السعودية توطد دورها القيادي في اوبك+

  • 2021-03-08
  • 08:16

السعودية توطد دورها القيادي في اوبك+

  • رشيد حسن

 

أكدت السعودية توطيد دورها القيادي في صناعة النفط العالمية عندما وافق الاجتماع الأخير لأوبك وللدول المنتجة غير الأعضاء فيها (اوبك+) على اقتراح وزير الطاقة السعودي الامير عبد العزيز بن سلمان الحفاظ على مستويات الإنتاج المخفوضة التي تمّ الاتفاق عليها في نيسان 2020، وجاء تجديد الاتفاق على استمرار العمل بمعدلات الإنتاج المخفضة مفاجأة كبيرة للأسواق التي توقعت أن يؤدي الارتفاع المستمر في أسعار الخام والتقدم الملموس في عمليات التطعيم ضد فيروس كورونا إلى تشجيع الدول المنتجة على البدء بتخفيف إجراءات تقليص العرض النفطي، والمساهمة بالتالي في إبقاء أسعار الخام ضمن سقوف لا تؤثر على التعافي الاقتصادي العالمي.

لكن من الواضح أن السعودية تمكنت من تغليب وجهة نظرها التي اعتبرت أن من السابق لأوانه زيادة المعروض النفطي في ضوء الموجات الجديدة من فيروس كورونا، وأنه يتوجب لذلك التزام الحذر وانتظار مؤشرات واضحة على انحسار الوباء وعودة حركة الطيران والسفر والسياحة إلى معدلات قريبة مما كانت عليه في العام 2019.

شعور المفاجأة في الأسواق ظهر فوراً بصعود شامل لأسعار النفوط العالمية بحيث قارب برنت عتبة الـ 70 دولاراً للبرميل وسلة خامات أوبك 62 دولاراً للبرميل مع توقع عدد من المصارف الدولية استمرار التحسن في أسعار النفط الخام وسط تحرك الطلب العالمي خصوصاً في الصين نتيجة لتخفيف القيود والتقدم المتواصل في حملة التطعيم العالمية ضد فيروس كورونا.

لكن شعور المفاجأة هذا لقرارات أوبك+، أظهر أن العديد من المحللين لم يستوعبوا بعد التبدل الكبير في موازين النفط العالمية والمعطيات الجديدة التي برزت بصورة خاصة منذ إعلان فيينا في العام 2016، ووضعت الأسس لتحالف بين دول أوبك و13 دولة منتجة مستقلة، وهو تحالف تجاوز منظمة الدول المصدرة للنفط ليتحول إلى منظومة تمثل الدول المنتجة ومصالحها، لكن تتمتع فضلاً عن ذلك بما لم تستطع "أوبك" تحقيقه، وهو الدرجة العالية من التعاون والشفافية والانضباط بما يتم الاتفاق عليه بين المنتجين كافة.

لقد حققت أوبك في فيينا 2016 اتفاقاً تاريخياً وقفت فيه دول أوبك والدول المنتجة المستقلة لأول مرة جنباً إلى جنب، ووقعت اتفاقاً على الحصص كان الأول من نوعه منذ قيام منظمة الدول المصدرة للنفط. كان الاتفاق تاريخياً لأن انضمام الدول المنتجة المستقلة إلى أوبك أعطى للمنتجين لأول مرة القدرة على إدارة المعروض العالمي، وبالتالي القدرة على حماية أسعار النفط في حالات الفائض أو ركود الطلب. وليس صدفة أن تبلور هذا التحالف الكبير في مرحلة أولى في العام 2016 بعد سنوات من الركود وسقوط أسعار النفط وأن يكون قد تعزز بصورة أكبر في ظل جائحة كورونا التي وجهت في مطلع العام 2020 ضربة كبيرة للطلب العالمي على النفط ولأسعار النفط الخام، وكان ممكناً لولا التحالف المستجد لدول أوبك والمنتجين المستقلين، أن تتسبب الجائحة في انهيار أسعار النفط وحصول أضرار كبيرة لاقتصادات العديد من الدول المنتجة في أوبك وفي خارجها.

أسباب تنامي الدور السعودي

هذه الحاجة المتزايدة لعمل المنتجين كتحالف واسع يضم دول أوبك ومن هم خارجها، هي التي أعطت المملكة العربية السعودية الفرصة للعب دور بالغ التأثير في صناعة النفط العالمية، والتحول مع الوقت إلى قيادة فعلية لهذا التحالف بدعم وتوافق من الجميع، ومن أبرز المتغيرات التي عززت موقع السعودية التحول المتزايد في الموقف الروسي من التفرد والتمسك بحق روسيا في تقرير مستويات الإنتاج النفطي إلى القبول رسمياً بأهمية التنسيق بين الدول المنتجة ثم القبول بالدور القيادي للسعودية.

لكن تنامي الدور السعودي ضمن التحالف النفطي العالمي لا يعود فقط لوزنها الاستثنائي، ولا لعلاقة التحالف التي تمكنت من تطويرها مع موسكو، لكنه يعود في الوقت نفسه، إلى الخبرة الكبيرة للسعودية في تقييم الأسواق والعوامل المؤثرة في العرض والطلب، وبالتالي اقتراح السياسات الموضوعية والعاقلة التي يمكنها حماية مصالح الدول المنتجة، مع الأخذ في الاعتبار مصالح الدول المستوردة والاقتصاد العالمي، وهذه الميزة هي التي جعلت الموقف السعودي يحظى غالباً بإجماع الدول المنتجة، كما إنه زاد في تقدير المراقبين والمحللين وخبراء النفط للدور السعودي الإيجابي في الحفاظ على توازن واستقرار السوق النفطية.

نظام شفاف والتزام شامل

كما إن واقعية الموقف السعودي هي التي سهلت تحقيق الإجماع على قرارات اللجنة الوزارية للدول المنتجة من أوبك وخارجها، ومع الوقت تمكنت السعودية بفضل الدور النشط الذي لعبه وزير الطاقة السعودي الامير عبد العزيز بن سلمان والثقة التي تتمتع بها بين المنتجين من معالجة أكبر تحد كان يعيق دوماً قدرة أوبك على التأثير في المعروض النفطي العالمي، وهو عمليات الغش في الإنتاج وتجاوز العديد من دول أوبك للحصص المتفق عليها. وقد تمكنت السعودية من توظيف ثقلها النفطي والثقة العامة بخبراتها وحيادها لدفع تحالف أوبك+ بصورة تدريجية لتعزيز التعاون لإدراك أهمية الالتزام بالحصص، لكن إنجازها الأهم كان تطوير آليات وإجراءات للسهر على تطبيق اتفاقات الحصص، ثم أضاف الامير عبد العزيز بن سلمان عامل مرونة في تطبيق اتفاقات الحصص، أثبت فعاليته في تعزيز التزام الدول المنتجة بل ورفع نسبة الالتزام بالحصص إلى نحو 103 في المئة في المدة الأخيرة، وهي نسبة غير مسبوقة وتشير ليس فقط إلى درجة امتثال كبيرة بين الدول المنتجة، بل إلى تحول هيكلي في تحالف الدول المنتجة من توافق عريض على الحصص إلى منظومة ناضجة وفاعلة في متابعة تنفيذ اتفاقات الحصص.

إن أحد الأدلة القوية على الدور القيادي السعودي لتحالف منتجي النفطي هو تمكن أوبك+ من الحفاظ على اتفاق خفض الإنتاج الذي تم التوصل إليه في نيسان/ابريل 2020، ثم ضمان تجديد موافقة الدول المنتجة (من أوبك ومن خارجها) على الاستمرار في خفض الإنتاج بنحو 7 ملايين برميل مع تعديلات ظرفية أحياناً، وقد تم تجديد اتفاق الخفض خمس مرات متوالية حتى الآن وكان الموقف السعودي دوماً هو العامل المرجِّح والدافع باتجاه تأمين الإجماع على القرار.

مليون برميل في الميزان

ومن أجل تعزيز ثقلها وفعاليتها في قيادة التحالف الجديد لأوبك والدول المنتجة المستقلة، بادرت السعودية في حزيران/يونيو من العام الماضي إلى إعطاء حافز كبير للدول المشاركة في التحالف، تمثل بالتزامها خفض مليون برميل يومياً من إنتاجها النفطي فوق نسبة الخفض المقررة وذلك لشهري آذار/مارس ونيسان/أبريل مع إمكان تمديد هذا الالتزام إذا دعت الحاجة، وبهذا الخفض الإضافي أعطت المملكة قوة دفع لاتفاق أوبك+ ولأسعار النفط لكنها ضمنت لنفسها ورقة قوية في أي مفاوضات بين الدول المنتجة حول معدلات وحصص الإنتاج، فالمملكة يمكنها وضع حد لالتزام الخفض الطوعي للإنتاج وبالتالي إضافة مليون برميل يومياً إلى السوق من دون أي إخلال بالحصة العائدة لها، كما يمكنها الإبقاء على الخفض الطوعي كعامل حفز وتشجيع للدول المنتجة للتعاون في إدارة المعروض النفطي.