شخصية العام 2021 وفي الأعوام المقبلة: برميل النفط

  • 2021-12-31
  • 10:59

شخصية العام 2021 وفي الأعوام المقبلة: برميل النفط

  • أحمد عياش

يطوي العام 2021 الميلادي صفحاته، ويخلي الساحة أمام سنة جديدة ما زالت اوراقها طيّ الكتمان، لكن هذا الكتمان لا يعني جهلاً كاملاً بما سيواجهه العالم في العام الجديد، لأن العام 2021 سيترك بصماته الواضحة، ليس فقط في الشهور وإنما لأعوام مقبلة ولاسيما في مجال الطاقة.

تحت عنوان "العالم في المستقبل 2022"، أصدرت مجلة "الايكونوميست" تقريراً شاملاً عن التوقعات في شتى المجالات. وفي هذا العدد، ورد مقال حول "الاستثمار في الطاقة". وقد جاء فيه: "السياسيون والمستهلكون والشركات في رحلة اكتشاف حول تغير المناخ وتجارة الطاقة، وقد اتسمت المرحلة الأولى، في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، باللامبالاة، وانطوت المرحلة الثانية، في السنوات القليلة الماضية، على وضع أهداف مثالية لخفض الانبعاثات في المستقبل لا تكلف الكثير اليوم. وفي العام 2022، ستبدأ المرحلة الثالثة من الرحلة، وسط أسعار طاقة متقلبة بشكل خطير، ومخاوف من التضخم الأخضر، وارتفاع المخاطر الجيوسياسية، وسوف يتطلب الأمر واقعية بشأن المهمة المقبلة".

عندما نتحدث عن الطاقة، تطل المملكة العربية السعودية كمكان نموذجي لمعرفة مسار هذا القطاع، وقد جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، في آخر أيام العام الراحل، خلال افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة الثامنة لمجلس الشورى، كي ترسم اتجاهات هذا القطاع. ومما قاله العاهل السعودي: "تؤكد المملكة أن استقرار السوق البترولية وتوازنها، هو من ركائز استراتيجيتها للطاقة، لإيمانها بأن البترول عنصر مهم لدعم نمو الاقتصاد العالمي، وهي حريصة على استمرار العمل باتفاق "أوبك بلس"، لدوره الجوهري في استقرار أسواق البترول، كما إنها تؤكد على أهمية التزام جميع الدول المشاركة بالاتفاق". وأبدى ثقته بأن "الأحداث أثبتت بُعد نظر المملكة ونجاح سياستها البترولية، التي تتمثل في تطويرها المستمر لقدراتها الإنتاجية، واحتفاظها الدائم بطاقة إنتاجية إضافية ظهرت أهميتها للحفاظ على أمن إمدادات الطاقة".

وتأتي هذه المواقف من رأس الهرم في بلد يحتل الموقع القيادي في سوق الطاقة، ليعطي قوة لما اتفقت عليه في شهر كانون الأول/ديسمبر، منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها، ومن ضمنها روسيا، على التمسك بالسياسات الحالية المتمثلة في الزيادات الشهرية في إنتاج النفط على الرغم من المخاوف من أن إفراج الولايات المتحدة عن احتياطات النفط الخام وظهور متحور أوميكرون قد يؤديان إلى انهيار أسعار النفط الجديدة.

ولم تتأخر تعاملات آخر السنة في إظهار قوة موقف الدول المصدرة للنفط، عندما ارتفعت أسعار النفط مقتفية أثر صعود واسع النطاق في الأسواق العالمية، وتخطت حاجز الـ 80 دولاراً للبرميل. وقد جاء ارتفاع أسعار النفط بعد بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، التي أوضحت أن مخزونات النفط الخام والبنزين ونواتج التقطير في الولايات المتحدة هبطت الأسبوع الماضي. وأوردت وكالة "رويترز" ما قاله جيفري هالي، كبير محللي السوق في شركة أواندا للوساطة في مذكرة: "ارتفعت أسعار النفط بين عشية وضحاها بفضل الانخفاضات الأكبر من المتوقع في مخزونات النفط الخام والبنزين في الولايات المتحدة وتراجع أعصاب الفيروس".

في المقابل، بقيت أعين صنّاع القرار في الدول المصدّرة للنفط مفتوحة كي لا يستدرجها إغراء ارتفاع الاسعار مجدداً كما حصل في الأشهر القليلة الماضية. فقد  ذكر نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، أن مجموعة "أوبك بلس" لكبار منتجي النفط تقاوم دعوات من واشنطن لزيادة الإنتاج لأنها لا تريد الحيد عن سياستها. وضغطت الولايات المتحدة مراراً على "أوبك بلس" لتسريع زيادات الإنتاج مع ارتفاع أسعار البنزين في الولايات المتحدة وتراجع شعبية الرئيس جو بايدن. وفي مواجهة رفض "أوبك بلس"، قالت واشنطن في تشرين الثاني/ نوفمبر، إنها ومستهلكين آخرين سيسحبون من احتياطاتهم الاستراتيجية من الخام.

ولدى سؤاله عن سبب رفض "أوبك بلس" الدعوات الأميركية، ذكر نوفاك، أن لدى المجموعة رؤية طويلة المدى. وقال لمؤسسة "آر بي سي" الإعلامية: "نعتقد أنه سيكون من المناسب بالنسبة للسوق أن يظهر في المدى المتوسط كيف سنزيد الإنتاج مع تنامي الطلب"، وتوقع ارتفاع الطلب العالمي على الخام بنحو أربعة ملايين برميل يومياً العام المقبل بعد زيادة تصل إلى خمسة ملايين برميل يومياً هذا العام، وأفاد بأن سعراً للنفط ما بين 65 و80 دولاراً للبرميل سيكون مناسباً العام المقبل.

ومن المقرر ان تجتمع منظمة "أوبك بلس"، يوم  4 كانون الثاني/ يناير المقبل لتقرير ما اذا كانوا سيواصلون زيادة الانتاج في شباط/ فبراير المقبل.

وسأل رامي رحيّم في تقرير لـ بي بي سي: هل دخلنا في عصر ما بعد النفط؟ وهل وصلنا الى تلك المرحلة المفصلية التي يصل فيها الطلب العالمي على النفط إلى ذروته ثم يأخذ بالانحدار الى غير رجعة، فتهتز دول تعتاش من الذهب الأسود؟ ويجيب مشيراً الى تقرير نشره معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة العام 2018 تحدث بشيء من السخرية إلى تباري المحللين والخبراء على تحديد تاريخ الذروة النفطية. هل هو في 2025، 2023، 2040؟ لكل من هؤلاء توقعه مرفقاً بحسابات وأطر تحليلية وبيانات تكاد لا تنتهي. أما بالنسبة إلى معدّي التقرير، فلا يمكن احتساب التاريخ الذي سيشهد ذروة الطلب على النفط، فهذا التاريخ، وفقاً للتقرير، هو ببساطة غير معروف، لأن أي تعديل بسيط بالمدخلات أو الافتراضات الأولية سيؤدي إلى اختلاف كبير في التقديرات والتوقعات." ويضيف التقرير: "احذروا العرافين الذين يدعون معرفة من هذا النوع". ويخلص الى القول: "إن هذا التاريخ غير مهم أصلاً، لأن ما سيأتي بعد الذروة النفطية لن يكون انهياراً مدوياً لقطاع النفط، بل يبدو السيناريو الأكثر ترجيحاً هو استمرار الطلب العالمي الكبير على النفط لعقود بعد الوصول إلى الذروة ليكون انحداره تدريجياً".

وهكذا نودع العام 2021 ونستقبل 2022 والعالم يتقبل هذا التطور غير المسبوق منذ سنوات في أسعار الطاقة، ولاسيما النفط. ويرسم الخبير النفطي وليد خدوري في "الشرق الاوسط" صورة وافيه لما آلت اليه احوال القطاع في العام المنتهية أيامه، فيقول: "أدى تقلص الاستثمارات في تخزين الغاز، كمحاولة لتقليص دور البترول في تحول الطاقة المستقبلي إلى إرباك الأسواق بزيادة كبيرة للطلب على النفط، وهذه صورة لما يمكن أن يحصل مرات أخرى مستقبلاً إذا لم يتم تدارك هذه السياسة، كما شكل العام 2021 تجربة مهمة في مسيرة تحول الطاقة، إذ برهنت على مدى أهمية الموارد الهيدروكربونية في سلة الطاقة، وضرورة إحلالها (الإنتاج الخالي من الانبعاثات) في سلة تصفير الانبعاثات مستقبلاً".

لا ضير في القول الآن، إن برميل النفط الذي ما مشدوداً الى سعر 100 دولار، هو شخصية عام ينصرم واعوام مقبلة. كل عام وانتم بخير.