سلامة يملأ "الفراغ اللبناني" بتغيير تكتيكات اللعبة النقدية

  • 2022-11-22
  • 17:10

سلامة يملأ "الفراغ اللبناني" بتغيير تكتيكات اللعبة النقدية

  • علي زين الدين


ليس من المبالغة التقدير بأن مصرف لبنان المركزي يتحرك وحيداً في فضاء الدولة المتجمدة، والتي تعاني شغوراً دستورياً وعجزاً سياسياً، بل يقتضي الانصاف تحميل السلطات المسؤولية الأولى كافة وربما التامة عن المآلات الكارثية التي بلغتها البلاد واقتصادها وناسها، بينما هي تتمادى ليس فقط بتمييع المعالجات الطارئة للازمات المتفشية على مدار ثلاث سنوات ونيف، بل في ابتكار استنزاف المقدرات العامة والمدخرات الخاصة وتعميق الشلل في المؤسسات العامة وخدماتها الى مستوى التحلّل المستعصي على الشفاء.

أفصح رياض سلامة، حاكم البنك المركزي، عن القليل مما نضح به إناء "المآسي النقدية والمالية في البلد المنكوب"، وربما لن يكشف بتاتاً الستار الفولاذي عن الكثير من الموبقات في سجل الدولة كبار مسؤوليها التي عاناها في تجربة ادارة المسؤولية الاولى في السلطة النقدية منذ العام 1993، والتي يشرف على تسليم أمانتها في نهاية شهر تموز/ يوليو من العام المقبل. فقد يكفي التلميح الى مخطط متعمد لهدم هيكل القطاع المالي الذي كان جوهرة اقتصاد لبنان حتى نهاية العام 2018، لتكون الدلالات قاطعة بتوصيف "الكساد المتعمد" الذي لم يتردّد البنك الدولي باطلاقه على "المنظومة" الحاكمة والمتحكمة.

 مع ذلك، يبقى للافصاحات، والواردة كأجوبة على اسئلة "ساخنة" تضج بها الاسواق المحلية ويصل صداها الى اصحاب العلاقات المباشرة بالجهاز المصرفي من مغتربين لبنانيين ومستثمرين عرب ودوليين، أهمية خاصة واستثنائية في "الزمن اللبناني المستقطع" لاعادة انتظام المؤسسات الدستورية القائمة حالياً على شغور غير معلوم الأمد في موقع رئاسة الجمهورية، وحكومة "تصريف أعمال" تغيب عن وزرائها روحية المبادرة المسجونة لدى "الداعمين" المتربصين بالاستحقاق الرئاسي، فيما يملأ الفراغ أغلب المؤسسات والادارات العامة.

وفي الكلام المباح، أكد سلامة "نحاول من خلال التعاميم إدارة الأزمة والأزمة كانت تواجه تحديات ايضاً خارجة عن نطاق مصرف لبنان وأهم حدث حصل هو التوقف عن دفع السندات اللبنانية الخارجية التي عزلت لبنان بشكل كبير من الأسواق المالية وصعبت دخول الدولارات الى لبنان، وكذلك جاء كوفيد الذي اثر على اقتصاد العالم ككل.

وأعلن سلامة في مقابلة تلفزيونية، الدخول فعلياً "في مرحلة توحيد أسعار الصرف. وهذا بدأ بالدولار الجمركي الذي تقرر بشأنه وزارة المالية مع الرسوم الأخرى والضرائب. والعمل بالتعاميم سيبقى سارياً إلا إذا تمّ اقرار قانون الكابيتال كونترول، فعندها سنلغي كل هذه التعاميم ونصبح محكومين بالتعاطي بين المودعين والمصارف تبعاً للمقتضيات المدرجة قي قانون تقييد السحوبات والرساميل".

ومن الواضح، بحسب تقييم مسؤولين في عدد من البنوك والمؤسسات المالية، ان الاعلان عن المبادرة وتحديد موعد سريان التعديلات، سيغيّران جزئياً من قواعد التعاملات النقدية في الاسواق، بحيث سيختفي تدريجاً وبصورة نهائية السعر الرسمي المعتمد بمستوى 1515 ليرة لكل دولار، كما سيتبدل حجم التدفقات النقدية بالليرة وبالدولار، ولا سيما بعد الشروع بتنفيذ قرار منح جميع العاملين في القطاع العام راتبين اضافيين شهرياً ومساعدات اجتماعية ومضاعفة بدلات النقل، ورفع بدل تصريف دولارات الودائع من 8 و 12 الف ليرة الى 15 الف ليرة.

وأشار سلامة ضمن برنامج "المشهد اللبناني" على "قناة الحرة" مع منى صليبا، الى أن "المصرف المركزي سيبدأ العمل بسعر 15 الف ليرة مقابل الدولار ابتداء من أول شباط 2023، وسيصبح التعميمان 151 و 158 على هذا السعر بدلاً من 8 آلاف و 12 الف ليرة المعتمدين حالياً، وبذلك سيصبح لدينا السعر الجديد وسعر منصة صيرفة. اما "توحيد سعر الصرف، فلا يمكن تحقيقه ضربة واحدة، لذلك ستكون هذه المرحلة الأولى لغاية ما تصبح صيرفة هي من يحدد السعر".
 وعما اذا كان هذا الإجراء سيؤدي الى رفع او خفض سعر الصرف قال: "إن السوق عندها هو الذي يحدد حسب العرض والطلب، ولكن مصرف لبنان سيكون بالمرصاد. فمثلاً اليوم هناك بالسوق 70 تريليون ليرة لبنانية ونحن بإمكاننا لم كل الليرات عندما نقرر، فالأسواق تعرف هذا الشيء، وإذا قررنا يمكننا وضع مليار دولار لتجفيف السوق من الليرات".
 واعتبر سلامة، ان سعر الصرف اليوم يعتبر محرراً، فالعمليات تحصل بأسعار متقلبة وحتى سعر البنزين يتبع سعر السوق، ولكن حتى لو اصبح السعر متقلباً فممنوع ان نشهد تقلبات كبيرة.
 
 وأوضح أنه و"بالاحصاءات الأخيرة في مصرف لبنان تبين انه سيكون هناك نمو بالاقتصاد اللبناني في العام 2022  بحدود 2 في المئة، وحركة الاستيراد ارتفعت وشهدنا حركة اقتصادية في الصيف  الماضي، المشكلة هي في القطاع العام الذي يخلق الثقل على الاقتصاد"، واكد "اهمية معالجة الوضع في القطاع في وقت نرى فقط تشديداً على القطاع الخاص وقطاع المصارف مع تناسي الاصلاحات المطلوبة في القطاع العام".
 
وعن تمويل زيادات رواتب موظفي القطاع العام ثلاثة اضعاف، قال: "إن هذه مسؤولية الدولة وليس مصرف لبنان، فإذا لجأ مصرف لبنان الى الطبع فإنه بذلك يخلق تضخماً اكبر من التضخم الناتج عن تراجع سعر صرف الليرة، لذلك فإن المطلوب خطوات اصلاحية بداية وتأمين مداخيل للدولة لتمويل هذه الزيادات. قبل الزيادة كانت الرواتب تساوي تريليون و300 مليون ليرة وأصبحت تساوي 3 تريليون و300 مليون، اي أن مصرف لبنان سيضخ خلال الأشهر الـ 3 المقبلة مع المفعول الرجعي 340 مليون دولار".
 
وعن كيفية تأمين هذا المبلغ، أجاب: "طورنا طرقنا من خلال تعاطينا مع السوق من خلال صيرفة وغير اساليب لتأمين الدولارات من دون ان نضعف البنك المركزي وبشكل لا يوصلنا  الى الأسوأ".
 
وأوضح أن "الموجودات الخارجية لمصرف لبنان هي 10 مليارات و300 مليون دولار قابلة للتعاطي معها في الخارج هذا عدا عن الذهب، وهذا لا نسميه احتياطاً الزامياً إنما موجودات خارجية يمكن ان نتصرف بها في الخارج على ميزانية هي 15 ملياراً و200 مليون، اي هناك قدرة على تحريك 10 مليارات و300 مليون خارجياً. ومن أول السنة حتى اليوم تراجعت موجودات مصرف لبنان بقيمة 2 مليار و500 مليون دولار فقط وهذا يعني انه تم تأمين التمويل في القطاع الخاص والقطاع العام وتحمل تراجع سعر صرف اليورو لأن لدينا يورو في ميزانيتنا".
 
وأشار الى أن "صندوق النقد كان نصح بأن تكون زيادات القطاع العام مدروسة اي ان تطال الزيادات الموظفين العاملين ولكن هناك موظفون هم ربما خارج البلد. لذلك، فإن إعادة النظر بطريقة إدارة الدولة ضرورية، فليس مصرف لبنان هو القادر لوحده على حل كل شيء".
 
وقال: "اليوم وبسبب الزيادات نحتاج الى 3 تريليون و300 مليون ليرة إضافية، تخيلوا لو لم يكن لدينا التعميم 161 فكيف كان اصبح سعر صرف الدولار مقابل الليرة؟ اما اليوم فبالعكس لأنه سينزل دولارات كثيرة الى السوق يُفترض أن يتراجع سعر صرف الدولار أو يستقر".
 وعن كيفية تأمينه للدولارات أجاب: "لدينا طرقنا للتدخل في السوق ولكن عكس ما يقولون نحن لا نسحب دولارات ونحتفظ بها إنما نعيد توزيعها وهذا التوزيع يذهب الى الناس وليس للمستوردين والتجار كما كان الوضع من قبل اي في فترة الدعم".
 
وأكد سلامة انه "لن يمول شراء الفيول للكهرباء من احتياطات المصرف المركزي وأن الحكومة تدرس إمكانية فتح اعتمادات مع تسديد لاحق بعد ستة اشهر، وستتفق معنا على كيفية تأمين الدعم لهذه الاعتمادات على ألا يكون مصدرها احتياطات المصرف المركزي، وهذه المبالغ يمكن تأمينها من خلال الجباية، ونعتقد أن بإمكانهم جباية ما يساوي 300 مليون دولار".
 وعن مصير الودائع قال: "تحملنا كل الدعاية السلبية من أجل عدم إفلاس المصارف وإنقاذ ودائع المودعين. والمطلوب لإعادة الودائع هو تأمين السيولة وخلق حركة اقتصادية لإعادة تسديد الودائع، وهذا ما يسمونه خطة التعافي التي يفترض ان تقوم بها الدولة. ومصرف لبنان فعل كل شيء للمحافظة على الودائع من خلال عدم إفلاس البنوك".
 وفي الختام، أمل سلامة "إقفال هذا المرحلة من حياته بعد انتهاء ولايته في 31 تموز"، وقال: "لم أمثل أمام القاضية غادة عون في القضايا المرفوعة ضدي لأن القاضية عون حكمت علي حتى قبل ان تستمع إلي ومن خلفيات سياسية أو عقائدية أو مصالح معينة. وأنا مستعد للمثول أمام قاض ليس له أحكام مسبقة ضدي. كذلك "هناك مجموعة على تواصل مع مجموعة في لبنان قدمت إخبارات وقامت بحملات إعلامية تواكب هذه الاخبارات، والمدعي العام يفتح تحقيقا كما يحصل بأي بلد".
 وهل سيكتب مذكراته أجاب ضاحكاً: "بلكي بعمل فيلم على نتفليكس".