ما بين الرياض وبكين أشمل مما يدور على رقعة الشرق الأوسط

  • 2023-04-26
  • 12:04

ما بين الرياض وبكين أشمل مما يدور على رقعة الشرق الأوسط

  • أحمد عياش

في آخر جلسة لمجلس الوزراء السعودي برئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز، أطل المجلس على "اتفاق استئناف العلاقات بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية"، الذي تم التوصل اليه في بكين الشهر الماضي. واتخذ المجلس قراريّن يتصلان بالعلاقات الثنائية بين المملكة والصين. وإذا من مغزى لهذيّن القراريّن في المضمون، هو أن ما بين البلدين الآسيويين، أشمل وأوسع مما يدور على رقعة الشرق الأوسط.

 

 

يمكنك المتابعة:

المكاسب الاقتصادية للسلام الخليجي الايراني تواجه حائط العقوبات

 

 

 

وقبل المضي في قراءة أبعاد التحولات التي أحدثتها العلاقات بين الرياض وبكين منذ الزيارة التاريخية التي قام بها في كانون الأول/ ديسمبر الماضي الرئيس الصيني شي جين بينغ للسعودية ومشاركته في ثلاث قمم: ثنائية، الصينية- العربية، وقمة مجلس التعاون الصيني الخليجي، نشير إلى أن قراريّ اجتماع مجلس الوزراء السعودي تناولا الموافقة على مذكرة تفاهم بين وزارتيّ الطاقة في المملكة والصين الشعبية في مجال طاقة الهيدروجين النظيفة، وتفويض وزير البيئة والمياه والزراعة السعودي بالتباحث مع الجانب الصيني في شأن مشروع مذكرة تفاهم في مجال الزراعة بين وزارة البيئة والمياه والزراعة في المملكة ووزارة الزراعة والشؤون الريفية في الصين الشعبية.

هذان القراران، مجرد عيّنة في مسار كبير وواسع جداً بين العملاق الصيني والدولة العربية المتوثبة والتي احتلت موقعاً جديراً بها في قمة العشرين. وفي الوقت نفسه، تتعمق العلاقات بين الجانبيّن في ظل عالم محتدم بالمنافسات، التي من حسن حظ العالم انها تدور حتى الآن في عالم الاقتصاد، كما هي الحال بين الولايات المتحدة الأميركية والصين. وتحت عنوان "في المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، الخطر الوجودي الحقيقي هو الحرب النووية"، كتب ماكس بوت في الواشنطن بوست يقول: "إن خطر التصعيد النووي أكبر لأنه، كما أوضح لي أميرال أميركي كبير، سيكون من الصعب على الولايات المتحدة كسب حرب على تايوان من خلال مهاجمة السفن الصينية فقط في البحر والطائرات الصينية في السماء. قد تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة، كضرورة عسكرية، لمهاجمة قواعد في الصين. الصين بدورها، يمكن أن تضرب القواعد الأميركية في اليابان وكوريا الجنوبية والفيليبين وغوام وحتى هاواي والساحل الغربي".

 

قد يهمك:

قطار بكين السريع: اتصال شي وبن سلمان واتفاق الرياض وطهران

     

    لماذا كل هذا الرعب الأميركي من الصين؟

     

    في المقابل، يسأل داوود الفرحان في الشرق الأوسط: "لماذا كل هذا الرعب الأميركي من الصين؟" ويجيب: بوصلة الشرق الأوسط تتحول إلى الصين، كما قالت الإذاعة الدولية الألمانية الموجهة إلى العالم الخارجي. وشهد العام الحالي منذ شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، ازدياداً في توجه وزراء خارجية بلدان الشرق الأوسط إلى بكين. ووزراء الخارجية مهمتهم سياسية، وهذا ما يلفت النظر أكثر من وزراء التجارة أو الزراعة أو الصناعة ومهماتهم تعاونية أو تنموية أو تجارية أو صناعية أو سياحية أو زراعية. فهذه المهمات اعتيادية، ولا تلفت الأنظار كثيراً مثل: وزارتا الخارجية أو الدفاع... فهنا تُقرع الأجراس! وقبلهم كلهم زار الصين في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، المستشار الألماني أولاف شولتز، وقال: "لا يمكن الانفصال عن الصين".

    في الصورة التي رسمها صندوق النقد الدولي في 11 نيسان/ ابريل الحالي، خفّض الصندوق في "توقعات النمو وسط هزات النظام المالي"، قائلاً: "إن التباطؤ المؤلم، الذي قد يشمل الركود، أصبح خطراً أكبر على الاقتصاد العالمي"، غير إن هذه الصورة الكبيرة لا تلغي ما طرأ ولا يزال على مناطق اقتصادية كالصين والسعودية.

    ففي أحدث التقارير، سجّل الاقتصاد الصيني نمواً بنسبة 4.5 في المئة في الربع الأول من 2023، وفق ما أظهرت أرقام رسمية نشرت حديثاً في بكين، في خطوة تعود بشكل أساسي إلى رفع البلاد في أواخر العام الماضي القيود الصحية التي كانت مفروضة على خلفية جائحة كوفيد. وبهذه النسبة التي فاقت التوقعات، يُظهر ثاني أكبر اقتصادات العالم للمرة الأولى منذ 2019 تعافيه من آثار القيود الصارمة التي فرضتها السلطات، واصطلح على تسميتها سياسة "صفر كوفيد"، وأتاحت السيطرة على تفشّي المرض، لكنها أثّرت بشكل حاد على الأعمال التجارية وسلاسل التوريد.

     

    للمتابعة:

    أوبك والولايات المتحدة وثمار الاتفاق السعودي الإيراني

       

       

      في الوقت نفسه، يرى صندوق النقد الدولي أن عملية الخفض الطوعي الذي توجهت إليه السعودية، ضمن مجموعة من الدول المنتجة للنفط في منظمة "أوبك" ومنظومة "أوبك بلس"، تدفع في تسجيل زيادة في الإيرادات المالية، نتيجة ارتفاع أسعار النفط، لافتاً إلى أن الحكومة السعودية تُحكم السيطرة على الإنفاق، وسط تطلعات بأن تدعم استثمارات القطاع الخاص نمو اقتصاد البلاد.

      وبحسب "بلومبيرغ"، توقع صندوق النقد الدولي أن تحقق ميزانية السعودية للعام الحالي نمواً في الإيرادات، حيث قال رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى السعودية، أمين ماتي، إن تأثير خفض المملكة إنتاج النفط على الميزانية والموقف الخارجي إيجابي وفقاً لمرئيات الصندوق، مستنداً إلى أن تأثير ارتفاع سعر النفط سيعوض الخسارة التي قد تنتج عن خفض كمية الإنتاج.

       

      هل يصبح الدولار "ورق تواليت"؟

       

      في احدث مقال للكاتب المعروف بول كروغمان في "النيويورك تايمز" وجاء تحت عنوان " جنون المال الدولي يضرب مرة أخرى" كتب يقول :"الدولار على وشك أن يصبح "ورق تواليت"، كما يرى روبرت كيوساكي، مؤلف كتاب "الأب الغني، الأب الفقير". "تخلص من دولاراتك الأميركية الآن"، كما يقول المستثمر والمعلق الاقتصادي بيتر شيف. إنهم ليسوا وحدهم: أرى الكثير من الأشياء مثل هذه في صندوق الوارد الخاص بي مؤخراً". وقال كروغمان: "كتب الاقتصادي والمؤرخ العظيم تشارلز كيندلبيرجر ذات مرة مقالاً مضيئاً، يقارن الدور الدولي للعملات بالدور الدولي للغات. في هذه الأيام، اللغة الإنجليزية هي اللغة العالمية للتجارة والعلوم والثقافة الشعبية: كل شخص يقوم بأشياء عالمية يتحدث الإنجليزية، لأن الجميع يتحدثون الإنجليزية، تماماً كما يستخدم الجميع الدولار لأن الجميع يستخدمون الدولارات. ومع ذلك، يمكن للمرء أن يتخيل هذا التغيير. ربما في يوم من الأيام سيحتاج الأشخاص الذين يقومون بأشياء عالمية إلى التحدث بلغة الماندرين بدلاً من ذلك".

       

       

      إقرأ ايضاً:

      الاتفاق السعودي الإيراني: لكي ينتج الشرق الأوسط الطاقة وتصديرها بسلام

         

        في الصين يتكلمون الماندرين. وفي السعودية يتكلمون العربية. لكن في كلا البلدين هناك إتقان للغة الإنجليزية. لا ضير في ذلك ابداً، بل على العكس هناك حاجة ماسة ان يتفاهم العالم في ما بينه بلغة مشتركة هي في هذا الزمن الإنجليزية. هذا ما تفعله بالضبط بكين، وكما تفعله أيضاً الرياض. وفي عالم الخبراء قول شائع" الدخول في مفترق لا يوصل الى الهدف المنشود يعني مضيعة للوقت". من هناـ كانت الخطوات المتلاحقة منذ نهاية العام الماضي ولغاية اليوم على مستوى العلاقات الصينية السعودية تعني ان الجانبيّن قد سلكا الطريق من مفترق صحيح ما أدى الى ظهور نتائج إيجابية في الاقتصاد كما تشير كل التقارير، وفي السياسة أيضاً كما هي حال اتفاق بكين بين الرياض وطهران، ان ما يهم العالم العربي بالدرجة الأولى ان تكون السعودية البلد العربي، هي اليوم تتبوأ موقعاً مرموقاً التوازنات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط.

        انها بداية وثمارها بدأت تنضج، وتشاء الأقدار ان هذه التحولات جارية في فصل الربيع، الذي هو فصل الحياة التي تبصر النور لأول مرة.