لبنان: أصول المصارف تهبط 69 مليار دولار من أعلى مستوياتها

  • 2021-08-10
  • 20:18

لبنان: أصول المصارف تهبط 69 مليار دولار من أعلى مستوياتها

  • علي زين الدين

لا تعكس البيانات المالية المجمعة للمصارف اللبنانية، المقياس الكامل للفجوة المستمرة في التوسع ولا عمقها الحقيقي، والتي تضرب بشدة هيكلية القطاع برمته وتراكم خسائر اصحاب الحقوق والمصالح، بما يشمل خصوصاً المستثمرين والمودعين والموظفين، فضلاً عن آلاف العقود الخاصة بالاستشارات القانونية والمالية، ووصولاً الى شركات التأمين والموردين التجاريين.

فعلى مدى متواصل منذ 22 شهراً، بلا فواصل ولا استراحات، تكمل المؤشرات الاساسية للجهاز المصرفي مسارها النزولي، برغم حزمات التقييد المتتالية التي يتم اعتمادها برعاية البنك المركزي، ولاسيما لجهة التقنين القاسي الى حدود التعذر في تلبية السحوبات والتحويلات بالعملات الصعبة، وتخصيص حصص شهرية للسحب بالعملة الوطنية سواء كانت عملة الوديعة التي فقدت نحو 93 في المئة من قيمتها، او من خلال تحويل من حسابات الدولار بسعر يوازي نحو 20 في المئة فقط من السعر الرائج للدولار حالياً، أي بسعر 3900 ليرة لكل دولار، مقابل نحو 20 الف ليرة للسعر المتداول في الاسواق الموازية، اضافة الى الخفض الدراماتيكي الى نحو واحد في المئة فقط لمعدلات الفوائد على كامل فئات الودائع.

وتكشف احدث البيانات المجمعة للمصارف حتى منتصف العام الحالي، انحدار اجمالي الاصول من اعلى مستوياتها البالغ نحو 250 مليار دولار ما قبل الازمة، الى نحو 181 مليار دولار، اي بمقدار 69 مليار دولار، وهو فارق مذهل كونه يتعدى اجمالي الناتج المحلي بنحو 25 في المئة، كما هو بنهاية العام 2018، والبالغ حينها نحو 55 مليار دولار، في حين انحدر لاحقاً دون عتبة 30 مليار دولار، ما يعني تلقائياً ان الخسارة المحققة بالتراكم تفوق ضعفي الناتج.

ويفرض التقييم الموضوعي التنويه، بأن المقارنة عينها تستبطن فجوة أكثر خطورة في تقدير القيم الحقيقية بين الدولار الفعلي السابق والدولار الحسابي الحالي الذي يحتوي تقييم الاصول المحررة بالليرة بدولار يساوي السعر الرسمي البالغ 1515 ليرة للدولار، وتقييم الجزء الثاني "نظرياً" وفق عملة الحساب، مع ضرورة التنويه بأن نسبة دولرة الودائع تقارب 81 في المئة من المجموع. كذلك، يقتضي التنويه بأن القطاع المصرفي هو جزء حيوي من القطاع المالي، ويشكل مع البنك المركزي الركيزة الاساسية لأنشطة الأعمال والانتاج في المجالات كافة، عبر ادارة الأموال والثروات والتمويل للأفراد والشركات، والمساهمة الحاسمة في تلبية الاحتياجات المالية للدولة.

ويؤكد مصرفيون وخبراء لموقع "أوّلاً-الاقتصاد والأعمال"، ان التدقيق في الميزانيات المصرفية ضمن المعايير المحاسبية المطابقة لوقائع الفوضى النقدية القائمة، يفضي حكماً الى خلاصات كارثية جراء الفوارق الهائلة الناجمة بين التقدير بأسعار الدولار الرسمية والسوقية. لكن هذه الاستنتاجات تبقى معلقة على طبيعة التطورات العامة التي تتحكم بمسارات البلاد واقتصادها ومصائر مدخرات اللبنانيين. وبالتالي، فإنه ينبغي التحوّط الى حقيقة خضوع النتائج وتقييمها الموضوعي، ربطاً بمجرى الأوضاع الداخلية والدعم الدولي الموعود.

في خضم هذه الوقائع التي تبث "سمومها" على كامل الأطراف ذوي الصلة والارتباط والمصلحة في أي مصرف، بدءاً من المساهمين وليس انتهاء بالمودعين، تستمر محاولات الاستيعاب المتدرج في مهمة التقليل من حجم الأعباء ريثما تتضح معالم الحلول الداخلية المنشودة، وبما يشمل بنود خطة الانقاذ المحكومة الانطلاق من القطاع المالي بأزماته المستعصية من النقد الى الديون المعلّقة الى حقوق المودعين الى اعادة هيكلة المصارف ووصولاً الى استعادة حضور مصرف لبنان ودوره الحاسم في ادارة مرحلة التعافي المالي والمصرفي.

وفي الرصد الميداني لإدارة التعامل مع كتلة الأزمات غير المسبوقة في حدتها وطول أمدها في تاريخ القطاع المالي، يتبين ان ادارات البنوك التي فوجئت بتبديد مخزون الثقة الذي كوّنته بجهود استثنائية على مدار ثلاثة عقود عقب خروجها منهكة من الحروب الداخلية الطاحنة، تكابد الأمرين في اعادة تنظيم منظومات علاقاتها وأنشطتها في لبنان وخارجه، وهي تدرك مسبقاً أن المطر الأسود الساقط عليها من ثقوب "سقف الدولة " أشد وطأة من "الشبابيك" المخلعة التي حشرت الكيانات في زوايا ضيقة اتقاء للرياح والعواصف التي تهب من كل صوب.

يمكن في هذا السياق ادراج بعض الاشارات المهمة:

اولاً: عمدت معظم ادارات البنوك الى اعتماد سياسة "الصمت" ازاء حملات الاتهام، التي تطالها افرادياً او جماعياً، وبما يشمل عمليات التخريب والضرر التي لحقت بمراكزها وشبكات فروعها وأجهزة الصرف الآلي. فغضب الناس وتصرفاتهم حيال الأحوال المزرية التي "اقتيدوا" اليها من غير ذنب أو مسؤولية وخوفهم المحفز بموجات الشائعات على ضياع مدخراتهم، يوجبان اعلاء التفهّم والاكتفاء بما يصدر من توضيحات ومواقف عن جمعية المصارف والاستجابة بالحد الأقصى الممكن لتلبية احتياجاتهم بعدما اعتكفت الدولة بسلطاتها التنفيذية والتشريعية عن الاسراع بإقرار قانون "الكابيتال كونترول"، وهو التدبير الفوري الأنجع في حالات الاضطراب والأزمات، بدليل نجاحه في معالجة أزمتي اليونان وقبرص.

ثانياً: لوحظ ان الكثير من المساهمين في البنوك، من الداخل والخارج، اتخذوا اجراءات تحوّطية تقضي بـ "تصفير" قيمة المساهمة ضمن محفظة الاستثمارات التي تخص بياناتهم المالية الخاصة كأفراد أو شركات، ومنهم من أفاد موقع " أوّلاً-الاقتصاد والأعمال"، ان مثل هذا التدبير هو وقائي بحت، وهدفه تجنّب حجز مخصصات ترسملية تطلبها شركات التدقيق والمحاسبة في تقييم المساهمة طبقاً للانحدار الحاد في أسعار أسهم الملكية، وبالتالي فهو لا يحتمل تفسير التخلي عن الاستثمار بذاته، انّما عزله عن الميزانية وقيده جانبياً حتى إشعار معاكس يستعيد فيه السهم بعض خسائره أو قيمته العادلة.

ثالثاً: عمدت المصارف عموماً الى اتباع سياسات انكماش ذاتية تتناسب طرداً مع تقلص أصولها ورساميلها. وهذا ما اقتضى التخلي عن وحدات خارجية تابعة تلافياً لتمدد آثار الداخل اليها واحراج السلطات النقدية المعنية من جهة، وتأميناً لضخ موارد ضرورية من العملات الصعبة في مجمع الأموال الخاصة، كما اقتضى " التقشف " في المصاريف اقفال عدد من الفروع المحلية وفقاً لمعيار الحاجة.

رابعاً: مع تغيّر أنماط العمل المصرفي اليومي وشبه اقتصاره على ادارة السيولة لصالح حسابات الزبائن والتجميد القسري لمعظم عمليات الائتمان باستثناء خطابات الضمان وفتح الاعتمادات المستندية للمستوردات، وبالأخص منها للمواد المدعومة طيلة أشهر الأزمة، تمدّدت عمليات اعادة الهيكلة حكماً الى قطاع الموارد البشرية حيث طالت قرارات "الاستغناء" نسبة من الموظفين. وثمة مخاوف جدية من تفاقم هذه الظاهرة في حال لم تتبدّل الأوضاع الداخلية السائدة.

خامساً: لكل بند من هذه البنود حيثيات وتفاصيل، وكلها تصبّ في الاتجاه الموجع عينه. والخوف كل الخوف وقوع القطاع المالي في براثن فشل الدولة، فينضم "صريعا" الى قطاعات الدواء والاستشفاء والتعليم والحياة الآدمية.