الدولار يتلاعب بالقطاع الصحي في لبنان!

  • 2020-02-03
  • 09:00

الدولار يتلاعب بالقطاع الصحي في لبنان!

  • كريستي قهوجي

ألقت الأزمة السياسية والاقتصادية التي يعيشها لبنان بثقلها على القطاعات الاقتصادية والمالية المختلفة. وفاقمت ثورة 17 تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي من تداعيات الأزمة التي طالت بتداعياتها واحداً من أهم القطاعات الحيوية بالنسبة إلى المواطنين اللبنانيين، وهو القطاع الصحي الذي تأثر بفروعه الثلاثة، الاستشفاء والأدوية والمستلزمات الطبية، بشكل مباشر نتيجة لارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، الأمر الذي رتّب أعباءً مالية إضافية، خصوصاً على المستوردين، وقد انعكس ذلك على المستشفيات التي تراجعت خدماتها الطبية بشكل لافت للانتباه، وبات المواطن مهدداً في صحته.

المستشفيات تناشد فهل من يسمع؟

لطالما عانت المستشفيات في لبنان من علاقتها مع الدولة بسبب تأخر الأخيرة في دفع مستحقاتها المالية، وهذا كان يرتب، بحسب القيمين على المستشفيات، نفقات مالية تضطر إمّا إلى دفعها من رصيدها، أو إلى التلكؤ في دفع المستحقات المترتبة عليها، والتي تراكمت إلى أن بلغت 1.5 مليار دولار.

وفي ظل هذه الأوضاع، زادت حال المستشفيات تعقيداً بحسب ما يؤكد نقيب المستشفيات في لبنان سليمان هارون، موضحاً "أن القطاع يعيش أزمة مالية خانقة خصوصاً بعد زيادة العجز في مالية الدولة وصعوبة التعامل مع المصارف اللبنانية لجهة الاستدانة منها وتسيير أمور المستشفيات. ويضيف: "الوضع اختلف حالياً نتيجة توقيف المصارف لكل التسهيلات المالية التي كانت تقدّمها".

وفي حين ينفي هارون وجود خطة وقائية لمكافحة الأزمة، يشير إلى أن "الموضوع مالي بحت وعلى الدولة أن تدفع مستحقاتها المالية للمستشفيات من خلال إعادة جدولتها"، مؤكداً "أن هذا الموضوع سيتم طرحه على الحكومة الجديدة".

وينتظر القيّمون على المستشفيات كيفية تبلور الأوضاع الاقتصادية في البلاد مع تشكل الحكومة الجديدة للخروج من الأزمة الراهنة. ويقول هارون إنه "في حال استمر الوضع بالتراجع فالقطاع الصحي سيتهاوى بشكل كبير خصوصاً أن المستشفيات والمؤسسات الطبية على تماس مباشر مع الناس وهي مجبرة على استقبالهم وتأمين الأدوية والمستلزمات الطبية لهم".

150 صيدلية تقفل أبوابها

ولم يسلم قطاع الأدوية من الأزمة، وبالنسبة إلى هذا القطاع هي تتمثل بتذبذب سعر صرف الدولار، ذلك أن 92 في المئة من الأدوية يتمّ استيرادها من الخارج، في ظل غياب أي صناعة وطنية في هذا القطاع والتي لا تتجاوز نسبة مساهمتها  الـ 8 في المئة منه.

ونظراً إلى أهمية هذا القطاع ودوره في الأمن الصحي بالنسبة إلى المواطنين، فقد تدخل مصرف لبنان لحل المشكلة من دون أن يؤدي ذلك إلى حلّ جذري لها. ويكشف نقيب صيادلة لبنان غسان الأمين أن المصرف عقد اتفاقاً مع النقابة يقضي بأن يقوم مصرف لبنان بتغطية نسبة 85 في المئة من الفاتورة الدوائية وفقاً للسعر الرسمي (1507 ل.ل) فيما يؤمّن المستورد النسبة المتبقّية (أي 15 في المئة) بسعر السوق السوداء. وإذ يوضح أن "قصة الـ 15 في المئة مقدور عليها في الوقت الحالي".  وقد تركت إجراءات مصرف لبنان ارتياحاً على مستوى القطاع ومنع حدوث أزمة دواء على نطاق واسع في البلاد. لكن ما جرى لاحقاً، بحسب الأمين، هو نشوء عملية تقنين للدواء بسبب تهافت المواطنين على شراء الأدوية وتخزينها في منازلهم خوفاً من أي تطورات قد تحدث مستقبلاً.

كذلك، طال ارتفاع الأسعار الأصناف الأخرى كحليب الرضّع، ويقول الأمين إن وزير الصحة السابق جميل جبق كان قد طرح مشروعاً لتخفيض الأسعار لكن مصرف لبنان رفض تغطية منتجات حليب الرضع كما جرى بالنسبة إلى الأدوية، وعليه ارتفعت أسعاره بطريقة فاقت المعقول.

وبالنسبة إلى آلية عمل الصيدليات، يوضح الأمين أن "الصيدليات تشتري الأدوية من الوكلاء بشكل مباشر ولا علاقة لها بعملية استيرادها وتسعيرها. وهي تواجه سياسة دوائية معتمدة منذ فترة طويلة في لبنان تعتمد على مقارنة تجري كل فترة بين الأسعار في لبنان والأسعار في 14 دولة أخرى مجاورة بحيث يتم تخفيض الأسعار على أساس الحد الأدنى للأسعار الموجودة في هذه البلدان، وقد أدى هذا الامر إلى إرباك الصيادلة الذين قد يشترون الأدوية بأسعار مرتفعة ثم ينخفض سعرها وهي لا تزال مكدسة في الصيدليات، وهذا يؤثر على دخل الصيدلي، وعليه حدث إرباك في الجسم الصيدلي وأدى إلى إقفال 150 صيدلية لأبوابها.

وعليه يشدد الأمين على ضرورة إصلاح السياسة الدوائية في لبنان من خلال الاعتماد على دور الصيدلي بشكل أكبر وتأمين الأدوية للمواطنين بسعر مناسب مع مداخيلهم كما هي الحال في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا. أما في لبنان فهناك قانون "Non Substitution" (أو NS) وهو يعني أنه في حال وضع الطبيب هذه العبارة على الاسم التجاري للدواء فلا يحق للصيدلي ان يستبدله بدواء آخر، وبالتالي تتوجه الوصفات الطبية نحو الأدوية مرتفعة الثمن، وهذا يؤثر سلباً على الصيدليات في لبنان، وذلك بدليل أن الفاتورة الدوائية ككل لم تنخفض برغم كل ما جرى قبلاً. إذاً ما الحل؟

يؤكد الأمين أن "النقابة تقوم حالياً بالتعاون مع وزارة الصحة العامة لإيجاد سياسة إصلاحية للسياسة الدوائية، بحيث تكون الفاتورة الدوائية مدروسة من دون التأثير على القطاع الصحي ومن بينها الصيدليات، ويستطيع المواطن في الوقت نفسه تأمين أدويته بسعر يتناسب مع سعره ويؤمن للصيدلي دخلاً يساعده على عيش حياة كريمة".

وعن مستقبل الأزمة، يؤكد الأمين أن هناك حلولاً للقطاع خصوصاً في ضوء الورقة الإصلاحية والتصورات التي ستضعها النقابة في متناول وزير الصحة الجديد حمد حسن.

23 شركة للأدوات الطبية تنجح بتحويل الأموال إلى الخارج

تعاني شركات استيراد الأدوية والمستلزمات الطبية من الوضع الاقتصادي المتردي منذ أيلول/سبتمبر الماضي عندما بدأ سعر صرف الدولار يرتفع في السوق السوداء بالتزامن مع أزمة البنزين والطحين وغيرها. وكان القطاع موعوداً بأن تكون الأدوات الطبية مغطاة كالدواء إلا أن تعميم مصرف لبنان حول الادوية لم يشملها. وتقول سلمى عاصي رئيسة تجمع مستوردي المستلزمات والأدوات الطبية في لبنان إنه بعد إجراء اتصالات مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة صدر تعميم جديد عن مصرف لبنان المركزي قضى بأن تتم تغطية الأدوات الطبية بنسبة 50 في المئة من قبل المصرف المركزي فيما تقوم الشركات بتأمين نسبة الـ 50 في المئة المتبقية من السوق السوداء. لكن هذا الحل، بحسب عاصي، لم يناسب تلك الشركات التي قامت برفع الصوت مجدداً ضد هذا التعميم الذي يجبرها على قبض المستحقات المالية من المستشفيات بالليرة اللبنانية وتحويلها فيما بعد الى الدولار عند الصرافين في السوق السوداء، مؤكدة أن هذا الأمر شكل أزمة كبيرة لناحية تأمين قيمة الفواتير لأن كل الحسابات المصرفية كانت مجمّدة.


وتشدد عاصي على أن كل هذه الإجراءات أثرت سلبياً بشكل كبير على القطاع بسبب النقص الحاد الذي حصل في المواد الطبية، فأزمة نقص الغازات الطبية سبّبت هلعاً لدى الكثيرين لكونها من ركائز العمل الاستشفائي فهي تشمل المخدر الطبي والغاز الخاص بحاضنات الرضع بالإضافة الى المواد الأولية الخاصة بتصنيع الاوكسيجين. ونظراً لأهمية هذه المستلزمات لصحة المواطنين، فقد عمل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بحسب عاصي، على رفع دعم البنك المركزي لمساهمته في فاتورة المستلزمات الطبية من 50 إلى 85 في المئة، وعليه وضع آلية سمحت للتجمع بمتابعة معاملاته المالية مع المصارف، ليتضح لاحقاً أن بعض المصارف كان يمارس عرقلة متمثلة بعدم التوقيع على الملفات والطلبات المقدمة من قبل التجمع، والتي سبق لمصرف لبنان أن وافق عليها وقام بتحويلها إليها.

ونتيجة لهذه الإجراءات تمكنت 23 شركة من تحويل الأموال إلى الخارج بعد أن كانت 10 شركات قد نجحت في ذلك بين أيلول/سبتمبر إلى كانون الأول/ديسمبر الماضي.

وتكشف عاصي أن المشكلة التي لا تزال عالقة مع جهتين، الأولى مع مصرف لبنان والتي تتمثل بعدم قدرة الشركات على الاستيراد قبل تحويل الاموال الى الخارج نتيجة تخفيض تصنيف لبنان الائتماني وقد أثر هذا على تنفيذ تعميم مصرف لبنان الذي لا يغطي البضائع الا من خلال ابراز البيان الجمركي بعد شحنها وهذا ما يتم متابعته مع مصرف لبنان، اما الثانية فهي مع المستشفيات وتتمثل بعدم قدرتها على دفع المستحقات المالية خصوصا أنها لم تتقاض أموالها من وزارة المالية حتى الآن.

وعن الخسائر، تقول عاصي إن "لنا 350 مليون دولار ديون على المستشفيات التي تقوم بسدادها على سعر 1500 ليرة هذا ناهيك عن الخسائر المترتبة على فروقات الدولار، ومثال على ذلك لو تقاضينا شيك من مستشفى ما بالدولار لا يمكننا أن نحوّله إلى الخارج بل نقوم بصرفه على الليرة اللبنانية ونتقاضاه بالقطارة ثم علينا أن نحوّله إلى الدولار مرة أخرى.. وهذه عملية تتضمن الكثير من الخسائر". وبرغم ذلك تؤكد عاصي أن "لا أرقام خسائر واضحة وهمّ الشركات هو الاستمرارية بدعم القطاع وتأمين موظفيها، علماً أنها وصلت إلى مرحلة حرجة وتتجه نحو الاقفال".

في المحصّلة، مصير الأزمة الاقتصادية لا يزال مجهولاً إلا أن تحركات القطاعات الأساسية في البلاد مع مصرف لبنان ساعدت في حصرها مؤقتاً في انتظار التطورات السياسية والاقتصادية في الأيام والأشهر المقبلة. وإذا لم يتم دعم القطاع الصحي سيدفع المواطن ثمن صحته.