السعودية تدشن رسمياً في مؤتمر التعدين الدولي فتح كنوزها المعدنية للاستثمارات العالمية

  • 2022-01-06
  • 09:40

السعودية تدشن رسمياً في مؤتمر التعدين الدولي فتح كنوزها المعدنية للاستثمارات العالمية

قانون صديق للمستثمرين وقاعدة بيانات مفتوحة وتكلفة تنافسية للطاقة وتسهيلات تحرك شهية الشركات

  • رشيد حسن

 

تستعدّ المملكة العربية السعودية وعبر "مؤتمر التعدين الدولي" في الرياض لما يمكن اعتباره الافتتاح الكبير لدورها الجديد كلاعب أساسي في سوق الثروات المعدنية في العالم. وتكفي نظرة إلى لائحة المتحدثين الخمسين من السعودية ومختلف أنحاء العالم للتأكيد على الأهمية الكبيرة التي تعطيها السعودية للحدث الذي تريد أن يركز انظار المستثمرين في العالم على الإمكانات الضخمة لقطاع الثروات المعدنية السعودية وكذلك على استكمال المملكة للإصلاحات والتطويرات كافة التي تعزز جاذبية هذه الثروات للشركات العالمية وللمستثمرين من السعودية ومن خارجها.

 

مخزونات التانتالوم وعدد كبير من المعادن النادرة 

تعزز الأهمية الاستراتيجية للمملكة في المنافسة العالمية

 

ومن العناصر التي دفعت السعودية إلى تنظيم حدث عالمي حول التعدين، التطورات التي شهدتها الأسواق العالمية للمعادن وأظهرت الأهمية المتعاظمة لبعض المعادن "النادرة" للصناعات التكنولوجية ورقائق الكمبيوتر وألواح الطاقة الشمسية وتوربينات طاقة الرياح وصناعة بطاريات الليثيوم.  ولأن المملكة تحتوي على مخزونات ضخمة من هذه المعادن، فقد زاد ذلك اهتمام الأسواق العالمية التي تنظر بقلق إلى تركز المخزونات التجارية من المعادن النادرة ذات الأهمية الاستراتيجية في بلد مثل الصين، وأدركت السعودية لذلك أن بين يديها ثروات مهمة غير الذهب والفضة يمكن أن تجعل منها قوة وازنة في سوق المعادن العالمية. 

دور شركة "معادن"

وكانت الحكومة السعودية بدأت التركيز على قطاع الثروات المعدنية في العام 1997 عندما قام صندوق الاستثمارات العامة بتأسيس شركة معادن برأس مال 2.46 مليار دولار لتصبح في ما بعد القاطرة الرئيسية لتطوير قطاع الثروة المعدنية في المملكة. وكرست رؤية المملكة 2030 خيار تطوير القطاع الواعد، إذ اعتبرته الركيزة الثالثة بعد النفط والبتروكيماويات للاقتصاد السعودي ومكوناً أساسياً في خطة تنويع الاقتصاد، وحددت الخطة بين أهم أهدافها رفع مساهمة قطاع الثروة المعدنية في الاقتصاد غير النفطي إلى نحو 69 مليار دولار بحلول العام 2030 (في مقابل مساهمة قدرت بنحو 21.3 مليار دولار في العام الماضي) لكن المملكة قررت ملاقاة الاهتمام العالمي المتزايد بقطاع المعادن عبر الإسراع باستعجال الإصلاحات في بيئة الاستثمار وتهيئة القطاع لكي يتحول إلى نقطة جذب للمستثمرين من مختلف أنحاء العالم.

برنامج وطني واستثمارات ضخمة

وأعلنت الحكومة السعودية في العام 2019 تدشين العمل بالبرنامج الوطني للثروة المعدنية باعتباره أحد برامج التحول الوطني الـ 13 التي حددتها رؤية 2030، كما أطلقت منصة إلكترونية باسم "تعدين" بهدف تسهيل إصدار تراخيص التعدين وتوفير قاعدة بيانات مفتوحة تمكن المستثمرين من استكشاف الفرص والتقدم للمنافسة على التراخيص.   

وفي سبتمبر من العام نفسه أعلنت الحكومة السعودية عن إنشاء وزارة خاصة لقطاعي الصناعة والثروة المعدنية من خلال فصل هذين النشاطين عن وزارة الطاقة وعين على رأس الوزارة الجديدة  بندر الخريف الذي جاء مع خبرة واسعة اكتسبها من عمله في القطاع الخاص، واستكملت الوزارة الجديدة استقلالها عن وزارة الطاقة في يناير 2020.

ودعمت السعودية خطتها لتفعيل قطاع الثروات المعدنية باستراتيجية متكاملة لتطوير بنية تحتية متقدمة يمكنها تأمين الوصول السهل إلى مواقع التعدين واستغلال الخامات كافة، بما في ذلك إنشاء خط حديدي بطول 1300 كلم وبتكلفة تقدر بنحو 3-4 مليارات دولار بهدف تأمين الربط اللوجيستي بين مناطق الشمال السعودي والمناطق الجنوبية.

واستثمرت السعودية  نحو 40 مليار دولار في بناء سلاسل قيمة متكاملة في قطاع المعادن وغالباً بالشراكة مع القطاع الخاص. وبالإضافة إلى مناجم الذهب والفضة، تم إنشاء منجم لاستخراج الألمنيوم وأخرى لاستخراج الفوسفات، وساعد ذلك في دفع المملكة لتصبح ثالث أكبر منتج للأسمدة في العالم، وعقدت شراكات مهمة مع شركات تعدين دولية في قطاعات عديدة مثل الذهب والبوكسايت والفوسفات.

 

البترول الآخر

وتراكمت خلال المدة السابقة التقارير والدراسات التي تبين الحجم الهائل للثروات المعدنية التي تحتوي عليها المملكة العربية السعودية في مختلف مناطقها الجغرافية، ومن ذلك احتواء المملكة على نحو 20 مليون أونصة من الذهب وبعض أكبر الاحتياطات في العالم من خام الفوسفات ومادة التانتالوم tantalum  وعدد كبير من المعادن المهمة لصناعة السيارات والطائرات وصناعة ألواح ومعدات الطاقة الشمسية وصناعات النفط والغاز.

وتحتوي المناطق الوسطى والشرقية للمملكة على كميات ضخمة من البوكسايت إضافة إلى الفضة والزنك والنحاس والماغنسيت والكوالين، وهناك نحو 40 نوعاً من الخامات المعدنية أو الصخرية التي تم تحديدها مثل البنتونيت  والنحاس والدولومايت ووالفيلدسبار والغرانيت والغرافيت والجفصين ورمل السيليكا الممتازة والمغنيزيوم والرخام والأوليفين والبوزولان والصوف الحجري والزيولايت وغيرها، وقد تم تحديد ما لا يقل عن 15 معدناً تتمتع باحتياطات كبيرة للاستغلال التجاري، كما تم تعيين نحو 1,273 موقع للمعادن الثمينة و1,171 موقع للمعادن غير الثمينة.  وعملت المملكة خلال العام 2020 على استكمال نحو 50 دراسة جدوى أولية للاستثمار في الثروة المعدنية وذلك كجزء من برنامج تطوير القطاع.

الجدير بالإشارة أن قسماً كبيراً من الثروة المعدنية للمملكة ومناطق شاسعة منها ما زالت غير مستكشفة بعد، مما يشير إلى أن الثروات المعدنية المتوافرة قد تكون أضخم كماً وأكثر تنوعاً وربما حملت السنوات المقبلة اكتشافات جديدة في هذا المجال.

الصراع على المعادن النادرة

اكتسبت الثروات المعدنية للمملكة العربية السعودية أهمية مضاعفة مؤخراً مع تسليط الضوء على الصراع الدولي المحتدم على ما يسمى بالمعادن النادرة Rare earth metals وهي عبارة عن 17 معدناً تعتبر حيوية لصناعة رقائق الكمبيوتر وبعض القطع الدقيقة للسيارات وبطارياتها وأنظمة الإضاءة بتقنية الـ Led والألواح الشمسية وتوربينات طاقة الرياح وغيرها، وأدى التوجه الشامل نحو الطاقة البديلة إلى زيادة الطلب أضعافاً على المعادن والخامات النادرة التي يعاني العالم أصلاً نقصاً كبيراً فيها مما سيدفع حسب الخبراء إلى مضاعفة الطلب عليها كل 15 عاماً لتلبية الطلب العالمي. وارتدى موضوع المعادن النادرة بعداً جيوبوليتيكيا بسبب تحول الصين إلى المصدر المسيطر على إمداداته في العالم، وعلى سبيل المثال، فإن نحو 97 في المئة من احتياجات الصناعة الأميركية من المعادن النادرة ستغطّى هذا العام من الصين، وقد دفع هذا الوضع الولايات المتحدة إلى البدء في عقد معاهدات مع دول غربية أخرى بهدف تنسيق الجهود لتأمين مصادرها الخاصة من المعادن النادرة، ومن هنا أيضاً يمكن للمملكة العربية السعودية أن تصبح مصدراً مهماً للمعادن النادرة خصوصاً بسبب احتوائها على عدد كبير من الخامات اللازمة لإنتاج بعض أهم هذه المعادن مثل الغرافيت ثم التانتالوم الذي يعتبر معدناً نادراً وحيوياً لصناعة رقائق الكمبيوتر إذ يستخدم في عزل شبكة خيوط النحاس التي تربط الموصلات العديدة داخل الرقاقة، ولا يمكن حسب الخبراء لأي رقاقة كمبيوتر أن تعمل من دون التانتالوم.

والحال فإن المعطيات الجيولوجية تشير إلى احتواء السعودية على أحد مخزونات التانتالوم الكبرى في العالم، علماً ان الدول التي تقود حتى الآن إنتاج التانتالوم هي رواندا والكونغو الديمقراطية ونيجيريا لكن السعودية تمتلك حسب خبراء الصناعة احتياطات ضخمة ستحولها في وقت غير بعيد إلى مصدر كبير لهذا المعدن.

دور قيادي لـ "معادن"

تعتبر معادن السعودية (المملوكة بأكثرية أسهمها من صندوق الاستثمارات العامة الحكومي) القاطرة الفعلية لتطوير الثروة المعدنية في المملكة العربية السعودية ويمكن تشبيه دورها في نطاق الثروة المعدنية بدور سابك في نطاق الصناعات البتروكيماوية، كما تعتبر من بين أسرع شركات التعدين نمواً في العالم كما صنفت من بين أفضل خمس شركات تعدين على مستوى العالم من حيث الأداء وذلك ضمن تصنيف لأفضل 50 شركة تعدين في العالم أعدته مجموعة متخصصة في صناعات التعدين. وبفضل هذه النشاطات الضخمة تحولت معادن إلى لاعب رئيسي في تنويع الاقتصاد السعودي وفق رؤية المملكة 2030، وسارعت معادن منذ تأسيسها للعمل في أربعة مجالات رئيسية هي الذهب والفوسفات والألمنيوم والمعادن الصناعية، وتميزت الشركة بتحقيقها لإنتاج من الذهب يقدر بنحو 11 طناً سنوياً، كما تميزت في إنتاج الفوسفات والأسمدة الفوسفاتية بالشراكة مع شركتي "سابك" و"موزاييك" الأميركية ثم في إنتاج  البوكسايت والألمنيوم بالشراكة مع شركة ألكوا الأميركية، وتم استثمار نحو 10.4 مليارات دولار في بناء أكبر مجمع متكامل لإنتاج الألمنيوم في العالم، وقامت الشركة بتأسيس شركة "المعادن الصناعية" بهدف استغلال ثلاثة من المعادن الصناعية هي: البوكسايت منخفض التركيز، والكاولين، والمغنيزيا الكاوية.

وتمّ في العام 2008 تخصيص شركة معادن لتصبح شركة مساهمة عامة مدرجة في البورصة وقادرة بالتالي على لعب دور الشريك المناسب للاستثمارات المحلية والأجنبية في قطاع الثروة المعدنية السعودية.

الحاجة ماسة إلى الاستثمارات

رغم الطاقات الهائلة التي يوفرها قطاع التعدين السعودي، فالمعروف أيضاً أنه من القطاعات الأكثر تطلباً للإنفاق الرأسمالي الضخم والاستثمار في التكنولوجيا الحديثة وتقنيات معالجة الخامات، كما إنه في حاجة لاستقطاب الخبرات الصناعية والمشورة  الهندسية المتخصصة وإلى استثمارات من المعدات الضخمة المتخصصة كما يحتاج إلى أنظمة تدريب وتأهيل وبناء المهارات وسلاسل القيمة عبر مختلف مراحل الإنتاج. ولهذا السبب، فإن نجاح الخطط السعودية في تطوير القطاع يتوقف إلى حد كبير على قدرة المملكة على استقطاب هذه المكونات مجتمعة بالشراكة مع الشركات العالمية القيادية في سلسلة انتاج هذه المعادن واستخراج المزيد من القيمة المضافة منها محلياً.

عوامل مؤاتية

تنعقد قمة مستقل المعادن في السعودية في ظروف مؤاتية جداً  تتمثل خصوصاً بالتحولات الكبرى التي حققتها المملكة من العام 2016 عبر رؤية المملكة 2030 والتي تناولت تحرير الاقتصاد وتطوير البنى التحتية واللوجيستية وتحديث القوانين وتحرير النشاط الاقتصادي وفتح الأبواب للاستثمارات الأجنبية وإنشاء إحدى أسواق المال الأكثر تطوراً  وشفافية في الأسواق الناشئة. وقد بات الاقتصاد السعودي يحتل المرتبة الرابعة بين أكثر الاقتصادات استقراراً في العالم حسب مؤشرات البنك الدولي، وقد استثمرت السعودية بسخاء في تطوير البنية التحتية لقطاع الثروة المعادن وقارب إجمالي الاستثمارات في القطاع الـ 50 مليار دولار مع 1700 رخصة استكشاف حتى الآن تغطي نحو 73,000 كلم مربع، حسب وزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريّف. وتم استثمار نحو 25 مليار دولار في مصانع لمعالجة وتكرير الخامات. وتؤمن السعودية بيئة داعمة للمستثمرين كما إنها تتميز بأسعار للطاقة هي بين الأدنى في العالم كما إنها توفر قاعدة بيانات جيولوجية متقدمة جداً ومفتوحة لجميع المهتمين بالاستثمار في قطاع الثروة المعدنية السعودي وهي توجت كل ذلك بتحديث قانون الثروة المعدنية ليصبح بين القوانين الأكثر ملاءمة للمستثمرين المحليين والأجانب، كما إنها أيضاً منافذ مصادر تمويل وشراكة مع القطاع الخاص (عبر شركة "معادن" وغيرها) ومنافذ عديدة للأسواق المحيطة في الخليج والشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا.

نوجز بالقول إن كل ما سبق يرسي الدعائم الضرورية لنمو متسارع في قطاع الصناعات المنجمية السعودية كما يعزز التوقعات بأن تلعب الاستثمارات الأجنبية ودخول الشركات العالمية دور المحرك الأهم في مراحل تطوره المقبلة. 

للإطلاع على: إصلاحات قانون الاستثمار في الثروة المعدنية السعودي