لبنان: وقائع اقتصادية مقلقة تسيّج موسم الانتخابات النيابية

  • 2022-02-26
  • 18:46

لبنان: وقائع اقتصادية مقلقة تسيّج موسم الانتخابات النيابية

  • علي زين الدين

​  

سريعاً، تلقى لبنان "قرصه" من العرس الدموي للحرب في أوكرانيا التي تزوّد لبنان بأكثر من نصف مستورداته من القمح وسلع حيوية أخرى. فتفاجأت الحكومة باندلاع الحرب، وبأن مخزون خبز الفقراء يكفي لشهر واحد فقط، ثم اكتشفت ان كارثة انفجار مرفأ بيروت في الرابع من شهر آب/أغسطس من العام 2020، تسببّت بدمار شبه تام للإهراءات وما تحويه من مخزون استراتيجي.

ومن دون تسرّع، قرر مجلس الوزراء اللبناني"شراء كمية 50 الف طن من القمح المستورد المعدّ للطحن، عند اقتضاء الحاجة، لتأمين حاجة الاستهلاك المحلي من الطحين حفاظاً على الأمن الغذائي، وإعطاء المديرية العامة للحبوب والشمندر السكري سلفة خزينة لشراء كمية 50 الف طن من القمح المستورد المعدّ للطحن وصناعة الرغيف مع جميع النفقات المتممة"، علماً ان هذه الكمية توازي حاجة شهر اضافي من الاستهلاك، وستكبّد البنك المركزي كلفة اضافية بنحو 50 دولاراً لكل طن بسبب ارتفاع سعر السلعة.

تزامناً، ومن دون الحاجة الى إدراك الدولة وسلطاتها، يرتقب ان يندفع تسونامي الغلاء صعوداً، بعدما تعدّى متوسط مؤشر التضخم نسبة الألف في المئة، ذلك ان لبنان بدأ بتلقي نصيبه من الارتفاع العالمي لاسعار النفط والمواد الأساسية وبتعثر سلاسل الامداد والتوريد، بينما ينهمك وزراء الحقائب الخدماتية بوضع تصورات واقتراحات لرفع بدلات الاتصالات والكهرباء والمياه وسواها، بالتوازي مع الافصاحات المسبقة لوزارة المال بقرب تعديل سعر الدولار الجمركي والدولار الضريبي الى مستوى سعر التداول على منصة صيرفة.

كل ذلك وأكثر، يطرأ على معيشة المقيمين في البلد المنكوب قبيل حلول موسم الانتخابات النيابية منتصف شهر أيار المقبل. وسواء جرت في موعدها المقرر أو ارتأى أهل الحل والربط وجوب ارجائها بذرائع يسهل ابتكارها عند الحاجة، سيظل لبنان واقتصاده، والى أمد غير معلوم، رهينة الانكشاف شبه المكتمل لبنيته الاقتصادية والمالية على مخاطر الانعزال عن الأسواق الخارجية، اقليمية كانت أم دولية، طالما يتسع الانحراف في ادارة شؤون الدولة وتعمّد تقويض مؤسساتها المرجعية.

والى حين تبيان مسرى الاستحقاق المفصلي بين التحقّق الصعب وبين "اعدامه" المستساغ لدى أطراف فاعلة، تشي أحوال القطاعات الاقتصادية المتعثرة ومعيشة المقيمين العسيرة بفداحة الذي بلغته البلاد وناسها واقتصادها، عقب نحو 30 شهراً متتالياً من الانهيارات المتدحرجة من دون اي وقت مستقطع لالتقاط الانفاس. فيما يسود التشاؤم ويتوسع جراء الارتباك مسار التحضيرات والمشاورات التقنية الممهدة لبدء جولات المفاوضات الرسمية مع ادارة صندوق النقد الدولي.

وينضح كأس اقتصاد الانتخابات وما سيليها بما فيه من احباط عام، ومعزز بإشارات ومؤشرات عدم اليقين في سنة استحقاقات دستورية مهمة تبدأ بإعادة تكوين السلطة التشريعية وتصل في نهاية شهر تشرين الأول المقبل الى انتهاء ولاية رئيس الجمهورية. وفي لائحة أبرز العوامل المؤثرة والضاغطة:

  1. ًتغييب شبه تام لأي حلول مستدامة على مجمل مستويات الخيارات الاستراتيجية، حيث تتضاءل الفرصة زمنيا وموضوعياً لامكانية ابرام اتفاقية برنامج تمويل مع صندوق النقد الدولي، علماً بأن أي مساعدات أجنبيّة مشروطة بإعتماد وتنفيذ الحكومة الحاليّة لحزمة إصلاحات بدعم من صندوق النقد الدولي وجهات دوليّة مانحة.
  2. تكرّر مؤسسات دولية تنبيهاتها بأن الحكومة لا تزال تستسهل استنزاف إحتياطات مصرف لبنان بالعملة الأجنبيّة من أجل دعم إستيراد الوقود والأغذية والمعدّات الطبيّة من دون وضع أيّ خطّة إصلاحيّة، علماً أنّ هذه الاحتياطات تدنت أخيراً عن عتبة 12 مليار دولار وتعود بمجملها للتوظيفات الالزامية المفروضة على الودائع بالعملات الأجنبية في الجهاز المصرفي.
  3. يتماشى الرقم المحدّث من قبل الحكومة للخسائر الإجماليّة والبالغ 69 مليار دولار مع الرقم الذي قدّمته حكومة الرئيس دياب في نيسان 2020، إلاّ أنّ حجم خسائر القطاع المالي يبقى رهن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والموازنة المقترحة ونظام سعر الصرف الذي سيتم اعتماده. وفي تقييم لمؤسسات دولية، انه في حين قدّرت الخطّة القديمة إحتياجات لبنان التمويليّة الخارجيّة بقيمة 10 مليارات دولار لتحريك إقتصاده، فإنّ حاكم مصرف لبنان قد قدّر هذا الرقم أخيراً بنحو 12 إلى 15 مليار دولار، وهو الرقم الأقرب الى التقديرات الدولية.
  4. بينما تتلكأ الحكومة في استخلاص برنامج متكامل لادارة الدين العام والشروع "رسمياً" بمفاوضة الدائنيين المحليين والخارجيين الحاملين لمحفظة تناهز 35 مليار دولار من سندات الدين الدولية، بادرت عبر فقرة وردت في بيان رسمي لمجلس الوزراء في جلسته قبل الأخيرة الى زرع توجس كبير ومتصاعد في الاوساط المالية ولدى حاملي سندات الخزينة بالليرة اللبنانية، من التبعات التي ستنجم عن اقتراح رئيس الجمهورية ميشال عون بعدم دفع الفوائد المترتبة على الديون الداخلية، ولاسيما أن جزءاً مهماً من هذه السندات يعود لتوظيفات صندوق الضمان الاجتماعي وصناديق التعاضد والتعويضات العائدة لنقابات مهنية في القطاعين العام والخاص، اضافة الى مؤسسات وافراد اختاروا الاستثمار في الديون الحكومية بالليرة. وبحسب احدث البيانات المالية، تبلغ حصة القطاع المصرفي نحو 24 في المئة من اجمالي الدين الحكومي بالليرة البالغ رقمياً نحو 91.6 تريليون ليرة، اي نحو 61 مليار دولار محتسبة على السعر الرسمي المعتمد بنحو 1507 ليرات لكل دولار، وهي نسبة اقل بكثير من الثلث وتشمل اكتتابات تعود للزبائن، فيما تبلغ حصة القطاع غير المصرفي نسبة تناهز 14 في المئة، وتتركز الحصة الاكبر لدى البنك المركزي الذي يغطي بمفرده نحو 62 في المئة من سندات الخزينة.
  5. يرتفع منسوب التوتر والقلق في الاوساط المالية والمصرفية من تبعات التصرفات القضائية وغير القضائية غير المألوفة المتصلة بحاكمية البنك المركزي من جهة والضغوط الموازية التي يتعرض لها الجهاز المصرفي وفروعه من جهة موازية، بحيث تتكثف الاضرار اللاحقة بمكونات القطاع المالي ومؤسساته، بينما هي تعاني تعقيدات جمّة في مهمة حفظ خطوط التواصل مع الأسواق الدولية، فضلاً عن الصعوبات المتكاثرة في اداء انشطتها التقليدية في الاسواق المحلية والمتبقي من وحداتها الخارجية، بعدما تخلت قسراً عن وجودها المباشر في اسواق مصر والاردن، وقلّصته الى الحدود الدنيا في سوريا والعراق واسواق دولية. ثمة اجماع محلّي وخارجي، بأنّ قرار مصرف لبنان ببيع الدولار النقدي على سعر صيرفة لن يحقّق إستقراراً طويل الأمد في سعر الصرف ومستويات التضخّم، في ظلّ تأخير الإتفّاق التمويلي مع صندوق النقد، والمشروط اساساً بإعادة هيكلة شاملة للدين، علماً ان البنك المركزي طمأن المودعين بتمديد مفاعيل التعميم الرقم 161 الى نهاية شهر آذار وقابل للتجديد.
  6. مع ترقب الأسواق لتداعيات الحرب الاوكرانية خارجياً، وقرارات رفع اسعار الخدمات العامة محلياً، تظهِر الإحصاءات الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي إرتفاعاً شهريّاً بنسبة 7.69 في المئة في مؤشِّر أسعار الإستهلاك في لبنان خلال الشهر الأول من العام 2022، مقارنةً بإرتفاع بلغ 16.52 في المئة في الشهر الذي سبقه، وبذلك سيكون مؤشِّر تضخُّم الأسعار قد سجل زيادةً نسبتها 270 في المئة، ليصل إلى 992.24 في كانون الثاني 2022. وجاء الإرتفاع السنويّ في مؤشّر تضخّم الأسعار نتيجة تسجيل جميع مكوّنات المؤشّر زيادة في أسعارها حيث ارتفعت أسعار الألبسة والأحذية بنسبة بلغت 225.56 في المئة (تثقيل بنسبة 5.2 في المئة)، رافقها تطوُّر في أسعار المواد الغذائيّة والمشروبات غير الروحيّة بنسبة 483.15 في المئة (تثقيل بنسبة 20.0 في المئة) وزيادة في أسعار النقل بنسبة 541.42 في المئة (تثقيل بنسبة 13.1 في المئة) وارتفاع في أسعار المسكن – الماء والغاز والكهرباء والمحروقات الأخرى بنسبة 423.13 في المئة (تثقيل بنسبة 11.8 في المئة)، من دون إستثناء الزيادة غير المسبوقة في أسعار المطاعم والفنادق بنسبة 449.65 في المئة (تثقيل بنسبة 2.8 في المئة).