كيف يمكن رسم خط فاصل ما بين الحرب والاقتصاد؟

  • 2022-03-07
  • 08:55

كيف يمكن رسم خط فاصل ما بين الحرب والاقتصاد؟

هل يمكن عدم الانحياز في الحرب الأوكرانية؟ العرب نموذجاً

  • أحمد عياش

الحرب المستمرة في اوكرانيا، حاصرت العالم ولا تزال على كل المستويات. فلم يعد بالإمكان مثلاً، متابعة كل شؤون الاقتصاد، وفي مقدمها الطاقة، من دون الاخذ في الاعتبار كيف تترك هذه الحرب تأثيرها مباشرة على هذا القطاع. لذلك، لم يختلف اثنان على ان تخطي سعر برميل النفط عتبة الـ 120 دولاراً يوم الخميس في الثالث من آذار/ مارس، هو من نتائج الحرب التي يبدو ذاهبة الى الاسوأ.

من أدق الاسئلة التي تتكرر في التاريخ، هو: كيف يمكن رسم خط فاصل ما بين الحرب والاقتصاد؟

قبل الذهاب الى الوراء، لأخذ العبر، نبدأ من الحاضر. ففي آخر تطورات أسواق الطاقة، استمرت الحرب في اوكرانيا في دفع اسعار البترول والغاز الطبيعي الأوروبي الى مستويات لم تشهدها منذ سنوات، ولكن الأسهم كانت مختلطة وسندات الخزانة مستقرة. ووصل خام برنت، وهو المعيار الدولي، إلى ما يقرب من 120 دولاراً للبرميل، وهو أعلى مستوى له في 10 سنوات، قبل أن يتراجع إلى نحو 115 دولاراً، بزيادة قدرها 2 في المئة يوم الثالث من آذار/ مارس، وارتفع خام غرب تكساس الوسيط إلى 116 دولاراً للبرميل، وهو أعلى مستوى له منذ العام 2008.

في غضون ذلك، اتفقت منظمة أوبك والدول المتحالفة معها على زيادة الانتاج بمقدار محدود فقط. وهنا تظهر مفارقة الاقتصاد في زمن الحروب. فوفق ما ذكرته النيويورك تايمز، فإن روسيا هي مصدر رئيسي للنفط والغاز الطبيعي على حد سواء، ومع أوروبا عميل رئيسي. وقد جرى وضع مجموعة واسعة من العقوبات الغربية ضد روسيا لمهاجمتها أوكرانيا، وسط محاولة لتجنب تأثير هذه العقوبات على تجارة الطاقة. لكن المحللين يقولون، ان المشترين والمتداولين يبتعدون عن النفط والغاز الروسيين، لتجنب المخاطرة بفرض عقوبات مالية عليهم، والنتيجة هي ضيق الإمدادات أكثر، والتسبب في قفزة الأسعار.

ومن اوروبا الى منطقة الخليج العربي، فقد تلاحقت المؤشرات التي تدل على الارادة لمحاصرة نيران الحرب، كي لا تصل قدر الامكان الى أسواق الطاقة المشتعلة أصلاً. ففي الرياض، أكد مجلس الوزراء السعودي مجدداً يوم الثلاثاء في الاول من آذار/ مارس الحالي التزامه باتفاق أوبك+ لمصدري النفط الذين يزودون كميات إضافية من النفط تبلغ 400 ألف برميل يومياً كل شهر للإنتاج، حسبما ذكرت وكالة الأنباء السعودية، كما دعا مجلس الوزراء السعودي إلى الاستقرار في أسواق النفط وتهدئة التصعيد في أوكرانيا.

وفي اليوم نفسه، ذكرت وكالات الأنباء الروسية أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحدث مع ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حيث ناقشا اتفاق أوبك+ للنفط وتعهدا بمواصلة التنسيق بشأن أسواق الطاقة العالمية.

من ناحيتها، قررت شركة طيران العربية التي تملكها دولة الامارات، مواصلة تشغيل رحلات روسيا طالما أنها قانونية.

من ناحيتها، قالت إيرينا سلاف في مقال على موقع "أويل برايس" تحت عنوان "الأزمة الأوكرانية يمكن أن تؤدي إلى مرحلة ارتفاع كبير في أسعار النفط، فكتبت تقول: "إن العالم ينقصه القدرة الإنتاجية الاحتياطية للنفط، وقد اتضح ذلك منذ فترة على الرغم من محاولات تجاهله من جانب بعض حكومات البلدان الاستهلاكية الكبيرة. وقد سلطت الاضواء مرة اخرى على المشكلة وسط الازمة الاوكرانية التي اثارت مخاوف من توقف صادرات البترول والغاز الروسية".

وقال كريستيان مالك، رئيس الاستراتيجية العالمية للطاقة في جي بي مورجان، لصحيفة فاينانشال تايمز الأسبوع الماضي إن "الطاقة الاحتياطية آخذة في الانخفاض مما تضطر سوق [النفط] إلى إعادة تسعير المادة ".

في المقابل، وعلى موقع "أويل برايس" أيضاً، سأل روبرت رابييه: "هل يمكن للولايات المتحدة أن تحل محل واردات النفط الروسية؟" ويجيب الكاتب قائلاً:"تستهلك الولايات المتحدة أيضاً كميات من النفط (17.2 مليون برميل يومياً) أكثر بكثير من روسيا (3.2 ملايين برميل يومياً) أو المملكة العربية السعودية (3.5 ملايين برميل يومياً)، والنتيجة النهائية هي أن الولايات المتحدة مستورد صاف للنفط الخام، في حين أن روسيا والمملكة العربية السعودية مصدران رئيسيان للنفط الخام، وهذا يعني أيضاً أن الاقتصاد الأميركي أكثر عرضة لصدمات أسعار النفط".

من الاقتصاد الى السياسة، فقد تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الأربعاء في الثاني من آذار/ مارس، قراراً يستنكر الغزو الروسي لأوكرانيا ويدعو موسكو إلى سحب جميع قواتها على الفور في خطوة تهدف إلى عزل روسيا سياسياً. جاء القرار، الذي حظي بتأييد 141، بينها 16 دولة عربية، ومعارضة 5 دول وامتناع 35 دولة عن التصويت من بينها الصين من أصل 193 عضواً، في ختام جلسة طارئة نادرة للجمعية العامة دعا إليها مجلس الأمن، وفي الوقت الذي استهدفت فيه القوات الروسية مدناً أوكرانية بضربات جوية وقصف مدفعي، مما أجبر مئات الآلاف من الأشخاص على الفرار.

ماذا يعني، أن تؤيد هذه الأكثرية الساحقة من الدول قرار الجمعية العامة، ومن بينها دول اختارت الحياد في الميدان الاقتصادي، ومن بينها بلدان عربية عدة؟

يعيدنا هذا السؤال في التاريخ الى مؤتمر باندونغ بأندونيسيا الذي انعقد في 24 نيسان/ أبريل وحضرته وفود 29 دولة أفريقية وآسيوية، واستمر لمدة ستة أيام، وكان النواةَ الأولى لنشأة حركة عدم الانحياز. وشارك في المؤتمر الرئيس المصري جمال عبد الناصر، بالإضافة إلى رئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو ورئيس يوغسلافيا جوزيف تيتو وآخرون. وجاء المؤتمر ضمن منظور نشوء منظمة وسطى في الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي. فهل هناك من شبه، بين زمن الحرب الباردة في ذلك الزمن، وبين زمن الحرب الحارة الناشبة حالياً في أوكرانيا؟

ربما من المبكر تقديم جواب شاف على هذا السؤال الآن. لكن هناك من يدعو الى تأمل التحولات الجارية في أوروبا، ولاسيما التحوّل الجذري الذي قامت به سويسرا بالتخلي عن حيادها التاريخي، وهو مبدأ "لا يعني عدم الاكتراث"، وفق رئيس البلاد الاتحادية إيغناسيو كاسيس. واختارت سويسرا التي تعد مركزاً مالياً محورياً عالمياً، وكانت حتى أسابيع خلت مضيفة لقاءات دبلوماسية أميركية روسية سعياً لنزع فتيل الأزمة، أن تنضم إلى العقوبات الاقتصادية الواسعة النطاق للاتحاد الأوروبي على روسيا. ولم تكن سويسرا الوحيدة التي خرجت عن مبدأ الحياد، فما قامت به فنلندا والسويد أيضاً جعلهما أقرب من أي وقت مضى في التفكير بطلب الانضمام إلى الحلف الأطلسي.

في المقابل، قدمت الدول العربية، وفي مقدمها الدول الخليجية، نموذجا يأخذ في الاعتبار الحياد في عالم الطاقة مثلاً، كما يأخذ في الاعتبار الجانب الإنساني، كما تجلى أخيراً في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة ومن قبله في مجلس الامن.

لنأخذ وقتاً قبل الحكم على هذا النموذج. لكنه أخذ طريقه الى العمل في هذه المرحلة.