الطاقة المتجددة: فورة في الدول العربية

  • 2020-02-17
  • 17:20

الطاقة المتجددة: فورة في الدول العربية

  • أبوظبي - رانيا غانم

تمضي البلدان العربية بمجملها قدماً نحو تنويع مصادر الطاقة والإفادة من الطاقة المتجددة بمختلف مكوناتها. ويخصص معظمها ميزانيات تقدر بمليارات الدولارات لمشاريع عملاقة بطاقات إنتاجية ضخمة، حيث أعلن معظمها في السنوات الخمس الأخيرة عن مناقصات ضخمة جذبت مستثمرين محليين وشركات عالمية متخصصة في هذا المجال.

وفيما يتوقع تقرير أعدته شركة سيمنز أن تبلغ حصة مصادر الطاقة المتجددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مئة جيغاواط بحلول العام 2035 ارتفاعاً من 17 جيغاواط في 2016. فإنه من المرجح أن يرتفع الطلب على مصادر الطاقة المتجددة في السنوات المقبلة، وعليه فإن هذه الطاقة قد تتحوّل إلى غاية استثمارية للدول العربية لا مجرّد وسيلة.

الفرص الكامنة

على الرغم من نمو مشاريع الطاقة المتجددة وطاقاتها الإنتاجية الضخمة، فإنه لا يزال ثمة فرص استثمارية هائلة في هذا القطاع. وبحسب مدير وحدة الطاقة المتجددة في DNV GL الشركة المتخصصة في استشارات الطاقة وتخزينها وتوزيعها في الإمارات كريسوفالانتس ميكروماتيس، فإن شركات عالمية للطاقة المتجددة تسعى إلى دخول الأسواق الخليجية للإفادة من مشاريع الطاقة الضخمة التي ستطلق في الفترة المقبلة.

بدوره، يشير تورنيك تشيشارولي، المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في AE SOLAR، الشركة المصنعة للألواح الشمسية ومعدات الطاقة، ولها مكتب تمثيلي في السعودية إلى الانفتاح غير المسبوق على مشاريع الطاقة المتجددة في الخليج، لافتاً الانتباه إلى أن الشركة تتطلع إلى التوسع وإقامة شراكات مع مستثمرين محليين في تلك الدول. ويضيف: "إنها فرصة ذهبية للشركات المزودة لمعدات الطاقة الشمسية ومقدمي الخدمات للإفادة من فورة المشاريع الحاصلة في المنطقة والتي تقدر بمليارات الدولارات". وأنجزت AE SOLAR أخيراً مصنعاً في جورجيا لتزويد أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعدات الطاقة المتجددة المطلوبة. دخلت أيضاً شركة توتال للطاقة الشمسية في الشرق الأوسط إلى الأسواق العربية، وبلغت استثماراتها في الإمارات فقط منذ العام 2018 نحو 70 مليون دولار بقدرة إنتاجية 70 ميغاواط. يقول فلوريان منير، مدير الحسابات الرئيسية في الشركة: "يزداد الاهتمام بمشاريع الطاقة باطراد في المنطقة من قبل المؤسسات الحكومية ومن قبل أصحاب المشاريع السكنية والصناعية"، لافتاً إلى أن الشركة تنفذ جزءاً كبيراً من مشاريع الطاقة لأصحاب المصانع.

مشاريع الإمارات العملاقة

قطعت الإمارات شوطاً كبيراً في تحقيق جزء من استراتيجيتها الرامية إلى جعل الإمارة مركزاً عالمياً للطاقة النظيفة والاقتصاد الأخضر، وزيادة نسبة الطاقة النظيفة لتصل إلى 25 في المئة في 2030 وإلى 75 في المئة بحلول العام 2050. ويشير ميكروماتيس إلى أن الإمارات أحدثت نقلة نوعية في مجال تنويع الطاقة، وطورت الكثير من القوانين المطلوبة لتفعيل المنظومة وضمان كفاءتها. كما أطلقت أخيراً المرحلة الرابعة من مشروع مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية بقدرة إنتاجية تبلغ 950 ميغاواط الذي يجمع بين تقنيتي الطاقة الشمسية المركزة والطاقة الشمسية الكهروضوئية. يتضمن المشروع أيضاً مرحلة خامسة، ومع انتهائها في العام 2030، سيبلغ إجمالي قدرة المشروع الإنتاجية 5 جيغاواط. ويبلغ إجمالي الاستثمار في المشروع 14 مليار دولار. بدأت أبوظبي بتشغيل مشروع "نور أبوظبي" بتقنية الطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة تشغيلية تبلغ 1.2 جيغاواط، الذي تبلغ كلفته الإجمالية 871 مليون دولار. ويضيف ميكروماتيس أن DNV GL تعمل بالتعاون مع دائرة الطاقة في الإمارات بهدف تقديم الاستشارات التقنية والقانونية والتطبيقية لمشاريع الطاقة المتجددة، لافتاً النظر إلى أن الإمارات تستخدم أحدث التقنيات في مشاريع الطاقة المتجددة وقد بدأت أيضاً بتنفيذ مشاريع تخزين للطاقة الشمسية حيث يتم الإفادة من الطاقة الفائضة في الأوقات التي فيها شح في مصادر الطاقة سواء الرياح أو الشمس. ويخلص إلى القول "إن تلك التقنيات الجديدة حل لمشكلة التقلبات في مصادر الطاقة ولتأمين التغطية الكاملة للمستهلك". وبهدف تشجيع القطاع الخاص على استخدام الطاقة النظيفة، قدمت شركة توتال للطاقة الشمسية حلولاً تنافسية لأصحاب المصانع في الإمارات، حيث تساعدهم على الانتقال إلى اعتماد الطاقة الشمسية. وتركب الشركة الألواح الشمسية للمصانع مجاناً وتقدّم لهم الاستشارات التقنية والصيانة، وتبيع الطاقة إلى المصانع بأسعار تنافسية، بما يؤمن لهم وفرة في فاتورة الاستهلاك الكهربائي.

اتجاه إلى توطين الطاقة

بدورها تمضي السعودية قدماً نحو تنويع مصادر الطاقة لديها وتقليص الاعتماد على النفط في توليد الطاقة الكهربائية بهدف تحقيق استراتيجيتها الرامية إلى توليد 9.5 جيغاواط في العام 2023، وأكثر من 54 جيغاواط من الطاقة المتجددة بحلول العام 2040. وتملك السعودية إمكانيات هائلة من الطاقة الشمسية بفضل موقعها في نطاق الحزام الشمسي العالمي تخولها بلوغ هذا الهدف بسهولة. ويوضح ميكروماتيس أنه ثمة إمكانية أيضاً للإفادة من مشاريع الرياح لتوليد الطاقة، نظراً إلى توافر الرياح العالية السرعة. وتسعى في رؤيتها 2030 إلى توطين جزء كبير من سلسلة قيمة الطاقة المتجددة في الاقتصاد السعودي وإنشاء مصانع متخصصة في إنتاج معدات الطاقة. كذلك أنشأت المملكة قاعدة بيانات عامة لأكثر من مئة شركة محلية تعمل في قطاع الطاقة المتجددة بهدف تشجيع الاستثمارات في القطاع الخاص وبناء الثقة بشأنها في قطاع الطاقة المتجددة. وأطلق مكتب تطوير مشاريع الطاقة المتجددة في وزارة الطاقة السعودية أخيراً طلبات التأهيل للمرحلة الثالثة من البرنامج الوطني للطاقة المتجددة، والتي تشمل أربعة مشاريع للطاقة الشمسية الكهروضوئية بسعة إجمالية تصل إلى 1200 ميغاواط، وكانت طرحت المرحلة الأولى في 2017 لإنتاج 700 ميغاواط، والمرحلة الثانية في 2019 بسعة إجمالية تبلغ 1470 ميغاواط. يشير ميكروماتيس إلى أن السعودية تبذل جهوداً حثيثة لتطوير القوانين والأنظمة التي تعنى بالطاقة المتجددة بهدف خلق البيئة الجاذبة للاستثمار في القطاع.

عين "مصدر" على عمان

تسير سلطنة عمان بخطى حثيثة نحو إطلاق مشاريع للطاقة البديلة. ووقعت "مصدر للطاقة النظيفة" مع شركة كهرباء المناطق الريفية في سلطنة عمان اتفاقية مشتركة لتطوير أول محطة لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح في محافظة ظفار جنوب السلطنة والتي تصل طاقتها الإنتاجية إلى 50 ميغاواط. وأبرم تحالف شركة أكوا باور ومؤسسة الخليج للاستثمار وشركة مشاريع الطاقة البديلة، احدى شركات مشاريع الكويت القابضة، اتفاقية مع الشركة العمانية لشراء الطاقة والمياه لبناء وتشغيل محطة عبري في عمان للطاقة الشمسية الكهروضوئية بسعة 500 ميغاواط. سيقلل المشروع انبعاث ما يقارب 340 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون. وسيقوم التحالف الفائز بتملك المشروع وتشغيله وتزويد الطاقة للشركة العمانية لشراء الطاقة والمياه حسب اتفاقية لشراء الطاقة.

وبالرغم من أن قطر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، فإنها طرقت باب إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية ووقعت اتفاقية لإنشاء محطة الخرسعة بطاقة إنتاجية تبلغ 800 ميغاواط. وسيجري ربط 350 ميغاواط مع الشبكة كمرحلة أولى في الربع الأول من 2021 على أن يبدأ التشغيل التجاري للسعة الكلية في الربع الأول من 2022. سيؤمن المشروع حوالى عشرة بالمئة من ذروة الطلب على الكهرباء.

قدرات مصر الكامنة

تشهد مصر تحولات بارزة في مجال الطاقة المتجددة وتسعى إلى معالجة أزمة الطاقة التي تواجهها منذ سنوات بتغيير مزيج الطاقة الكهربائية الخاص بها. وضعت الحكومة المصرية في استراتيجيتها للطاقة المتكاملة والمستدامة أهدافاً لزيادة مساهمة الطاقة المتجددة لتبلغ 20 بالمئة من مزيج الطاقة الكهربائية بحلول 2022، و42 في المئة بحلول 2035. وتتوقع الحكومة المصرية أن يتم توليد 12 إلى 14 بالمئة من الطاقة النظيفة بالاعتماد على طاقة الرياح. وتعمل حالياً على مشاريع عدة أبرزها مشروع بنبان في أسوان بتقنية الخلايا الكهروضوئية الذي سيولد 1600 ميغاواط، ومحطة طاقة الرياح في جبل الزيت في البحر الأحمر، التي تصل قدرتها الإجمالية إلى 580 ميغاواط، إلى جانب محطة الضبعة للطاقة النووية في مطروح، باستطاعة مقدارها 4800 ميغاواط. يخلص تحليل «خريطة طريق الطاقة المتجددة»، الذي وضعته الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، إلى أن مصر قادرة على توفير 53 بالمئة من مزيج الطاقة الكهربائية بالاعتماد على المصادر المتجددة بحلول سنة 2030. ويشير ميكروماتيس إلى أن مصارف أوروبية عدة مثل البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية EBRD ساهم في تمويل جزء من مشاريع الطاقة المتجددة، مشيراً إلى أن الشركة تقدم خدمات استشارية إلى المصرف لتقييم مدى نجاح المشروع والجدوى الاقتصادية من تمويله.

مصارف أوروبية داعمة للمشاريع الخضراء

يدعم البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية مشروعاً لإنتاج الطاقة في الأردن بحزمة مالية تصل إلى 35 مليون دولار. وسيمكّن المشروع مشغّل الاتصالات أورانج الأردن من تغطية جزء من احتياجاته من خلال الطاقة النظيفة التي سيتم انتاجها في محطات الطاقة الشمسية. سيفيد القطاع الخاص من أنظمة جديدة تتيح للمستهلكين بناء مرافق طاقة خاصة بهم في إطار عملية تسمى جر الكهرباء وذلك بالنقل من داخل الشبكة إلى مرافق خارج حدود الشبكة. من المتوقع أن تولد المحطات الثلاث، ما مجموعه 70 جيغاواط. وكان الأردن في السنوات الأخيرة أطلق مبادرات مهمة لتطوير إمكاناته في مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية. وبدعم من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، ازدادت قدرة قطاع الطاقة المتجددة المحلية من 20 ميغاواط إلى أكثر من 1000 ميغاواط بين عامي 2012 و2019، بالإضافة إلى نحو 1.2 ميغاواط قيد الإنشاء والتطوير.