"مؤامرة انهيار أسعار النفط": هل هي حقاً كذلك؟

  • 2022-08-15
  • 12:00

"مؤامرة انهيار أسعار النفط": هل هي حقاً كذلك؟

  • أحمد عياش

"الانباء السارة" التي أتت من الولايات المتحدة الأميركية يوم الخميس في 11 آب/أغسطس الحالي، وفق توصيف إدارة الرئيس جو بايدن، والمتعلقة بهبوط قياسي في أسعار البنزين، لم تتلقفها الصناعة النفطية على هذا النحو "السار". فما هي القصة؟

نبدأ مع "رويترز"، التي أوردت في هذا اليوم، ان متوسط سعر البنزين بالتجزئة في الولايات المتحدة، انخفض إلى أقل من 4 دولارات للغالون يوم الخميس للمرة الأولى منذ أشهر ما أعطى بعض الراحة للسائقين في أكبر سوق مستهلكة للوقود في العالم.

وكانت أسعار البنزين قد بلغت ذروتها، عند مستوى قياسي بلغ 5.02 دولارات في حزيران/يونيو، وأدت هذه التكلفة المرتفعة إلى كبح الإنفاق، كما انخفضت الأسعار مع انحسار مخاوف السوق من القيود الشديدة المفروضة على العرض منذ أن غزت روسيا أوكرانيا لأول مرة في شباط/فبراير.

وفي العادة، تميل أسعار البنزين إلى الذروة في فصل الصيف، ثم تنخفض مع انتهاء موسم القيادة الصيفي حول عيد العمال في أول إثنين الشهر المقبل.

وقد يساعد الانخفاض الأخير في الأسعار إدارة الرئيس جو بايدن والديمقراطيين في الكونغرس مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي. وسبق للبيت الأبيض أن اتّخذ خطوات عدة للحدّ من أسعار النفط في أعقاب غزو موسكو لأوكرانيا.

وفي مرحلة ما، وصل سعر النفط الخام، وهو المحرك الرئيسي لأسعار البنزين، إلى 139 دولاراً للبرميل، لكنه كان بسعر 92 دولاراً يوم الأربعاء في العاشر من آب/أغسطس الحالي.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير في وقت سابق من هذا الأسبوع "لا يزال هناك المزيد من العمل، لكن الأسعار تنخفض، وسيواصل الرئيس دعوة منتجي النفط المحليين والدوليين إلى زيادة الإنتاج حتى يتمكنوا من الاستمرار في الانخفاض".

وعمد البيت الأبيض الى عرض أكثر من 180 مليون برميل من النفط الخام من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي الأميركي، وارتفع إنتاج الولايات المتحدة من النفط بنحو 500 ألف برميل يومياً هذا العام إلى 12.2 مليون برميل يومياً.

ويكتمل مشهد "الانباء السارة"، وفقاً لتقييم الإدارة الأميركية، مع تراجع التضخم بشكل ملحوظ في تموز/يوليو مع انخفاض أسعار البنزين وتذاكر الطيران، وهو" تراجع مرحّب به للمستهلكين وتطور إيجابي لصانعي السياسات الاقتصادية في واشنطن، وإن لم يكن بعد علامة قاطعة على أن زيادات الأسعار قد تحولت إلى منعطف" وفق ما اوردته النيويورك تايمز. ورأت الصحيفة "أن التباطؤ الملحوظ في التضخم الإجمالي - على أساس شهري، وبالكاد تتحرك الأسعار - هو علامة أخرى على التحسّن الاقتصادي الذي يمكن أن يعزز الرئيس بايدن، في وقت كانت فيه الزيادات السريعة في الأسعار تثقل كاهل المستهلكين وتقوض ثقة الناخبين. وجاءت البيانات الجديدة في أعقاب تقرير الوظائف القوي بشكل غير متوقع الأسبوع الماضي الذي أكد على زخم الاقتصاد".

في المقابل، تقول صحيفة الشرق الاوسط، أن تراجع أسعار النفط خلال آخر التعاملات، جاء نتيجة تفاؤل بعودة ضخ النفط الروسي عبر خط أنابيب أوروبي، فضلاً عن ارتفاع التضخم الأميركي بوتيرة أبطأ من المتوقع.
في غضون ذلك، ووفقاً لـ"رويترز"، أخطرت شركة "أرامكو السعودية" أربعة على الأقل من المشترين في شمال آسيا بأنها ستورد إليهم الكميات المتعاقد عليها من النفط الخام كاملة في أيلول/سبتمبر. ورفعت السعودية، أكبر مصدر النفط في العالم، سعر البيع الرسمي للمشترين الآسيويين إلى مستويات قياسية لذلك الشهر، برغم تراجع هوامش التكرير.

وفي سياق متصل، كتب أليكس كيماني في موقع "أويل برايس" الالكتروني، تحت عنوان "مؤامرة انهيار أسعار النفط"، يقول: "كان انهيار أسعار النفط ملحمياً وغير متوقع لدرجة أن بعض خبراء النفط يتهمون الآن إدارة بايدن بتلفيق بيانات الطلب المنخفض على البنزين في محاولة لضرب أسعار النفط... ونشر دوغ ليغيت، وهو استراتيجي الطاقة في "بنك أوف أميركا"، مذكرة بعنوان: "يبدو أن انخفاض الطلب على البنزين مبالغ فيه بشكل كبير". وقد جاء في هذه المذكرة :"السرد حول انهيار الطلب استجابة لارتفاع أسعار البنزين وسط مخاوف الركود هو سيناريو مثالي للغاية على جدول زمني سريع للغاية بحيث لا يتطلب بعض الفحص".

وعلى هذا النحو، يخلص الخبير الاستراتيجي في "بنك أوف أميركا" إلى أنه يرى "مخاوف في شأن انهيار الطلب الحتمي على غرار الفترة 2008/2009 كما هي الحال بشكل كبير - ولكن بشكل رئيسي من جانب العرض، مشيراً إلى أن نحو 1 مليون برميل يومياً من طاقة التكرير المغلقة في الولايات المتحدة تزيد من الاعتماد المحلي على الواردات".

ويخلص الخبير الاستراتيجي إلى أن الطلب على البنزين على وجه الخصوص قد انتعش هذا الأسبوع، ما "يقودنا إلى الإشارة إلى أن شائعات تراجع البنزين مبالغ فيها إلى حد كبير".  

بالعودة الى "رويترز"، فقد نقلت عن محللين في "غولدمان ساكس" قولهم، إن الخام قد يرتفع في وقت لاحق من هذا العام لأن الارتفاع السابق "لم يسفر عن كبح كاف للطلب لإنهاء العجز الحالي غير المستدام".

ومن المتوقع أن تعطي شركات التكرير الأولوية لمعالجة زيت التدفئة في الأشهر المقبلة، ما يقلل من إنتاج البنزين، ما قد يضغط على هذا السوق، وبلغت مخزونات البنزين الأميركية 220 مليون برميل، أي أقل من أي نقطة في السنوات الخمس الماضية.

في خلاصة مشهد مثير للجدل، قد يبدو الكلام عن "مؤامرة" تتعلق بتراجع أسعار البنزين في أكبر سوق للاستهلاك في العالم، يثير الدهشة. لكن ما هو مثير فعلاً للدهشة، هو التقلبات الحادة التي تشهدها اسواق الطاقة حالياً، حيث اختلط فيها حابل السياسة بالاقتصاد، ولا بدّ من الانتظار، كي يتبيّن الخيط الابيض من الخيط الاسود في هذه الاسواق.