"الجنرالات" الذين يقدمون سلالم لأسعار النفط كي تواصل الصعود

  • 2022-01-31
  • 10:07

"الجنرالات" الذين يقدمون سلالم لأسعار النفط كي تواصل الصعود

  • أحمد عياش

في كل مرة ترتفع أسعار النفط في الأسواق العالمية، يسارع الخبراء الى تقديم تفسير، وأقرب مثال لدينا الآن هو عندما تخطى خام برنت هذا الاسبوع 90 دولاراً للبرميل، وذلك للمرة الأولى منذ 2014. وعلى الفور قدّم الخبراء تفسيراً لهذا الصعود الجديد في سعر البرميل وهو تمثل بالتوترات المتصاعدة في أوكرانيا والشرق الأوسط، ما يُهدد عرض السوق المشدودة أصلاً.

حسناً، اننا هنا نتحدث عن احداث أمنية والتي هي تمثل أسباباً جوهرية كي تغيّر من جدول الأسعار لجميع السلع، وليس سلعة واحدة، مثل النفط. ولا يزال الكثيرون منا على قيد الحياة، ليتذكروا ما حصل إبان الحرب العربية-الإسرائيلية العام 1973 وما تبعها من حظر لتصدير النفط ما تسبب بارتفاع الأسعار في غضون عام من نحو 12 دولاراً للبرميل الواحد الى 75 دولاراً.

من المألوف في مجال التوصيف استعمال "الجنرال"، عند الحديث عن ظروف ما، كالقول "جنرال الشتاء" لسرد ما يحدثه من آثار، غير إن الأمر، في ما يتصل بأسواق الطاقة حالياً، هناك حاجة لاستخدام كلمة "جنرالات" دفعة واحدة ما يوضح عملياً أحوال هذه الأسواق التي تشهد جملة تأثيرات دفعة واحدة، وربما في شكل غير سابق له في التاريخ. فلدينا حالياً، "جنرال الشتاء" الذي هو يمثل ظروفاً مناخية قاسية استثنائية كانت وراء التكهنات المبكرة في العام الماضي من سعر برميل النفط سيتجاوز عتبة المئة دولار، كما لدينا "جنرال كورونا ومتحوراته"، الذي ما زال منذ شتاء العام 2020، محرّك الاحداث العالمية إن لجهة ركود الأسواق، وإن لجهة انتعاشها، كما هي الحال اليوم. ولا داعي للشرح اكثر عما تعنيه "جنرالات النزاعات" التي تضغط الآن بقوة على مستويات عدة، بينها سعر برميل النفط.

والسؤال الذي سيبقى مطروحاً من الآن فصاعداً: ماذا يعني أن يظهر دفعة "كل الجنرالات؟"

لدينا اكثر من جواب. بداية ووفق وكالة رويترز، قالت مصادر عدة في أوبك بلس، إن المجموعة ستلتزم على الأرجح بالزيادة المخطط لها في مستوى إنتاج النفط المستهدف لشهر آذار/مارس المقبل، عندما تجتمع يوم الأربعاء المقبل، إذ تعتقد أن الطلب يتعافى برغم احتمالات التراجع التي تتسبب فيها الجائحة والحديث عن إمكان زيادة أسعار الفائدة.
وبينما قال مصدران من أوبك بلس، وفقاً للوكالة، إن سعر النفط الذي بلغ أعلى مستوى في سبع سنوات قرب 90 دولاراً للبرميل قد يدفع المجموعة إلى التفكير في خطوات أخرى، استبعدت أغلب المصادر اتخاذ قرار جديد في الاجتماع الذي يعقد عبر الإنترنت في الثاني من شباط/فبراير.
وبالإضافة الى  التوتر المتزايد في شرق أوروبا والشرق الأوسط وتنامي المخاوف من نقص المعروض، حقق المستثمرون ارباحاً قبيل قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي وبيانات مخزونات النفط الأميركية.

ماذا يحدث إذا قطعت روسيا الغاز الطبيعي في أوروبا؟ يسأل بي ستانلي ريد في النيويورك تايمز، مشيراً الى ان أوروبا هي عميل كبير للوقود الأحفوري في روسيا. ويساعد الغاز من الولايات المتحدة وأماكن أخرى في تعويض المخاوف من انقطاع منتصف الشتاء. ويقول إنه في ظل الحشود العسكرية الروسية بالقرب من حدود روسيا مع اوكرانيا، يدرس المسؤولون الغربيون ما سيحدث إذا قامت موسكو بقطع إمدادات الغاز والنفط تلك، في أعماق الشتاء في أوروبا، علماً ان المواجهة حول أوكرانيا تأتي في وقت غير مناسب، إذ ارتفعت اسعار الطاقة العالمية بالفعل لأن إمدادات النفط والغاز الطبيعي قد تخلفت عن استعادة الطلب من الوباء.

وفي أوروبا، تجذب الأسعار المرتفعة القياسية ناقلات الغاز الطبيعي من الولايات المتحدة وقطر وأماكن أخرى. وقال مسؤولون في البيت الابيض الثلاثاء الماضي إن المناقشات جارية للحصول على المزيد من الغاز الطبيعي الى القارة، ويبقى أن نرى ما إذا كان ذلك كافياً لنزع فتيل خطر انقطاع الطاقة.

ويسأل ريد مجدداً: لماذا تضررت أوروبا بشدة من أزمة الطاقة؟ ويجيب: تعيش أوروبا هذا الشتاء أزمة طاقة، مع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء، وقد بدأت هذه الأزمة عندما انخفضت مستويات تخزين الغاز بشكل كبير عن المعدل الطبيعي العام الماضي. ويتم تداول الغاز الطبيعي بنحو خمسة أضعاف سعره قبل عام. وعلى الرغم من أن الأسعار الآن تبلغ نحو نصف الذروة التي بلغتها في أواخر العام الماضي، إلا أنها أعلى بسبع مرات تقريباً من المستويات في الولايات المتحدة. ويتسبب ارتفاع أسعار الغاز بارتفاع تكاليف الكهرباء، ويهدد بزيادة كبيرة في فواتير المستهلكين، ويدفع بعض المصانع المتعطشة للطاقة مثل مصانع الأسمدة ومصاهر المعادن إلى إغلاق مؤقت.

أما السؤال التالي في تحقيق النيويورك تايمز، فهو: هل سيقطع بوتين إمدادات الطاقة حقاً؟ ويأتي الجواب، بحسب اعتقاد بعض المراقبين، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيكون حذراً من اتخاذ مثل هذه الخطوات الجذرية ضد أهم زبائنه، ومن شأن القيام بذلك أن يعرّض مصدراً رئيسياً للدخل للخطر.

وقال ديفيد غولدوين، المبعوث الخاص لشؤون الطاقة الدولية في إدارة أوباما: "في حين تعتمد أوروبا بشكل كبير على الغاز الروسي، تعتمد روسيا بشكل كبير على السوق الأوروبية ولا يمكنها بسهولة أن تحل محله".

من اوروبا الى آسيا، فقد أوردت رويترز من سنغافورة، ان مصادر تجارية قالت إن المملكة العربية السعودية، أكبر مصدّر للنفط، قد ترفع أسعار جميع درجات النفط الخام الذي تبيعه لآسيا في آذار/مارس بسبب الطلب القوي والهوامش الأقوى لوقود الغاز ووقود الطائرات.

وقد يرتفع سعر البيع الرسمي لشهر مارس للنفط الخام العربي الخفيف الرئيسي بنحو 60 سنتاً للبرميل عن الشهر السابق، وفقاً لسبعة مصادر تكرير استطلعت رويترز آراءها في الفترة من 25 إلى 26 كانون الثاني/يناير، ما سيمثل انتعاشاً بعد خفض قدره 1.10 دولار للبرميل في فبراير.

وتأتي الارتفاعات المتوقعة في الأسعار لإمدادات شهر مارس بعد أن تعززت معايير الشرق الأوسط هذا الشهر. وكان الطلب على النفط الخام في آسيا قوياً حيث ظلت هوامش المصافي ثابتة مع تأثير متغير فيروس أوميكرون التاجي على استهلاك الوقود العالمي حتى الآن. 

ومن المتوقع أن تدعم هوامش زيت الغاز القوية ووقود الطائرات ارتفاعات أكبر في الأسعار للدرجات الخفيفة مقارنة بالنفط الخام الأثقل، كما قال التجار. وعادة ما يتم إطلاق أسعار النفط الخام السعودي حوالي الخامس من كل شهر، فيحدد الاتجاه للأسعار الإيرانية والكويتية والعراقية، ما يؤثر على نحو 9 ملايين برميل يومياً من النفط الخام المتجه إلى آسيا.

بالعودة الى بداية هذا المقال، يبدو الآن مفهوماً اكثر ماذا يعني ان يكون هناك أكثر من "جنرال" بمعنى العامل المؤثر في تفسير هذا التطور المتسارع في أسعار النفط. إن كل "جنرال" من هؤلاء على حدة كفيل بتغيير دفة هذه الأسعار، فكيف الحال ونحن اليوم تحت وطأة جملة "جنرالات" دفعة واحدة؟