تفسيرات متناقضة لمستجدات المشهد النقدي في لبنان

  • 2022-10-23
  • 06:35

تفسيرات متناقضة لمستجدات المشهد النقدي في لبنان

  • علي زين الدين

​ 

على وقع استمرار التداولات النقدية في الاسواق الموازية فوق حدود 40 الف ليرة لكل دولار، برز تطور مثير في ميزانية مصرف لبنان المركزي، تمثل بتسجيل زيادة شهرية في احتياطات العملات الصعبة بمبالغ تصل الى نحو 418 مليون دولار خلال شهر واحد من منتصف الشهر الماضي.

وحملت الزيادة عنصر "المفاجأة"، بوصفها الاولى من نوعها منذ خريف العام 2019، والذي يؤرخ لدخول البلاد مرحلة الانهيارات النقدية والمالية التي تستمر بتوليد ضغوطها الحادة على سعر صرف العملة الوطنية، وبذلك فهي تشكل رافعة استثنائية لتعزيز الاحتياط النقدي القابل للاستخدام الذي استعاد مستوى 10 مليارات دولار.

ولوحظ ان العودة الى تعزيز حجم السيولة بالعملات الاجنبية لدى البنك المركزي، تتزامن مع قرب انتهاء ولاية رئيس الجمهورية في نهاية الشهر الحالي، مما دفع بعض الجهات الداخلية الى استنباط وجود روابط تتصل بالمواقف الحادة من قبل الرئيس وفريقه والداعية الى إقالة حاكم البنك المركزي رياض سلامة، والمسبوقة باثارة تحركات وملاحقات قضائية داخل لبنان وخارجه، فضلاً عن ملف التدقيق الجنائي بميزانية البنك المركزي.

وفيما حملت تصريحات من قبل شخصيات في فريق الرئيس اتهامات للحاكم بتعمد حجب التفاعل التلقائي والمفترض لتحسن سعر صرف الليرة بعد انجاز اتفاقية الترسيم البحرية، تشير مصادر متابعة الى التأثيرات العكسية الناتجة حكماً عن التعقيدات المشهودة التي تحاصر الاستحقاقات الدستورية الداهمة، وفي مقدمها الشغور المتوقع من قبل الاطراف كافة في موقع الرئاسة والتعقيدات المتوالية التي تحول دون تأليف حكومة جديدة مكتملة المهام والصلاحيات، بينما يتعيّن على البنك المركزي الاستمرار بضخ الدولار لصالح الأفراد والشركات عبر منصة صيرفة.

وقد ادى انحسار الدور المحوري للبنك المركزي في ادارة سوق القطع وعمليات المبادلات بسسب الانكماش المتوالي والحاد في احتياطاته، الى تشوهات نقدية عميقة تعكسها اسعار الصرف المتعددة بين السعر الرسمي البالغ 1515 ليرة لكل دولار والسعر السوقي الواقعي الذي تعدى 40 الف ليرة، وما بينهما من تداولات منصة "صيرفة" بنحو 30 الف ليرة واسعار خاصة بالسحوبات من الحسابات الدولارية في البنوك بسعري 8 و12 الف ليرة، ليضاف اليها اخيراً سعر الدولار الجمركي، وهو ما يشرّع ابواب اسواق الاستهلاك امام موجات تضخمية عارمة، في مقابل تقلصات حادة ومتتالية للمداخيل والمدخرات. 

وتقرّ الحكومة في خطتها الانقاذية المنشودة والتي تزمع رفعها الى ادارة صندوق النقد الدولي، بوجوب توحید سعر الصرف، وانتقال لبنان إلى نظام سعر صرف َمِرن یساعد في امتصاص الصدمات والسماح للسیاسة النقدیة بصب اھتمامھا على ھدفھا الرئیسي المتمثل في استقرار الأسعار، وهي تعتبر ان استقرار الأسعار ولجم التضخم في ظل انخفاض عجز الموازنة وسیاسة نقدیة متشددة، من الأمور الجوھریة للحفاظ على القدرة التنافسیة من خلال سعر الصرف الفعلي، على أن یكون تدخل البنك المركزي في سوق القطع محدوداً بھدف تجنّب تقلبات كبیرة.

ولا يفصح البنك المركزي عادة عن خلفيات ميزانيته ودلالاتها في بندي الأصول والخصوم على حد سواء ولا عن تركيبة العملات الصعبة في احتياطه، بينما ترجّح مصادر مصرفية متابعة حصول تبدل نوعي في سياساته، لجهة التدخل المباشر في اسواق القطع غير النظامية بهدف استقطاب كميات من الدولار النقدي من خلال منافذ شركات تحويل الأموال وشبكات الصرافين، فضلاً عن امكانية البدء باحتساب مفاعيل شروع وزارة المال بتقاضي رسوم وضرائب بالدولار عبر البوابات الجوية والبحرية. واضافة الى حصة الايرادات الدولارية المتأتية من شركة طيران الشرق الأوسط (الميدل ايست) والمملوكة بغالبية اسهمها من قبل مصرف لبنان.

وبالتوازي مع التبدل في حركة الاحتياطات من الانحدار المتوالي الى الزيادة الاستثنائية المشهودة في آخر افصاحين دوريين لميزانية البنك المركزي، سجلت الكتلة النقدية بالليرة، والتي يتم ادراجها تحت بند " النقد في التداول خارج مصرف لبنان"، ارتفاعاً صاروخياً في الفترة عينها، لتصل ارقامها الى نحو 70 تريليون ليرة منتصف الشهر الحالي، مقابل نحو 45 تريليون ليرة، اي بفارق يناهز 25 تريليون ليرة تمّ ضخها خلال شهر واحد منذ منتصف شهر سبتمبر (ايلول) الماضي.

أما على صعيدٍ سنوي، فحافظت المؤشرات الخاصة بالاحتياطات على مضمونها السلبي، حيث تراجعت قيمة الموجودات الخارجيّة لمصرف لبنان بنحو 3.7 مليارات دولار وبنسبة تقارب 20 في المئة مقارنة بالمستوى الذي كانت عليه في الفترة عينها من العام الماضي، والبالغ حينها 13.79 مليار دولار، وذلك بعد عزل القيمة الاسمية لسندات دين دولية يحملها ومصدرة من الحكومة اللبنانية ( يوروبوندز) بقيمة 5 مليارات دولار محمولة من البنك المركزي.