لبنان "يتمهّل" بملاقاة "العجلة" الدولية للاصلاحات المالية

  • 2022-08-03
  • 11:46

لبنان "يتمهّل" بملاقاة "العجلة" الدولية للاصلاحات المالية

  • علي زين الدين

 

لا تزال مهمة تصويب الانحرافات الحادة التي أفضت الى الانهيارات النقدية والمالية والمتوالية فصولاً وحفراً في القعر شاقة للغاية ومحفوفة بخطر نفاد الوقت المرتبط تحديده بزمن بلوغ احتياطات العملات الصعبة لدى مصرف لبنان حدود الجفاف او عدم القدرة على الصرف الاضافي، علماً انها تدنت حالياً دون 10 مليارات دولار، بعدما ناهزت 32 مليار دولار في بداية تدحرج الأزمات قبل 3 سنوات، فضلاً عن خطر نفاد صبر الدول والمؤسسات الواعدة بالمساندة.

ويزيد من منسوب القلق المستجد وتعميم حال "عدم اليقين" في الاوساط الاقتصادية والمالية، حقيقة تعمّق الالتباسات المتصلة بخطة التعافي التي اقرّتها الحكومة عينها قبل استقالتها الحكمية دستورياً بعد انتخاب مجلس النواب الجديد منتصف شهر مايو ( ايار ) الماضي، ذلك انه من شأن التمادي بالتأخير، تبديد أي آمال للانتقال الى مسار "الخروج الآمن " عبر الاستجابة "الطوعية" للمتطلبات الاصلاحية الهيكلية التي يدرجها المجتمع الدولي كموجبات وشروط لمعاونة البلد "المنكوب" وإعادة تموضع اقتصاده الى مسار التعافي والنهوض.

فبعد انقضاء اكثر من شهر على "الوعود الشفهية" من قبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وطلب اهمال الصيغة المطروحة، لم تتبلغ لجنة المال النيابية اي مذكرة مكتوبة تتضمن التعديلات المحدثة التي تتصف بأهمية قصوى كونها تتعلق بالتوزيع العادل للخسائر المقدرة بنحو 73 مليار دولار، وبإنشاء صندوق خاص ومحدد الموارد لتعويض الودائع التي تتعدّى خط الحماية البالغ 100 الف دولار.

ويستغرب مسؤول مالي التناقض الصريح في حسم منهجية التعامل مع ملفات بهذه الاهمية في زمن الانهيارات المتوالية من دون استراحة على مدار ثلاثة اعوام. فالرئيس ميقاتي صارح النواب بأن "كل تأخير في عدم إقرار الخطة والتوقيع مع صندوق النقد يكلفنا يومياً خسارة تقدر بنحو 25 مليون دولار يومياً". وفي المقابل، تتباطأ الحكومة والوزارات المعنية في اتمام "فروضها"، بل هي تتمادى في زيادة الانفاق العام، في حين كفل الاضراب المفتوح لموظفي الادارة العامة لأكثر من شهر بتقلص حاد للغاية في تدفقات الضرائب والرسوم لصالح الخزينة.

ويفضي مسار الاخلال بهذه التعهدات، بحسب مسؤول مالي، الى انحراف "مستحدث" عن هدف تكوين قاعدة سياسية واقتصادية صلبة وواسعة تواكب جهود السلطة التنفيذية للانتقال بملف لبنان لدى صندوق النقد من صيغة الاتفاق الاولي على مستوى الخبراء، والذي تم ابرامه اوائل ابريل ( نيسان ) الماضي، الى محطة عرض الاتفاقية بصياغتها النهائية وملحقاتها التشريعية الادارة العليا للمؤسسة الدولية، بما يمكن لبنان من بدء الاستفادة من البرنامج التمويلي المحدد بنحو 3 مليارات دولار لمدة 4 سنوات، والاهم حيازة مفتاح تدفق التزامات الدول والمؤسسات الاقليمية والدولية المانحة.

وبالتوازي، تشمل قائمة المهام العاجلة على المسار الموصل الى ابرام الاتفاق النهائي مع الادارة المركزية للصندوق موافقة البرلمان على موازنة العام 2022، والمشروطة بإعادة هيكلة بياناتها وفقاً لسعر صرف موحد، مما يفضي عملياً الى الشروع باستعادة المساءلة المالية.

كذلك ينبغي الانتهاء من التدقيق ذي الغرض الخاص المتعلق بوضع الأصول الأجنبية لدى مصرف لبنان، للبدء في تحسين شفافية هذه المؤسسة الرئيسية، وايضاً موافقة مجلس الوزراء على استراتيجية متوسطة الأجل لإعادة هيكلة المالية العامة والدين، وهو أمر ضروري لإعادة الديون إلى مستوى يمكن الاستمرار في تحمّله، وإرساء مصداقية السياسات الإقتصادية، وخلق حيز مالي للإنفاق الإضافي على البنود الاجتماعية وإعادة الإعمار.

ايضاً، يتوجب موافقة مجلس الوزراء على استراتيجية إعادة هيكلة البنوك التي تقر مقدماً بالخسائر الكبيرة التي تكبدها القطاع وتعالجها، مع حماية صغار المودعين والحدّ من الاستعانة بالموارد العامة، كذلك موافقة البرلمان على تشريع طارئ ملائم لتسوية الأوضاع المصرفية على النحو اللازم لتنفيذ استراتيجية إعادة هيكلة البنوك والبدء في استعادة صحة القطاع المالي، وهو ما يعد عاملاً جوهرياً لدعم النمو، فضلاً عن الشروع في تقييم أكبر 14 بنكاً، كل على حدة، بمساعدة خارجية من خلال التوقيع على نطاق التكليف مع شركة دولية مرموقة.

استتباعاً، يفترض "السيناريو" الايجابي انخراط السلطتين التشريعية والتنفيذية معاً في مهمة التعجيل بمقتضيات الاستجابة للمتطلبات الدولية، بعدما اجتاز لبنان اول السدود الحصينة على مسار الاصلاح المالي المنشود، عبر اقرار مجلس النواب لمجموعة تعديلات تشريعية حيوية تفضي عملياً الى نزع  "مقونن" لصفة السرية عن الحسابات المصرفية، منهياً بذلك، وتحت وطأة الضغوط المستمرة من المجتمع المالي الدولي، رحلة الاستفادة من قانون خاص على مدى 66 عاماً منح البلد وبنوكه ميزة تنافسية لاستقطاب رساميل وتوظيفات محلية واقليمية تتجنب الانكشاف لاسباب متنوعة يتصل اغلبها بتغيرات انظمة الحكم في بلدان المصدر.

ولم يكن من قبيل الصدفة، ان تعاين السفيرة الاميركية في بيروت دوروثي شيا شخصياً من خلال منصة الحضور الديبلوماسي لجلسة الهيئة العامة للمجلس، هذا التطور الاستثنائي الذي يستجيب اساساً لمطلب تلح عليه وزارة الخزانة الأميركية ضمن استهدافها منع استخدام القنوات المصرفية اللبنانية لأي عمليات تمركز او تحويلات مالية مشبوهة، فيما تضعه فرنسا في صدارة الاصلاحات الهيكلية التي يتوجب تنفيذها لتيسير تقدم الملف اللبناني لدى صندوق النقد الدولي والتدفق اللاحق لقروض ومساعدات الدول والمؤسسات وفق تعهدات مؤتمر "سيدر".

وبدا واضحاً، بحسب مصادر معنية، ان تمسك لبنان بنظام "السرية المصرفية" لم يعد ممكناً ولا مجدياً، بعدما تحولت فوائده السابقة وبالا مستتراً بالتقصي والمساءلة ومصادر للتشكيك والاشتباه مع تزايد الانغماس في منظومة الاقتصاد النقدي وسيطرة الدولار "الكاش" ( بنكنوت ) على التعاملات المالية عبر الحدود وعمليات التجارة والاستيراد والاستهلاك، وهو ما أفضى الى قصور صريح في صلابة الأنظمة والتدابير الوقائية التي اتخذها البنك المركزي سابقاً بهدف سد منافذ مرور العمليات المشبوهة عبر الجهاز المصرفي الذي كان يغطي كامل الاعتمادات والتحويلات من خلال الحسابات المحلية الخاضعة للرقابة والتحقق وحساباته الخارجية لدى البنوك المراسلة.

وفي الاستدلال الاضافي، تبيّن المصادر ان النأي عن دوامة التضييق المالي الدولي، تطلب فعلياً اقرار تعديلات مفصلية على مجمل القوانين السارية ذات الصلة، ففي المحصلة، ووفقاً لمحضر جلسة الهيئة العامة لمجلس النواب، تمّ اقرار مشروع القانون المعجّل القاضي بتعديل  بعض مواد  القانون الصادر بتاريخ 3/9/1956 المتعلق بالسرية المصرفية، والمادة 105 من القانون الرقــــــــم 328 الخاص بأصول المحاكمات الجزائية، والمادة 150 من قانون النقد والتسليف، والمادة 15 من القانون الرقم 28 الخاص بتعديل وإكمال التشريع المتعلق بالمصارف وإنشاء مؤسسة مختلطة  لضمان الودائــع، اضافة الى بعض مواد قانون الإجراءات الضريبية.