الزراعة في لبنان: الأزمة تضيف عبئاً على أعباء

  • 2020-02-24
  • 11:30

الزراعة في لبنان: الأزمة تضيف عبئاً على أعباء

مرتضى: أزمة 30 عاماً لا تنتهي بأسابيع أو اشهر

  • رانيا غانم

.. وكأنه لم يكن ينقص القطاع الزراعي في لبنان سوى أزمة اقتصادية ونقدية تضيف إلى مشكلاته المتجذرة، جملة مشكلات أخرى. فالقطاع الذي لطالما عانى إهمالاً رسمياً شبه متعمّد، يرزح حالياً تحت وطأة أزمة معقدة يعزّز تأثيراتها السلبية سعر الدولار المتقلب الذي انعكس سلباً على فروع القطاع كافة.

إذن، حال القطاع ليست أفضل من حال المزارعين. مساهمته في الناتج الإجمالي المحلي تتراجع تدريجياً، إذ بلغت 3 في المئة في العام 2018 بعدما كانت 5 في المئة في 2013، وفقاً لتقرير الحسابات الوطنية الصادر عن إدارة الإحصاء المركزي. وهذا ما دفع بجهات نقابية ومعنية محلية وأخرى دولية إلى دق ناقوس الخطر، بالدعوة إلى ضرورة الالتفات إلى هذا القطاع الذي يعدّ واحداً من القطاعات الحيوية المهمة في لبنان.

 

 

وزير الزراعة عباس مرتضى: حماية الإنتاج في طليعة أولوياتنا

 

 

ثلثا الأراضي بور.. ومربو الماشية كبش محرقة

يؤدي النقص في الدولار وارتفاع سعره مقابل الليرة اللبنانية إلى تراجع قدرة موردي المنتجات الزراعية كالأسمدة والمبيدات والبذور عن استيراد حاجات ومتطلبات القطاع. وقد كانت تلك المؤسسات تفيد من التسهيلات المصرفية لاستيراد تلك المنتجات، لكنها باتت في أزمة بعد توقف المصارف عن تقديمها. وفي هذا السياق، يشير روفائيل دبانة، رئيس لجنة الزراعة في اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة اللبنانية إلى أن كبار منتجي المستلزمات الزراعية العالمية امتنعوا عن تسليم منتجاتهم إلى موردين لبنانيين بالدين، وبقيت قلة من الشركات الزراعية المحلية التي تملك القدرة على الاستيراد وبكميات ضئيلة. وقد دفع ذلك بالمزارعين إلى الامتناع من زراعة حقولهم. الامر الذي أدى، بحسب أمين عام العلاقات العامة في النقابات الزراعية علي شومان إلى تحوّل ثلثي الأراضي الزراعية في البقاع إلى أراضي جرداء (بور). يقول شومان: "لم يعمد صغار المزارعين حتى الآن إلى غرس بذور مثل البطاطا والبصل والخضار كالبندورة والخيار والحشائش التي ينبغي زراعتها خلال هذه الفترة"، مضيفاً: "لم يعد التجار يرضون بيعنا المنتجات بالأمانة، أي دفع ثمنها بعد بيع إنتاج المزارع. إذ يرفض جزء كبير منهم استلام الأموال بالعملة اللبنانية من المزارعين، ويريدونها حصراً بالدولار خوفاً من أن تخسر الليرة اللبنانية قيمتها".

إن تراجع قدرة الشركات الزراعية على الاستيراد من الشركات العالمية سيدفع التجار إلى تفضيل السعر على الجودة والنوعية واستيراد مبيدات وأسمدة زراعية بأسعار أدنى من الصين مثلاً. ويضيف دبانة: "سيتغير توجه بعض التجار من استيراد مستلزمات زراعية ذات نوعية جيدة إلى منتجات لا تستوفي أدنى الشروط والمواصفات العالمية وتترك ترسبات في المحاصيل". وفي هذه الحالة لن يتمكن المزارعون من تصدير منتجاتهم إلى الأسواق العالمية الحريصة على مطابقة المنتجات الزراعية للمواصفات والمعايير العالمية.

وهكذا فقد أدى النقص في المبيدات الزراعية أيضاً إلى ارتفاع أسعارها بنسبة 55 في المئة منذ تفاقم أزمة الدولار. ويقول ديب سرور، مزارع حمضيات وقشطة في علمان الشوف إن "هذا الواقع أدى إلى تآكل إيرادات المزارع، حيث باتت كلفة البستان أعلى من مردوده المالي"، مؤكداً ضرورة استخدام هذه المبيدات إذا أراد المزارع لبستانه الاستدامة. يضيف: "بات المزارع أمام خيارين، إما أن يشبع بستانه ويجوع أولاده، أو أن يجوّع بستانه ليشبع أولاده، وكلاهما صعب". ويعمد المزارعون عادة إلى اقتراض الأموال من تجار الحسبة للاهتمام ببساتينهم، على أن تقتطع من عائدات الإنتاج في نهاية الموسم، لكن قدرة هؤلاء على تمويل المزارعين تضاءلت أيضاً. أما المزارعون الذين ليس لديهم القدرة على شراء المبيدات الزراعية، فستتأثر إنتاجية بساتينهم والأشجار المثمرة، لأن عدم معالجة الأشجار من الآفات الزراعية يؤدي إلى تراجع إنتاجيتها بنسبة تتراوح بين 30 و40 في المئة، فضلاً عن أنه يؤثر على جودتها".

 

دبانة: الأزمة ستؤول إلى تراجع الإنتاج كماً ونوعاً

 

وبالإضافة إلى المزارعين، ليس مربو الماشية بمنأى عن الأزمة، إذ أن النقص في الدولار قلّص قدرتهم على تأمين العلف الذي ارتفعت أسعاره أيضاً. وهذا يدفع جزء لا بأس به من المربين إلى بيع الأبقار الحلوبة إلى اللحامين. ويلفت موسى فريجي، رئيس النقابة اللبنانية للدواجن ومؤسس شركة تنمية إلى أن الحل في هذا الخصوص يتمثل في أن يتعاقد كبار المنتجين مع الصغار، كما هو حاصل في قطاع الدواجن. ويعمد كبار منتجي الدواجن إلى تأمين العلف والأمهات وغيرها من المستلزمات لصغار المنتجين بالأمانة، على أن يسدد هؤلاء ديونهم بعد بيعهم الإنتاج. ويقول فريجي: "تؤمن هذه الطريقة دخلاً ثابتاً ومقبولاً للمزارع الصغير، وتضمن تصريف إنتاجه بالكامل".

 

فريجي: أحد الحلول يتمثل في تعاقد كبار المنتجين مع الصغار

 


المصدرون أفضل حالاً.. وازدهار التهريب

من المرجح أن يؤدي النقص الحاصل في إنتاج الخضار والفواكه الموسمية إلى ارتفاع أسعار المنتجات في السوق المحلية، لا سيما أن قدرة التجار على استيرادها من الخارج تضاءلت أيضاً. وهنا فإن فئتين قد تستفيدان من الأزمة والنقص الحاصل في الانتاج، الأولى هي فئة المهربين، إذ ستشجع الأزمة، بحسب دبانة "الاستيراد غير الشرعي المتفشي أصلاً منذ ما قبل الأزمة، وستشهد السوق انسياب المزيد من المنتجات السورية، لا سيما أن التجار السوريين لا يمانعون قبض مستحقاتهم بالليرة اللبنانية".

أمّا الثانية فهي تتعلق بالمصدرين نظراً لاستفادتهم من النقد الأجنبي الذي يحصلون عليه من التصدير. لا سيما أن كلفة الشحن لم تتغير وكلفة الإنتاج ارتفعت بهوامش أدنى من هامش فرق العملة. وهنا يؤكد خالد سنو، مدير شركة كرمة لتصدير المنتجات الزراعية أن تداعيات الأزمة لم تؤثر عليهم سلباً حتى الآن، والمصارف تؤمن لهم نحو 50 في المئة من الأموال الجديدة التي تدخل إلى المصارف من التصدير. لكن المشكلة قد تتفاقم بعد فترة قصيرة، إذ ستنخفض الكميات المنتجة، لأن جزءاً كبيراً من المزارعين لن يتمكن من زراعة حقله، أو أنه سيخفض الكميات المنتجة. وسيؤول ذلك إلى شح في المنتجات الزراعية.

مرتضى: نفاوض "المركزي" لتخصيص النقد الأجنبي

إزاء هذا الواقع، كان لا بد من البحث عن حلول للمشكلات التي يواجهها هذا القطاع. وقد قدمت اقتراحات عدة في هذا السياق من قبل هيئات محلية أهمها تلك التي طرحتها النقابات الزراعية، ودولية مثل إحدى دراسات "ماكينزي" وقد تمحورت تلك الحلول حول ضرورة حماية الانتاج الوطني عبر فرض رسوم إضافية على المنتجات المستوردة وزياد رقعة الأراضي الزراعية المستغلة، ووقف التهريب، ووضع قوانين تحمي المزارع من التجار وتنظيم عمل أسواق الجملة، وغيرها. لكن كل هذه الاقتراحات بقيت في أدراج المعنيين من دون أن تجد طريقها إلى التطبيق. لكن تفاقم الأزمة الحالية بات يؤكد الحاجة إلى ذرورة المضي قدماً في تنفيذ هذه التوصيات. وربما هذا ما دفع وزير الزراعة في الحكومة الجديدة عباس مرتضى إلى إيلاء هذا الملف أهمية خاصة، وإن كان يرى في حديث خاص مع "اوّلاً-الاقتصاد والاعمال" أن الحلول المقترحة تحتاج إلى المزيد من الدرس والتمعن كي لا ينعكس أي  قرار سلباً على الاقتصاد. ويضيف مرتضى "إن حماية الإنتاج الزراعي تأتي في طليعة أولويات الوزارة، مشيراً إلى أنه جرى اتخاذ قرارات حماية وخفض إجازات الاستيراد الممنوحة بناء على حاجة السوق إليها". 

وفيما تستعد الوزارة لإطلاق استراتيجية للأمن الغذائي وتعمل على إعداد دراسة من أجل زيادة عدد الأراضي المؤهلة للزراعة، يؤكد فريجي أن الحل الوحيد لتحويل الاقتصاد من ريعي إلى منتج يتمثل في وضع رسوم جمركية على المنتجات الزراعية، التي هي بمعظمها مدعومة في دولها وأسعارها لا تمثل حقيقة كلفة إنتاجها في بلد المصدر. ويضيف أن مستثمرين لبنانيين كثر سيبدون رغبتهم في الاستثمار في الزراعة في حال تأمنت تلك التشريعات وترافقت مع قضاء نزيه واستقرار أمني. أما في ما يخص أزمة الدولار الراهنة، فيتفق أهل القطاع على ضرورة اتخاذ إجراءات آنية تتمثل بموافقة مصرف لبنان على تخصيص مبلغ بالدولار لتأمين المستلزمات الزراعية من البذور والمبيدات.  وفيما يعلّق دبانة قائلاً: "ليس لدى الشركات الزراعية مخزون، لذا على السلطات المعنية أن تتحرك سريعاً لمعالجة الأزمة المحدقة". يؤكد مرتضى "أن الوزارة بدأت تفاوض مصرف لبنان بهدف تخصيص ميزانية بالدولار لاستيراد المستلزمات الزراعية".

في المحصلة، يبدو أن الحلول الرسمية وغير الرسمية للقطاع الزراعي لا تزال قاصرة عن تحقيق الهدف المرجو، وعليه رفع بعض المعنيين الصوت عالياً مطالباً بفتح كوة في جدار "الأزمة" حتى لا نصبح أمام "مشكلة أمن غذائي" كما يقول شومان. وهنا فإن الأمل بات معقوداً على بعض المؤسسات الدولية مثل "الفاو" والكيانات مثل "الاتحاد الأوروبي" والدول الخليجية منها، على الأقل لتساهم في تأمين البذور اللازمة لضمان ديمومة الانتاج. وفي هذا السياق يقترح دبانة إنشاء صندوق خارجي يمول من قبل مؤسسات ومصارف دولية لتسليف الشركات الزراعية اللبنانية من أجل استيراد المواد المطلوبة. لكن حتى ذلك الحين يلخص الوزير مرتضى المشكلة بعبارته التالية: "أزمة ثلاثون عاماً لا يمكن أن تحل في أسابيع أو أشهر، سندرس كل ملف على حدة وبتمعن من أجل اتخاذ قرارات لا تضر بالبلاد".