العام 2050 سيكون تاريخاً مشهوداً للطاقة النظيفة

  • 2023-01-29
  • 11:58

العام 2050 سيكون تاريخاً مشهوداً للطاقة النظيفة

  • أحمد عياش

سألت تسفيتانا باراسكوفا Oilprice.com قبل أيام: هل يمكن كتابة مقال عن نمو استثمارات الطاقة البديلة ومقارنتها بالاستثمارات في النفط والغاز وربما الطاقة النووية؟ ثم أجابت وفقاً لتقرير جديد صادر عن شركة الأبحاث   BloombergNEF (BNEF)  والذي جاء فيه أن أزمة الطاقة والإجراءات السياسية أدت إلى ارتفاع الاستثمار العالمي في مصادر الطاقة المنخفضة الانبعاثات إلى مستوى قياسي بلغ 1.1 تريليون دولار في العام 2022، حيث تعادل الأموال التي تنفق على انتقال الطاقة لأول مرة الاستثمار في إمدادات الوقود الأحفوري.

إقرأ ايضاً:

في صقيع دافوس 2023.. الطاقة الاحفورية لها كلمة مسموعة

ماذا يعني ان يبلغ الاستثمار في الطاقة النظيفة هذا المستوى من الانفاق ؟ يكفي هنا اللجوء الى المقارنة بما قدرته شركة الأبحاث أن الاستثمارات العالمية في الوقود الأحفوري - بما في ذلك في المنبع، والوسط، والمصبّ، وتوليد الطاقة الأحفورية – وصلت إلى 1.1 تريليون دولار في العام 2022، أي تم إنفاق المبلغ نفسه من المال على تكنولوجيا الانتقال الى الطاقات الجديدة، بما في ذلك توليد الطاقة المتجددة، وتخزين الطاقة، واحتجاز الكربون وتخزينه (CCS)، والهيدروجين، وكهربة النقل، والحرارة المكهربة، والمواد المستدامة.

إذاً، وعلى الرغم من اختناقات سلاسل التوريد وارتفاع التضخم وأسعار الفائدة والرياح المعاكسة للاقتصاد العالمي، فقد قفزت الاستثمارات في تحوّل الطاقة على مستوى العالم بنسبة 31 في المئة العام الماضي، حسبما ذكرت بلومبرج إن إي إف والتي قالت: "هذه هي المرة الأولى التي يتطابق فيها الاستثمار في تحول الطاقة العالمي مع الاستثمار في الوقود الأحفوري، ويأتي على الرغم من نمو الاستثمار الأحفوري الناجم عن أزمة الطاقة في العام الماضي".

في موازاة ذلك، تستمر الانباء حول اسعار مشتقات الوقود الاحفوري في واجهة الاهتمام. فعلى سبيل المثال، اوردت رويترز يوم الجمعة في 27 كانون الثاني/يناير الحالي صعود أسعار النفط على نحو طفيف، مواصلة مكاسبها لثاني جلسة على التوالي بدعم من بيانات اقتصادية أميركية قوية، وتصاعد آمال انتعاش الطلب بعد إعادة فتح الاقتصاد الصيني، فارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 30 سنتاً، أو 0.3 في المئة، إلى 87.66 دولار للبرميل، وزادت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط 21 سنتاً، أو 0.3 في المئة، إلى 81.22 دولار للبرميل.

ويعطي تحسن بعض بيانات الناتج المحلي الإجمالي والتضخم في الولايات المتحدة بارقة أمل في أن مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) قد يبطئ وتيرة رفع أسعار الفائدة، مما يقلل الخوف من تقلص النشاط الاقتصادي وما يترتب على ذلك بخصوص الطلب على النفط.

في الوقت نفسه، قال مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها، هذا الأسبوع، إن عدد الإصابات الشديدة بمرض «كوفيد - 19» في الصين انخفض 72 في المئة من ذروة بلغها هذا الشهر، بينما انخفض عدد المصابين في المستشفيات 79 في المئة.

وتشير هذه الأرقام إلى عودة الاقتصاد الصيني إلى الوضع الطبيعي، الأمر الذي يعزز توقعات بتعافي الطلب على النفط.

ماذا عن الطاقة البديلة؟ بحسب إيما جراني المتخصصة في شؤون الطاقة سيبلغ الطلب العالمي على الوقود الأحفوري ذروته في وقت أبكر بكثير مما كان متوقعاً في السابق، إذا اتبعت الحكومات سياسات الطاقة الحالية، وفقاً لتقرير جديد صادر عن وكالة الطاقة الدولية.

وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن يرتفع الاستثمار في الطاقة النظيفة بأكثر من 50 في المئة من مستويات اليوم إلى أكثر من 2 تريليون دولار أميركي سنوياً بحلول العام 2030، حيث تخضع أسواق الطاقة العالمية لعملية إعادة توجيه بالجملة للتعامل مع صدمة الطاقة ذات "اتساع وتعقيد غير مسبوقين" ناجمة عن غزو روسيا لأوكرانيا.

غير إن تقرير توقعات الطاقة العالمية الصادر عن وكالة الطاقة الدولية يحذر من أن العالم يقع في قبضة أول أزمة طاقة عالمية حقيقية وسيظل تأثيرها محسوساً لسنوات مقبلة. لكن هذه "التغييرات العميقة والطويلة الأمد" في أسواق الطاقة العالمية لديها القدرة على تسريع الانتقال إلى نظام طاقة أكثر استدامة وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في مكافحة تغير المناخ، حسبما يشير التقرير.

وحسبما قال المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول في بيان:" في الوقت الذي أصبحت فيه التصدعات الجيوسياسية حول الطاقة وتغيّر المناخ أكثر وضوحاً من الضروري إشراك الجميع" في انتقال الطاقة، قد لا تكون الرحلة إلى نظام طاقة أكثر أماناً واستدامة سلسة، لكن أزمة اليوم توضح تماماً لماذا نحتاج إلى المضي قدماً".

في ظل سيناريو تظل فيه السياسات الحكومية الحالية على المسار، يعد تقرير 2022 أول توقعات الطاقة العالمية التي تحدد القمم النهائية في الطلب العالمي على الوقود الأحفوري، حيث من المتوقع أن يصل الفحم إلى ذروته في السنوات القليلة المقبلة، والغاز الطبيعي بحلول نهاية العقد والنفط في منتصف العام 2030.

ونتيجة لذلك، ستنخفض حصة الوقود الأحفوري في مزيج الطاقة العالمي إلى نحو 60 في المئة بحلول منتصف القرن، من 80 في المئة اليوم.

وبالنسبة للنفط، يصل الطلب إلى 103 ملايين برميل يومياً، ثم ينخفض بشكل طفيف للغاية إلى العام 2050 في ظل السياسات الحالية.

وسيكون الطيران والشحن والشاحنات الثقيلة والبتروكيماويات القطاعات الرئيسية التي تزيد من استخدامها للنفط. ومع ذلك، اعتباراً من منتصف العام 2030، سيتم تعويض النمو في تلك الصناعات بأكثر من انخفاض استخدام النفط في أماكن أخرى، خصوصاً في سيارات الركاب والمباني وتوليد الطاقة.

ومن المتوقع أيضاً أن يقترب النمو العالمي السريع في الطلب على الغاز الطبيعي من نهايته. حتى في ظل سيناريو استخدام الغاز الأعلى، يرتفع الطلب العالمي بأقل من 5 في المئة ما بين العامين 2021 و 2030، ثم يظل ثابتاً حتى العام 2050.

ويشير التقرير إلى أن "الزخم وراء الغاز في الاقتصادات النامية قد تباطأ، ولا سيما في جنوب وجنوب شرقي آسيا، مما أثر على أوراق اعتماد الغاز كوقود انتقالي".

بين الانخفاض في استخدام الوقود الأحفوري، وزيادة الاستثمار في الطاقة النظيفة وإعادة التوازن في أسواق الطاقة العالمية، فإن التوقعات تشير إلى أن العالم سيصل إلى أعلى مستويات الانبعاثات في العام 2025.

من الآن فصاعداً يجب مراقبة كيف يتم التحوّل تدريجياً الى الطاقة البديلة، كما لفتت الى ذلك رويترز هذا الأسبوع فقالت ان التمويل الأميركي لمشاريع الطاقة النظيفة سيساعد مشغل خطوط أنابيب الطاقة كيندر مورغان تسريع استثماراتها في الغاز الطبيعي المتجدد وعزل الكربون، وقد وسّع قانون خفض التضخم الذي تبلغ قيمته 430 مليار دولار والذي تم توقيعه ليصبح قانوناً في سبتمبر/ أيلول الماضي الإعفاءات الضريبية للمشاريع الصناعية التي تلتقط أو تعيد استخدام أو تخزن بشكل دائم ثاني أوكسيد الكربون، وهو غاز يساهم في تغير المناخ. ويضيف كيندر مورغان: التمويل يسرّع فرص النمو" في الغاز الطبيعي المتجدد (RNG) والديزل المتجدد والهيدروجين وكذلك احتجاز الكربون وتخزينه (CCS) ".

وترتبط فرص التعجيل بأهداف التنمية لمشاريع احتجاز الكربون وتخزينه بزيادة الاعتمادات لعزل الكربون إلى 85 دولاراً للطن من 50 دولاراً للطن، كما ينص القانون على 60 دولاراً للطن الواحد للكربون المستخدم في الاستخلاص المعزز للنفط، ومن المتوقع أن تنمو الأرباح قبل الاستهلاك والإطفاء في أعمال ثاني أوكسيد الكربون بنسبة 9 في المئة لتصل إلى 879 مليون دولار هذا العام.

بدورها، أعلنت "أبل" عن استثمارات جديدة في الطاقة النظيفة وتطلب من الموردين إزالة الكربون وذلك بحسب رويترز أيضاً، فقد قالت "أبل" إنها ستقوم باستثمارات جديدة لإقامة مشاريع للطاقة الشمسية وطاقة الرياح في أوروبا ودعت مورديها إلى إزالة الكربون من العمليات المتعلقة بإنتاج أجهزة iPhone وغيرها من المنتجات.

تعهدت الشركة في العام 2020 بإزالة انبعاثات الكربون من أعمالها بالكامل، بما في ذلك المنتجات وسلسلة التوريد المترامية الأطراف - التي تمتد من فييتنام إلى البرازيل - بحلول العام 2030. سيطلب صانع iPhone الآن من شركائه في التوريد الإبلاغ عن التقدم المحرز في أهداف حياد الكربون، وتحديداً تخفيضات الانبعاثات في النطاق 1 والنطاق 2 ، المتعلقة بإنتاج منتجات Apple وسيقوم بمراجعة تقدمهم سنوياً، وكانت "أبل" قد طلبت في وقت سابق من الموردين الالتزام بالطاقة المتجددة بنسبة 100 في المئة لإنتاج "أبل".

ويبحث العديد من الشركات المتعددة الجنسيات بشكل متزايد في سلاسل التوريد العالمية لتقليل بصمتها الكربونية حيث أصبح تغير المناخ محور تركيز أكبر للمستثمرين والمنظمين.

انه عالم يتغيّر. هل سيكون العالم على موعد مع التحوّل الى الطاقة النظيفة في القرن الحالي كما تتوقع وكالة الطاقة الدولية التي تمثل البلدان الصناعية المستهلكة؟ وهل سيتم الانتقال بسلاسة او وسط صدمات؟ هل يستمر زخم الاستثمارات في الطاقات الجديدة؟ وهل تصح توقعات الوكالة ام انها تبالغ في التفاؤل؟ ومن اين سيأتي التمويل الذي تحتاجه البلدان النامية لتأمين الانتقال الى هذه الطاقات وتخفيض الانبعاثات؟