النفط فوق 100 دولار للبرميل: إنها البداية

  • 2022-02-25
  • 19:29

النفط فوق 100 دولار للبرميل: إنها البداية

الحرب في اوكرانيا والطاقة

  • أحمد عياش

ما كان العالم يتابعه منذ أسابيع كاحتمال، استفاق فجر الرابع والعشرين من شباط /فبراير بتوقيت الشرق الاوسط، على أتون الحرب التي شنّها "القيصر" الروسي على جارته اوكرانيا. ولم تتأخر الأسواق في الاستفاقة على الحدث المدوي الذي أعاد وقائع آخر الحروب العالمية، الى الاذهان، فانطلقت شرارة الارتفاعات غير المسبوقة لكل الأسعار، ولاسيما النفط الذي قفز فوق حاجز الـ 100 دولار للبرميل بكل يسر. فهل من تصور كيف ستمضي احوال الاسواق على وقع الحرب التي ما زالت فيها قرقعة السلاح، الصوت الوحيد المسموع حالياً؟

البداية، مع النتائج الاولى لبدء الحرب في اوكرانيا؟

وفق ما رصدته رويترز منذ اليوم الاول للحرب، فقد انحدرت مؤشرات الأسهم نزولا، بدءاً من مؤشر نيكي الياباني الذي يضم 225 إصداراً بنسبة تزيد قليلاً على 2.1 في المئة، بينما انخفضت أسهم هونغ كونغ بنسبة 3.1 في المئة، فيما كانت وول ستريت تستعدّ للتعثر. وقفز سعر النفط فوق 100 دولار للبرميل للمرة الأولى منذ العام 2014، كما قفزت العقود الآجلة للغاز الطبيعي الأوروبي بنسبة 31 في المئة.

ورأت رويترز انه يمكن أن يكون للغزو الشامل، آثار واسعة النطاق على السلع الأساسية، بما في ذلك النفط والغاز الطبيعي والقمح والمعادن. فأوروبا تعتمد بشكل كبير على روسيا للحصول على الطاقة، وتتلقى أجزاء من الشرق الأوسط وأفريقيا معظم قمحها من روسيا وأوكرانيا، وحتى لو ظلت سلاسل التوريد سليمة ولم تتأثر صادرات روسيا بالجزاءات، فهناك مخاوف من أن الرئيس بوتين قد يقطع الإمدادات عقابياً.

وأضافت الوكالة: "كانت السوق تحاول دائماً الحكم على ما إذا كانت (روسيا) ستتوقف عند دونباس (باوكرانيا)، لكن يبدو واضحاً جداً أنها تتحرك نحو كييف (عاصمة اوكرانيا)، وهو احتمال كان دائماً واحداً من أسوأ السيناريوهات".

وخلصت الوكالة الى القول: "ما نراه. لا يوجد مشترون هنا للمخاطرة، وهناك الكثير من البائعين هناك، لذلك تتعرض هذه السوق لضربة قوية للغاية".

كيف بدا المشهد العام من منظور منظمة "أوبك+"؟ جواباً، قالت مصادر في المنظمة لرويترز في موسكو، إن اتفاقاً بين منتجي النفط بما في ذلك روسيا لا يظهر أي تصدعات حتى الآن بعد غزو روسيا لأوكرانيا، ومن المرجح أن تتمسك المجموعة بارتفاع الإنتاج المخطط له في اجتماع الأسبوع المقبل على الرغم من أن الخام يتجاوز 100 دولار للبرميل. وتجتمع منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك+) في الثاني من آذار/مارس لتقرر ما اذا كانت ستزيد انتاجها بمقدار 400 الف برميل يومياً في نيسان/ابريل المقبل، ورفض مصدر رفيع المستوى في "أوبك+" الاقتراح القائل بأنها "نهاية أوبك+".

في موازاة النفط، ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا ارتفاعاً حاداً، حيث وصلت أسعار الجملة في مركز الغاز الأوروبي في هولندا يوم الخميس في 24 شباط/ فبراير، إلى 159 دولاراً لكل ميغاواط/ ساعة، بحسبما ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز، قبل أن تتراجع إلى حد ما، لتحقيق مكاسب يومية إجمالية قدرها 40 في المئة. وذكرت وكالة بلومبرغ في وقت سابق أن تجار السلع الأوروبيين يسارعون إلى تخزين الغاز الروسي، مع زيادة تدفقات خطوط الأنابيب بنسبة تقترب من 40 في المئة. ومع ذلك، لا تزال هناك مخاوف بشأن انقطاع الإمدادات، على الرغم من أن بعضها يزول عندما تجنب الرئيس بايدن فرض عقوبات متعلقة بالطاقة ضد روسيا.

وقال أمريتا سين من شركة "إنرجي أسبكتس"  لصحيفة "فاينانشال تايمز" إن "الغرب لا يستطيع تحمل عقوبات على الطاقة نظراً الى إمكان إرتفاع أسعار النفط والغاز".

واستهدفت العقوبات الأميركية التي كشف عنها بايدن الصناعة المصرفية الروسية، وتضمنت تدابير تهدف إلى الحدّ من قدرة المقرضين الروس على العمل بالدولار واليورو والجنيه الإسترليني والين. وورد اسم خمسة بنوك ككائنات للعقوبات، بما في ذلك كبار المقرضين "سبيربنك" وVTB. وقد منع "سبيربنك" من دخول النظام المالي الأميركي، ما يعني أنه لن يتمكن بعد الآن من إجراء معاملات تشمل البنوك الأميركية.

وفي سياق متصل، تسأل النيويورك تايمز: "لماذا العقوبات الأكثر صرامة على روسيا هي الأصعب بالنسبة لأوروبا؟

وفي جوابها، تقول الصحيفة الاميركية: إن القادة الأوروبيين عالقون بين الرغبة في معاقبة روسيا على عدوانها وحماية اقتصاداتها. وقال ماتيو سافاري كبير استراتيجيي الاستثمار الأوروبيين في"بي سي أي ريسيرش"  إن قرار ألمانيا يوم الثلاثاء في 22 شباط /فبراير بوقف "نورد ستريم 2"- خط أنابيب الغاز المكتمل الذي يربط مباشرة بين روسيا وشمال شرق ألمانيا - هو من بين أكثر القرارات أهمية التي اتخذتها أوروبا.

أما بالنسبة الى الغاز الذي يتدفق بالفعل إلى أوروبا، فإن القادة الغربيين يترددون في خفضه بشكل أكبر بالنظر إلى أنه خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2021، تقلصت صادرات خطوط الانابيب الروسية بنسبة  تقترب من 25 في المئة مقارنة بالعام السابق، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية. فاحتياطات أوروبا لا تتجاوز 30 في المئة، ويدفع الأوروبيون بالفعل أسعاراً باهظة للطاقة.

وفى اول أيام الحرب الاوكرانية، قالت وكالة الطاقة الدولية، التي من المحتمل ان تنسق اي استجابة لانقطاع الطاقة في العالم، ان امدادات النفط " الاكثر تعرضاً للخطر على الفور"، تبلغ 250 الف برميل يومياً من روسيا التي تنتقل عبر اوكرانيا الى المجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك، وهذه الكمية صغيرة نسبياً في سوق عالمية تستهلك 100 مليون برميل يومياً، ولكن خسارتها يمكن أن تخلق نقصاً حاداً في تلك البلدان.

وأشارت مجموعة أوراسيا، وهي شركة استشارية في مجال المخاطر السياسية، في مذكرة إلى أنه في حين ستحاول الولايات المتحدة وأوروبا تجنّب الاستهداف المباشر لصادرات الوقود الروسية، فإن "عاصفة القيود الجديدة ستجبر العديد من التجار على توخي الحذر الشديد في التعامل مع البراميل الروسية".

وقد تهدف العقوبات أيضاً إلى تشويه آفاق روسيا في المستقبل. وقال سكوت موديل، العضو المنتدب لمجموعة رابيدان للطاقة، وهي شركة استشارية مقرّها في واشنطن، "إذا استهدفت الولايات المتحدة الطاقة، أتوقع أن يكون ذلك من خلال ضوابط تكنولوجية تستهدف الغاز الطبيعي المسال والهيدروجين الروسي في المستقبل".

وحتى من دون قطع واضح للوقود من جانب موسكو أو انقطاع بسبب الحرب، هناك خطر كبير من استمرار ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء بشكل غير عادي، وربما يدفع المزيد من الشركات إلى تقليص عملياتها. وفي الأشهر الأخيرة، أعلنت بعض الشركات الكثيفة الاستخدام للطاقة، عن إغلاق أبوابها بسبب ارتفاع تكاليف الغاز.

وكتب جيرنوت فاغنر في بلومبرغ يقول: "لقد أدى الحشد الطويل للغزو الروسي لأوكرانيا بالأمس، إلى الكثير من التذمر بشأن أمن الطاقة في أوروبا، وما الذي قد يحدث إذا ما توقفت روسيا فجأة عن تصدير الغاز إلى أوروبا". وتساءل:" لكن، ماذا لو ذهبت أوروبا الى البديل عن على الغاز الروسي"؟  وقال: "فيما يستعد الاتحاد الأوروبي للإعلان عن استراتيجية الاستغناء عن الغاز الروسي، كجزء من خطة طموحة للطاقة تشمل خفض الاستخدام الإجمالي للوقود الأحفوري بنسبة 40 في المئة بحلول العام 2030، لكن الأمر لن يكون سهلاً الآن حيث يستخدم الاتحاد الأوروبي ما يزيد قليلاً على 20 في المئة من إجمالي طاقته من الغاز، ويأتي نحو 40 في المئة من هذا الغاز من روسيا".

هذه هي الصورة الآن في الأسواق، فيما ما زالت الحرب في اوكرانيا في أولها. وكما يقال" لا دخان بلا نار"، فإن الصعود المريح لسعر برميل النفط الى ما فوق الـ 100 دولار، معنى ذلك اننا ما زلنا في البداية بما فيها السعر الجديد للبرميل.