بزوغ عصر الاقتصاد الرقمي في الشرق الأوسط

  • 2021-12-24
  • 18:00

بزوغ عصر الاقتصاد الرقمي في الشرق الأوسط

  • ستيفن يي

رئيس هواوي في الشرق الأوسط ستيفن يي

حققت دول الشرق الأوسط خطوات مهمة على طريق بناء الاقتصاد الرقمي في ظل اقترابنا من نهاية العام الحالي. وتجري العديد من عمليات الاتصال يومياً في المنطقة سواء بين الأشخاص أو المؤسسات أو الآلات، ويمكن توفير الاتصال الفائق والذي يعتبر من المقومات الرئيسية للاقتصاد الرقمي في العصر الجديد من خلال الاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية الرقمية.

ونظراً إلى أن تطور الاتصال لا يأتي مصادفة وإنما هو ثمرة للجهود التي تبذلها الأطراف الفاعلة في القطاع من أجل وضع أسس التحول الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة التي شهدت تراجعاً في الاعتماد على موارد النفط والغاز بعد أن اعتمدت عليها بشكل أساسي في الماضي لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتزايدت جهود التنويع الاقتصادي في دول المنطقة مثل المملكة العربية السعودية، أكبر اقتصاد في منطقة الخليج وأكبر مصدّر للنفط على المستوى العالمي، حيث وضعت الدولة خطة لزيادة حصتها من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي من 16 في المئة في العام 2016 إلى 50 في المئة بحلول العام 2030، كما وضعت العديد من الدول رؤى مماثلة تركز على تنمية القطاعات غير النفطية لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق قيمة أكبر وتوفير المزيد من فرص العمل.

أدركت حكومات الشرق الأوسط دور الاقتصاد الرقمي في تحويل جميع القطاعات وركزت على تقنية المعلومات والاتصالات في استراتيجيات التنمية والرؤى الوطنية قبل تفشي الجائحة. وتعتمد المؤسسات العامة والخاصة على البنية التحتية الرقمية لتحقيق قيمة جديدة، حيث قدرت شركة "أوكسفورد إيكونوميكس" أن الاعتماد على التقنيات الرقمية الذكية ساهم في رفد الاقتصاد بنحو 2 تريليون دولار في العام الماضي، ونتوقع بدورنا أن يتم تحقيق أرقام أكبر في الأعوام المقبلة، ولاسيما في ظل تزايد جهود التحول الرقمي في مرحلة بعد الجائحة.

وستؤدي الاستخدامات العملية المتزايدة للجيل الخامس دوراً أساسياً في تعزيز هذه المكاسب في العام المقبل وتوفير البنية التحتية النظيفة لتقنية المعلومات والاتصالات وتنمية المواهب الرقمية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

 

الانطلاق من الشبكات

حقق الشرق الأوسط تقدماً كبيراً في اعتماد التقنيات الرقمية على مدار العقد الماضي، حيث وضعت المؤسسات في المنطقة إطلاق شبكات الجيل الخامس في مقدمة أولوياتها. وجاء العديد من مشغلي الاتصالات في مقدمة الشركات التي تعتمد على التقنيات الحديثة على المستوى العالمي، ومن المتوقع أن يتجاوز عدد مشتركي الجيل الخامس في دول مجلس التعاون الخليجي 10 ملايين مشترك بحلول نهاية العام الحالي.

 

ولتعزيز استثمارات الجيل الخامس ينبغي إدراك أن دور الجيل الخامس لا يقتصر على الاتصالات فحسب، بل يشمل العديد من القطاعات، وبالتالي فإن الخطوة المقبلة هي تطوير الجيل الخامس المخصص للمؤسسات - أي الاعتماد على الجيل الخامس في جميع القطاعات - ولاسيما وأن تفشي الجائحة ساهم في دفع عجلة التحول الرقمي وزيادة الاعتماد على الإنترنت لتنفيذ الأعمال.

وتؤدي شبكات الجيل الخامس دوراً أساسياً في دعم الاقتصادات المحلية وتوفير فرص العمل وتحقيق التحول في مختلف القطاعات، حيث يتزايد الاعتماد على شبكات الجيل الخامس في المنطقة لمواكبة الثورة الصناعية الرابعة وتوفير خدمات المدن الذكية وغيرها، كما اجتازت استخدامات الجيل الخامس في التصنيع والتعدين والموانئ المرحلة التجريبية ويتم نشرها على نطاق واسع. ويسهم الجيل الخامس في تحقيق التنمية الاجتماعية والتقدم من خلال تعزيز التعليم والرعاية الصحية وتوفير الاتصال للجميع. وتشير تقديراتنا إلى أن هناك 10000 مشروع لاستكشاف استخدامات الجيل الخامس في الأعمال بين المؤسسات في جميع أنحاء العالم.

 

ونظراً إلى أن استخدامات الجيل الخامس أكثر تعقيداً من سيناريوهات المستهلكين، يجب على مشغلي الاتصالات مواصلة تحسين قدرات الشبكة مثل نقاط الاتصال ووظيفة تحديد الموقع وأجهزة الاستشعار لتمكين السيناريوهات المخصصة للمؤسسات والتي تعتمد على الجيل الخامس للمساهمة في دفع عجلة الاقتصاد الرقمي، كما ينبغي أن يعمل موفرو الخدمات على تعزيز دورهم لتمكين التحول الرقمي، فيما يمكن لمشغلي الاتصالات توفير الخدمات السحابية والأنظمة المتكاملة وغيرها بالإضافة إلى توفير الاتصال من أجل تنمية القدرات اللازمة. وأخيراً، يجب وضع معايير مخصصة للاتصالات من أجل تعزيز الاعتماد على الجيل الخامس في مختلف القطاعات.

 

التركيز على الاستدامة

في ظل نشر البنية التحتية الأساسية مثل الجيل الخامس في المنطقة، تبرز أهمية الاستدامة في تحسين البنية التحتية التقنية لبناء اقتصاد رقمي مزدهر، وأكد مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي والذي عُقد في غلاسكو الإسكتلندية على ضرورة التخلص من الانبعاثات الكربونية ودور التكنولوجيا في تحقيق هذه الأهداف. ووفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي، ستسهم تقنية المعلومات والاتصالات في الحدّ من الانبعاثات بنحو 12.1 مليار طن بحلول العام 2030 أي أكبر بـ 10 مرات من الانبعاثات الناتجة عن قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات.

 

وفي حلول العام 2030، ستدخل البشرية عصر البيانات التي تقاس بواحدة اليوتابايت (كل 1 YB يساوي 1000 ZB). وسيصل حجم البيانات الجديدة التي يتم إنتاجها في جميع أنحاء العالم إلى 1.003 زيتابايت أي أكبر بعشرين مرة مقارنة بالعام الماضي، وبالتالي سيؤدي نقل البيانات إلى زيادة التحديات التي تواجه استهلاك الطاقة في البنية التحتية لتقنية المعلومات والاتصالات. وتشير تقديرات "اقتصاد البيانات" إلى أن مراكز البيانات قد تستهلك (1/5) من الطاقة على المستوى العالمي في حلول العام 2025.

 

وتؤدي الحوسبة السحابية دوراً رئيسياً في بناء الاقتصاد الرقمي، ولاسيما وأن العديد من الوظائف اللازمة لتحقيق التحول الرقمي لا تتوفر إلا كتطبيقات تعتمد على الحوسبة السحابية والتي توفر موارد ثابتة للبيانات والتطبيقات وتمتاز بأعلى مستويات الاستجابة ويمكن نشرها على نطاق واسع. ونظراً الى الاعتماد المتزايد على الحوسبة السحابية والتقنيات الرقمية، وفّرت العديد من الدول المرافق المخصصة لمراكز البيانات في ظل التوقعات التي تشير إلى نشر المزيد من مراكز البيانات.

 

تسلط هذه الحقائق الضوء على ضرورة توفير بنية تحتية نظيفة وذكية وتتمتع بالكفاءة لتقنية المعلومات والاتصالات من أجل تعزيز دور الموارد مثل مراكز البيانات في تحقيق الاستدامة والحدّ من انبعاثات الكربون للمساهمة في بناء الاقتصاد الرقمي. ومن خلال الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي وإلكترونيات الطاقة، يمكننا الحد من استهلاك الطاقة في مراكز البيانات من 1.45 إلى 1.2 مما يسهم في تعزيز القدرات التنافسية بشكل كبير.

 

تنمية المواهب المستقبلية

في ظل التطور الذي تشهده البنية التحتية التقنية والحاجة إلى إدارة الاستدامة، تبرز قضية مهمة تعتبر من المقومات الأساسية للاقتصاد الرقمي وهي: تنمية المواهب. وتتوفر في الوقت الحالي المعلومات اللازمة للمؤسسات لكي تتمكن من إطلاق إمكانات الاقتصاد الرقمي، إلا أنها تواجه مشكلة في توفير الكوادر المؤهلة حيث كشفت الدراسات التي أجريت على مدار الأعوام الماضية أن أكثر من 50 في المئة من المسؤولين في المؤسسات واجهوا صعوبات في توظيف المواهب الذين يتمتعون بالمهارات الرقمية اللازمة.

 

وتدرك جميع دول المنطقة أن تنمية المهارات هي من المقومات الأساسية للاقتصاد الرقمي. وفي الإمارات العربية المتحدة، أطلقت الحكومة البرنامج الوطني للمبرمجين من أجل تعزيز مكانة البلاد كوجهة مفضلة للمبرمجين والمبتكرين على المستوى العالمي في المستقبل. ويهدف البرنامج إلى توفير التدريب وجذب 100000 مبرمج وتأسيس 1000 شركة رقمية خلال خمسة أعوام، كما أنشأت الحكومة الإماراتية أول جامعة بحثية توفر شهادات الدراسات العليا في الذكاء الاصطناعي على المستوى العالمي وهي جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي. أما في المملكة العربية السعودية، فتركز الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي على تنمية المهارات وزيادة عدد المتخصصين في البيانات والذكاء الاصطناعي والخبراء التقنيين إلى 20000 متخصص ورفع مستوى المعرفة عند القوى العاملة إلى 40 في المئة، كما توجد العديد من الأمثلة الأخرى لهذه الجهود في دول مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط.

 

وتشمل عملية ردم فجوة المهارات الرقمية العديد من المراحل، حيث تستثمر المؤسسات الرقمية في التقنيات الحديثة مثل تشغيل العمليات آلياً بالاعتماد على الروبوتات والذكاء الاصطناعي وقدرات تعلم الآلة لتخفيف الضغوطات التي يواجهها أصحاب المواهب التقنية. كما تسهم استثمارات القطاع العام في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات – بما فيها البرامج المخصصة للمبرمجين والذكاء الاصطناعي وغيرها - في تصميم نموذج جديد لمشاركة المعرفة من أجل مواكبة العصر الرقمي. ويبرز دور الشركات التقنية في النظام الإيكولوجي لتقنية المعلومات والاتصالات للمساهمة في تنمية المواهب، حيث تنظم هواوي العديد من البرامج بالتعاون مع القطاع العام لتعزيز المهارات الرقمية مثل مبادرة بذور من أجل المستقبل ومسابقة تقنية المعلومات والاتصالات السنوية وأكاديمية تقنية المعلومات والاتصالات وغيرها، مما يسهم في تعزيز قدرات المشاركين في هذه البرامج وإعدادهم للمساهمة في تنمية الاقتصاد الرقمي في المنطقة.

 

نموذج اقتصادي جديد

نشر استخدامات الجيل الخامس والبنية التحتية النظيفة لتقنية المعلومات والاتصالات وتنمية المواهب الرقمية في الشرق الأوسط هي من المقومات الرئيسية للاقتصاد الرقمي. وتزايدت أهمية هذه العوامل في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى، حيث أصبحت مجتمعاتنا أكثر اتصالاً واستقلالية. ونظراً إلى أن هذه القوى الثلاث توفر نموذجاً اقتصادياً جديداً في الشرق الأوسط، فإن ازدهار الدول سيعتمد على مواصلة التعليم والابتكار ونشر التقنيات الحديثة.

 

وتتمتع هواوي بالعديد من المزايا وبالخبرة الكافية للمساهمة في تعزيز ابتكارات الاقتصاد الرقمي، وتعمل الشركة على زيادة الاستثمارات في البحث والتطوير والتي تجاوزت قيمتها 110 مليارات دولار على مدار العقد الماضي، كما نستثمر في برامج الابتكار المشتركة - بما فيها العديد من المبادرات في الشرق الأوسط - بالتعاون مع الحكومات والمؤسسات الأكاديمية وشركائنا من القطاع الخاص. وعلى مدار أكثر من 20 عاماً، دعونا إلى اعتماد نهج مفتوح للابتكار مع التركيز على تعزيز التعاون بين الأطراف الفاعلة في القطاع التقني وتبادل الخبرات مع مختلف دول الشرق الأوسط والعالم. 
ومن خلال التعاون المفتوح على تحقيق النجاح المشترك، لن تسهم هذه الجهود في تحقيق التنمية الاجتماعية عند الفئات المحرومة فحسب، بل ستسهم في تعزيز القدرة التنافسية الاقتصادية وتوفير فرص العمل ودفع عجلة التنمية المستدامة.