كورونا يشل الصين ويكبح نمو الاقتصاد العالمي

  • 2020-02-05
  • 12:00

كورونا يشل الصين ويكبح نمو الاقتصاد العالمي

  • سليمان عوده

تخطى عدد المصابين بفيروس "كورونا" عتبة 25 ألف مصاب صباح اليوم الأربعاء، بحسب ما أكد التلفزيون الرسمي بالصين، توفي منهم قرابة 500 شخص، بينهم 480 في ووهان وجوارها، مركز انتشار الفيروس الفتاك. وبرز تحول جديد يوم أمس الثلاثء، تمثل بأن الإصابات لم تعد تقتصر على عدوى ينقلها مصاب على تماس بمدينة ووهان إلى آخر صحيح، بل بدأ المرض يتفشى بين أشخاص أصيبوا بالعدوى خارج ووهان، وينقلونها إلى سواهم. وجرى الإبلاغ حتى صباح اليوم عن 171 إصابة على الأقل في دول مختلفة، بينها الولايات المتحدة واليابان وتايلاند وهونغ كونغ وبريطانيا. 

وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا الذي انتقل من الصين إلى 24 دولة حتى الساعة "لا يمثل بعد حالة وباء عالمي"، وذلك بعد أن كانت أعلنت أنه حالة طوارئ صحية ذات بعد دولي في اليوم الأخير من شهر كانون الثاني/يناير. ونقلت “رويترز” عن سيلفي بريان، رئيسة إدارة مكافحة الجوائح والأمراض الوبائية في المنظمة، قولها: ”إننا في مرحلة يعد فيها الوباء متعدد البؤر". وأكدت بريان التي عادت حديثاً من الصين "أن العلماء تمكنوا من تحديد التسلسل الجيني وأساليب تنقله"، موضحة "إنه في الوقت الذي يتم رصد انتقال سريع للفيروس في هوباي، تعد الحالات خارج المقاطعة حالات انتشار مع تجمعات متفرقة من حالات العدوى". وفيما تم رصد 2500 إصابة جديدة بالفيروس في هوبي أمس، ليصل العدد الإجمالي للمصابين في الإقليم إلى 13500 حالة، سجلت الثلاثاء أوّل حالة وفاة مرتبطة بالفيروس في هونغ كونغ، والثانية خارج برّ الصين. والضحية رجل في العقد الرابع سافر في منتصف كانون الثاني/يناير إلى ووهان وعاد إلى هونغ كونغ بعد يومين. 

 

شلل صيني 

وتواجه الصين عزلة دولية متزايدة بسبب القيود المفروضة على الرحلات الجوية من البلاد وإليها. وشلّ فيروس كورونا المحركات الرئيسية للاقتصاد الصيني، فالمصانع مغلقة لأسبوع إضافي، والاستهلاك شبه متوقف، ما قد يؤدي إلى تدهور النمو ويجبر بيجينغ على زيادة التدابير الرامية إلى تحفيز الاقتصاد. ولا تزال ووهان ومدن كثير في جوارها تقبع في حالة عزلة مشددة، مع فرض قيود صارمة على السفر إليها. وأظهرت صور حديثة مدينة ووهان التي يقطنها ١١ مليون نسمة، خالية من المارة، بشوارع لا تعبرها المركبات ومحلات تجارية مهجورة، لترسم صورة عن حجم تأثير الوباء الذي ضرب المدينة. ولم تكشف شركات كثيرة في الصين عن مدى تأثر نشاطها بانتشار الوباء، لاسيما الشركات التي تتعامل مع ووهان، وتعد مركزاً لأهم شركات تصنيع السيارات وشركات الحديد في الصين، ويقدر حجم اقتصادها بنحو ٢١٤ مليار دولار.

 

عزلة قاسية

ويمتد اتخاذ إجراءات مماثلة إلى مدن صينية أخرى بينها هانغتشو، وفيها مقر "علي بابا". وطلبت السلطات في مقاطعات أخرى، غالبيتها صناعية مثل غوانغدونغ في الجنوب، ومن المصانع والشركات "غير الأساسية”، أن تبقي أبوابها مغلقة حتى التاسع من شباط/فبراير. وأصدرت "أوكسفورد إيكونومكس" للتحليلات الاقتصادية تقريراً قالت فيه إن عزل هذا القدر من المناطق يثخن الاقتصاد الصيني بالجراح، لا سيما أن تلك المناطق تمثل 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الصيني. أضاف التقرير: “أي تأخير في استعادة هذه المنطقة لنشاطها من شأنه أن يزيد من حدة الآثار على النمو في الربع الأول من العام". ويمثل قطاع التصنيع، المتوقف بأغلبه عن العمل في الصين، نحو ثلث الاقتصاد الصيني. وخلص خبراء من شركة "أولير هيرميز" إلى أن "الوباء وعامل الخوف سيؤثران على نفقات الاستهلاك". وفي العام 2019، أسهم الاستهلاك الخاص بنصف نسبة النمو في البلاد، أي ضعفي ما كان عليه عند انتشار متلازمة السارس. ويشكل الفيروس ضربة كبرى للسياحة والخدمات والتوزيع في هذه الفترة الحساسة من العام. وأنفقت الأسر الصينية ١٣٠ مليار يورو خلال فترة العطلة في عام ٢٠١٩. وخلال عطلة العام الجاري، انخفض عدد المسافرين الصينيين عبر مختلف وسائل النقل بنسبة سبعين بالمئة، مقارنة مع العام الماضي، بحسب "ستاندرد أند بورز". كما أوقفت شركات طيران عالمية  كثيرة رحلاتها إلى مناطق بالصين.

 

سوق الأسهم

وكبدت المخاوف من الأثر الاقتصادي للفيروس سوق الأسهم الصينية قرابة ٤٠٠ مليار دولار في أول أيام التداول بعد عطلة العام القمري. وهبط مؤشر شنغهاي المجمع في تداولات مطلع الأسبوع بنحو ثمانية بالمئة، ما يمثل أسوأ أداء للبورصة في يوم واحد منذ أكثر من أربع سنوات. بدورها، سجلت قيمة اليوان أدنى مستوى لها في العام الجاري، وخسرت أكثر من واحد بالمئة من قيمتها، متخطية مستوى السبعة يوانات لكل دولار. وسجلت سوق السلع في شنغهاي أكبر نسبة هبوط مسموح بها. وجاءت هذا التراجعات الحادة بالرغم من أن البنك المركزي ضخ سيولة في النظام المالي للبلاد، هي الأكبر في ١٥ سنة، وبالرغم من خطوات عدة اتخذتها الجهات التنظيمية للحد من عمليات بيع الأسهم. يذكر أن عدد الوفيات بالفيروس لم يكن يتجاوز ١٧ حالة فقط في جلسة التداول الأخيرة قبل العطلة يوم ٢٣ كانون الثاني/يناير. وفي معرض تعليقه على نتائج السوق، أكد البنك المركزي الصيني أن انخفاض الأسهم الحاد مدفوع بعوامل غير منطقية، وصفها بالفزع و"سلوك القطيع". وضخ المركزي ١٧٤ مليار دولار في أسواق النقد عبر اتفاقات لإعادة شراء عكسية للسندات. وأعلن البنك، أيضاً، خفضاً غير متوقع لأسعار الفائدة على تسهيلات التمويل قصيرة الأجل بمقدار عشر نقاط أساس. 

 

تراجع عالمي

عالمياً، يرجح الخبراء أن يتكبد الاقتصاد العالمي خسائر تفوق ١٦٠ مليار دولار، لتصبح بذلك أكبر خسارة يسببها وباء في العصر الحديث، وهي تتجاوز بواقع أربعة أضعاف ما سببه فيروس "سارس”، التي قدرت آنذاك بنحو ٤٠ مليار دولار، بحيث أدى المرض إلى خفض مساهمة الصين في الناتج المحلي العالمي بواقع ١٧٠ بالمئة. وتوقعت وكالة “بلومبرغ” أن تنخفض مساهمة الصين بشكل أكبر هذه المرة، نظراً لأهمية دور الصين في التجارة العالمية، حيث أضحت أكبر سوق للسيارات وأعلى مصدر للإنفاق على السياحة الدولية، فضلاً عن عوامل أخرى مثل تراجع نمو الاستهلاك في الصين بنسبة تفوق خمسة بالمئة خلال الربع الجاري. كذلك، تضطلع الصين بدور محوري على صعيد سلاسل التوريد العالمية، ما يرفع من توقعات خسائر الاقتصاد العالمي في العام الجاري. وقد بدأت الارتدادات تخرج من الصين. فقد أعلنت “هيونداي موتور” أنها ستعلق الإنتاج في كوريا الجنوبية، حيث أكبر قواعدها التصنيعية، لتصبح أول شركة كبيرة لصناعة السيارات خارج الصين تقوم بهذه الخطوة، بعد اضطراب إمدادات قطع الغيار بسبب تفشى فيروس كورونا. وكان عدد كبير من شركات تصنيع السيارات العالمية، منها تسلا وفورد وبي.إس.إيه بيجو ستروين ونيسان اليابانية وهوندا موتور، أوقفت بالفعل العمل في بعض مصانعها في الصين هذا الأسبوع، تماشياً مع تعليمات أصدرتها الحكومة. في المقابل، توقع بنك غولدمان ساكس أن  يكون الضرر الواقع على النمو العالمي في العام الجاري جراء فيروس كورونا متواضعاً. ويرجع البنمك توقعاته إلى افتراض تبني السلطات في الصين وفي دول أخرى رد فعل قوياً لخفض معدلات الإصابة الجديدة بشكل كبير بحلول نهاية الربع الأول. وقدر البنك أن المتوسط السنوي لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي في العام الجاري سينخفض بما يتراوح بين واحد واثنين بالألف بسبب انتشار كورونا. 

 

تخفيض محتمل لإنتاج النفط

ونقلت وكالة “فرانس برس” عن مسؤولين عراقيين أن منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وحليفتها روسيا ناقشت إمكانية تخفيض الإنتاج النفطي خلال اجتماع مرتقب في فيينا على خلفية فيروس كورونا. وتشهد أسعار النفط تراجعاً كبيراً منذ بداية العام الحالي، في ضوء القلق على الاقتصاد الصيني. وتعقد أوبك وروسيا "اجتماعاً تقنياً مختلطاً" أمس واليوم في فيينا لبحث تراجع الأسعار. ولا يزال الاجتماع الوزاري المقبل لدول أوبك بقيادة السعودية وحلفائها خارج المنظمة وفي مقدمهم روسيا، مقرراً في موعده في الخامس والسادس من آذار/مارس. لكن متحدثاً باسم أوبك نقلت عنه “فرانس برس” إمكانية تقديم موعد الاجتماع إلى الشهر الجاري "بحسب احتياجات السوق وما يطرأ على فيروس كورونا". وأشار برايان جيلفاري، المدير المالي لشركة بي بي، أنه من المنتظر أن يتسبب تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي في أعقاب تفشي فيروس كورونا في الصين في خفض الطلب العالمي على النفط في العام الجاري بنسبة نصف بالمئة. أما بالنسبة إلى كامل العام، سيخفض التباطؤ الاستهلاك بما بين 300 ألف إلى 500 ألف برميل يومياً. وأضاف جيلفاري أن التأثير على الصين أكثر وضوحاً، إذ ينخفض الطلب بنحو مليون برميل يومياً. ونقلت رويترز عن كبير محللي السلع في "نورديك بنك سيب" بيارني شيلدروب إن السوق يبدو "في الوقت الحالي راضياً عن احتواء الصين للفيروس وإدارته، والأسوأ سينتهي قريباً من دون انتشار متسارع خارج الصين، وأن أوبك ستتدخل بتخفيض الإنتاج وتمنع فائضاً في المخزون". بدورها، أعلنت السعودية قبل يومين أنّ تأثير فيروس كورونا المستجد على طلب النفط سيكون “محدوداً للغاية". 

 

تأثيرات أميركية محدودة

وارتفعت مؤشرات الأسهم الأمريكية الرئيسية حوالي واحد بالمئة عند الفتح أمس الثلاثاء، مواصلة تعافيها للجلسة الثانية من عمليات بيع سادت الأسبوع الماضي بفعل فيروس كورونا، حيث هدأت مخاوف المستثمرين عقب تدخل جديد من البنك المركزي الصيني. وصعد المؤشر داو جونز الصناعي 397 نقطة، فيما قالت “رويترز” إن المؤشر ستاندرد أند بورز ٥٠٠ زاد بمقدار 32 نقطة. وتقدم المؤشر ناسداك المجمع ١٢٥ نقطة. ونقلت شبكة فوكس بيزنس عن لاري كودلو، المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض، إن تفشي فيروس كورونا سيكون له على الأرجح بعض التأثير على سلاسل الإمداد للولايات المتحدة، لكن التأثيرات لن تكون كارثية. أضاف: "واجهنا هذا سابقاً، وأعتقد فقط أن التأثير ضئيل". وقال كودلو إن "ازدهار الصادرات" المنتظر بعد الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والصين سيتأخر بسبب تفشي فيروس كورونا. ولفت إلى أن إغلاق المصانع في الصين وتعليق حركة الملاحة الجوية لتفادي انتشار الوباء يمكن أن يولدا "عقدة في شبكة التموين" مع ارتفاع الأسعار وتكبد الشركات أرباحا فائتة.

إغلاق المصانع في الصين وتعليق حركة الملاحة الجوية لتفادي انتشار الوباء يمكن أن يولدا

تعزيز الرقابة

ودعا البنك الدولي جميع الدول إلى "تعزيز رقابتها الصحية واستجابتها" لفيروس كورونا المستجد، قائلاً إنه يجرى “مراجعة للإمكانات المالية والتقنية التي يمكن حشدها سريعاً من أجل دعم البلدان المتضررة". وأشار البنك الدولي إلى أنه يجرى محادثات "وثيقة مع الشركاء الدوليين لتسريع الاستجابة الدولية بهدف مساعدة البلدان في إدارة هذه الأزمة الصحية العالمية". وأكد البنك أنه يقيّم "العواقب الاقتصادية والاجتماعية" للوباء، مثمناً "جهود الصين للاستجابة له، بما في ذلك الجهود الهادفة إلى إنعاش اقتصادها مجدداً". وشدد البنك على "استعداده لدعم جميع البلدان" المتعاملة معه، “خصوصاً تلك الأكثر فقراً والأكثر ضعفاً من أجل المساعدة في إدارة العواقب المستقبلية لهذه الأزمة على شعوب هذه الدول".

 

تنسيق صحي

وأعلن وزراء الصحة في مجموعة الدول السبع الصناعية عن التوصل إلى اتفاق على تنسيق جهودهم للاستجابة لفيروس “كورونا”، بحسب ما أعلنت وزارة الصحة الألمانية. ومن المنتظر أن تضع الوزارات المختصة في البلدان المعنية لوائح موحدة للتعامل مع المسافرين، فضلاً عن توحيد الإجراءات الاحتياطية والأبحاث الخاصة بالفيروس الجديد. وسيتعاون وزراء الصحة في دول المجموعة مع منظمة الصحة العالمية والاتحاد الأوروبي ومع الصين في درء المرض. وأبلغ وزير الصحة الألماني ينس شبان وكالة رويترز  إن ”الاستجابة المناسبة في التعامل مع الفيروس لا يمكن أن تتم إلا من خلال العمل المنسق دولياً وعلى المستوى الأوروبي، لأن الفيروس لا يعرف الحدود ولا الجنسيات“. وتضم  المجموعة الولايات المتحدة الأمريكية وكندا إلى جانب فرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة. 

 

أصل المرض

وكشف علماء صينيون عن أن فيروس كورونا الجديد قد نشأ في الخفافيش، وأكدواً أنهم توصلوا إلى مزيد من الأدلة على هذه الحقيقة. وفي بحثين علميين، نشرا في دورية "جورنال نيتشر"، ذكر العلماء أن تسلسل مجموع التركيب الجيني المأخوذ من عدة مرضى في ووهان يبين أن فيروس كورونا الجديد يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالفيروسات المسببة لمرض الالتهاب الرئوي الحاد، المعروف باسم "سارس". ونقلت "الأسوشيتد برس" عن أستاذ في معهد ووهان لعلم الفيروسات أعد إحدى الدراستين أن تسلسل مجموع التركيب الجيني المأخوذ من سبعة مرضى يتطابق بنسبة 96 في المئة مع فيروس كورونا لدى الخفافيش. ويعتقد العلماء أن "سارس" نشأ أيضا في الخفافيش، بالرغم من أنه انتقل إلى نوع من القطط قبل أن يصيب الناس في التفشي العالمي للمرض الذي حدث هز العالم مطلع الألفية.