رفع الدعم: ما الخيارات المتاحة أمام مصرف لبنان؟

  • 2021-02-24
  • 20:36

رفع الدعم: ما الخيارات المتاحة أمام مصرف لبنان؟

نأي جماعي عن الاستحقاق الوشيك لملف الدعم ولهيبه

  • علي زين الدين

​  عاجلاً بدءاً من أول شهر آذار/مارس المقبل، وفقاً لروزنامة التقرير الذي خلصت اليه الاجتماعات الوزارية الماراتونية في لبنان، أم آجلاً لأسابيع تبعاً للرمق المتبقي من الاحتياطات بالدولار القابلة للاستخدام، سيكون حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وحيداً في مواجهة حائط ملف الدعم السميك، بعدما تدحرجت الى أحضانه كرات المسؤولية من مرجعياتها التنفيذية والتشريعية.

قد يهمك:
لبنان على عتبة مليون عائلة جائعة فماذا بعد؟

 

فالواضح أن ملف الدعم "التائه" يفتقد الى من يتبناه ويأخذه بمنطق مسؤوليات الحكم وادارة الدولة، ثم ان تعليق الوضع الحكومي بين "تصريف الأعمال بأضيق الحدود" وبين تكاثر عقبات التأليف العتيد، أعفى المرجعيتين من مقاربة هذا الملف الحساس ومآلاته الخطرة اثر التقلص الحاد في رصيد المبالغ المتوفرة للتمويل لدى البنك المركزي. وبذلك صار الأوضح أن أبواب السلطة التنفيذية أوصدت بوجه سير الملف الشائك الذي "تاه" بين الأبواب بعد ان قطع رحلة "فاشلة" صوب السلطة التشريعية، وما من سبيل مفتوح قانونياً أو اجرائياً يسلكه صوب حكومة جديدة بولادتها المتعسرة.

 

يمكنك المتابعة:
لبنان: الانكماش المصرفي يهدد بخسارة آلاف الوظائف و 8 تريليونات ليرة

 

وفي المعطيات، تبارى الجميع في توصيف اقتراحات "الترشيد" انما من العرض والتوصية لا من منطلق التشاركية في اتخاذ القرارات الأصعب في الزمن "الشعبي" الأصعب ومن غير اتفاق ظاهر تمّ  قذف الكرة الملتهبة الى "طنسا". فمن تمّ تحميله مسؤوليات انهيار النقد وفجوات الاستدانة وزعزعة ركائز الجهاز المصرفي، لن ينوء بحمل قرار إغضاب الناس المكتوين بالتضخم المفرط الذي يقوض سبل عيشهم، وعليه أن يتدبر إدراج تهمة جديدة في مضبطة "الأخطاء والخطايا" التي تحاصره من بيروت الى بيرن.

 

حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لا يمكنه قلب الطاولة

 

عملياً، ليس بمقدور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قلب الطاولة طالما ارتضى القبول بخيار الدعم وتوفير تمويله من احتياط العملات الصعبة. في المقابل، لا توفر له المبالغ المتبقية التي تقل عن المليار دولار هامشاً مرناً للمناورة ريثما تؤتى الحكومة الجديدة ثمار تأليفها. حاول ونجح نسبياً في "تطويع" دولارات قليلة تجري عبر قنوات استعادة بعض التحويلات الهاربة والمساعدات الأممية للنازحين واقناع البنك الدولي باستبدال عملة قرضه الميسر، لكنه "الأعلم" بيننا جميعاً في الجمهورية المنهكة، وهو "القابض" على مكونات الاحتياط واستخداماته، استحالة تراكم "قطرات المياه"  في خزان مثخن بالثقوب ومهترىء القعر.

 

من لبنان أيضاً:
السلطة اللبنانية "تُهجِّر" المصارف من أسواقها الخارجية

 

في الامكانات المتاحة، يقدر أن تصل مبالغ النزف في اجمالي الموجودات الى نحو 13.5 مليار دولار او ما يقارب 37 في المئة خلال دورة سنة كاملة حتى نهاية الشهر الحالي، بذلك يكون المتبقي من الاحتياط نزل عن عتبة 18 مليار دولار، بينها ما يتعدى  15 ملياراً مرصودة كاحتياط الزامي للودائع في الجهاز المصرفي، هذا يعني حسابياً، ان تصفير كامل الحساب وحصر استخدامه يكفي لاستمرار الدعم على ماهيته السارية لأشهر عدة فقط، بحيث يصبح منتصف العام تاريخاً فاصلاً لانطلاق " تسونامي" التضخم ولا رادع يحول دون سقوط مريع للنقد الوطني.

وبالاستناد الى فرضية واقعية بتواصل "التيه" الحكومي بما يمثله من مرجعية ناظمة يعول عليها اعداد خريطة الطريق لايقاف عجلات الانهيار، سيجد الحاكم بين يديه المقيدتين بأصفاد الاتهامات خيارات قليلة تتزاحم في مرارتها وفي تداعياتها على البلد والاقتصاد والناس، وربما تكون محصورة تعداداً:

أولاً: الاستمرار بالسياسة الحالية الى حين جفاف المخزون، ومن ثم صدور إعلان صريح بوقف كامل اشكال الدعم الذي يتطلب ما بين 6 الى 7 مليارات دولار سنوياً، وهو خيار" نظري" ويتعذر سريانه نظير تداعياته المعيشية المدمرة أساساً، وأيضاً كونه يتعدى موقع الحاكم ومسؤولياته، بل هو أصعب وأعلى في مسؤوليته عن أي مرجعية منفردة في الدولة.

ثانياً: محاولة الحصول على تغطيات رئاسية ان أمكن أو من حكومة تصريف الأعمال، تتيح استخدام جزء من الاحتياطي الخاص بالودائع بهدف تلبية برنامج ترشيد الدعم الذي يتطلب تمويلات سنوية بمقدار 3 مليارات دولار، وبما يفرض الغاء دعم السلع والبنزين، مع امكانية النظر بمنح كوبونات مساعدات نقدية للسائقين العموميين.

ثالثاً: توازياً، يتم الشروع بصرف مساعدات مالية مباشرة عبر البطاقة التمويلية الموجهة الى نحو مليوني نسمة، الى جانب البطاقات المستفيدة لاحقاً من قرض البنك الدولي والموجهة الى نحو 800 ألف نسمة. ويفترض هذا الخيار، وهو الأرجح، ابقاء الدعم كلياً على القمح وخفض كلفته نسبياً على الدواء والمازوت وربط تلبية حاجات مؤسسة الكهرباء بتحسين الجباية ورفع التعرفة حسب الشرائح، حيث تذهب صعوداً مع زيادة الاستهلاك مع عدم المس بالطبقة الفقيرة والمحتاجة.

رابعاً: ربط القضاء بالأمر والبت به بقدر الحكومة العتيدة المولجة باعتماد خيارات أشمل وأوسع نطاقاً، على أن يتم حصر الصرف يوماً بيوم وفق تقدير الأولويات الأكثر الحاحاً الى حين وضوح مسار التأليف المعلق، علماً أن هذا الخيار يترك هامشاً متسعاً للضغوطات وتحويل البنك المركزي الى مرمى للسهام من كل الجوانب.