البنوك اللبنانية تغادر الأسواق الإقليمية

  • 2021-01-04
  • 09:47

البنوك اللبنانية تغادر الأسواق الإقليمية

بعد وقف دفع السندات وتعميم "تحليلات" خسارة المدخرات

  • علي زين الدين

​  

ليست قبرص الأولى، ولن تكون الدولة الأخيرة التي ترفع البطاقة الحمراء بوجه المصارف اللبنانية الناشطة خارج الحدود. ففي عمق المرآة، دولة "الوطن" تزهو بسلوك "الانكار" في مقاربة المقتضيات التلقائية لأزمة عاتية تفاقمت بحدة بالغة على مدار 15 شهراً لتبلغ مستوى التهديد "الوجودي"، وهي تواصل، من دون كلل، زرع الريح في كل ميادين البلد وقطاعاته، وتدع الناس والاقتصاد يجبهون العواصف بالفقر والجوع وخطر الافلاس.

قبل الجزيرة الجارة التي استثنت المصارف القبرصية المملوكة كلياً أو مشاركة بمساهمات لبنانية وفرضت موجبات "قاسية" على فروع المصارف اللبنانية*، كان العراق الشقيق قد توجس من هول ما يشيعه اللبنانيون من تحليلات واستنتاجات بأن بلدهم سائر حتماً الى الخراب الأعمى، وفرض مصرفه المركزي على المصارف اللبنانية العاملة في ربوعه ما لا تطيق تحمله من تدابير اجرائية تهدف إلى حماية الرساميل والودائع، فآثرت ثمانية مصارف الخروج وصمد اثنان حتى إشعار آخر.

قيصر

وفي الأسبقية، كان سيف "قيصر" للعقوبات الأميركية المصلت على سورية قد تكفل بتحويل ما تبقى من الوجود المصرفي اللبناني، والمنهك أصلاً بالأوضاع السائدة وتداعياتها المتدحرجة منذ ربيع العام 2011 لدى الجار والشقيق الأقرب، من وحدات مستقلة مملوكة ومدارة من قبل المصارف" الأم " في المركز، الى وحدات سورية ذات مساهمات لبنانية، وهي الصيغة الناعمة لخروج فعلي وشطب من الميزانية المجمعة من قبل 6 بنوك بملكية غالبية الأسهم وبنك واحد بمساهمة جزئية.

بالتزامن، نفذت مجموعة بنك عودة خروجاً آمناً من الأردن ضمن عملية مزدوجة شملت وحدتها التابعة في العراق، وتوشك المجموعة عينها الى جانب مجموعة "بلوم" على انجاز صفقتي بيع وحداتهما العاملة في السوق المصرية، وليس ما يحول دون اضطرار "بلوم" لتنفيذ خروج طوعي من الأردن أيضاً، وبذلك تخلو السوقان معاً من التواجد المصرفي اللبناني المباشر.

ينبغي، من باب الانصاف، التنويه بأن الخروج الوشيك من السوقين المصرية والأردنية لا يتصل بموجبات وقائية اتخذها البنكان المركزيان في البلدين، ولا لعلة في أداء الوحدات الموصوفة بسلامة ومتانة المراكز المالية والمواظبة على الربحية، انما استجابة لضغوط اعادة الهيكلة، ولاسيما لجهة اضطرار المصارف العاملة الى اعادة هيكلة رساميلها وضخ زيادات أوجبها البنك المركزي بنسبة 20 في المئة من الأموال الخاصة، وتكوين مراكز بنسبة 3 في المئة من اجمالي الودائع بالدولار لدى البنوك المراسلة الخارجية، اضافة الى حجز مخصصات مقابل محفظة سندات اليوروبوندز بنسبة 45 في المئة، ولمحفظة التوظيفات لدى البنك المركزي بنسبة 1.89 في المئة.

المصارف اللبنانية تخرج من 5 أسواق إقليمية

في النتيجة، خرجت وستخرج المصارف اللبنانية خلال سنة واحدة من 5 اسواق اقليمية كابدت كثيراً لدخولها والتمدد فيها خلال ما يزيد على عقدين متتاليين، علماً أنها خرجت بـ "الاكراه" سابقاً من السودان تحت ضغط العقوبات الأميركية التي رفعت حديثاً عن هذا البلد، كما "جمدت" الى حدود الالغاء طموحات ومشاريع للمزيد من التمدد والانتشار في اسواق عربية وافريقية لأسباب كانت الى حين قريب تتصل بتقييم جدوى الاستثمار وبالمناخات السائدة في البلد المعني، وأصبحت تنحصر حالياً بالعجز الذاتي الموصوف.

فقدان المصارف اللبنانية للجزء الحيوي

من هويتها الإقليمية ليس شأناً عابراً

أما في الخلاصات، فيقرأ مرجع مصرفي "ان فقدان المصارف للجزء الحيوي من هويتها الاقليمية ليس شأناً عابراً، بل انه الأخطر في مسيرة القطاع الذي بادر منتصف التسعينات إلى تسجيل أولى اختراقات الأوراق المالية اللبنانية، من حكومية وبخاصة للأسواق المالية الدولية، ثم تطوير الدخول المباشر الى تفاعل حيوي مع كبار المستثمرين والصناديق والمحافظ في المنطقة والعالم، وصولاً الى عقد شراكات وانضمام مستثمرين استراتيجيين الى قاعدة مساهمي البنوك والمؤسسات المالية اللبنانية، وتتويجاً بتحول لبنان الى وجهة استثمارية آمنة ومجدية ومنضبطة عقب الأزمة المالية العالمية منتصف العام 2008".

يضيف، في محور من عرض أشمل ترد فصوله تباعاً وفق عناوين متعددة، "لنقر أولاً أن لبنان أخرج نفسه من منظومة الأسواق الدولية عندما قرر يوم التاسع من آذار/مارس من العام الماضي تعليق دفع شريحة وفوائد شرائح آجلة من محفظة سندات الدين الدولية البالغ مجموعها نحو 30 مليار دولار وموزعة على تواريخ استحققات تصل الى العام 2037. القرار الذي تجنبته السلطات المالية والنقدية حتى في أحلك الظروف لم يكن "القشة"، بل كان بمنزلة "السيف المسنون الذي قصم ظهر البلد باعلان "فشل" الدولة والتضحية بكامل رصيد الثقة الدولية وكشف الاقتصاد والمالية والنقد حيال صعود غير مسبوق للمخاطر".

ويؤكد المرجع على حقيقة توفر خيار الوقاية من دون كلفة تذكر، "كان البنك المركزي على أتمّ جهوزية لانجاز عملية "سواب" مع الدائنين الخارجيين، ويحوز مسبقاً موافقة المصارف المحلية، ومتحوطاً لسدّ أي ثغرة مفاجئة يسببها عزوف "غير متوقع" من قبل بعض حاملي الشريحة المستحقة. وحتى لو سلمنا جدلاً بأن الدائنين الخارجيين سيفرضون الحصول على مستحقاتهم، فهي لا تتجاوز 500 مليون دولار من السند المستحق ومثلها الفوائد في حينه. فانظروا كيف كانت النتيجة أن يتفلت الوضع النقدي والمالي وتبلغ تكلفة الدعم نحو 6 مليارات دولار، وهو لا يذهب أساساً الى مستحقيه".

لا بدّ من إعادة قراءة هذه الوقائع في مرحلة التعافي لاحقاً، والنظر في آليات صناعة القرارات الاستراتيجية وأوزان "المستشارين". يستطرد المرجع المصرفي: "لا غرابة أن نشهد سيناريوهات أسوأ وأشد ايلاماً من الانهيارات المالية، طالما تبقى العربة أمام الحصان والدولة بلا حكومة ونحبط بأيدي المصالح والفساد من يمد الينا يد المساعدة ".

قرار المركزي القبرصي مجحف

ويوضح المرجع: "نحن ندرك أن ما طلبه البنك المركزي القبرصي من ايداعه 105 في المئة من ودائع الفروع المصرفية اللبنانية العاملة في قبرص هو قرار مجحف وظالم، وألأرجح انه بلاغ لنا بالمغادرة الطوعية. لقد راسلنا المحافظ القبرصي بالأمر وبينا استحالة التنفيذ لمن يرمي الى حفظ نشاطه مع استعدادنا لطمأنة كل أصحاب الحقوق وضمان الحد الأقصى من احتياط الودائع وبما يفوق المعدلات المعتمدة، كما ذكرنا بأن الفروع المصرفية التزمت بشكل صارم بضمانة وديعة توازي مئة الف يورو ضمن النظام الذي حدده البنك المركزي ابان الأزمة الاقتصادية والمالية في الجزيرة وبعدها".

لا نتوقع الاستجابة، يستنبط المرجع من المحفزات المشهودة . "في الواقع ما من بلد شقيق أو صديق يقصد الاساءة الى بلدنا أو الى مؤسساته. على العكس، هم يتوقون الى مساعدتنا بشرط وحيد أن نساعد أنفسنا. هم يصارحوننا بصدق: لا تلومونا على اتخاذ تدابير وقائية حيال ما تفعلون، دولتكم لم تتوقف عند اعلان " افلاسها" مغلفاً بالامتناع عن الدفع. فهي دأبت على كيل الاتهامات الجنائية بحق قطاعها المالي من بنك مركزي وقطاع مصرفي، ومسؤولوها والمستشارون يتبارون  في جمع "القرائن" والادلة لاثبات ضياع المدخرات في المصارف. اصلحوا ما افسدتموه وستجدون استجاباتنا أكثر مما تتوقعون".

*  ( بنك بيروت، بنك البحر المتوسط، بنك بيمو، بنك لبنان والمهجر، بنك بيروت والبلاد العربية، بنك بيبلوس، بنك الاعتماد اللبناني، بنك أنتركونتيننتال وبنك لبنان والخليج )