للمرة الأولى.. قرار الخفض الجديد لإنتاج النفط لم يغضب واشنطن

  • 2023-04-10
  • 22:14

للمرة الأولى.. قرار الخفض الجديد لإنتاج النفط لم يغضب واشنطن

  • أحمد عياش

 

لم تمر سوى أيام قليلة على قرار تخفيض انتاج النفط، الذي اتخذته منظمة (أوبك+)، حتى تبيّن ان أسعار هذه السلعة قد استقرت، متزامنة مع هدوء لافت للانتباه في موقف الولايات المتحدة من هذا القرار، خلافاً لما كان عليه الموقف الأميركي في 5 تشرين الأول/أكتوبر 2022 من قرار مماثل لمنظمة الدول المنتجة للنفط وشركائها في ذلك الحين. فما الذي تغيّر خلال 6 أشهر تقريباً؟

 

 

 

إقرأ أيضاً:

أوبك+ تفاجئ الأسواق: هل ينجح الخفض الجديد للإنتاج بتأمين استقرار الاسعار؟

     

    يجيب على هذا السؤال محرر شؤون الطاقة في النيويورك تايمز ستانلي ريد غداة القرار الجديد لـ (أوبك+) كاتباً: "تخيم الشكوك على الاقتصاد العالمي. ليس من الواضح مدى سرعة تعافي الصين، أكبر مستورد للنفط وأهم عميل نفطي للمملكة العربية السعودية، من عمليات الإغلاق "صفر كوفيد". ومن الصعب أيضاً قياس مدى الضرر الاقتصادي الذي لحق بالطلب على النفط بسبب الاضطرابات الأخيرة في الصناعة المصرفية، وسيشجع ارتفاع الأسعار المزيد من الاستثمار والإنتاج من المنتجين الآخرين، مثل حفارات النفط الصخري في الولايات المتحدة".

     

    صناعة النفط الأميركية مستفيدة؟

     

    ما كتبه ريد يشير بوضوح الى ان صناعة النفط الأميركية هي أيضاً المستفيدة من قرار التخفيضات الجديدة في إنتاج هذه السلعة. وفي الوقت نفسه، كانت للأسواق كلمتها الإيجابية حيال هذا التطور الجديد في إنتاج النفط. فبحسب رويترز، لم يطرأ تغيّر يذكر في السادس من نيسان/ ابريل الحالي على أسعار النفط ، أي بعد أربعة أيام من قرار الخفض، لكنها سجلت ثالث مكسب أسبوعي في الوقت الذي تضغط فيه الأسواق على المزيد من تخفيضات الإنتاج التي تستهدفها أوبك+ وانخفاض مخزونات النفط الأميركية مقابل المخاوف بشأن آفاق الاقتصاد العالمي.

    واستمدت الأسعار الدعم من انخفاض أكثر حدة من المتوقع وتراجع أسبوع ثان على التوالي في مخزونات الخام الأميركية الأسبوع الماضي، كما انخفضت مخزونات البنزين ونواتج التقطير، مما يشير إلى ارتفاع الطلب.

    كما خفضت شركات الطاقة الأميركية هذا الأسبوع عدد منصات النفط للأسبوع الثاني على التوالي، وانخفض عدد الحفارات، وهو مؤشر مبكر للإنتاج المستقبلي، اثنين إلى 590 هذا الأسبوع ، حسبما أظهرت بيانات بيكر هيوز.

     

    صعوبة دعم الأسعار مع انخفاض الطلب

     

    ومع ذلك، أشارت بيانات سوق العمل الأميركية إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، وكان هناك أيضاً نمو أبطأ من المتوقع في قطاع الخدمات الأميركي.

    وبحسب إدوارد مورس، رئيس السلع في سيتي غروب، قد يكون من الصعب دعم الأسعار إذا انخفض الطلب على النفط. وقال :"هزة يوم الاثنين(2 نيسان/ ابريل) يمكن أن يتبعها إدراك أن السوق أضعف بكثير مما يعتقده الناس".

     

    يمكنك المتابعة:

    قطار بكين السريع: اتصال شي وبن سلمان واتفاق الرياض وطهران

      وقال بعض المحللين إن الخطوة المفاجئة أظهرت أن السعودية مصممة على أن تكون استباقية للحفاظ على الأسعار مرتفعة، ربما في حدود 90 دولاراً للبرميل.

      "هذا أسلوب سعودي جديد للمناورة التي لا يمكن التنبؤ بها"، قالت كارين يونغ، وهي زميلة بارزة في مركز جامعة كولومبيا لسياسة الطاقة العالمية. وفي الأيام الأخيرة، أشار مسؤولو النفط السعوديون إلى أنه سيتم الحفاظ على مستويات الإنتاج الحالية حتى نهاية العام.

       

      حقيقة الموقف الأميركي

       

      بالعودة الى الموقف الأميركي العام الماضي، فقد انتقد الرئيس الأميركي جو بايدن، قرار (أوبك +) بخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً، أكثر مما كان متوقعاً، حسبما قال كبار مسؤولي البيت الأبيض، ووصفه بأنه "قصير النظر"، وشدّد بايدن على أهمية إمدادات الطاقة العالمية وسط الحرب في أوكرانيا.

      أما الموقف الأميركي الأخير على لسان جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، فكان على النحو الآتي: "لا نعتقد أن خفض الإنتاج مستحسن في هذه اللحظة، نظراً لعدم اليقين في السوق. وقد أوضحنا ذلك، لكننا أيضاً لا نملك مقعداً على تلك الطاولة"، لكن كيربي إنتهى الى القول: "لا تزال المملكة العربية السعودية شريكاً استراتيجياً، كما كانت منذ 80 عاماً"، وقال:"لا نتفق دائماً على كل شيء، ولكن في العديد من الأشياء التي تهمنا بشكل مشترك، نجد طرقاً للعمل معاً".

       

      .. والموقف السعودي

       

      في المقابل، قال كبير مستشاري وزير البترول السعودي سابقاً محمد الصبان لـصحيفة "الشرق الأوسط"، إن قرار بعض أعضاء تحالف (أوبك بلس) ليس بجديد، حيث سبق أن خفضت السعودية طوعياً مليون برميل يومياً خلال العام المنصرم، في خطوة استباقية واحترازية من قبل التحالف للدول التي تتحمل تخفيض الإنتاج إلى نهاية العام، تحسباً للضبابية وعدم اليقين بأسواق النفط في ظل ارتفاع الفرص، وزيادة التوقعات بالركود الاقتصادي في الدول الصناعية".

      واكد الصبان، على أن هذا التحالف "ناجح تاريخياً، ويحقق استقراراً لأسواق النفط اقتصادياً، بعيداً عن السياسة وما يصوره الغرب والبلدان الصناعية، ويهتم أيضاً بإحداث التوازن بين العرض والطلب".

       

      قد يهمك:

      الصندوق السعودي للتنمية يموّل مشروع سد مهمند في باكستان

       

       

      من جانبه، أفاد خبير الطاقة محمد القباني لـلصحيفة نفسها بأن استقرار الأسواق، واستمرار تدفق الإمدادات النفطية وتوازنها مع الطلب هي بوصلة قرارات منظمة (أوبك) بقيادة السعودية التي تسعى دوماً بدورها في المنظمة وقدراتها المؤثرة في الأسواق إلى تحقيق التوازن الأمثل بين العرض والطلب، وهو ما يسهم بدوره في استقرار الأسواق، وتجنيبها الأزمات بتحقيق السعر العادل للمنتجين والمستهلكين على حد سواء، وذكر القباني أن قرارات المنظمة تختلف من فترة إلى أخرى، أخذاً في الاعتبار جميع الظروف المحيطة بالصناعة، وهي تارةً ترفع الإنتاج لتوفير كميات كافية، وتارةً أخرى تخفض للتقليص.

       

      ماذا عن روسيا؟

       

      بدوره، قال الكرملين إن دعم أسعار النفط والمنتجات النفطية يصبّ في مصلحة قطاع الطاقة العالمي، وذلك بعد يوم من إعلان روسيا أنها ستمدد خفضاً لإنتاجها النفطي بواقع 500 ألف برميل يومياً حتى نهاية العام.

      وروسيا عضو في مجموعة (أوبك بلس) للدول المنتجة للنفط التي أعلنت تخفيضات مجمعة بنحو 1.16 مليون برميل يومياً.

      ورداً على سؤال حول الانتقادات الأميركية، قال دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين: "في هذه الحالة، من مصلحة قطاع الطاقة العالمي الحفاظ على الأسعار العالمية للنفط والمنتجات النفطية عند المستوى المناسب، وهذا ما يجب التركيز عليه. وسواء أكانت البلدان الأخرى راضية أم لا، فهذا شأنهم الخاص. إنه من المهم الحفاظ على الأسعار عند مستوى معين، لأن هذا القطاع كثيف الاستثمار، ولأنه في المستقبل المنظور ليس من الممكن تلبية احتياجات جميع البلدان من مصادر متجددة".

      وقال نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير النفط الكويتي بدر الملا: "إن الخفض الطوعي للإنتاج من الدول المشاركة باتفاق (أوبك بلس) يُعدّ تحركاً استباقياً لدعم استقرار الأسواق النفطية وسط تطورات الأوضاع الاقتصادية العالمية وتأثيراتها المتسارعة".

      وذكر الملا أن من بين تلك التطورات "الوتيرة السريعة لارتفاع معدلات الفائدة العالمية ومستويات الدين العالمي والأزمة المصرفية والتطورات الجيوسياسية،" مشيراً إلى أن (أوبك بلس) تركز على دعم استقرار أسواق النفط.

       

      حذر جزائري

       

      من جانبه، أكد وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب "أن ظروف سوق النفط تتطلب الحذر بسبب عدم اليقين بشأن النمو الاقتصادي العالمي، وعودة المخزونات التجارية إلى أعلى مستوى لها منذ عامين".

      وقال: "رغم الإشارات الإيجابية القادمة من الصين، تتطلب ظروف السوق الحذر، فقد يؤدي عدم اليقين بشأن النمو الاقتصادي العالمي إلى تباطؤ الطلب على النفط، ويتم إمداد سوق النفط بشكل كافٍ جداً حيث عادت المخزونات التجارية إلى أعلى مستوى لها منذ عامين".

       

      التأثير على البورصات

       

      في عالم البورصة أدت قرارات (أوبك+) الى دعم أسهم أوروبا واليابان، وكانت أسهم شركات النفط والغاز أكبر الرابحين، وصعد مؤشر القطاع 3.6 في المئة مقترباً من تسجيل أفضل يوم له في أربعة أشهر. وصعدت أسهم شركات نفط عملاقة مثل "توتال" و"شل" و"بي بي" 4 في المئة لكل منها، بعد ارتفاع أسعار النفط أكثر من 5 في المئة، وأغلقت الأسهم اليابانية على ارتفاع مقتفية أثر الصعود الذي شهدته "وول ستريت" في مطلع الأسبوع، ومدعومة بمكاسب الأسهم المرتبطة بقطاع الطاقة.

      إذاً، عبرت تخفيضات إنتاج النفط للمرة الثانية في نحو نصف عام بسلاسة مقارنة بالمرة السابقة، وما يمكن إستخلاصه، ان الولايات المتحدة أصبحت عملياً شريكاً في قرارات (أوبك+) من خلال التعامل الهادئ معها، كما ظهر في آخر مرة، وهذا تطور يجب ان يحسب له حساب.