مصارف لبنان "تتعايش" مع مسار الانكماش

  • 2022-02-06
  • 09:55

مصارف لبنان "تتعايش" مع مسار الانكماش

المقص الحكومي ينذر بتحميل الودائع نصف تركة الخسائر

  • علي زين الدين

​  

أظهرت البيانات المالية للجهاز المصرفي اللبناني استمرار منحى الانكماش في المؤشرات الرئيسية كافة خلال العام الماضي، مع تسجيل ارتقاء تراجع اجمالي الأصول من مستوى يقارب 250 مليار دولار حقيقي الى نحو 175 مليار دولار وفق التكييف النقدي الساري الذي يعتمد السعر الرسمي للدولار عند 1507 ليرات، ويعزل القيم الفعلية لدولار الميزانيات في جانبي الموجودات والمطلوبات.

في القراءات الرقمية، لم تختلف النتائج المسجلة في العام الثاني المكتمل لانفجار الأزمات عن العام 2020، وان تكن نسب التراجع أدنى نسبياًَ ربطاً بشبه انعدام الانشطة المصرفية التقليدية في عمليات الاستثمار والائتمان، وبسبب استقرار اجراءات تقييد السحوبات تحت مظلتي أزمات البلاد والتدابير المتسلسلة التي تتخذها السلطة النقدية.

بذلك، يصح الاستنتاج بأن الجهاز المصرفي انخرط فعلياً في مرحلة "تعايش" طويلة الأمد مع واقع الحال، بحيث تقتصر أغلب عملياته اليومية على صرف النقد وفقاً لجداول الحصص المتاحة للمودعين عبر استجرار السيولة بالليرة وبالدولار من البنك المركزي وطبقاً للمندرجات التي يصدرها في تعاميمه، اضافة الى تنفيذ المعالجات المتصلة بملفات التسليفات واطفائها كلياً أو جزئياً وأيضاً وفق المعايير التي تصدرها السلطة النقدية.

عموماً، ينضح اناء البيانات المصرفية المجمعة بما يزخر به من تفاعلات الأزمتين النقدية والمالية التي تواصل، ومن دون هوادة، تبديد الثروات الوطنية وتقويض مقومات القطاع المالي، والذي يعاني بحدة بالغة من التصدعات العميقة التي ألمت به ذات آذار/مارس من العام 2020 عقب إقدام حكومة الرئيس حسان دياب على اتخاذ قرار تعليق دفع موجبات سندات لبنان الدولية (يوروبوندز)، ما أفضى الى خروج عشوائي، للمالية العامة والقطاع المالي من الأسواق المالية الدولية، وهو ما كاد يتحوّل الى عزل مالي مكتمل، لولا بقية من رصيد ثقة وتعاملات مهنية ومحترفة مع شبكة البنوك المراسلة.

في الخلفيات، تبدو دلالات البيانات أشدّ قتامة بما لا يقاس مع ظاهرها، وهي مرشحة لدخول نفق "الآتي الأعظم" ربطاً بما تمّ تسريبه عن توجهات حكومة نجيب ميقاتي في مسألة توزيع أحمال الفجوة المالية المقدرة بنحو 69 مليار دولار، والتي سيتم على أساسها التفاوض مع صندوق النقد على برنامج التمويل المعلّق بدوره على خطة التعافي المتعثرة على مشابك المواقف الداخلية والشعبوية المألوفة.

فمن دون الافصاح عن المعايير الموجبة، تقضي الخطة الحكومية بتحميل المودعين نحو 55 في المئة من اجمالي الخسائر المحققة، أما آلية التنفيذ فتقضي فقط بتمكين أصحاب الودائع التي تقل قيمتها عن 150 ألف دولار من استرجاع قيمة ودائعهم بالدولار النقدي، انما مع تقسيط هذه الودائع على مدى 15 سنة، فيما تخضع بقية الشرائح لاقتطاعات واستبدالات ملزمة بأسهم مصرفية وسندات حكومية مربوطة بأصول الدولة. 

وريثما تنضج طبخة دس السم في ما تبقى من دسم الودائع في الجهاز المصرفي ورساميله، يظهر الرصد الحيادي للمؤشرات المحققة، انكماشات رقمية ونسبية في كل بنود الميزانيات المجمعة لا تحتاج الى شروحات كما هي مبينة في الجدول المرفق، مع التنويه بأن مقص التراجع طال أيضاً حسابات رأس المال للمصارف.

لكن الأهم بينها تقلص التسليفات الموجهة للقطاع الخاص من نحو 36 مليار دولار الى 27.7 مليار دولار، أي بنسبة 23.4 في المئة، اذ ينبغي التنويه بأن الفارق البالغ نحو 8.5 مليارات دولار، لم يدخل منه حقيقة سوى النذر القليل الى خزائن البنوك، ذلك ان السداد المسبق لكامل القرض أو السداد الشهري للأقساط يخضعان لتدبير إتاحة تسديد الجزء الأكبر من قروض الاستهلاك وبينها القروض السكنية بالسعر الرسمي لليرة او بدولار الودائع المصنفة "لولار" وغير القابلة للسحب أصلاً الا بعد تحرير حصة محددة منها وبالليرة حصراً وفق التعميم الرقم 153.