الرقمنة ترسم ملامح مستقبل صناعة الموضة

  • 2020-12-04
  • 11:37

الرقمنة ترسم ملامح مستقبل صناعة الموضة

  • برت دكاش

على الرغم من الحديث عن توفر اللقاح ضد وباء كورونا اعتباراً من مطلع العام 2021، إلا أن حالة عدم اليقين من المسار الذي قد يسلكه الوباء لا تزال تسيطر على قادة الأعمال في معظم القطاعات. ولعلّ من أبرز المؤشرات على ذلك، قرار لجنة العارضين في معرض جنيف للساعات Watches and Wonders Geneva في الإحجام عن تنظيم المعرض العام المقبل بنسخته الواقعية، والاستعاضة عنه بنسخة رقمية بالكامل، مع الحفاظ على موعده المحدد ما بين 7 و13 نيسان/ أبريل.

الرئيس التنفيذي لدار H. Moser & Cie إدوارد ميلان قال في حديث إلى "أولاً- الاقتصاد والأعمال": إن قرار"عدم تنظيم المعرض بشكله التقليدي واللجوء إلى النسخة الرقمية، كما العام 2020، مردّه الى حالة عدم اليقين السائدة حالياً عن المنحى الوبائي"، مضيفاً أنه "على الرغم من المسافة الفاصلة بين القرار وتاريخ المعرض، فإن اتخاذ القرار باكراً يحول دون تكبّد الدور تكاليف الإلغاء التي دفعتها العام الماضي، وهي خمسون في المئة من كلفة المشاركة فيه بسبب الإلغاء".

واقع صناعة الموضة

وفي انتظار ما سيؤول إليه وضع المعارض الأخرى المرتقبة في قطاع الساعات وغيره من قطاعات الرفاهية، ولاسيما قطاع الأزياء والموضة التي ألغيت عروضها العام 2020 خصوصاً في أهم عاصمتين للموضة؛ ميلانو وباريس، واستعاضة عدد ضئيل منها بعروض خلف جدران مغلقة مع بث رقمي، برز تقرير لشركة ماكينزي آند كومباني حول "واقع الموضة العام 2021: البحث عن الاطمئنان في الأوقات الخطيرة".   

بني التقرير على استطلاع آراء عدد من التنفيذيين في قطاع الموضة، وقد اظهر أنهم، وفي ظل استمرار وباء كوفيد-19 في السيطرة على الأفكار والعقول، يخططون لعدد من السيناريوهات الممكنة، ويأملون في التوازي بتعافٍ عالمي سريع، واعتبر التقرير أنه وسط ضغط متزايد على الأداء، والتحول في سلوك المستهلك، وتسارع الطلب على الرقمي، هنالك حاجة إلزامية للتحرك بحزم للتحضير للنموذج الجديد المقبل.

 

اقرأ أيضاً:
معوض: سوق الألماس قد تتعافى وتتجاوز مستويات ما قبل الجائحة

 

الابتكار والإصغاء إلى اقتراحات العملاء

ووفق التقرير، فإنه بعد عام سجلت خلاله صناعة الموضة أرباحاً اقتصادية متدنية قياسية، يقف قادة الأعمال على الجبهة الأمامية، ساعين إلى الابتكار بينما يواصلون إشراك جمهورهم الأساسي من خلال التواصل معهم والإصغاء إلى مقترحاته، ونظراً الى توقف الأعمال في الأشهر الأخيرة، يعيد عدد منهم التواصل مع سلاسل التوريد، ويتخذ قرارات قاسية منها على سبيل المثال، إعادة النظر بالعائد على الاستثمار على مستوى المتاجر وتكثيف خدمات التسويق المتعددة القنوات.

وتناول التقرير المواضيع الرئيسية التي تؤثر على اقتصاد الموضة، وعكس الاتجاهات الأساسية التي يبدو أنها تشكل نواة أعمال الموضة في العام المقبل، ووفق قراءة ماكينزي آند كومباني الأخيرة لمؤشر الموضة العالمي الخاص بها، فإنها تضيء على أداء الشركات بحسب الفئة، والقطاع والمنطقة.

ووفق حسابات الشركة القائمة على التغيير في الرسملة السوقية للشركات العاملة في قطاع الموضة، فإن مؤشر ماكينزي آند كومباني عن الموضة العالمية، يقترح انخفاض الربحية الاقتصادية للصناعة بنسبة 93 في المئة هذا العام، بعد زيادة بنسبة 4 في المئة العام 2019.

"خطوط فضية بين الغيوم"

لكن في موازاة الصورة القاتمة التي خلفها الوباء على امتداد العام 2020، هنالك "خطوط فضية بين الغيوم"، وفق التقرير. ففي وقت تركت الأزمة أثراً كاسحاً على الأعمال والوظائف، غير إنها سرّعت في المقابل، الاستجابة لتأثيراتها والتي قد تقود إلى نتائج إيجابية؛ عدد كبير من شركات الموضة استفادت من الوقت خلال الأزمة لإعادة تشكيل نماذج عملها، وتبسيط عملياتها، وشحذ اقتراحات عملائها.

وتوقع التقرير، بتفاؤل حذر، تخفيف تدخل الحكومات بشكل جزئي الآثار الاقتصادية المترتبة عن الوباء، وكذلك ارتفاع معدلات السفر العالمي إلى جانب احتمال عودة اللقاءات الاجتماعية على نطاق أوسع، وبالتالي فإن أسواقاً ستتعافى بقوة مثل الصين، حيث من المتوقع نمو المبيعات فيها ما بين 5 إلى 10 في المئة العام 2021 مقارنة بالعام 2019. بينما، في المقلب الآخر، ستواصل أوروبا على الأرجح التأثر بغياب السياح، مما سيؤدي إلى تراجع المبيعات فيها بنسبة تتراوح ما بين 2 إلى 7 في المئة العام 2021 مقارنة بالعام 2019.

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى نتائج مجموعات الرفاهية والموضة الكبرى التي أظهرت تأثير الصين على تحسن مبيعاتها خلال الربع الثالث من العام الحالي، وكذلك قطاعات فاخرة مثل الساعات، إذ تتصدر الصين منذ عودة فتح البلاد، قائمة البلدان المستوردة للساعات السويسرية مع ارتفاع ملحوظ بحجم وارداتها منها مقارنة بالأشهر الأولى من العام الحالي وعلى أساس سنوي.

وبالعودة إلى التقرير، فإن عودة مستويات النشاط إلى ما كانت عليه قبل الأزمة من غير المرجح حدوثه قبل الربع الثالث من العام 2022، مشيراً إلى اتجاهاً مماثلاً ستشهده الولايات المتحدة مع تراجع المبيعات بنسبة تتراوح ما بين 7 إلى 12 في المئة العام 2021 مقارنة بالعام 2019، مقابل تعافٍ طفيف قبل حلول الربع الأول من العام 2023.

اقرأ أيضاً:
الصين تُنجد صناعة الرفاهية.. ولا تنقذها

القنوات الرقمية

ومن الاستجابات للحدّ من تأثير الوباء المطلوب استمرارها، لجوء العلامات إلى القنوات الرقمية للتعويض ما أمكن عن تراجع مبيعاتها الناجم عن إغلاق المتاجر. ولحظ التقرير أن المحرك الأساسي سيبقي القنوات الرقمية والتي تعكس الاتجاه القائم منذ ما قبل كوفيد-19 والذي تسارعت وتيرته مع انتشار الوباء وسيستمر طالما أن الناس في عدد كبير من الدول تتمنّع من التجمع في أماكن مقتظة. وبالفعل، تظهر البيانات الحديثة المجمعة من قبل ماكينزي آند كومباني أن الوباء اختصر عمل خمسة أعوام بشهور قليلة لتبني المستهلك والأعمال على حد سواء الرقمنة. ومن المتوقع نمو الرقمي عالمياً بنسبة تتجاوز الـ 20 في المئة العام 2021، وهي نسبة قد تصل إلى 30 في المئة في أوروبا والولايات المتحدة مقارنة بالعام 2020.

ومن المسارات الإيجابية الأخرى، التأثير المتنامي للإقتراحات التي ستقدمها منصات البيع، إذ من المتوقع أن يحنّ الزبائن إلى تجارب الأسواق وتجدد شهية الشراء سواء لدى العلامات أو الزبائن وبالتالي سيكون على الشركات التركيز على السوق المحلية وإضفاء لمسة شخصية إلى تجربة العملاء التي باتت تمثل أولوية بالنسبة إلى الكثيرين.

واعتبر التقرير أن الشركات التي سجلت أداء أفضل خلال الأشهر الأخيرة من العام 2020، فعلى الأرجح لسبب من اثنين، الأول أن عدداً كبيراً منها ركز بقوة على آسيا- المحيط الهادئ، مما يعكس القوة الاقتصادية للمنطقة والتأثير المتدني نسيباً للوباء هناك، والثاني أن عدداً كبيراً قدّم اقتراحاً رقمياً مقنعاً. ولاعبو التجارة الإلكترونية مثل ASOS، وFARFETCH UK، وRevolve  وZalando حققوا أداء ثابتاً خارقاً العام 2020، كون الإغلاق حوّل الزبائن إلى الأجهزة الرقمية للتسوق، وفي آب/ أغسطس الماضي، زادت معاملات هؤلاء اللاعبين الرقميين الأوائل التجارية بمعدل 35 في المئة مقارنة بما حققوه في كانون الأول/ ديسمبر 2019.

من هنا، وانطلاقاً من الأداء المتميز للقنوات الرقمية في البيئة الراهنة، توقع التقرير استمرار سيطرة الرقمي العام 2021، وهو ما أكده نحو 22 في المئة من التنفيذيين المستطلعين معتبرين أنه سيكون محرك الزخم الأساسي العام المقبل.

واعتبر الرؤساء التنفيذيون المستطلعون أن المحركات الأساسية تتضمن تحول سلوكيات المستهلك (في ما يتصل بالقنوات الرقمية، والاهتمامات الاجتماعية العادلة، والتمنع من السفر)، والاستثمار المتحين للفرص، والحاجة إلى بناء نماذج تشغيل أكثر فعالية بسيطة وتركز على الطلب.

وسيصار التركيز على رؤية قنوات التسويق بالطبع، إنما أيضاً التشديد على أهمية الاستدامة من خلال سلسلة القيمة. ومن الاتجاهات الصاعدة في هذا المجال والتي تكتسب أهمية متنامية، هو اهتمام الزبائن (وبشكل متنام المستثمرون) باحترام الشركات عمالها والبيئة، وهم سيكافئون هذه الشركات استناداً الى هذا المعيار.

تجربة عملاء Bionic

وأضاف التقرير أنه بناء على ما شهده العام 2020، فإن عرضاً مركزاً أكثر سينشأ. عرض يجمع بين أفضل الخدمات البشرية والأتمتة - والتي ستكون البداية الحقيقية لتجربة عملاء Bionic، ورأى التقرير علامات تعيد التفكير بأشكال متاجرها وتقييم البيانات والتحليلات لتوقع زيارة المتجر، إدارة التنوع وبناء تقديمات شخصية. هذا، وستصبح المتاجر الرئيسية مناطق استكشاف يرتكز دورها على خلق روابط عاطفية مع الزبائن. وفي هذا السياق، ذكر التقرير استثمار Burberry وNike، وكذلك متجر ARIAS الرقمي في نيويورك، في مساحات هجينة وتوظيف تكنولوجيات مثل التطبيقات والمسح المقطعي للجسم لخلق تجارب أكثر إقناعاً.

وستشهد المرحلة المقبلة على الأرجح تقييماً للعائد على الاستثمار على مستوى المتاجر استناداً إلى الجمع بين التصورين الرقمي والواقعي (المتاجر)، وفي ظل وجود شركات في الصين تقود هذا الاتجاه، ستنخرط العلامات أكثر في وسائل التواصل الاجتماعي لتقديم محتوى حصري بالمتسوقين وتجارب شخصية.

المزيد من عمليات الدمج والاستحواذ

وختم التقرير، أنه إستراتيجياً، ستبرز العام 2021 إلزامية إدارة الفرص الاستثمارية بطريقة نشطة والدقة في انتقاء القطاعات الرابحة، والأسواق ومزيج القنوات. وتوقعت ماكينزي آند كومباني حصول المزيد من عمليات الدمج والاستحواذ كون الشركات تستفيد من القيم المتدنية لتستحوذ على حصة في الأسواق السريعة النمو.