالة بكافة أنواعها عبر المواقع الالكترونية وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واسع في لبنان. وفي هذا الاطار، يؤكد صاحب شركة "فونفينيتي" محمد صقر أن خسائر الشركة كانت أقل من خسائر المؤسسات الأخرى خصوصاُ وانها لا تملك صالة عرض وبالتالي لا تدفع إيجارات أو مصاريف إضافية أخرى.

ويشير صقر إلى أن شركته، ومنذ بدء الازمة، كانت تحصّل أموالها من خلال بطاقات الائتمان المصرفية بشكل محدود، والآن أصبحت تشتري وتبيع الاجهزة الخليوية عبر دفع الاموال نقداً. ويكشف صقر أنه جرى التواصل مع إحدى بوابات الدفع(Payment Gateway) في خارج لبنان وهي خدمة تجارية تقدمها شركات تطبيق التجارة الالكترونية لتسهيل التحويلات المالية عبرها.

يتّجه قطاع تجارة الهواتف النقالة في لبنان نحو الزوال وتشريد المزيد من الموظفين وزيادة نسبة البطالة والفقر على الرغم من كل الإجراءات التي اتخذتها المؤسسات المعنية للصمود قدر الإمكان في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها البلد.

وعلى عكس ما تصنّفه الدولة كفئة كماليات، فإن هذا القطاع يشكل عصباً مهماً للاقتصاد اللبناني وعلى الدولة التحرّك بسرعة لإنتشاله من الغرق على الرغم من كل الظروف التي تواجهها.